أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة آل عمران

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٥ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة : تتركز موضوعات سورة ( آل عمران ) حول أربعة محاور : ( لا إله إلا الله ) والتشريع و التاريخ المعاصر بين موقعتى بدر وأُحُد ، ثم الحوار مع أهل الكتاب . وأسلوب الالتفات يتخلل هذه الموضوعات الأربع يعطيها حيوية فى العرض . ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : لاإله إلا الله جل وعلا

1 ـ تبدأ السورة بالحديث عن رب العزة وكتبه السماوية : (الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) ثم إلتفات الى المُخاطب وهو الرسول ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم الكافرون : (  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5). ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهم البشر جميعا مع إشارة للخالق جل وعلا : (  هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) . ثم إلتفات مركب بالمخاطب وهو الرسول مع إشارة لرب العزة جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم الذين فى قلوبهم زيغ : ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) والتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ ) ، ثم إلتفات الى غائب وهم الراسخون فى العلم :  ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) ، ثم إلتفات الى المتكلم وهم الراسخون الذين يقولون ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) )

2 ـ الحديث هنا عن الغائب وهم البشر أو الناس فى قوله جل وعلا : (  زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ) ثم إلتفات الى غائب آخر وهو متاع الدنيا : ( ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ) ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهو الرسول والناس مع إشارة الى رب العزة جل وعلا  : ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17))

3 ـ وردا على تقديس الأنبياء يقول جل وعلا فى خطاب عن الغائب : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) ثم إلتفات مركب فى الحديث عن رب العزة مع إشارة للأنبياء : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) ثم إنتقال بالالتفات الى المُخاطب وهم الأنبياء : ( لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) ثم إلتفات الى الغائب ، وهم الرسل : ( قَالُوا أَقْرَرْنَا ) ثم إلتفات مركب الى حديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة الى المتكلم وهو رب العزة : ( قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81) ثم إلتفات الى الغائب فى : ( فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (82)

4 ـ وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، يبدأ الحديث عن رب العزة جل وعلا بشهادة الاسلام الواحدة ( وهو : التشهد الحقيقى فى الصلاة ) فى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) ثم التأكيد على : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) ثم إلتفات الى الغائب وهم المختلفون من أهل الكتاب : ( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) ثم إلتفات  مركب الى المخاطب وهو الرسول مع إشارة للضالين بالرجوع الى الأصل وهو دين الله جل وعلا :( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ) ، ثم إلتفات مركب الى الغائب مع إشارة الى المخاطب وهو الرسول : ( فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20).

وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية يقول جل وعلا عن  الغائب من الخارجين عن دين الاسلام ، ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة الذى أسلم له الجميع  واليه مصيرهم : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) ، ثم إلتفات الى المخاطب وهو النبى وكل مؤمن لا يفرق بين الرسل ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو المؤمنون الذين يقولون :( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) ثم إلتفات الى الغائب وهو: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85).

5 ــ  ويقول جل وعلا فى إلتفات مركب يبدأ بالمخاطب وهو النبى مع إشارة عن الغائب وهو كل نفس بشرية يوم الدين : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة وتحذيره لنا : ( وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)، ثم إلتفات مركب للمخاطب وهو النبى أن يقول لهم : ( قُلْ ) ثم الى مخاطب آخر ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو الرسول : ( فَاتَّبِعُونِي  ) ثم إلتفات مركب بالمُخاطب فيه إشارة لرب العزة جل وعلا : ( يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32).

6 ــ فى الآيات التالية يبدأ الخطاب بالحديث عن رب العزة جل وعلا ، ثم إلتفات الى الغائب وهم أولو الألباب وصفاتهم : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهم أولو الألباب الذين يقولون فى مناجاتهم ربهم جل وعلا : ( رَبَّنَا  ) ثم المُخاطب وهو رب العزة فى ( مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة وإستجابته لهم : (  فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ) والتفات الى المتكلم وهو رب العزة فى قوله جل وعلا : ( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو ( مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ) ثم إلتفات الى الغائب : ( فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا ) ثم المتكلم رب العزة فى : ( فِي سَبِيلِي ) ثم الغائب فى ( وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ) ثم المتكلم رب العزة جل وعلا فى : ( لأكَفِّرَنَّ  ) ثم الغائب فى (عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ )، ثم إلتفات مركب فى كلمة واحدة: ( المتكلم : رب العزة ،والغائب : هم ) هى : ( وَلأدْخِلَنَّهُمْ ) ثم الغائب ( جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)، ثم خطاب مباشر من رب العزة للنبى وكل مؤمن،أى المُخاطب فى قول الله جل وعلا : ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) ثم الغائب ويتنوع من متاع الدنيا الى الكافرين ومأواهم الى أهل التقوى ومأواهم الى الحديث عن رب العزة جل وعلا ، كل هذا فى : ( مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ (198).

ثانيا : التشريع :

جاء فى نفس السورة بعض تشريعات فيها أسلوب الالتفات ، مثل :

1 ـ الموالاة : يقول جل وعلا : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) الحديث هنا بالجملة الخبرية عن الغائب ، ولم يأت فيها خطاب مباشر بالنهى عن الموالاة ، ولكن النهى جاء فى صورة خبرية وجملة إسميه ، وهذا ـ بلاغيا ـ أقوى من النهى بالطريق المباشر ، ويعززه الجملة الخبرية التالية فى التحذير من رب العزة . بعدها يأتى الإلتفات الى الخطاب المباشر بالمخاطب وهو الرسول أن يخاطب المؤمنين فى : ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) وإلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) .

2 ـ نفس الحال فى فرضية الحج . لم يقل جل وعلا بصيغة الأمر ( حجوا البيت ) ولكن قال فى صيغة خبرية يتحدث بالغائب عن البيت الحرام أول بين وُضع للناس : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) بعدها جاء الأمر بالصيغة الخبرية أكثر إيقاعا فى قوله جل وعلا للناس : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، وللتعزيز والتأكيد على وجوب الحج على المستطيع جاءت الجملة الخبرية التالية : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) .

 ثالثا : التاريخ المعاصر :

عن موقعة بدر :

1 ــ التدبر فى سورة آل عمران يومىء الى أنها نزلت بعد موقعة ( أُحُد )، ولذا جاءت فيها إشارة الى موقعة ( بدر ) يقول جل وعلا فى خطاب للغائب وهم الكافرون المعتدون الطُّغاة السائرون على سُنّة أو ( دأب ) فرعون : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)  وهو نفس ما جاء عنهم فى سورة الأنفال ( 52 ، 54  ). بعد الغائب إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى والمؤمنون بكلمة : ( قُلْ )ثم مخاطب آخر : ( لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)، بعده إلتفات الى مخاطب واحد هم الكافرون مع اشارة الى المتقاتلين فى موقعة بدر :  ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا :  ( وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ثم إلتفات الى العبرة وأولى الأبصار العقلاء : ( إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (13).

2 ـ وعودا للحديث عن موقعة بدر ، يقول جل وعلا فى خطاب مباشر ، فالمخاطب هو النبى فى تذكير له بخروجه تاركا أزواجه خلفه ، وهو يهيىء جنوده مقاعد القتال : ( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) بعدها إلتفات الى المؤمنين فهم المُخاطب هنا  ( إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ ) ، وهنا توضيح لحقيقة تاريخية مسكوت عنها ، وهى أن طائفتين من المؤمنين فى موقعة بدر كانا على وشك الفشل : ( أَنْ تَفْشَلا  ) ثم إلتفات مركب بالغائب عن هاتين الفئتين بإشارة الى رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122) ، ثم إلتفات الى المُخاطب وهم المؤمنون وقتها: ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) وانتقال بالخطاب الى النبى فى تذكير له :( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى ) ثم المخاطب وهم المؤمنون : ( لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة جل وعلا مع إشارة للكافرين المعتدين : ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)ثم إلتفات للمُخاطب وهو النبى  ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ  ) ثم إلتفات مركب بالحديث عن رب العزة مع إشارة عن الكافرين المعتدين : ( أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128).

عن موقعة أُحُد :

1 ـ يبدأ الأمر بجملة خبرية تمهيدية يقول فيها رب العزة جل وعلا : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وواضح فيها الخطاب للغائب ، ثم إلتفات مركب الى المُخاطب وهم المؤمنون وقتها بعد هزيمة أُحُد بإشارة الى قريش ، وإشارة الى رب العزة جل وعلا ،وعن الاسلام دين الله جل وعلا والذى نزلت به كل الرسالات السماوية ، ثم ( محمد ) فى الآيات التالية : ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145).

2 ـ وهزيمة أُحُد أنتجت مواقف متعددة : فى وصف المعركة يأتى الحديث فى خطاب المؤمنين فى إنتصارهم المبدئى ، ثم تنازعهم حول الغنائم ، وهزيمتهم والاضطراب الذى حل فيهم ، ويتخلل هذا الخطاب المباشر للمؤمنين حديث عن رب العزة والكافرين ، ثم طائفة المنافقين الذين وجدوها فرصة لانتقاد المؤمنين ورد رب العزة عليهم ،وموقف شجعان المؤمنين الذين أصروا  ــ برغم جراحهم ــ على مطاردة جيش قريش  جاء هذا فى قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)  ، وهكذا فى الآيات التالية حتى الآية (175).

رابعا : الحوار مع أهل الكتاب :

شهدت هذه السورة مع سور مدنية أخرى كالبقرة والنساء والمائدة حوارا مع أهل الكتاب وعنهم ، ومستفاد منه أن هناك تاريخا مسكوتا عنه لم تذكره السيرة عن علاقات وعن حروب فكرية وعسكرية بين المؤمنين ومعتدى أهل الكتاب فى عهد النبوة. وللعلم فلقد حفل التنزيل المكى بقصص أهل الكتاب من ابراهيم الى يعقوب وبنيه بنى اسرائيل يوسف وموسى الى المسيح ، كان القصد منه الدعوة الى ( لا إله إلا الله ) أما فى التنزيل المدنى فقد جرى إستعادة بعض هذا القصص ( موسى والمسيح ) فى إطار الحوار مع أهل الكتاب ، وعلى هامش الحوار معهم نفهم أن المقصد هو تحذير المؤمنين من الوقوع مما وقع فيه الضالون من أهل الكتاب . ومع هذا فقد وقع المحمديون فيما وقع فيه المسيحيون .

1 ـ يبدأ الحديث عنهم بتقرير أن الاسلام هو دين الله جل وعلا والذى نزلت به الرسالات السماوية ، وأن أهل الكتاب الذين ضلوا قد بغوا على العلم الالهى أو الرسالات السماوية فصنعوا أديانا أرضية وتفرقوا بها واختلفوا : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) . وقد عرضنا لهذا من قبل . لذا جاء الأمر المباشر للمؤمنين بالاعتصام بالقرآن والنهى عن التفرق وألّا يكونوا مثل الذين تفرقوا وإختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ، يقول جل وعلا : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)   )

2 ـ وقصة ولادة المسيح تكررت فى التنزيل المكى وبالتفصيل فى سورة مريم ، وجاءت هنا فى سورة آل عمران ، من قوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35),  وتستمر الآيات بأسلوب الغائب فى القصص الى أن يأتى الإلتفات المركب الى المُخاطب وهو النبى مع إشارة عنهم فى قوله جل وعلا له :( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) . ويستمر الحديث عن المسيح وقومه ودعوته الى أن يقول جل وعلا فى نفس الخطاب عن الغائب : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)ثم الإلتفات الى المخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام : ( الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (60)، وفى فصل الختام يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى لمباهلة من يقول غير ذلك :( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) ثم إلتفات الى الحديث عن القصص القرآنى ورب العزة ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) .

3 ـ وغير تأليه المسيح هناك الرد على مقولات أخرى للضالين من أهل الكتاب:

3 / 1 : عن زعمهم خروج العاصى من النار يقول جل وعلا باسلوب الغائب عن أكبر عصيان لهم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ ) ثم يتحول الخطاب الى المخاطب فى إلتفات مركب يشير اليهم فى : ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) ، ثم إلتفات للغائب : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22) ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى فى إشارة اليهم فى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)، ثم إلتفات الى الغائب فى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) أى عقيدتهم فى خروج العاصى من النار ، وهى العقيدة التى إفتروها وإنخدعوا بها وإغتروا بها . ثم إلتفات مركب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا مع إشارة اليهم  : ( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25) . جدير الذكر أنه مع الاشارة الى إفتراء أهل الكتاب فى خرافة الخروج من النار ، هنا وفى سورة البقرة ( 80 : 82 ) ، فالبخارى وغيره يفترون نفس الأكاذيب فى خروج العاصى من النار . وقد رددنا على هذا الافتراء عام 1987 بكتاب ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وكوفئنا عليه بالسجن . والكتاب منشور هنا .

3 / 2 : يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) ثم إلتفات من الغائب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى : ( سَنَكْتُبُ )ثم إلتفات الى الغائب فى: ( مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) ثم إلتفات من الغائب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى: ( وَنَقُولُ ) ثم إلتفات الى المخاطب : ( ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182)

3 / 3 : يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب :(  الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول فى كلمة :  ( قُلْ ) وإلتفات الى مخاطب آخر وهم أولئك القائلون : ( قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) ثم إلتفات مركب وهو المخاطب وهو الرسول  فى إشارة الى الغائب فى : ( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)

3 / 4 : فى موضوع الطعام يقول جل وعلا عنهم باسلوب الغائب ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول فى كلمة :( قُلْ)   وإلتفات الى مخاطب آخر بالتحدى لهم ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)ثم التفات الى الغائب ( فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (94) وإلتفات الى مخاطب آخر وهو الرسول فى كلمة: ( قُلْ ) ثم الحديث عن رب العزة ( صَدَقَ اللَّهُ ) ، ثم الالتفات الى المخاطب وهم أهل الكتاب :  ( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) ثم إلتفات الى الغائب وهو ابراهيم عليه السلام : ( وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (95)) .

ودائما : صدق الله العظيم .!

اجمالي القراءات 8843