القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 1 : 2 ) ( من الحساب العددى الى الحسابات الخاطئة )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٣ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 القاموس القرآنى : حسب / حساب ( 1 : 2 ) ( من الحساب العددى الى الحسابات الخاطئة )

أولا : حسب من الحساب العلمى ( علم الحساب )

1 ـ نحن نسير فى زمن متحرك لا يمكن وقفه ، ولن يتوقف إلا عند الأجل المسمى وهو قيام الساعة أو تدمير السماوات والأرض. مع كل ثانية أنت ( وأنت فى مكانك ) يتغير موقعك فى الكون ، يتغير مع دوران الأرض حول نفسها ، ومع دورانها حول الشمس ، ومع دوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة ، ومع دوران المجرة نفسها حول مركز اكبر من تجمع مليارات المجرات ، وهى تنطلق بسرعات لا نهائية فى كون فسيح الى أن تصطدم بالكون النقيض فيحدث الانفجار ويعود الكونان الى نقطة الصفر ، وهذا معنى قيام الساعة .  وهى لا تقتصر فقط على عالمنا المادى ( الأرض المادية التى نعيش على سطحها / الشمس / النجوم / المجرات ) بل الأكوان البرزخية التى تتخلل هذا الكونين ( المادى العادى والنقيض) من الأرضين الست والسماوات السبع ، كل ذلك بحساب دقيق من بداية الانفجار الكبير وخلق السماوات والأرض الى الانفجار القادم بتدميرهما.

 ويشمل الحساب المكتوب كل حركة لكل دابة فى الأرض، يقول جل وعلا :(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود ) وحتى ورق الشجر الرطب واليابس،  يقول جل وعلا : (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) الانعام )، وحتى عندما تتحلل الأجسام بالموت وتنهى الى رماد وبخار ماء وعناصر تعود للأرض ، لا يضيع شىء ، فكل شىء محسوب ومكتوب، يقول جل وعلا : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ).

2 ــ بالنسبة لنا فنحن نتعلم من حركة الشمس والقمر حساب التقويم القمرى والشمسى ، يقول جل وعلا : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ  ) يونس:5 )، ويقول جل وعلا: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ  )الإسراء:12 ) و يقول جل وعلا :(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ )الرحمن:5) و يقول جل وعلا :  (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً  )الأنعام:96 )

ثانيا ( حسبان ) : مطر من السماء

 يأتى ( حسبان ) بمعنى الحساب العددى كما سبق : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)الرحمن:5 )، ويأتى أيضا بمعنى الماء النازل من السماء : (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً)الكهف:40 ). وهذا لأن الناس تتحسب نزول المطر ، فهو ( حُسبان ) . وندخل بذلك على ( حسب ) بمعنى ظنّ خطأ .

 ثالثا :  ( حسب  ) بمعنى ظنّ خطأ :

الحسابات الخاطئة للكافرين

1ـ يسيطر الشيطان على أصحاب الأديان الأرضية ، فيزين لهم الباطل حقا والحق باطلا ، ويجعلهم يقتنعون أنهم مهتدون ، وعن هذا (الحساب ) الخاطىء يقول جل وعلا : ( إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)الأعراف:30 ). ولكل فرد ضال من البشر قرين من الشياطين يقترن به ليُضله. يقول جل وعلا عن الكافرين وقرنائهم من الشياطين فى كلمة عامة : (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت ). ويقع الفرد فى الضلال عندما يعشى ( يعمى ) قلبه عن ذكر الرحمن، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)الزخرف).وعن دور هؤلاء القرناء فى إضلال المشركين  يقول جل وعلا :(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)الزخرف:37 ) الضال فى هذه الدنيا يعيش بجسده الأرضى المادى فلا يرى هذا القرين الشيطانى الذى يتحكم في نفسه البرزخية، ولكن يراه فى الآخرة ويتبرأ منه ، يقول جل وعلا  ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف).ويقول جل وعلا عنهم :( وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)الزخرف ) .

2 ـ ومن الحسابات الشيطانية الضالة تقديس الأولياء الأحياء والمقبورين . وهى عادة سيئة للبشر فى كل الأديان الأرضية . الشيطان يقنع البشر بأن يتخذوا أولياء مقدسين  يقصدونهم بالنذور والقرابين والعبادة والتقديس والتضرع اليهم بطلب المدد، يقول جل وعلا:( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) الكهف :102 ) . ويقنعهم قرناؤهم من الشياطين أنهم يحسنون صُنعا ، يقول جل وعلا : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)الكهف:104 ). وهذا ينطبق على الأغلبية الساحقة من المحمديين ، والذين يقدسون ذلك الرجس المسمى زورا بقبر النبى محمد ، والذى يحجون اليه متوسلين معتقدين أنه يعيش فى حفرة تحت الأرض ( تحت أقدامهم ) سجينا الى يوم البعث ، وأن أعمالهم تُعرض عليه يوميا فيشفع فيهم ، وأنه يردُّ على من يصلى ويسلم عليه . الى آخر هذا الرجس الفكرى الدينى المُناقض للاسلام . لذا يقول جل وعلا  عنهم وعن أمثالهم من المشركين أنهم أضل حالا من الأنعام : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)الفرقان:44 )

3 ـ ومن الحسابات الخاطئة : أقترافهم المعاصى كأنهم لا يعرفون أن الله جل وعلا بما يعملون محيط ، يقول جل وعلا : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)الزخرف:80 )، وفى هذا يقول جل وعلا عن بعض الصحابة : (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) النساء  ) وفى آخر : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) العلق )

4 ـ إن الله جل وعلا يعظ المؤمنين يحضهم على الانفاق فى سبيله جل وعلا قبل مجىء الأجل ، وألّا تُلههم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون). الانفاق فى سبيل الله قرين الجهاد (فالجهاد بالتفس وبالمال ) . والانفاق فى سبيل الله غير تقديم الصدقات للمستحقين . والانفاق فى سبيل الله مستمر دفاعا حربيا عن المسلمين المسالمين ، وسلميا بالدعوة الى حقائق الاسلام وتبرئة له ، وهو ما يفعله أهل القرآن الآن بأنفسهم وإمكاناتهم الضئيلة . وفى المدينة أمر الله جل وعلا المؤمنين بالانفاق فى سبيله حتى لا يتعرضوا للتهلكة فقال جل وعلا : (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) البقرة ).

وهناك من يزعم الايمان وهو شديد البخل ، وكان منهم صحابة فى المدينة هددهم رب العزة جل وعلا بالهلاك فقال : (هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ). ويتدخل القرين الشيطانى فيقنع ضحيته من البشر بأنه سيخلد بما يكنز من أموال ، وهذا حساب خادع ، يقول جل وعلا : (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ )الهمزة:3 ) ، وسيموت تاركا أمواله وأرصدته وقصوره ومزارعه ومصانعه ، وسيتم تطويقه فى النار بما كنز وبما بخل ،  يقول جل وعلا :  (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ  سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)آل عمران:180 ).

5 ـ ومن الحسابات الخاطئة المهلكة أنهم يكفرون بالنعمة ، يبدلون النعمة كفرا ، يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ). وهى آيات كريمة تنطبق تماما على مترفى العرب . وهؤلاء يظنون أن الله جل وعلا عندما ينعم عليهم بالمال والجاه إنما يحبهم ويؤثرهم على غيرهم ، لا يعرفون أنه إختبار لهم.

وهذه العادة السيئة تصاحب نشأة الأديان الأرضية ، يقول جل وعلا ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ (56): المؤمنون ) يحسبون أن إعطاء رب العزة لهم الأموال والبنين مسارعة لهم فى الخير ، وهم لا يشعرون أنه إختبار هائل لهم . بل كلما إزدادوا إثما إزدادوا أموالا وجاها ،يقول جل وعلا : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران:178 )، وهم يحسبون خطأ انهم بذلك ( سابقون ) ولا يعرفون أنها حياة قصيرة ، وبعدها خلود فى الجحيم ، يقول جل وعلا (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) الأنفال:59 ). وهم يفرحون بما لديهم من ثروة وسلطة ، ويريدون من الناس أن تسبح بحمدهم وأن تخضع لهم ، وهذا ما يفعله آل سعودحين يتبرعون بشىء مما أنعم الله جل وعلا عليهم به ، ثم يُصدّعون الرءوس تفاخرا بما فعلوا ومنّا وأذى ، وكما يفعل الملك السعودى حين يعطى الموظفين علاوة هى من حقهم ولكنه يسميها ( مكرمة ملكية ) كأنه ينفق عليهم من جيبه ، وليس من أموال الشعب وثروته. فى هؤلاء وحساباتهم الخاطئة يقول جل وعلا : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)آل عمران:188 ).

6 ــ الشيطان حين يُضلٌّ أتباعه فهو يمنّيهم أيضا بأساطير الشفاعات ، وهذا ما أعلنه الشيطان : (وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) (119) النساء ) وقال جل وعلا عن إنخداعهم بوعود الشيطان :( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) النساء ) . ولكن يظل سائدا إعتقاد المشركين فى أساطير الشفاعات والأمنيات الكاذبة بدخول الجنة مهما فعلوا من كبائر. وبالتالى فإن من الحسابات الخاطئة أن المجرمين سيتساوون بالمتقين يوم القيامة ، فهذا يناقض عدل الله جل وعلا،يقول جل وعلا :( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)العنكبوت :4 )، وفى نفس الحساب الخاطىء يقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) الجاثية:21 )، وتردد هذا المعنى فى قوله جل وعلا : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) ص)(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) القلم  ).

الحسابات الخاطئة للإنسان:

 مصطلح ( الانسان ) فى القرآن الكريم يعنى البشر فى عصيانهم وكفرهم ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم ) (إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) الزخرف ) (  قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) عبس ). ومن هنا تأتى بعض الحسابات الخاطئة المهلكة مصحوبة بمصطلح الانسان . ومنها :

1 ـ فى غرور الانسان وعصيانه يقول جل وعلا : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)البلد:5 ) ويقول جل وعلا : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ)البلد:7 ).

2 ـ فى إنكار البعث ، يقول جل وعلا : (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) القيامة:4 ) وفى إنكار اليوم الآخر يقول جل وعلا : (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)القيامة:36 ) وسيقول جل وعلا  لأهل النار وهم فى النار : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)المؤمنون :115 )

الحسابات الخاطئة للمنافقين وأهل الكتاب

1 ـ كانوا فى خوف دائم بحيث كانوا يحسبون كل صيحة تستهدفهم ، يقول جل وعلا : ( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ  )المنافقون:4 ). ومن خوفهم وقت محنة الأحزاب ظلوا يعتقدون ـ او يحسبون ـ  أن الأحزاب لا يزالون يحاصرون المدينة ، يقول جل وعلا : (يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (20) )الأحزاب:20 ) ويقول جل وعلا فيهم : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ)محمد:29 ). ومع ذلك كانوا يحسبون أنفسهم ( على شىء )،مع انهم كانوا يحلفون على الكذب وهم يعلمون أنهم كاذبون ، يقول جل وعلا : (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ)المجادلة:18 )

2 ـ وعن الحسابات الخاطئة للعُصاة من أهل الكتاب يقول جل وعلا : (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70)  وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)المائدة:71 )

الحسابات الخاطئة للمؤمنين

1 ـ مثل بقية البشر قد يكره المؤمنون شيئا وهو خير لهم ويحبون شيئا وهو شرُّ لهم ، يقول جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة ) . ومن هذا ( الحساب الخاطىء ) كان موضوع حديث الافك ، وقد قال فيه رب العزة جل وعلا:(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ )النور:11 )، وقد أطلقوا ألسنتهم بهذه الاشاعات ( يحسبونها ) هينة وهى إجرام كبير،يقول جل وعلا : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)النور:15 ).

2 ـ وبعض أهل الكتاب كان يخدع المؤمنين بأن يتلو كلاما بطريقة توحى أنه من كتابهم ( المقدس ) فيحسبه المؤمنون من الكتاب وما هو من الكتاب ، يقول جل وعلا : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ )آل عمران:78 ).

3 ـ وقال جل وعلا للمؤمنين عن اليهود المعتدين : ( تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى  )الحشر:14 ).

4 ـ ومثلما إنخدع المشركون بأمانىّ الشفاعات فإن بعض المؤمنين يحسب خطأ أن دخول الجنة سهل ولا يحتاج عملا صالحا مستمرا وتوبة صادقة وجهادا فى سبيل الله جل وعلا بالنفس وبالمال ، كما فعل ويفعل المجاهدون ، يقول جل وعلا :  (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة:214 )، ويقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)آل عمران:142 )، ويقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً  )التوبة:16 ).

5 ـ  إن الايمان ليس كلمة تُقال بل هو إختبار وفتنة هائلة ، والعادة السيئة لدى الناس إعتقادهم أن الايمان يعصمهم من إختبار الفتنة ، وهذا حساب خاطىء ، يقول جل وعلا : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) العنكبوت :1 ).لذا فهو إن أصابته فتنة إنقلب على وجهه وخسر الدنيا والآخرة ، يقول جل وعلا : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج )

6 ـ ومن الفتنة أن ينبهر المؤمن بما للكافرين من سطوة وبما يتمتعون به من مواكب وسفريات وتقلب فى البلاد ونعمة وحظوة ( إنظر الى المسرفين من آل سعود وغيرهم ) . وقد نهى رب العزة خاتم النبيين عن النظر لأولئك المترفين فقال : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) طه ) ونهاه عن الاعجاب بأموال المنافقين وأولادهم لأنها ستكون أدوات تعذيبهم فى الدنيا ( التوبة 55 / 85 ) . وقال له جل وعلا مؤكدا ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) آل عمران ). يقول جل وعلا  بصيغة التأكيد الثقيلة : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ)النور:57 ).

7 ـ يرتبط بذلك نظرة الضحايا المظلومين وهم يرون الظالمين يزدادون قوة وتجبرا ، يقول جل وعلا  للمظلوم بصيغة التأكيد الثقيلة : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم:42 )، ويقول جل وعلا الذى لا يخلف الوعد بالانتقام : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)إبراهيم:47 )

8 ـ وحتى لا يخاف المؤمنون من الموت يأتى التأكيد الثقيل بأن من يُقتل فى سبيل الله سينتقل حيا عند ربه جل وعلا : يقول جل وعلا : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)آل عمران:169 ).

متفرقات أُخرى عن الحسابات الخاطئة  

1 ـ عن تضييع ثمرة العمل الصالح للمشرك الكافر يضرب جل وعلا هذا المثل ، يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ) النور:39 )

2 ـ وعن أهل الكهف يقول جل وعلا : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) الكهف:18 )

3 ـ وعن ملكة سبأ يقول جل وعلا : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ) النمل:44 )

4 ـ وعن الفقراء المتعففين يقول جل وعلا :  (لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ  ) البقرة:273 )

5 ـ  وعن مرأى الجبال يقول جل وعلا :  (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ) النمل:88 )

 6 ـ وعن الولدان المخلدين فى الجنة يقول جل وعلا : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنثُوراً) الإنسان:19 )

اجمالي القراءات 8491