الانفجار المصرى القادم بين التفاؤل والتشاؤم

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٨ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ـ صفة الأمن إرتبطت بالبيت الحرام ( البقرة 125 : 126 ، آل عمران 79 ، القصص 57 ، العنكبوت 67 ، ) وبمصر ( يوسف 99 ) ، وإمتنّ الله جل وعلا على قريش بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . بسبب البيت الحرام عاشوا آمنين يأتيهم رزقهم رغدا من كل مكان بينما تتقاتل حولهم القبائل تقاسى الجوع وإنعدام الأمن .

مصر ـ التى دعا يوسف عليه السلام الى دخولها آمنين ـ تعيش العكس . مصر اليوم ترى الحروب تشتعل حولها فى اليمن وسوريا وفى ليبيا والعراق ، وتنتظر نارا تحت الرماد فى السودان والسعودية . ولكن الأفظع هو الاحساس بأن مصر تجلس على فوهة بركان يثور داخله غضب مستعر ، ولا يتوقع أحد متى سيحدث الانفجار . هناك إحساس بأنه قادم ، ولكن الاختلاف على الموعد .

2 ــ  المتشائمون لا يرون حلاّ فى الأُفق القريب . لأن السيسى أصبح فى حالة من الهلع والخوف جعلته يستجدى حماية الأجهزة الأمنية ، لا يسيطر عليها ولا يثق فيها فى نفس الوقت بسبب طبيعته  المخابراتية المتشككة . فى التشكك فيهم جعلهم يتنافسون فى تأمينه ، أى فى العسف بالشعب الأعزل بينما يتصيد الارهابيون الدواعش الكمائن الثابتة  ـ نفس الكمائن ـ فى عمليات قتل دورية روتينية . وفى التقرب اليهم قام بتأمين أفراد الأمن من المساءلة مهما أجرموا ، وتتابعت الأحكام القضائية حتى من أعلى  (محكمة النقض )، أو محكمة (عدلى منصور ) ببراءة المجرمين ممّن قام بالقتل ، فى نفس الوقت التى تتوالى أحكام غريبة بالسجن على أطفال وشباب لأتفه الأسباب . وانطلق أمناء الشرطة يبطشون بالناس ـ ليس فقط داخل أقسام البوليس ـ بل أيضا فى الشارع وفى وسائل المواصلات وفى المستشفيات فى حماية النظام  بدءا من محكمة عدلى منصور ( محكمة النقض سابقا ) الى النائب العام والمحامى العام . يكفى أن تتلفت فى الشارع فتجد من يقبض عليك ثم لا يعرف أحد مصيرك . وأنت وحظك ..ممكن أن ينتهى بك الأمر الى رقم فى سجلات الاختفاء القسرى أو جثة فى مشرحة . نحن هنا أمام حالة من الانفلات الأمنى يقوم بها المسئولون عن الأمن . السيسى هو المايسترو ، وبعده جنرالات الجيش والقوات المسلحة ، وهم يصدرون جنرالات الشرطة لهذه المهمة القذرة ، ويقبع جنرالات الشرطة فى مكاتبهم الفاخرة المحصنة ويكلفون الضباط بهذه المهمة القذرة ، والضباط بدورهم أوكلوا المهمة لأمناء الشرطة وتابعيهم من المخبرين ، فأصبحت مصر تعيش لأول مرة فى تاريخها فى ظل إمبراطورية أمناء الشرطة . هم الذين يحكمون الشارع ، هم الذين يضربون الأطباء والأطفال والعجائز والنساء ونواب مجلس الشعب والشعب.!.

3 ـ المتفائلون يرون أن الشعب المصرى لا تزال فيه القدرة على إحتمال التعذيب والقهر ، فلديه محزون ( حضارى ) فى تحمل القهر والتعذيب قبل فرعون موسى وبعد الفرعون السيسى . ويرون أن الانفلات الأمنى على يد رجال الأمن أيسر من الانفلات الأمنى الذى حدث من سنوات وتزعمته ميليشيات حبيب العادلى ، ثم ما لبث أن عادت الى قواعدها سالمة وأضحت خلايا ساكنة تنتظر الإذن بالظهور . وإذا قامت ثورة ثانية وعجزت عن مواجهتها دولة أمناء الشرطة فسينهض لمواجهتها ميليشيات السيسى بلا رحمة ، وبقسوة تهون معها سطوة أمناء الشرطة الآن ، وسيتحسر الناس على عهد أمناء الشرطة بسبب ما سيقاسونه من ميليشيات الشرطة .

4 ـ المتشائمون يرون أن أزمة الدولار ستصل بالمصريين سريعا الى حافة الجوع ، فقد وصل الدولار  سريعا الى مرحلة عدم السيطرة عليه ، وهذا يعنى توقف ما بقى من المصانع وبطالة الملايين وتوقف الاستيراد ، ثم سيزيد من أزمة الدولار توقف السياحة ، بعد ما حدث للطائرة الروسية والطالب الايطالى روجينى . سُمعة دولة أُمناء الشرطة فى مصر ستخيف السياح . ثم أين ذهبت بلايين الدولارات الى وصلت لمصر من دول الخليج فى السنتين الماضيتين؟ والى ماذا إنتهى الحديث عن إسترداد الأموال المهربة لآل مبارك وتابعيه ، وهم لا يزالون أحياء ؟ ثم ما هو صحة ما يّذاع عن بلايين أخرى يتم تهريبها الآن ؟ قد تكون هذه شائعات مُغرضة ولكن الشفافية كفيلة بتوضيح الموضوع . ولا توجد شفافية فى دولة يحكمها القهر والتعذيب ، ويتم فيها إغلاق مركز لعلاج ضحايا التعذيب كيدا فى ضحايا التعذيب .   

5 ـ يرد المتفائلون إنه حتى مع إفتراض أن هناك البلايين مهربة فى الخارج ومع إفتراض ان الخزانة المصرية تكاد أن تكون خالية من إحتياطى الدولار فإنه فى اللحظة المناسبة سيتصرف القائمون على الأمر بجلب بعض بلايينهم المهربة  لإصلاح الأمور مؤقتا ، وبهذا تنتهى أزمة الدولار كما إنتهت من قبل أزمة البوتوجاز وأزمة رغيف الخبز .

6 ـ ويتفق المتفائلون والمتشائمون معا أن وقت السيسى لن يطول ، فبعد تحييد الاخوان المسلمين وإرعاب السلفيين فلن يكون هناك منافسون للسيسى سوى أقرانه داخل الجيش . إن الجيش هيكل هرمى يتم فيه إحترام الرُّتب . ولقد تمت ترقية السيسى ليعلو رؤساءه وأقرانه ، وهذا ليس سهلا على رؤسائه وأقرانه ، وهم فى القيادة يتلقون منه الأوامر ، وقد أصبحوا خلفه بعد أن كانوا أمامه . وهذا وضع غير مريح ، ولكن يمكن تحمله إذا كان السيسى معجزة ينحنى لها الجميع ، ولكنه أثبت ــ  سريعا ــ فشلا عبقريا يمكن به تضييع سُلطة الجيش وحكمه مصر من عام 1952 . ثم هذا الصراع بين المخابرات العامة والمخابرات الحربية ، وتدخل السيسى لكى يجعل المحابرات الحربية تنافس وتناطح المخابرات العامة بكل تراثها ومكانتها. ثم هذه الأنباء عن عزل مئات الضباط وسجن آخرين .. كلها مؤشرات على صراع مكتوم داخل قيادة الجيش . وعند وصول السيسى الى قاع الفشل بحيث يمثل خطرا على حُكم العسكر للشعب المصرى فإن الجيش ــ حرصا على مكاسبه وخوفا من الانقسامات فى داخله ــ سيتدخل بعزل السيسى كما تدخل من قبل وعزل مبارك .

7 ـ ثم يختلف المتفائلون والمتشائمون : المتشائمون يرون أن تدخل الجيش سيكون سريعا بعزل السيسى قبل أن تسوء الأمور وتصل الى حد الصدام بين وحدات الجيش . ويرى المتفائلون أن التدخل لن يكون سريعا . لابد من إعطاء دولة أمناء الشرطة فرصتها فى تأديب الشعب وقهره حتى لا يعود للتفكير فى الخروج للشارع ثائرا ، وحتى يتحمل الجوع أطول فترة ممكنة وبما يجعله عاجزا عن الخروج للشارع ، وأثناء هذا يجرى التفاوض مع السيسى لمزيد من عسكرة الدولة والمزيد من سيطرتها على البلاد وعلى الاقتصاد ، بحيث يشاركه أقرانه كعكة السلطة على الحكومة والدولة ، فإن وصلت المفاوضات بينهم الى طريق مسدود إنقلب الرفاق على السيسى وعزلوه وولوا أحدهم . ولا مانع من التضحية بالسيسى لتأجيل الثورة القادمة بضعة شهور أو بضعة سنوات .

8 ـ المتفائلون والمتشائمون ينسون الكتلة الحرجة فى الجيش وفى الشعب . أغلبية الجيش من الرتب الوسطى وصف الضباط والجنود وحتى الأمن المركزى لن يظلوا فى طاعة بضع مئات من الجنرالات المرفهين المترفين . والأمر يتعلق بتحرك ضباط من هنا أو من هناك ، أو وحدة من هنا أو هناك ، أو حركة إغتيال لمن هو هنا أو هناك .. وبها تندلع الشرارة فى مخزن الديناميت ، وينفجر البركان . الكتلة الحرجة من البوليس من الرتب الوسطى من الضباط ، وخصوصا المحترمين الوطنيين منهم لن يظلوا يرفعون أيديهم بالتحية لجنرالاتهم الفاسدين المجرمين ، بل سيحتجون ، وسيتطور إحتجاجهم ليصل الى النهاية . الكتلة الحرجة ستصل الى دولة أمناء الشرطة ، سيدركون أن القادة الكبار يستخدمونهم مخلب قط يضربون به قفا الشعب الصبور المسكين ، وبينما يتمتع القادة بالملايين والبلايين والأمن والترف فإن أمناء الشرطى يعيشون مسلسلا من القرف ، تلاحقهم اللعنات آناء الليل وأطراف النهار مقابل أجر هزيل . سيأتى الوقت سريعا الى الكتلة الحرجة من دولة أمناء الشرطة لتفيق . الكتلة الحرجة القصوى ستصل الى الشعب المقهور فيثور ، والذى وصل فيه الغليان الى الحلقوم . وهذا الغليان على وشك أن ينفجر فى الجميع .

9 ـ المتفائلون والمتشائمون لا يعرفون أنه ـ قد ـ وربما ـ تصل الأمور بالكتلة الحرجة لتصل مع الجميع فى وقت واحد الى الانفجار ، وعندها سينفجر بركان الغضب المصرى بأنهار متقاذفة من اللافا والحمم الملتهبة تلتهم الجنرالات وأعوانهم ، ومعهم ملايين القتلى والجرحى والمشردين والمشوهين ، بحيث تهون الى جانب محنتهم محن السوريين والعراقيين .

أخيرا :

لهذا نناشد الجنرالات نقول لهم : إعتدلوا أو إعتزلوا ..   

اجمالي القراءات 8142