الامازيغيين و سياساتهم المستقبلية تجاه العالم الاسلامي
الامازيغيين و سياساتهم المستقبلية تجاه العالم الاسلامي

مهدي مالك في الجمعة ١٥ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

        

الامازيغيين و سياساتهم المستقبلية تجاه العالم الاسلامي

مقدمة عامة الى النهاية                                                 

قد شكل ظهير 16 ماي 1930 محطة تاريخية بامكانها ان تكون في صالح الامازيغيين كتصور علماني اصيل للدين الاسلامي لقرون طويلة داخل ارض المغرب باعتراف المخزن التقليدي في ذات نفسه و حقائق تاريخنا الاجتماعي التي استعرضتها كاملة في كتابي الجديد حيث لم انطلق ابدا من الوهم الايديولوجي بل انطلقت من صفحات تاريخنا الاجتماعي الحقيقي التي مازالت بعيدة عن مقرراتنا الدراسية بعد 14 سنة من السياسة المخزنية الجديدة للشان الامازيغي عبر تاسيس معهد ملكي بغية جعل الامازيغية قضية ثقافية ضيقة للغاية من اجل تفادي النبش في تاريخ الحركة الوطنية الاسود تجاه الامازيغيين باعتبارهم السكان الاصليين لمنطقة شمال افريقيا و باعتبارهم مسلمين اسلاما على المذهب المالكي السلفي من طبيعة الحال غير ان هذا المذهب كان يراعي المصالح المرسلة و علمانية الامازيغيين الاصلية و نزوعهم الطبيعي نحو الديمقراطية المحلية الخ من قيم الامازيغيين المسلمين حيث ان كلامي هذا حول اركام سبق ان قاله الاستاذ محمد بودهان منذ سنوات في مقالاته المنشورة في جريدته تاويزا المناضلة ..

ان  اهل فاس ارادوا تحطيم الامازيغيين تحطيما نهائيا على المستوى الرمزي و المستوى السياسي حيث اخترعوا اكذوبة الظهير البربري للاظهار في الداخل المغربي و العالم الاسلامي ان الامازيغيين اصبحوا مسيحيين بموجب ظهير 16 ماي 1930 و ان ثقافتهم هي ثقافة جاهلية كأن اجدادنا الكرام لم يساهموا من قريب او من بعيد في بناء حضارتنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها في شمال افريقيا و الاندلس و جنوب الصحراء الافريقية و لم يساهموا نهائيا في نشر اللغة العربية عبر المدارس العتيقة و الكتب الخ حتى اعتقد جل المسلمين اننا عرب بحكم ان اجدادنا كانوا يكتبون بالعربية عن حسن النية و عن تقديس للاسلام الذي امن به الامازيغيين طيلة 14 قرن من التفاعل الايجابي في شتى الميادين.

 ان اسلامنا الامازيغي المغربي هو سني في الظاهر لكنه في اعماقه هو شيعي بحكم ان المذهب الشيعي كان موجود ببلادنا فترة طويلة حيث استطاع  هذا الاخير ترك بصماته الواضحة على تديننا الامازيغي الى يومنا هذا من قبيل الاحتفال  بعيد عاشوراء كذكرى لها رمزتها في اوائل تاريخنا الاسلامي و من قبيل محبة اهل البيت النبوي و اطلاق اسماءهم مثل علي و فاطمة و الحسن و الحسين الخ من هذه البصمات الواضحة و التاريخية بحكم ان  الاسلام الامازيغي هو عميق و متجذر داخل هذه الارض ..

غير ان الحركة الوطنية استطاعت طيلة عقود من الزمان تقديم الامازيغيين امام العالم الاسلامي باعتبارهم عملاء للخارج المسيحي  و ان ثقافتهم الاصيلة هي بعيدة كل البعد عن الاسلام من خلال استعمال ايديولوجية الظهير البربري التي عزلت عمليا الامازيغيين عن الاسلام كما شرحته مطولا في كتابي الجديد في الكثير من المواضيع و الفترات من قبيل  كان من المفروض عندما استقل المغرب عن فرنسا ان يتجه النظام نحو الاعتراف بامازيغية المغرب لاسباب تتعلق بدور الامازيغيين العظيم في ترسيخ الدين الخاتم منذ 14 قرنا حيث كان من المفروض اذا سلمنا بصحة الظهير البربري ان يعتبر النظام ان اجدادنا الكرام لهم الفضل الكبير في انتشار الدين الاسلامي في اكبر وقعة من الارض و ان يعتبر هويتهم لا تتعارض مع الاسلام في كليته باعتبارها تتوفر على بعد ديني ضخم سواء في اللغة و الثقافة و الفنون و الاعراف القانونية الخ من هذه الخصوصيات الظاهرة للعيان..

اذا فرضنا ان الاستعمار الفرنسي قد اصدر الظهير البربري بالفعل لتنصير الامازيغيين و زرع التفرقة بين المغاربة فان من المفروض على دولة الاستقلال ان تعمل في اتجاه تكريم المقاومة الامازيغية الوطنية التي حاربت الاستعماران الفرنسي و الاسباني من خلال العديد من الاشياء كالاحتفال بمعركة انوال كعيد وطني على سبيل المثال او الاعتزاز بامجاد المقاومة الامازيغية في مقرراتنا الدراسية او في وسائل الاعلام الوطني و تخليد اسماء رجال و نساء هذه المقاومة الداخلة في اطار الدفاع عن بيضة الاسلام و عن حوزة الوطن .

و كان من المفروض على دولة الاستقلال ان تفرق بين ما يسمى بالظهير البربري ان كان موجود اصلا و الامازيغيين من خلال جعل لغتهم وسيلة لنشر الخطاب الديني عبر المسجد و التلفزيون المغربي قصد محاربة تنصير الامازيغيين كما يدعي اصحاب اللطيف .

غير ان هذا لم يحدث إطلاقا طيلة عقود من الزمان لان النظام اتجه نحو الانكار التام لوجود شعب اسمه الشعب الامازيغي و بعده الديني الضخم تحقيقا لسياسة العروبة و الاسلام ..

و من قبيل انني ابن هذه الارض المباركة بناسها و مساجدها التي تركها اجدادنا الامازيغيين شاهدة على تجذر الدين الاسلامي في هذه البلاد بفضل ثقافتها الاصيلة بالدرجة الاولى حيث اعرف مكانة  علماء الدين و فقهاءه العظيمة في مجتمعنا المغربي  منذ ما يسمى بالفتح الاسلامي الى يومنا هذا.

غير ان العامة من الناس لا يهتم كثيرا بتوجهات هؤلاء العلماء او الفقهاء السياسية و الايديولوجية منذ الاستقلال بحكم انتشار الامية بكل اشكالها و انواعها تفعيلا لسياسة دولة الاستقلال الهادفة الى احتكار السلطة السياسية و السلطة الاقتصادية الخ من هذه السلطات بين ايادي عائلات المدن المعروفة مثل فاس و الرباط و سلا فقط..

 و ان الخطير في الامر حيث قد غاب عن ذهن الكثير من الناس سواء العامة منهم  او الخاصة  هو احتكار الشرعية الدينية من طرف السلطة و حركتها الوطنية المزعومة عبر القول ان اول دولة اسست في المغرب هي دولة الادراسة بفاس منذ 12 قرن مما يعني حسب هذه الاكذوبة الاخرى ان المغرب قبل هذا التاريخ ليس له أي ذكر او حضارة حتى مجيء احد الهاربين من الدولة العباسية بالمشرق ليؤسس اول دولة اسلامية لم تحقق أي شيء يذكر للاسلام كما حققت دولنا الامازيغية مثل الدولة البرغواطية و الدولة المرابطية و الدولة الموحدية و الدولة المرينية  الخ.

و القول ان الاستعمار الفرنسي قد اصدر ظهيرا بربريا لتنصير الامازيغيين و جعلهم يتحاكمون الى اعراف جاهلية ما انزل الله من سلطان و بالتالي فالامازيغيين هم دعاة الجاهلية و التنصير بينما عائلات المدن المذكورة هم دعاة الصلاح و التقوى و الوطنية الصادقة.

بعد استحضار هذه المعطيات قد يقول البعض عن حسن النية ان من المبكر طرح هذا الموضوع الاستراتيجي بالنسبة لي بحكم ان الامازيغيين يحاولون الان انجاح انطلاقة حزبهم الجديد ان صح التعبير اواخر هذا الشهر انشاء الله حيث ان هدفي من وراء طرح هذا الموضوع هو استشراف  مستقبل سياسات الامازيغيين تجاه العالم الاسلامي باعتبارهم مسلمين حاملين لتصور علماني للدين الاسلامي  منذ قرون من الزمان حتى جاءت الحركة الوطنية قصد اغتيال هذا التصور القائم على احترام عقائد الناس المختلفة داخل مجتمعنا الامازيغي و على الفصل التام بين الدين و الشان السياسي و اعطاء المراة حقوقها في اطار نظام الكيد و السعاية العرفي و ارساء الديمقراطية المحلية الخ حيث ينبغي ان نعي وعي تام ان لو لم تظهر الحركة الوطنية نهائيا لاصبحنا دولة علمانية اصيلة ذات هوية امازيغية اسلامية اي هوية هذه الارض دون الحاجة الى العروبة العرقية  والى السلفية بمختلف درجاتها اصلا ..

 

اذا كانت الحركة الامازيغية بمفهومها الثقافي وجدت في اول امرها فكر الحركة الوطنية السلفي المزعوم  و عاشت تاسيس تيارات الاسلام السياسي السرية و العلنية فان الحركة الامازيغية السياسية وجدت الان افاق واسعة من اجل التنوير الاسلامي خارج ثوابت التيارات الاسلامية ذات المرجعية السلفية بحكم ان الامازيغية تتعارض على طول الخط مع السلفية حيث لا يمكن ان نتخيل ان تتعامل الحركة الامازيغية السياسية مع اي تيار سلفي سواء داخل المغرب او خارجه لان الامازيغية سياسيا تعني قيم الديمقراطية و حقوق الانسان و رفض الارهاب  الخ بينما اي تيار سلفي يفكر بمنطق الخلافة الاسلامية و مصطلحاتها المتجاوزة اصلا من قبيل  الراعي و الرعية كاننا مجرد اغنام نمشي وفق ارادة الخليفة الاعظم حيث هذا شيء غريب و دخيل على ثقافتنا الامازيغية المدنية قبل دخول الجيوش الاستعمارية  سنة 1912 اي الحركة الامازيغية السياسية عليها مستقبلا و ليس الان ان تقوم ببناء سياساتها تجاه العالم الاسلامي وفق الاحترام المتبادل و الاعتراف بان الامازيغيين هم مسلمين علمانيين بامكانهم الاسهام في محاربة الارهاب الوهابي و القضاء على جذوره المعلومة على صعيد دول المغرب الكبير بفكرهم العقلاني و الرافض اصلا للمنطق الوهابي مثل ايران كدولة لها حسناتها و سيئاتها مثل جميع دول العالم .

غير انني اعجبت بايران كدولة معتزة بهويتها الفارسية الاصلية في جميع مناحي الحياة السياسية و الحياة الدينية بالرغم من انهم مسلمون اسلاما شيعيا له حسناته و تطرفه كما هو معلوم لكنني اعتبر ان ايران هي احسن بمائة درجة من كل تيارات الاسلام السياسي و الجهادي حيث نعلم ماهية جذور هذه التيارات التاريخية و العرقية .  

ان قضية فلسطين استعملت من طرف السلطة منذ سنة 1956 لاجل التعريب السياسي و الايديولوجي للامازيغيين بغية منعهم من ادراك مشاكلهم الحقيقية مع التنمية خصوصا في العالم القروي حيث لدينا  حزب عجوز اسس سنة 1958 رافعا لشعار الامازيغية و البادية دون اية فائدة تذكر بدليل ان الملك محمد السادس اعترف في خطاب العرش للسنة الماضية بوجود هذا الخصاص المهول في العديد من المناطق القروية..

 علينا ان نكون واقعين و نعترف بدور القضية الفلسطينية الايديولوجي في نسيان مشاكلنا المتعلقة بالتنمية القروية حيث هناك قرى مازالت تعيش خارج التاريخ كما شاهدناه في برنامج مبعوث خاص للصديق و الاعلامي عبد الله بوشطارت الذي صور لنا المعانات الحقيقية لسكان هذه الهوامش مع غياب ابسط مقومات العيش الكريم كالطرق و المدارس و المستشفيات الخ اي ان القضية الفلسطينية بالنسبة لنا ليست قضية وطنية اطلاقا بل هي قضية انسانية و اسلامية ليس بمفهومها السلفي و العروبي بل بمفهومها الواسع.

انني اؤمن بان قيمنا الامازيغية لها مكانها الجوهرية في محاربة الارهاب الوهابي كما اسميه شخصيا حيث لم اسمع قط بالارهاب الشيعي انتج  حركات تستهدف ضرب الابرياء في الغرب او داخل دولنا المغاربية كما  هو الحال بالنسبة لداعش و القاعدة و انصار الدين الخ من هؤلاء العملاء الذين يخدمون تحت اشراف الدولة المعلومة حيث ان الامازيغية هي الضامن لاستقرار شمال افريقيا على المدى القريب و المدى المتوسط و المدى البعيد ..

 

تحرير المهدي مالك                            

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 7582