ظلم المحمديين لرب العالمين جل وعلا

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٣ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

يتحرج بعض الأحبة من تكرار قولنا عن ظلم الناس لرب العزة جل وعلا : إن هناك قضية فيها ظالم ومظلوم ، وأن المظلوم هو رب العزة . يتحرجون من وصف رب العزة بالمظلوم ، أو الذى وقع عليه الظلم . ونقول :

أولا : عندما يكون العدل ظلما

1 ـ  فى التعامل مع رب العزة جل وعلا يكون محرما ( العدل به ) أى أن تجعل له ما يعادله وما يساويه من خلقه ، هنا يكون (العدل ) برب العزة ظلما لرب العزة وكفرا به ، يقول جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) الانعام ) الكافرون بربهم يعدلون أى يجعلون له عدلا مساويا ، وهو الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور . فكيف يتساوى الخالق بالمخلوق ، وكيف يتعادل المخلوق بالخالق جل وعلا . (العدل )  هنا ( ظلم ). وفى نفس المعنى يقول جل وعلا ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) النمل ).

2 ـ من هنا تبدو حساسية الموضوع ، فالتعامل مع رب العزة يستلزم من الانسان المخلوق شرعا مختلفا ، يكون فيه التسبيح والتحميد والتقديس والعبادة له جل وعلا وحده ، ويكون له ( العلوّ ) جل و( علا ) وحده، وسبحانه و ( تعالى ) وحده . وبالتالى فحين ترفع مخلوقا الى هذه المرتبة وتعادله برب العزة فهذا ( العدل ) برب العزة هو ( ظلم ) لرب العزة ، أنت بهذا تظلم رب العزة حين تستقطع من التقديس الواجب له جزءا تعطيه لمخلوق مثلك ، سواء كان هذا المخلوق نبيا أو شخصا عاديا .

3 ــ ولأنه جل وعلا هو وحده المستحق للعبادة والتقديس والتأليه ،ولأن الواجب على البشر تقديسه وحده وتأليهه وحده وعبادته وحده فإن البشر فى ذلك متساوون فى كونهم جميعا عباد له جل وعلا ، ومن هنا يختلف الأمر فى تعامل البشر فيما بينهم ،  ففى التعامل بين البشر فالله جل وعلا يأمر بالعدل لأن البشر متساوون  من حيث أنهم مخلوقات ممّن خلق جل وعلا ،  يقول جل وعلا ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) الاعراف )، وفى تشريع كتابة الديون يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) 282 البقرة )، وفى الحكم القضائى يقول جل وعلا : ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (58) النساء )وفى قاعدة أساس يقول جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ).

ثانيا : (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ )

1 ـ ( الظلم ) هو فحوى الكفر ، فالكفر ظلم ، وهو ظلم للخالق جل وعلا ، والله جل وعلا يصف الكافرين بالظالمين ، يقول جل وعلا : (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة ) وقد جعل رب العزة وصف الظلم من مرادفات الكفر والشرك ، ويكفى قوله جل وعلا : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان  ). السؤال الآن : هو ظلم لمن ؟ وهذا الظلم وقع على من ؟ ومن هو الظالم هنا ومن هو المظلوم ؟!

2 ـ ولأن الكافرين هم الظالمون (وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة ) فإن الله جل وعلا يقول عن بنى اسرائيل حين عبدوا العجل : ( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) الاعراف )، ويقول لهم : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) البقرة ) ( وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) البقرة  ). تكرر وصفهم بالظلم ، أى هم حين فعلوا ذلك كانوا ظالمين . السؤال الآن : هو ظلم لمن ؟ وهذا الظلم وقع على من ؟ ومن هو الظالم هنا ومن هو المظلوم ؟!

ثالثا : أنواع الظلم ، وأنواع الاعتداء  

1 ـ  هناك ظلم يقع بين البشر ، ومن الظلم الذى حرمه رب العزة السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ، والذى لا يتوب عن ذلك فهو من الظالمين . يقول جل وعلا ( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) الحجرات )

2 ـ وهذا ظلم هيّن بالمقارنة بظلم أكبر هو الاعتداء الحربى على قوم مُسالمين ، والله جل وعلا لا يحب المعتدين ، يقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ) وكما أنه جل وعلا لا يحب المعتدين فهو أيضا لا يحب الكافرين : ( إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) الروم) ولا يحب الظالمين :( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) (140) آل عمران ). فالكفر والظلم والاعتداء الظالم مترادفات .

3 ـ وهناك نوعان من الاعتداء : إعتداء ظالم على البشر ، وإعتداء على حق الله جل وعلا  فى التشريع .

3 / 1 : عن الاعتداء الظالم على البشر يقول جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) الشورى )، فالله جل وعلا لا يحب الظالمين ، وليست هناك مؤاخذة على المظلوم حين ينهض منتصرا لنفسه يقتص من ظالمه بالعدل ، وهذا يجعلنا نتذكر أبطال المقاومة الذين وقفوا ضد الغزو العربى ، والذين ثاروا على الاحتلال العربى فى عصر الخلفاء الفاسقين  فى القرن الأول الهجرى . المؤاخذة تكون على (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ). تدبر الآية الكريمة وانظر حولك فى دول الاستبداد الشرقى . ثم أعد تدبرها وتذكر ما فعله الخلفاء ( الراشدون / الفاسقون ) الذين كانوا (يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ  ) .

3 / 2 : عن الاعتداء الظالم على رب العزة جل وعلا يقول جل وعلا فى الاعتداء على حقه جل وعلا فى التشريع فى موضوع المحرمات من الطعام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) المائدة )، ويقول جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الاعراف )، أى يجب أن يكون الدعاء تضرعا وخفية كما فعل زكريا عليه السلام (ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم ). الذى لا يراعى هذا يكون معتديا على جلال الله جل وعلا ومكانته .

3 / 3 : هذا الاعتداء على شرع الله جل وعلا وجلاله أمر فظيع . ولكن الأفظع منه حين يجتمع الإعتداءان معا : أن تعتدى على قوم مسالمين ، وأن تعتدى على رب العزة وتعلن أن هذا هو الاسلام ، وأنت تبغى تريد حُطام الدنيا . وهذا بالضبط ما فعله الخلفاء الفاسقون / الراشدون .  

3 / 4 : قبيل موت النبى محمد قام متطرفو قريش بخيانة العهد وهمُّوا بإخراج الرسول من مكة، وبدءوا بالعدوان، ونزلت فيهم سورة ( براءة )، يقول جل وعلا عنهم : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة ) . هؤلاء المعتدون عادوا طائعين ، ثم بعد موت النبى تزعموا الفتوحات ، وكرروا مسيرتهم فى الظلم وعلى نطاق أوسع وتحت شعار الاسلام . هنا جمعوا نوعى الظلم ( للناس ولرب الناس ) ونوعى الاعتداء ( على الناس وعلى رب الناس )..

رابعا : أفظع الظلم / أظلم الظالمين

1 ـ ولأن الشرك ظلم عظيم : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان )، فأفظع الظلم لرب العزة جل وعلا هو الافتراء على الله جل وعلا والتكذيب بآياته . يُنزل الله جل وعلا رسالة سماوية ويعانى كل رسول فى تبليغها ، ولكن لا يلبث ـ وسريعا ـ أن يتم تكذيبها وإحلال وحى شيطانى بديلا لها ، ومن ثم يتم إرتكاب الجرائم والفسوق بهذا الوحى المزيف المنسوب كذبا للدين الالهى ، عن إقتراف الجرائم بناءا على هذا الوحى الشيطانى يقول جل وعلا  فى سورة الأنعام : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) ).

وتكرر فى القرآن الكريم التأكيد على أن أفظع الظلم هو الافتراء الكاذب على رب العزة والتكذيب بآياته . وفى سورة الانعام وحدها يقول جل وعلا ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) الانعام)، ويقول جل وعلا ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)، ويقول جل وعلا :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)، ويقول جل وعلا ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا )(157)الانعام  ) . السؤال الآن : هو ظلم لمن ؟ وهذا الظلم وقع على من ؟ ومن هو الظالم هنا ومن هو المظلوم ؟!

2 ـ وصف رب العزة الانسان بأنه (ظلوم ) أى شديد الظلم ، و ( كفّار ) أى متطرف فى الكفر ،يكفر بالنعمة ، ويكفر بالمُنعم جل وعلا، يقول جل وعلا (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم ). السؤال الآن : هو ظلم لمن ؟ وهذا الظلم وقع على من ؟ ومن هو الظالم هنا ومن هو المظلوم ؟!

خامسا : الانسان خصيم لربه جل وعلا ، فماذا تعنى الخصومة سوى ظلمه لربه جل وعلا

1 ـ يقول جل وعلا ( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) النحل) ( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)يس). واضح هنا أنها خصومة الانسان للخالق جل وعلا . والخصومة تعنى وجود  ظالم ومظلوم .  فمن الظالم ومن المظلوم ؟  الله جل وعلا ليس ظالما ولا يريد ظلما للعباد ولا يحب الظالمين . ليس رب العزة ظالما فماذا يكون ؟

2 ـ يوم القيامة سيكون رب العزة خصما لأولئك الذين زيفوا دينه ، وكتموا الحق القرآنى وحولوا دين الله جل وعلا الى تجارة واشتروا به ثمنا قليلا . رب العزة سيكون هو القاضى الأعظم يوم الحساب . ماذا سيفعل مع خصومه الظالمين له ؟ يقول جل وعلا ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة )، ويقول جل وعلا ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران ). لن يكلمهم ولن ينظر اليهم ولن يزكيهم وهم الذين إحترفوا تزكية أنفسهم فى الدنيا . هم أظلم الناس لرب الناس .!

سادسا : معنى أن تنصر رب العزة وأن ينصرك رب العزة

1 ـ لأنها قضية خصومة ولأن فيها ظالما يفترى على الله جل وعلا كذبا فلا بد للمؤمن أن ينصر ربه موضحا هذا الظلم وذاك الافتراء ، ليبرىء رب العزة من ذلك الوحى الكاذب وذلك الافتراء الشائن . وفى مقابل هذا فإن الله جل وعلا ينصر ذلك المؤمن فى الدنيا والآخرة . يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ) ، ويقول جل وعلا ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). وباسلوب التأكيد يقول جل وعلا  عن نصره المؤمنين فى الدنيا والآخرة : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر ). يكفى أنه جل وعلا ( يدافع ) عن الذين آمنوا :( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج  ).

أخيرا :

 فى كتاب ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) الذى صدر عام 1982 قلت :( واتخاذ أولياء من دون الله .. فيه وصف لله تعالى بالعجز والجهل والظلم – تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

 فكأنهم وصفوه بالعجز حيث أوكل للصوفية اختيار أولياء له يتحكمون فى ملكه من دونه ، فلم يجعلوا له شأنا لا فى الاختيارولا فى التصريف. وكأنهم وصفوه تعالى – بالجهل- حيث لم يستطيع أن يميز من يستحق الولاية فى مخلوقاته فلجأ إليهم وإلى علمهم ليختاروا له ثم رضى باختيارهم. وكأنهم وصفوه تعالى – بالظلم- حيث فضل نفرا من خلقه وجعل لهم اختصاصات ومميزات فى الدنيا والآخرة وحرم منها الآخرين بدون وجه حق، وبدون معيار ثابت فى الاختيار أو حرية فى تكافؤ الفرص أمام البشر جميعا ، وتلك صفات لا يرضى  مخلوق أن يوصف بها . فكيف بالله تعالى ، لذا فأن الله تعالى كثيرا ما يقول " سبحان الله عما يصفون" " فتعالى الله عما يشركون " " ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون" النحل :62 وصدق الله العظيم ..حقا .."إن الشرك لظلم عظيم " وحقا أنهم ما قدروا الله حق قدره ، وحقا أنهم أساءوا الظن بالله تعالى " ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم  ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا" الفتح :6. ).

اجمالي القراءات 10531