محمد منصور
ماذا لو ظل مبارك على عناده : هل تصلح المقاومة السلمية للتخلص من نظام مبارك

محمد منصور في الثلاثاء ٢٧ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قرأت كغيرى مقالة الدكتور أحمد صبحى منصور " قبل الهاوية " وكغيرى أيضا تملكتنى مشاعر الأسى والحسرة على وطن هان على أبنائه فهان عليه أبناؤه وتملكنى سؤال أرى أنه الأهم الذى لابد أن نبحث له عن أجابة، ماذا لو ظل مبارك على عناده - وأغلب الظن أنه سيظل – ورفض التنازل عن السلطة التى أهداها له السادات على حين غفلة منه .
هل ينتظر الشعب حتى يرى النهاية ؟أم يسارع بإشعال فتيل الأزمة ويقاوم الظلم وليكن ما يكون ؟.
هناك رأى يقول إن الشعب المصرى لا يملك ترف الأختيار فهو لا يستطيع الإنتظار لأن الظلم فعلا فاق كل حد ، ولكنه لا يملك آليات القوة التى يحسب لها النظام أى حساب . فليس لديه جيش ولا مخابرات ولا حتى إعلام نافذ يساعده على التعبير عن آرائه .
هنا يبدو الأمر غاية فى القتامة ، ولكن المتأمل لحركات التحرر فى التاريخ الأنسانى يجد أنجحها و أبعدها أثرا هى حركات المقاومة السلمية أو ما اصطلح على تسميته بـ " العصيان المدنى ". ويعرف علماء الإجتماع العصيان المدنى بـأنه أحد سبل المقاومة و المعارضة و الضغط على السلطات و الحكام. وهو سبيل اللاعنف ضد انتهاك الحقوق، وهو سلاح وجداني، جسور، صريح و علني للرأي العام ،وهو أيضا سلاح سلمي، هادف، هادىء ، و لكنه مؤثر إلى أبعد الحدود، يقوم به عدد محدد من الاشخاص المعنيين بالأمر والمؤازرين لهم من أشخاص و مؤسسات و تجمعات تتحمل كل النتائج و العواقب سلبية كانت أم ايجابية.
عمليات العصيان المدني بعيدة و منزهة عن الحقد والضغينة والكراهية والانانية. العصيان المدني ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة واضحة للوصول إلى الهدف الأساسي، ألا و هو الحياة الكريمة و العدالة والإنسانية.
عناصر العصيان المدني

* مخالفة القوانين و خرقها:
انتهاك القانون عن علم و تفكير و تخطيط استناداً إلى القيم السامية و الاعراف الانسانية الراقية شرط أساسي من شروط العصيان المدني. الوقوف بوجه بعض القوانين و مواد الدستور و معارضتها يكون من خلال خرقها و انتهاكها(كـعدم تسديد ضريبة خاطئة أخلاقياً و لكنها منصوصة عليها بالقانون)و كذلك الامر بالنسبة(لقنوات الراديو و التلفزيون الغير مرخصة إذا كانت الدولة لا تسمح لها بالبث بسبب بعض القوانين...)
* اللاعنف:
اللاعنف يعد العنصر الاساسي و العلامة الفارقة بين عمليات العصيان المدني و عمليات المعارضة الاخرى. حتى لو تم استخدام العنف من قِبل المعادين ضد ناشطي العصيان المدني فلا يجب اللجوء إلى العنف بل أن يفضلوا التعرض للعنف على استخدامه! الشخص الذي لا يلجأ إلى العنف لا يعني بتاتاً بأنه ضعيف و خامل و جبان، بل بالعكس تماماً، فهو شجاع و مِقدام لأنه لا يلجأ إلى سبيل لا حضاري-العنف. و حتى العملية السلمية يجب ألا تلحق الضرر بالصالح العام، ليس مناسباً أن تسد طريق المستشفى للضغط على السلطات.
- الصراحة و العلنية: من العناصر الموجب توفره في عمليات العصيان المدني هي الصراحة و وضوح نوع و هدف و مكان و وقت العملية. و كذلك يجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع للمشاركة فيها ، وكذلك أن لا يقوم القائمون بها بإخفاء هويتهم وتمويه أنفسهم. يحق لكل راغب المشاركة بمثل هذه العمليات العادلة، ليعبروا عن رفضهم و معارضتهم حتى لو لم يكونوا معنيين بالدرجة الاولى بالأمر أو القانون. فمثل هذه العمليات ليست حكراً على فئة او أشخاص او شريحة دون غيرها. هذا لا يعني بأننا نلغي الخصوصيات و نغض النظر عن الاستقلالية.
- العمل على تحسين القوانين المنتهكة:
اي تحسينها بعد أن يتم تغييرها او تبديلها او حتى إلغائها. ومن العلامات الفارقة بين عمليات العصيان المدني و عمليات المعارضة الأخرى هي تحمّل العواقب و ما يتمخض عنها من نتائج.وبما فيها التعرض للعقوبات. العصيان المدني ليس عملاً فوضوياً(انارشيست) بل لها أصولها و قواعدها المعلنة. وهنا أرجو أن يسمح لى القارى العزيز بسرد تجربة تعتبر من أثر وأروع وأنجح تجارب المقاومة السلمية .
من منا أصدقائى الأعزاء لا يذكر غاندى
النفس السامية(مهاتما) غاندي:

موهانداس كرمشاند(1869-1948). من أكبر دعاة السلام و النضال السلمي في العالم. تعرف على العصيان المدني أثناء فترة تعليمه بجامعة إكسفورد. خاض غاندي نضالاً سلمياً مريرا دام ثلاثين سنه حيث توجت جهوده باستقلال الهند عام 1947. يعد غاندي المعلم العصري وفيلسوف النضال السلمي، أي العصيان المدني النابع من الإرادة الانسانية و الأيمان بالقضية و تحمل كل الصعوبات لأجل الوصول للهدف السامي، ألا وهو الحرية.
لم يرفع غاندي سلاحاً بوجه الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس و مع ذلك فقد أجبرها على الجلاء عن وطنه الهند إثر عصيانٍ مدني شامل في الهند كافة. قد يكون مهاتما غاندى متأثراً بمبادئ العصيان المدني و النزاع السلمي الخاصة بـالسابقين من رواد العصيان المدني ، ولكن هذا لم يمنعه من نسج تعاليمه الفلسفية الخاصة به في العصيان المدني . قام غاندي بمزج مبادئ العصيان المدني السلمي لكل من هنري ثورو و تولستوي مع الموروث الوطني للمجتمع الهندي من أخلاق و قيم روحية،حسب رؤية فلسفية خاصة به و أسماها ساتايغراها(Satyagrahe)هذه الكلمة تعني (اعتصام الحقيقة)أو(تمالك النفس) و قوانينه تُعتبر دليلاً لكل العصاة المدنيين أو مناضلي اللاعنف.
معايير غاندي للنزاع
النزاع و الهدف
- تحرك على هدى ضوء ايمانك.
- أوضح معنى نزاعك بشكلٍ قاطع.
- أعلن عن أهدافك بشكلٍ واضح.
- حاول فهم أهداف معاديك.
- أكد على أهداف ممكنة الاشتراك و المساومة عليها.
- أفصح عن النواحي الايجابية للنزاع.
- فكّر بأن النزاع وسيلة لمواجهة معاديك.
- أقتنع بأن النزاع سيكون فرصة لإعادة تشكيل المجتمع.
- فكّر بأن النزاع فرصة لإعادة تشكيل شخصك.
فترة النزاع
- لا تلجأ لاستخدام العنف.
- أبتعد عن العمليات الجارحة أو الضارة.
- أبتعد عن الأفكار الجارحة أو الضارة.
- أعمل دائماً على إضافة عنصر التقدم البنّاء إلى النزاع.
- أسلك السبل النضالية المفيدة في إظهار أهداف النزاع.
- لا تتستر، لا تتخف، تصرّف بوضوح و علنية.
- قم بتوجيه النضال إلى الهدف الرئيسي.
- لا تتعاون مع المؤسسات التي تعمل على إدامة السوء.
- لا تتعاون مع الاشخاص المتخاذلين عن رفض و معارضة السوء.
- لا تتهرب من المعاقبة. - كن مستعداً للتضحية و الفداء بنفسك في الحالات الاستثنائية.
- أبتعد عن فتح جبهات غير ضرورية في النزاع.
- أعلم التفريق بين الخصومة و المعاداة.
- أعلم كيف تفرّق بين الشخص كـفرد وبين مكانته(موقعه).
- اعمل على الشعور بما يحس به معادييك.
- لا تهن احداً و لا تأذن لاحد بإهانتك. - لا توسع من أهداف النزاع.
- أستخدم أكثر سبل النضال ليونةًً في النزاع.
حلّ النزاع
- أوصل بالنزاع للحل و لا تطله.
- جاهد للتحولات الايجابية للمجتمع.
- جاهد للتحولات الانسانية في ذاتك و ذات معادييك.
- لا تصرّ على ما ليس له علاقة بالجوهر، بل على الامور المتصلة بالجوهر ذاته.
- لا تأذن بالمساومة على الجوهر.
- كن مستعداً للمساومة على الامور التي ليست لها علاقة بالجوهر.
- أنظر إلى نفسك على أنها قد تنهزم.
- أقبل أخطاءك بعلنية و صراحة.
- كن ودوداً و متسامحاً مع معادييك. - لا تستغل نقاط ضعف معادييك.
- وفر الاجواء المناسبة لتجعل معادييك مطمئناً. لا تجبره بل اعمل على إقناعه.
- ابحث دائماً عن حلول مناسبة لك ولمعادييك.
- جاهد على إقناع معادييك بما تؤمن به من أفكار.
***
هذه الملاحظات أو المعايير تؤلف فلسفة حياة و محور التفكير المهاتمي. ليست قوانينً لإرضاخ المعاديين للقبول بما نريده فقط؛ لا بل تعدُّ هذه المعايير بمثابة محاكمة داخلية لضمير ووجدان الإنسان في كل لحظة من الحياة. فهي قبل كل شيء موجهة إلى ذواتنا. أي أنها عمليات سلمية ضد النفس الإنسانية قبل أن تكون ضد الحكّام و السلطات و القوانين! هذه القوانين تندمج كلياً مع الإنسان و تصل الى أعماقه و توجهه أثناء العمليات. و لن نكون مبالغين إن قلنا بأنها تصبح جزءاً منه و تتحكم بكل عواطفه و مشاعره.
لعبة الفأر و القطة!
أقرّت سلطات الاحتلال الانجليزي قراراً يقضي بمنع المواطنين الهنود من انتاج الملح. و احتكرت هذه الصناعة لشركاتها. هذا القرار أثّر سلبياً على الكثيرين. و لإجبار السلطات على التراجع عن هذا القرار قام غاندي مع رفقه بتبخير مياه البحر و استخراج الملح منها. و ما هي إلا أيام معدودات حتى حذا الكثيرون حذوه. هذا الأمر أزعجت السلطات كثيراً فما كان منها إلا إلقاء القبض على مهاتما غاندي و المئات من اتباعه. لم يتوقف غاندي في السجن، فقد أعلن إضراباً مفتوحاً عن الطعام، فحذا حذوه كل الهنود في الخارج. أقلق حالة غاندي -المضرب عن الطعام- السلطات الانجليزية التي كانت تخشى موته في السجن و ما سيترتب عن ذلك من عواقب؛ لذا أخُليّ سبيله. عاود غاندي بانتهاك القانون بفعلته بتبخير المياه و استخراج الملح، أٌلقي القبض عليه و أدخلوه السجن و أضرب بدوره عن الطعام و أطلقوا سراحه من جديد، عاد بدوره إلى انتهاك القانون و استخراج الملح، حتى باتت كلعبة الفأر و القطة. اضطرّت السلطات العدول عن قرارها و إلغائه. كان هذا انتصارا لقوة و إصرار غاندي ومن وراءه الشعب الهندي على رفض القرارات الجائرة.
قد لا نستطيع أن نكون فى عبقرية وإثيار وسمو غاندى ، وقد يكون زبانية مبارك أشرس من الأمبراطورية التى كانت لا تغيب عنها الشمس ، بحيث قد لا تتحرك ضمائرهم كما حدث مع البريطانيين ، ولذا فإنى أرى أن نقوم بتوجيه أنشطتنا لمخاطبة المجتمع الدولى للضغط علي النظام ليرفع قبضته عن عنق الشعب.
والوسائل التى أقترحها هنا لاى تكلف الكثير من المال أو الوقت، ويمكن تلخيصها فى إستخدام نعمة الأنترنت فى العصيان المدنى وذلك عن طريق القيام بإرسال رسائل إحتجاجية ومنددة وشارحة لوجهة نظرنا إلى الأمم المتحدة ومراكز حقوق الأنسان فى العالم المتحضر بحيث تتم هذه العملية بصورة دورية ومنظمة ومستمرة ، أعلم تماما أن هذه الجهات تعرف حقيقة الوضع الذى نعانى منه ولكننا هنا لا نهدف فقط إلى شرح مآساتنا ولكن الأهم إننا نهدفى إلى إستثارة ضمائرهم ووضعهم دائما فى موضع الفاعل وليس المتفرج على ما يحدث .
وسيلة أخرى أرى أنها مهمة وعملية فى نفس الوقت وهى الدخول إلى غرف الدردشة في الإنترنت للقيام بحوارات تمس جوهر مشكلتنا فى محاولة لكسب أنصار جدد، وأعتقد أننا لو استطعنا إجتذاب 1% فقط من المحاورين فى غرف الدردشة بعيدا عن الحوارات الجنسية ولو لبعض الوقت فإننا نكتسب جمهورا عريضا وفاعلا .
أخير فإن أهم ما يميز أساليب العصيان المدنى هو المرونة المطلقة –بشرط لا تخرجه هذه المرونة عن مضمونه – لذا فإنى من خلال هذه النافذة المتواضعة للعصيان المدنى أدعو كل أصدقائى وأحبائى لتقديم إقتراحات جديدة للعصيان المدنى السلمى لمناقشتها وتبنى الصالح والفاعل منها للقيام به .

اجمالي القراءات 13542