في ذكراها
من عاش زمن أم كلثوم فقد عاش الدهر كله!

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٤ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هذا المقال إهداء للصديق العزيز والمبدع مدحت زايد
ومن غيرك يُحيي ذكراها، ويكلثم يومنا فيبهجنا ويستدعي أحد الكواكب السيارة لتمر بجوارنا فنتذكر أن الزمن الجميل ليس وقتاً فقط، لكنه قطعة من الوطن غابت وتركت روحها تحلق فوق عشاق الجمال، ومريدي النغم.

كلماتك صناعة جديدة للهرم الرابع، ومجرى آخر للنيل، وتوسعة عصرية لوادي الملوك، وإثبات أن الله خلق الإنسان من طين وحبال صوتية .
حروفك عن أم كلثوم ذكريات وليست أطلالا،إحياء وليس حديثا عن موت، لمسة رقيقة لشعب يشعر كلما سمعها أنه يشم رائحة النغم الخالد.
سلوا قلبي فنحن أيضا نعيش بين ألفينة والأخرى ندندن في خلواتنا بروائعها، فلو هجرَتــْــنا ما هجرناها، ولو احتار دليلنا ما ظلت بعيدة عنا، وفي عصر النبوة ولد الهدى، وفي عصرنا أثبتت أم كلثوم أن الغناء معزوفات الملائكة، وأن مساء أول خميس من كل شهر كان يوم عيد للطيور والبلابل والمصريين والعرب!

الأذن تعشق قبل العين والدليل، (غني لي وخُد عنيي) فالمغنى حياة الروح.
لو لم يكن هناك أطباء فأجزخانة الصوتيات تأتيك بما تحتاج إليه، فمريض الضغط يسمع ( انت عمري ) و مريض القلب تشفيه ( يا لية العيد آنستينا) و مريض الزهايمر تــُعينه ( لســه فاكر كان زمان ) و مريض الأرق تساعده ( رباعيات الخيام فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر )
صندوق الذكرات المختبيء في أقصى ذاكرتك، إذا فتحته ستجد لكل مناسبة اسما، فقصة حبك الأولى هي ( ليلة حب )و ليست ( قصة الأمس )، وأول ابتسامة أنتشيت بها كانت ( من أجل عينيك)، وكل يأس ينتابك يلحقة ( الأمل ).
كل التواريخ والأزمنة والأشخاص تتعرض للضعف والتراجع والاختفاء، إلا أم كلثوم فهي تلتصق بالذاكرة ولا تتركها قبل أن يلين القلب ويصنع منها نبضات أخرى.
كل وجه استرحت إليه ستجد أم كلثوم غنت له ولو بصوت خافت.
كل نصر أو هزيمة وطنية تجد أم كلثوم وقد أمسكت بالجندي المصري والعربي لتسنده، وترفعه، وتساعده في رفع العــَــلــَــم، وتقول له ( طوف وشوف في جنة أرضنا ).
كل يوم يمر تعيده أم الكواكب في( أغداً ألقاك)، فهي بحق ( سيرة الحب ) لكل العرب في انتصاراتهم وهزائمهم.

أم كلثوم هي الوحدة العربية فما وجدت عاشقا للنغم من المحيط إلى الخليج إلا كانت هي ملهمته وطبيبته تواسيه وتربت على كتفه و.. تعالج أوجاعه.
رأيت وسمعت أم كلثوم في كل بيت عربي، ورأيت مصر تتعرب في آذان غير المصريين، ورأيت العرب يتمصرون بين أنامل السنباطي والقصبجي وبليغ والطويل وعبد الوهاب، وودت أن تكون لنا ذكرى مع فريد الأطرش وصوتها، لكن الزمن ليس كريما في كل الأوقات.
أم كلثوم ، الوحدة العربية التي لا تنفصل بانقلاب عسكري أو ديني أو سياسي أو حزبي، فهي حبلُ الســـُــرّة في جسد كل عربي، بل هي الرباط المقدس الذي يربط الرباط بمسقط، والجزائر ببيروت، وأم درمان باللاذقية، ونواكشوط ببغداد، والكويت بسوسة والأصيل يلفها، والمنامة بغزة و عَمــَّــأن بطبرق ، وبورسعيد بالدوحة، والشارقة بمكناس...
لو كنت مسؤولا لجعلت الدقائق الأولى في كل المدارس والفصول والجامعات من حق أم كلثوم لتتفتح المدارك على الجمال حتى تفرش للعلوم والآداب طريقا سوياً.
لو كنت مسؤولا لطلبت من كل مسلم ومسيحي قبل الدخول إلى المسجد والكنيسة أن يستمع عدة دقائق لأم كلثوم حتى يعرف أن ( الله محبة ).
رحمها الله رحمة واسعة

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 3 فبراير 2016
                                           

اجمالي القراءات 7884