هجص أبى حامد الغزالى عن ( الخضر ) فى ( إحياء علوم الدين ) ( ب2 / ف 2 )

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٠ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هجص أبى حامد الغزالى عن ( الخضر ) فى ( إحياء علوم الدين ) ( ب2 / ف 2  )

 كتاب ( الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين )

الباب الثانى : صناعة اسطورة الخضر فى العصر العباسى الثانى

الفصل الثانى  : هجص أبى حامد الغزالى عن ( الخضر ) فى ( إحياء علوم الدين )

مقدمة :

1 ـ تلقى ابو حامد  الغزالى ( ت505 هجرية ) راية الهجص من البخارى ( ت 156 هجرية ) ، والغزالى وقتها كان ينشىء دينا أرضيا جديدا هو مزيج من التصوف والسنة هو ( التصوف السنى ) ، وهذا تجلى فى كتابه ( إحياء علوم الدين ) وهو الكتاب المقدس لدى الأئمة اللاحقين فى دين  التصوف السنى ، ومنهم الامام النووى القائل : ( كاد الإحياء أن يكون قرآنا ) ، وسمعت شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود يكرر نفس العبارة .

وهدف الغزالى فى كتبه إخضاع الدين السُّنّى لدين التصوف ، ويتجلى هذا فى منهجه  فى ( الإحياء )، فهو يستدل بالأحاديث السنية والتأويلات السنية للقرآن الكريم فى خدمة التصوف ، ويبالغ فى صناعة أحاديث ينسبها للنبى فى هذا الشأن ، ومعظمها يخترعها بنفسه ، لم يقلها أحد قبله ، وغالبا ما يريح نفسه من الإسناد والعنعتعنة فيقول ( بلغنا ) أو ( قيل ) أو ( أوحى الله ) لبعض الأنبياء ، بالاضافة الى حكاياته التى يصنعها وينسبها الى الصحابة والتابعين والزهاد و( الأولياء )، وهو يزايد فيما يكتب على الفقهاء بالورع والعبادات ، وفى خلال هذا كله ينثر بدهاء شديد عقائد التصوف تحت مفاهيم خادعة .

ومن أساليبه فى دعوته الى دينه الصوفى مستغلا الدين السنى أنه إستخدم هجص البخارى عن الخضر . الفارق أن البخارى توقف بالخضر عن عصر موسى وقصة موسى ، ولكن الغزالى أعطى الخضر حياة دائمة خالدة ، جعله يلتقى النبى ـ بعد موت موسى بعدة آلاف من السنين ، ثم جعل الخضر يعيش العصور التالية ، يلتقى الأولياء . وهذه اللقاءات التى صنعها الغزالى كان الهدف منها صناعة المزيد من ملامح الدين الصوفى ( السُّنّى ) بأن ينسب أقوالا الى الخضر ، ويكون فيها الخضر مصدرا تشريعيا لهذا الدين الأرضى السنى الصوفى . والعادة أن كل الأديان الأرضية مؤسسة على الكذب ومزاعم الوحى وأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان .

ونتوقف هنا مع لمحة عن هجص أبى حامد الغزالى فى ( إحياء علوم الدين ) عن الخضر الذى جعله الغزالى خالدا لايموت ..

أولا : جعل حياة الخضر الأزلية ضمن الاعتقادات الصوفية

1 ـ ضمن إعتقاده بأن التصوف هو الأسمى من دين السنة وأنه الذى يعلوه جعل الغزالى من ( الخضر ) شأنا صوفيا يراه فقط الأولياء أصحاب الكرامات والعلم اللدنى وأرباب القلوب والوحى بالهاتف ، ليصادر من البداية حق الفقهاء السنيين فى الاعتراض على وجود الخضر حيا فى عصره . فى ( كتاب آداب السماع والوجد ) فى الاحياء يقول الغزالى : (  وكما يسمع صوت الهاتف عند صفاء القلب فيشاهد أيضا بالبصر صورة الخضر عليه السلام فإنه يتمثل لأرباب القلوب بصور مختلفة وفي مثل هذه الحالة تتمثل الملائكة للأنبياء عليهم السلام إما على حقيقة صورتها وإما على مثال يحاكي صورتها بعض المحاكاة . ). فالولى الصوفى الذى يأتيه الهاتف هو الذى يرى الخضر حسيا كما يرى الأنبياء الملائكة .

2 ـ وفى ( كتاب شرح عجائب القلب .   ) فى الأحياء يقول الغزالى :

( قال حمزة بن عبد الله العلوي : " دخلت على أبي الخير التيتنانى ،وأعتقدت في نفسي أن أسلم عليه ولا آكل في داره طعاما.  فلما خرجت من عنده إذا به قد لحقني وقد حمل طبقا فيه طعام وقال : " يا فتى كل فقد خرجت الساعة من اعتقادك. "  وكان أبو الخير التيتانى هذا مشهورا بالكرامات . وقال إبراهيم الرقي قصدته مسلما عليه فحضرت صلاة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستويا ، فقلت في نفسي : " ضاعت سفرتي . "! . فلما سلم خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبي الخير وقلت : " قصدني سبع " ، فخرج وصاح به . وقال : " ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني ؟ " فتنحى الأسد ، فتطهرت ، فلما رجعت قال لي : " اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد وأشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا الأسد.! " . وما حكى من تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر، بل ما حكى عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلام والسؤال منه ومن سماع صوت الهاتف ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر .   )  انتهى

هنا اسطورة كرامة يحكيها الغزالى فى هجصه الصوفى ينسب روايتها لرجل يبدو أنه فقيه يتشكك فى ولاية أحد شيوخ الصوفية هو التيتانى الذى جعله الغزالى يعلم الغيب ، ويأتى بالمعجزات والكرامات ، ومنها التحكم فى  (الأسد )، فصاحبنا ذهب الى الخلاء فوجد أسدا ينتظره ، فرجع خائفا لأبى الخير التيتانى فذهب التيتانى الى الأسد وزجره وذكّره ( أى  الأسد ) أنه نهاه عن التعرض لضيوف التيتانى ( خصوصا إذا ذهبوا للبول والغائط ) فسمع الأسد الكلام وتنحى عن طريق الضيف حتى يتبول ويتغوط فى أمن وسلام . وقال  التيتانى للراوى بعد أن تبول وتغوط  ورجع مستريحا آمنا : (اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد وأشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا الأسد  )، إى إنشغلوا باصلاح أنفسهم بالعبادات ، فخافوا من الأسد بينما إنشغل الصوفية بتقويم الباطن ( أى بزعم الاتحاد بالله ) فخافهم الأسد . وينتهى الغزالى من حكايته الاسطورية الى تقرير علم الأولياء بالغيب وأن حكاياتهم فى هذا تخرج عن الحصر ، ويجعل منها مشاهدتهم الخضر . وبالتالى فإن الفقهاء المنكرين لحياته محرومون من رؤيته ، وربما ينتظرهم الأسد وهم فى الخلاء.! .

ثانيا : الرد الغزالى على من أنكر من السنيين الحياة الخالدة للخضر

1 ــ تحسّب الغزالى مقدما لإنكار السنيين على مزاعمه بالحياة الخالدة للخضر ، فإفترى هذه الحكاية . يقول :  ( حديث كرز بن وبرة من أهل الشام عن إبراهيم التيمي أن الخضر علّمه المسبعات العشرة . وقال في آخرها : أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم ... فقلت : " أخبرني بثواب ذلك ." فقال : " إذا لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فاسأله عن ثوابه فإنه يخبرك بذلك. "،  فذكر إبراهيم التيمي  أنه رأى ذات يوم في منامه كأن الملائكة جاءته فاحتملته حتى أدخلوه الجنة فرأى ما فيها ، ووصف أمورا عظيمة مما رآه في الجنة.  قال : " فسألت الملائكة فقلت لمن هذا ؟ فقالوا: " للذي يعمل مثل عملك . " ، وذكر أنه أكل من ثمرها وسقوه من شرابها.  قال قال : " فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سبعون نبيا وسبعون صفا من الملائكة ، كل صف مثل ما بين المشرق والمغرب ، فسلم عليّ ،  وأخذ بيدي . فقلت : " يا رسول الله ،  الخضر أخبرني أنه سمع منك هذا الحديث .! " فقال : "  صدق الخضر صدق الخضر ، وكل ما يحكيه فهو حق ، وهو عالم أهل الأرض ، وهو رئيس الأبدال ، وهو من جنود الله تعالى في الأرض. "  فقلت : " يا رسول الله فمن فعل هذا أو عمله ولم ير مثل الذي رأيت في منامي هل يعطى شيئا مما أعطيته ؟ " .  فقال : " والذي بعثني بالحق نبيا إنه ليعطى العامل بهذا وإن لم يرني ولم ير الجنة إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ، ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ، ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة . والذي بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا ولا يتركه إلا من خلقه الله شقيا . " . وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب ،  فلعله كان بعد هذه الرؤيا . ). ونناقش هذه الرواية من حيث السند والمتن .

2 ــ من حيث السند ، أى الراوى للحكاية ، نراه يقول : ( حديث كرز بن وبرة من أهل الشام عن إبراهيم التيمي ). القارىء يتخيل أن ( كرز بن وبره ) رجل من الشام حكى هذه القصة للغزالى فى القرن الخامس الهجرى عن ابراهيم التيمى الذى كان يعيش فى نفس الزمن فى القرن الخامس الهجرى . ولكن الثابت تاريخيا أن ابراهيم التيمى كان يعيش فى العراق فى ولاية الحجاج بن يوسف فى العصر الأموى ، قبل عصر الغزالى بثلاثة قرون على الأقل. وقد ذكره المؤرخ ابن سعد فى ( الطبقات الكبرى 6 / 188 :200 ) فى معرض تأريخه للفقيه الزاهد المعارض ابراهيم النخعى. وكان ابراهيم النخعى رفيقا وصديقا لابراهيم التيمى . ويذكر محمد بن سعد فى تأريخه لابراهيم النخعى أن الحجاج أرسل  شرطيا للقبض على إبراهيم النخعى ، وكان عنده في البيت رفيقه إبراهيم التيمي  ، فجاء الشرطي للبيت يقول: "أريد إبراهيم " ، فأسرع إبراهيم التيمي يقول : " أنا إبراهيم " ، وسار مع الشرطي للحجاج ، وهو يعلم أن المطلوب هو إبراهيم النخعى ، ولكن لم يرد أن يدل علي رفيقه النخعى .!، وجيء به للحجاج فأمر بحبسه بدون تهمة ، يقول ابن سعد  عن المساجين فى ولاية الحجاج : " ولم يكن لهم ظلُّ من الشمس ولا كنُّ من البرد ، وكان كل اثنين في السلسلة ،  فتغير إبراهيم ، ( أى ظهر عليه الوهن والشحوب والمرض ) فجاءته أمه في الحبس  ، فلم تعرفه حتى كلمها .! ، فمات في السجن. مات ابراهيم التيمى فى حبس الحجاج ، وعاش بعده رفيقه ابراهيم النخعى حياة حافلة من الرعب من الحجاج ، ولم يتخلص إبراهيم النخعي من شبح الحجاج إلا عندما بشره صديقه حماد بموت الحجاج ، يقول حماد: " بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد، وما كنت أري أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكى من الفرح". ومات ابراهيم النخعى   دون الخسمين بعد وفاة الحجاج ببضعة اشهر سنة 96 هجرية . ومات قبله رفيقه ابراهيم التيمى فى سجن الحجاج . وانتشرت قصتهما ضمن تاريخ الحجاج والعراق فى العصر الأموى . وذكر المؤرخ محمد بن سعد تاريخهما فى الطبقات الكبرى.

ومات المؤرخ ابن سعد حوالى 230 هجرية ، بينما عاش الغزالى فيما بين 450 : 505 هجرية . وقد إعتزل معكتفا يكتب ( إحياء علوم الدين ) ويفترى حكايات وأحاديث من دماغه ، ينسبها للأنبياء والصحابة والتابعين مثل ابراهيم التيمى ، وللأولياء الصوفية .  ويصدق عليه قول الله جل وعلا : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء  ) . واشهد بناء على دراسة لكتاب الأحياء للغزالى أنه أفّاك أثيم وهجاص لئيم .!

2 ـ من حيث المتن : أى الحكاية نفسها فهى غاية فى العجب ، فاالخضر علّم ابراهيم التيمى (المسبعات العشرة ). وزعم الخضر أنه تعلم هذه المسبعات من النبى محمد عليه السلام ، أى أن الخضر لقى النبى محمدا ولقى ابراهيم التيمى أيضا . وتأكيدا على ذلك فإن ابراهيم التيمى يرى مناما يؤكد له ذلك ، حيث رأى ملائكة الجنة التى حملته للنبى ، لكى يؤكد له النبى صدق الخضر فى روايته قائلا : "  صدق الخضر صدق الخضر ، وكل ما يحكيه فهو حق ، وهو عالم أهل الأرض ، وهو رئيس الأبدال ، وهو من جنود الله تعالى في الأرض. " ، وأن الذى يستعمل هذه التميمة ( المسبعات العشر )   :" إنه ليغفر له جميع الكبائر التي عملها ، ويرفع الله تعالى عنه غضبه ومقته ، ويأمر صاحب الشمال أن لا يكتب عليه خطيئة من السيئات إلى سنة . والذي بعثني بالحق نبيا ما يعمل بهذا إلا من خلقه الله سعيدا ولا يتركه إلا من خلقه الله شقيا ".  وينتهى الأفاك الأثيم أبو حامد الغزالى بقوله عن ابراهيم التيمى :"وكان إبراهيم التيمي يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب ،  فلعله كان بعد هذه الرؤيا " . أين المسكين ابراهيم التيمى من هذا الافتراء وهو الذى مات ( صبرا ) فى سجن الحجاج ، مات جوعا وعطشا وبردأ. !!

ثالثا : موضوعات ورد فيها هجص الغزالى عن الخضر :

  الدعاء :

1 ـ يخترع الغزالى أدعية يزايد بها على الأدعية القرآنية ، وكأن القرآن الكريم يخلو من الأدعية .!!. وينسب بعض الأدعية للخضر ليجعل له صُدقية . فى ( كتاب أسرار الحج ) فى الإحياء يقول الغزالى : ( وليكثر من دعاء الخضر عليه السلام وهو أن يقول: " يا من لا يشغله شأن عن شأن ولا سمع عن سمع ولا تشتبه عليه الأصوات يا من لا تغلطه المسائل ولا تختلف عليه اللغات يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا تضجره مسألة السائلين أذقنا برد عفوك وحلاوة مناجاتك). ،

2 ـ وفى ( كتاب الأذكار والدعوات ) يقول الغزالى: (وقال أبو عبد الله الوراق لو كان عليك مثل عدد القطر وزبد البحر ذنوبا لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصا إن شاء الله تعالى  :: " اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ولم أوف لك به وأستغفرك من كل عمل أرد به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم . " ويقال إنه استغفار آدم عليه السلام ، وقيل الخضر عليه الصلاة والسلام  ) . وينسب الغزالى هذا الدعاء لآدم أبى البشر ، كما لو كان الغزالى عاش مع آدم وسمع منه هذا الدعاء ،ثم ينسبه أيضا الى الخضر .

3 ـ  خطورة إفتراء الغزالى فى هذه الأدعية المفتراة ليس فقط فى الصّد عن الأدعية القرآنية ، وليس فقط فى دلالتها على عدم إعتداد الغزالى بالأدعية المذكورة فى القرآن الكريم ولكن أيضا فى أنها تشجع ضمنيا   على العصيان ، فيجعل دخول الجنة  سهلا ميسورا بمجرد قول عبارات وأداء بعض الصلوات والتسبيحات ، وبمجرد قولها يضمن الفرد الجنة مهما فجر وأفسد فى الأرض .

الغزالى يُغفل أن دخول الجنة يستلزم تقوى مستمرة وجهادا وصبرا ، يقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ). ويغفل الغزالى أن الجنة لا يدخلها إلا المتقون ، يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ). أى أن يموت الفرد متقيا ، بعد حياة حافلة بإخلاص الدين والعبادة لرب العزة جل وعلا . وليس مجرد عبارات يقوله ثم يضمن بها الجنة كما يقول هذا الأفاك الأثيم . أين إفك الغزالى من قوله جل وعلا عن المتقين أصحاب الجنة : (  إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات )

4 ـ فى ضوء ما سبق نفهم إفك الغزالى فى قوله فى : ( كتاب ترتيب الأوراد وتفصيل إحياء الليل )، يقول :  ( وللبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند ضعيف من قرأ خواتيم سورة الحشر في ليل أو نهار فمات من يومه أو ليلته فقد أوجب الله له الجنة ، وإن قرأ المسبعات العشر التي أهداها الخضر عليه السلام إلى إبراهيم التيمي رحمه الله ووصاه أن يقولها غدوة وعشية فقد استكمل الفضل وجمع له ذلك . )

5 ـ وندعو القارى ليتسلى بهذه الحكايات الغزالية : ( فضيلة جملة الأدعية المذكورة : فقد روي عن كرز بن وبرة رحمه الله ،  وكان من الأبدال ، قال أتاني أخ لي من أهل الشام فأهدى لي هدية ،  وقال  : " يا كرز اقبل مني هذه الهدية فإنها نعمت الهدية . " فقلت : " يا أخي ومن أهدى لك هذه الهدية  ؟ قال : " أعطانيها إبراهيم التيمي . " قلت: " أفلم تسأل إبراهيم من أعطاه إياها ؟ " قال : " كنت جالسا في فناء الكعبة وأنا في التهليل والتسبيح والتحميد والتمجيد ، فجاءني رجل فسلم علي وجلس عن يميني ،  فلم أر في زماني أحسن منه وجها ولا أحسن منه ثيابا ولا أشد بياضا ولا أطيب ريحا منه.  فقلت : " يا عبد الله من أنت ومن أين جئت ؟ فقال : "  أنا الخضر . " فقلت:  " في أي شيء جئتني ؟ " ، فقال : " جئتك للسلام عليك وحبا لك في الله ، وعندي هدية أريد أن أهديها لك . " . فقلت: " ما هي ؟ " قال : " أن تقول قبل طلوع الشمس وقبل انبساطها على الأرض وقبل الغروب سورة الحمد وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق وقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون وآية الكرسي كل واحدة سبع مرات ، وتقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سبعا ، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعا ، وتستغفر لنفسك ولوالديك والمؤمنين وللمؤمنات سبعا ، وتقول: اللهم افعل بي وبهم عاجلا وآجلا في الدين والدنيا والآخرة ما أنت له أهل ولا تفعل بنا يا مولانا ما نحن له أهل إنك غفور حليم جواد كريم رءوف رحيم"  سبع مرات.  وانظر أن لا تدع ذلك غدوة وعشية ." .  فقلت: " أحب أن تخبرني من أعطاك هذه العطية العظيمة  ؟ فقال : " أعطانيها محمد صلى الله عليه وسلم . )

( وقال كرز بن وبرة وهو من الأبدال قلت للخضر عليه السلام : " علمني شيئا أعمله في كل ليلة. "  فقال : " إذا صليت المغرب فقم إلى وقت صلاة العشاء مصليا من غير أن تكلم أحدا وأقبل على صلاتك التي أنت فيها وسلم من كل ركعتين واقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة ، وقل : هو الله أحد ثلاثا ، فإن فرغت من صلاتك انصرف إلى منزلك ولا تكلم أحدا ، وصل ركعتين، واقرأ فاتحة الكتاب ، وقل هو الله أحد سبع مرات في كل ركعة ،  ثم اسجد بعد تسليمك واستغفر الله تعالى سبع مرات ، وقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبع مرات ، ثم ارفع رأسك من السجود واستو جالسا وارفع يديك وقل يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا إله الأولين والآخرين يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يا رب يا رب يا رب يا الله يا الله يا الله ثم قم وأنت رافع يديك وأدع بهذا الدعاء ،  ثم نم حيث شئت مستقبل القبلة على يمينك ، وصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وأدم الصلاة عليه حتى يذهب بك النوم  . " فقلت له  : " أحب أن تعلمني ممن سمعت هذا ؟  فقال : " إني حضرت محمدا صلى الله عليه وسلم حيث عُلّم هذا الدعاء وأوحى إليه به ، فكنت عنده ، وكان ذلك بمحضر مني فتعلمته ممن علمه إياه. ".).

6 ـ وندعو القارىء ليضحك على الغزالى فى هذه الرواية : ( دعاء الخضر عليه السلام : يقال إن الخضر وإلياس عليهما السلام إذا التقيا في كل موسم لم يفترقا إلا عن هذه الكلمات : " بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة من الله ما شاء الله الخير كله بيد الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله. "  فمن قالها ثلاث مرات إذا أصبح أمن من الحرق والغرق والسرق إن شاء الله تعالى  ) ( من حديث ابن عباس ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال يلتقي الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه فيفترقان عن هذه الكلمات فذكره ولم يقل الخير كله بيد الله   ). هنا إبتكار جديد ، فليس الخضر وحده الذى يحيا بلا موت بل أيضا النبى إلياس ، وانه هناك وظيفة جديدة للخضر وهذا الالياس ، كلاهما ( يحلق ) للآخر . يعملان بالحلاقة فى غير أوقات العمل الرسمية . ويبقى أن يفتتحا صالونا للحلاقة .!!

فى تشريع السماع

1 ـ إتخاذ حفلات الأغانى والرقص دينا  هو شعيرة صوفية تعرضنا لها بالتفصيل فى بحثنا عن التصوف المنشور مقالاته هنا . ويهمنا هنا أن الغزالى إستخدم هجصه عن الخضر فى تشريع هذا السماع الصوفى ، الذى حرّمه رب العزة حين جعل من ملامح الدين الأرضى أنهم يتخذون دينهم لهوا ولعبا .

2 ـ  فى ( كتاب آداب السماع والوجد ) يقول الغزالى يرد على الفقهاء السنيين منكرى السماع الصوفى : ( وحكى عن بعض الشيوخ أته قال رأيت أبا العباس الخضر عليه السلام فقلت له : " ما تقول في هذا السماع الذي اختلف فيه اصحابنا  ؟.  فقال: "  هو الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء . ". وحكي عن ممشاد الدينوري أنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت : " يا رسول الله هل تنكر من هذا السماع شيئا ؟ فقال : " ما أنكر منه شيئا ، ولكن قل لهم :يفتتحون قبله بالقرآن ويختمون بعده بالقرآن. " .  وحكى عن طاهر بن بلال الهمداني الوراق ، وكان من أهل العلم ، أنه قال : " كنت معتكفا في جامع جدة على البحر ، فرأيت يوما طائفة يقولون في جانب منه قولا ويستمعون ، فأنكرت ذلك بقلبي ، وقلت : " في بيت من بيوت الله يقولون الشعر ".! . قال : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة وهو جالس في تلك الناحية والى جنبة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وإذا أبو بكر يقول شيئا من القول ، والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع إليه ، ويضع يده على صدره كالواجد بذلك،  فقلت في نفسي: " ما كان ينبغي لي أن أنكر على أولئك الذين كانوا يستمعون وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع وأبو بكر يقولز" ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "هذا حق بحق" ، أو قال : " حق من حق" ، أنا أشك فيه . وقال الجنيد : " تنزل الرحمة على هذه الطائفة في ثلاثة مواضع : عند الأكل لأنهم لا يأكلون إلا عن فاقة ، وعند المذاكرة لأنهم لا يتحاورون إلا في مقامات الصديقين ، وعند السماع لأنهم يسمعون بوجد ويشهدون حقا . " . ولهذا قال الخضر عليه السلام لما سئل عن السماع في المنام  : " إنه الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام العلماء . " لأنه محرك لأسرار القلوب ومكامنها .. ) . هذا الأفاك الأثيم لكى يجعل صُدقية للخضر وتشريعه للسماع فإنه ــ الغزالى ـ لا يتورع عن صناعة منامات ينسبها للنبى عليه السلام . 

اجمالي القراءات 17533