رحلتي من الإخوان إلى العلمانية

سامح عسكر في السبت ١٢ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

صديق يقول: لماذا انشقيت عن الإخوان؟

الجواب: لا أحب لفظ الانشقاق، فالانشقاق يعني الهدم وأنا غير مشغول بهدم أحد حتى الإخوان..

أنا لي مشروع أكبر من الإخوان وتحدثت فيه ضمن كتابي الأول عنهم بعنوان.."الإخوان بين الجمود وتحديات المرحلة"..والثاني بعنوان.."مدينة الإخوان"..صحيح لم تُتح لي عرض هذه الأفكار بشكل مقبول على الأرض، ولكن طرحتها كلها على الإنترنت ووصلت لقادة الشعبة..وتحدث فيها معي بعض القيادات منهم ولكن بطريقة غير مقبولة على أساس أنني (ضال وشارد) أحتاج للتقويم..!..ومع ذلك لم أتطرف في ردي عليهم بل كتمت وصبرت على ألا يؤذى أحد من كلامي أو رد فعلي الذي يكون –أحيانا-وقت انتقاص كرامتي عنيفا..

كانت لي رؤية تجديدية أعترف أنها كانت غير مألوفة في المجتمع الإخواني ، بحيث أنها جمعت ما بين الفكر والعقيدة والسياسة والتنظيم..حتى على المستوى التربوي رفضت مبدأ الوصاية لنقيب الأسرة الإخوانية على الأعضاء بتحديد مسجد واحد تصلي فيه الأسرة ويتأكد من حضورهم النقيب على طريقة.."تمام العسكرية"..أو أن يحكموا على صلاح العضو بمدى انتظامه في أداء صلاة الفجر، فقد كنت أرى أن أولى مهام التجديد أن لا يكون المعيار على الشخص التزامه بالشعائر، كون هذا المعيار منتج كبير للنفاق والذرائعية..وهي سمات كانت متفشية في المجتمع الإخواني بكثرة..

وعندما أقول غير مألوفة يعني أن العديد من رؤى التجديد داخل جماعة الإخوان تنوعت ما بين التجديد السياسي والأيدلوجي والتنظيمي، أما أنا فقد أضفت لذلك الجانب الديني، وطالبت بضرورة مراجعة مادة الدراسة التي كانت تدرس للعضو الإخواني ككتاب الدكتور.."علي لبن"..من مبادئ الإسلام، وفيه كانت تدرس الفكرة السلفية بحذافيرها وعن طريقها يجري تطعيم العضو بكل صفات ومقومات التطرف والنفاق..بل والجهل..حتى بعض لمحات الأخلاق في الكتاب محكومة بعقائد سلفية تُعطي الأولوية للمؤيدين وتجعل من المعارض شيطانا..

مشروعي كان أكبر من جماعة الإخوان والدليل أنني لم أنتقد الإخوان بشدة إلا بصفتهم حكام وقت الرئيس المخلوع محمد مرسي، قبل ذلك كان نقدي من باب المحب والناصح الأمين، وبعدها من باب التقويم والحث على المصلحة..أما بعد ثورة يونيو فلم أنشغل إلا بمشروعي الأصلي وهو حضاري شامل يتفرع منه جوانب نقد الموروث والأوضاع السياسية ونصرة القضايا الحقوقية والدعوة للسلام وللعدل دون تمييز..

وبمناسبة محمد مرسي كان هذا العام الذي تقلد فيه الإخوان المسئولية من أصعب أعوام حياتي، حيث فقدت فيه كل أصدقائي الإخوان وبعض أقاربي بسبب النقد، حتى تطورت أحيانا لافتعال مشاكل وبسببها تم الاعتداء علي في قريتي من مجموعة إخوان، كذلك تم النبش في القديم والمنّ عليّ بعلاج إبنتي ومساعداتهم المالية، لقد أرادوا استعبادي وإرهابي أن لا أقول رأيي بصراحة في تنظيمهم ورئيسهم، ولكن طبيعتي ترفض الإذعان لعبودية أحد.

كنت أؤمن أن الله إذا أراد أن يقطع من هنا ..يوصل من هناك، فعوضني الله بأصدقاء جدد وبتحسين في موارد الرزق ..علماً بأن الجماعة كانت تتكفل –وقتها- بما يقارب النصف في الأزمات، ففي علاج إبنتي مثلا أنفقت أكثر من 15 ألف جنيه في عام ونصف، تكفل الإخوان بنصف هذا المبلغ، وبتخفيض إيجار الشقة بمقدار الربع من أحد الملاك الإخوان، كل هذا ذهب في فترة حكم مرسي ، وتم طردي من الشقة وفقدت كل أصدقائي منهم..بل وبعض أقاربي وأرحامي بسبب التعنت والكراهية التي تملّكت منهم تجاه أي مخالف.

هذا يعني أنني لم أترك الجماعة بإرادتي..ولكن حرصت على هذا الرابط طوال أعوام جاء فيها عام ثورة يناير وما حدث بعدها وما حدث في سوريا ليقضي على أي أمل بالتقارب.

لقد كنت أؤمن بأن الإخوان هي جماعة.."وحدوية"..لا تؤيد فكرة الصراع الطائفي..كانت أفكار زينب الغزالي القومية والتلمساني الانفتاحية والمجدوب النقدية والغزالي الثورية والعريان التنويرية والمسيري الفلسفية وسليم العوا البحثية هي المعين لي لتصور برنامج وقناعة تؤمن بالتواصل وتمنع الكراهية..ولكن بعد رحيل المرشد مهدي عاكف وسيطرة القطبيين على الجماعة شاع في التنظيم فكر طائفي أحادي مقيت..لا يؤمن بالتواصل.

عزز هذا الاتجاه الطائفي موقف الجماعة من ثورتي سوريا والبحرين والكيل بمكيالين، رغم أن المظاهرات في كلتا البلدين هي من فصيل واحد ضد فصيل آخر بطريقة معكوسة، ففي سوريا ثار السنة ضد الشيعة (هكذا وقتها تبين بعد ذلك أن عموم السنة ضدها) بينما في البحرين ثار الشيعة ضد الأمير السني(رغم أنها كانت سلمية ولم ترفع شعارات طائفية)..كل ذلك بسبب نقص المعلومة الذي تسبب انحيازهم للجزيرة في تضليل العضو الإخواني وارتكابه جريمة شرف تليق بالقطيع وليس بالإنسان.

الإخوان أيدوا ثورة سوريا وشرعوا في تنظيم مظاهرات لها في التحرير انضم لهم بلهاء 6 إبريل وشباب كفاية والاشتراكيين الثوريين ، ليس هكذا فقط بل بدأوا العمل في شحن معونات غذائية ومالية وعينية..حتى وصل الأمر لشحن السلاح والدعوة للجهاد وقتل الشيعة وعملاء الأسد الذين كانوا يسمونهم بالشبيحة، وقد شهدت بنفسي تخصيص الملتقى الإخواني الألكتروني حملات لتجنيد شباب الإخوان وإرسالهم إلى سوريا..وقد اعتمدوا في ذلك على جهود إخوان لبنان حيث كان الأخ يذهب للبنان ومن هناك إلى سوريا، وكذلك على جهود تركيا التي فتحت حدودها للمتطوعين من كل بلاد العالم..

كانت الدعوة لقتل الشيعة وتكفيرهم جديدة على أسماعي لم أشهدها من قبل في مجتمع الإخوان، وكنت أسمي ما يحدث جنون، فالقتل على الهوية سمة الجماعات المتطرفة والإخوان ليسوا كذلك(هكذا كنت أفكر وقتها) ليس هؤلاء من تعلمت منهم الحب والتواصل، ليس هؤلاء من دعوا للوحدة والتقارب..شاع بينهم أنني (شيعي متخفي) رغم أن أفكاري تتخطي حدود المذاهب..بل والأديان برمتها..ونقدي للموروث السني هو في ذاته نقد للموروث الشيعي، ورأيي في فصل الدعوة عن السياسة تعني ليبرالية انفتاحية لا تؤمن بمذاهب بل بإنسانية وعدالة دون تمييز..حتى عندما طالبت بمحاكمة من حاصر كنيسة إمبابة والكاتدرائية العباسية وأشعل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في مصر اتهمني بعضهم أنني (مسيحي متخفي) لم يفهموا أنني أحارب الظلم ليس للعقيدة بل للإنسان.

كانت صدمة عجلت بالرحيل حيث انعكس ذلك على آدائي معهم فلم أعد ألتزم بالميعاد الأسبوعي ولا الشهري، كذلك في الصلوات ..كنت أرى أن هذه جماعة طائفية حربية شرعت في بيان منهجها الداعي للعنف..وليست هي الجماعة التي رأيتها –يوماً-مثالا للمجتمع الفاضل.

في حين دعموا سوريا بمنطق طائفي عارضوا ثورة البحرين أيضا بنفس المنطق، قالوا أنها ثورة شيعة روافض ضد أهل السنة، كشف ذلك زيف دعواهم بالحرية والتغيير في ثورة يناير، وهدم آخر أمل لي بالإصلاح والتجديد معهم ومن خلالهم..خصوصا وأن هذه الثورة لم ترفع السلاح ضد الحكومة، وأقصى أمل لهم في التغيير كان ملكية دستورية مع الحفاظ على النظام القائم، ولكن ردود أفعالهم الدينية كشفت أن منهج الجماعة طائفي وليس حقوقي وحدوي.

كنت أظن أن دعم الثورات يجب أن يكون على أساس الحقوق السياسية والاجتماعية والدينية ، وليس بمجرد الانتماء للدين أو المذهب، وليس أدل ما وصلت له سوريا من كوارث على أن الثوار هناك كانوا كما أظن ورأيت فيهم كل ما توقعته من عنجهية وغرور طائفي ووحشية في التعامل..رغم اعترافي أن الأسد ليس أفضل حالا وقد ارتكب الجيش هناك العديد من الجرائم، لكن تبقى دولة الأسد في الأخير مدنية وليست دينية وهو أفضل بكل الأحوال من هؤلاء الهمج الذين لم يكن يكفيهم الأسد بل سيتخطوا ذلك لقتل كل مخالف في الدين وفي العرق والجنس..

لقد رأيت أن العلمانية هي الحل لعلاج هذا الجنون، لكن لم أجرؤ على التصريح وقتها لسمعتها بين عموم الشعب وكذلك بعض النخب والمثقفين (النص كم) الذين ملأوا الشاشات وصدعوا رؤوسنا بالتنظير والكلام الفارغ الذي مكّن المتطرفين من مصر في زمن مرسي وأصبحت بلادي معها على حافة الهاوية.

إلى اللقاء في الجزء الثاني من الرحلة

اجمالي القراءات 8805