من الإخوان المسلمين إلى الديمقراطيين المسلمين

سعد الدين ابراهيم في الجمعة ٢٣ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

شاركت كمتحدث رئيسي في المؤتمر الذي نظمه أقباط المهجر، رعاه رجل الأعمال المهندس عدلي أبادير يوسف، والذي استمرت أعماله من 16 إلى 19 نوفمبر 2005، وعقد بالعاصمة الأمريكية، واشنطون.



حضر المؤتمر حوالي مائتي مشارك من أقباط المهجر في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا واستراليا. ولكن الجديد والمثير هو مشاركة عدد كبير من المسلمين، يصل إلى حوالي الثلث. وكذلك ممثلون للطوائف الدينية والأقليات العرقية المسلمة وغير المسلمة من كل البلدان العربية ـ بما في ذلك شيعة من السعودية والبحرين، ونوبيون من مصر والسودان، وبهائيون ودروز، من بلاد الشام، وصابئة وأثوريون وكلدان وأكراد وسنة من العراق، ويهود من مصر وفلسطين وليبيا. وعرض الجميع هموهم ومشكلاتهم، بنفس الحدة والعتاب التي عبّروا بها عن حبهم وحنينهم لأوطانهم واعتزازهم وتمسكهم بهوياتهم الوطنية. وكان القاسم المشترك الأعظم في مطالب كل من تحدثوا أو قدموا أوراقهم، هو تحقيق المواطنة الكاملة المتساوية مع الأغلبية العربية المسلمة السنية، وإزالة كل الممارسات التمييزية في الحقوق والحريات العامة، وتقلد المناصب وبناء دور العبادة.



والطريف أن راعي المؤتمر نفسه لم يستطع الحضور بشخصه من مقر إقامته الدائمة بمدينة زيورخ السويسرية، وذلك لوعكة صحية مفاجئة أقعدته الفراش. ولكن عدلي أبادير، وهو أبن ست وثمانين عاماً، أصر على المشاركة من خلال آلية التيلي كونفرنس، التي مكنته من إلقاء كلمتي الافتتاح والختام. كما كان مناقشاً نشطاً، وهو على سرير المرض، فلم يترك رأياً أعجبه من الثناء عليه. كما لم يترك رأياً يختلف معه من التعبير المهذب عن الاختلاف.



كذلك عبّر كثير من المشاركين عن وجهات نظرهم الخلافية سواء مع بعضهم البعض، أو مع راعي المؤتمر نفسه. ومن ذلك اختلاف المهندس يوسف سيدهم، رئيس تحرير صحيفة "وطني" القاهرية، وهي لسان حال الأقباط، مع المهندس عدلي أبادير حول مسألة اللجوء إلى الأمم المتحدة لإنصاف الأقباط. وهو الأمر الذي جعله يرفض التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر، رغم موافقته مع معظم ما تضمنه من توصيات.



فور انتهائي من إلقاء كلمتي في المؤتمر، ومع فتح باب النقاش، انهالت عليّ الأسئلة، لا فقط المتعلقة بما ورد في كلمتي من آراء واجتهادات واقتراحات، ولكن أيضاً بمستجدات على الساحة المصرية لم أكن قد تطرقت إليها. وكان في مقدمة هذه المستجدات ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية، من مضاعفة الإخوان المسلمين لعدد مقاعدهم في الجولة الأولى من 17 مقعداً في برلمان 2000، إلى 34 في انتخابات 2005، وهو ما قد يعني، لو استمرت الأمور على نفس الوتيرة أن يصل عدد ما يفوزون به مع انتهاء الجولة الثالثة (7/12) إلى حوالي مائة مقعد. وكان سيل الأسئلة حول هذه النقطة يعكس هماً جديداً عند معظم الأقباط، وكان مصدراً للفزع والجذع عند قلة منهم. وهاكم ما قلته للمهمومين والمفزوعين: "أنا شخصياً لا أشاركهم مشاعر الهم والفزع والجذع ... ومع ذلك هناك ثلاثة بدائل يمكن اعتمادها مع هذه المشاعر.



· البديل الأول: هو القهر أو الإبادة للإخوان المسلمين. وهو تقريباً ما حدث في الجزائر في ظروف مماثلة. فحينما نجح مرشحوا التيار الإسلامي (جبهة الخلاص الإسلامية) على أغلبية المقاعد البرلمانية في انتخابات 1991/1992، تدخل جيش التحرير الجزائري، بمباركة فرنسية (وربما أمريكية) لمنع وصول الإسلاميين أو حتى مشاركتهم في السلطة. ونشبت مواجهات دموية مسلحة، دامت أكثر من عشر سنوات وراح ضحيتها ما يقرب من مائتي ألف قتيل وجريح. وهذا بالمناسبة هو نفس السيناريو الذي كان نظام الرئيس السوري حافظ الأسد قد لجأ إليه عام 1981، حينما دك مدينة حماة ليقتلع ويبيد الإخوان المسلمين في سورية. ويقال أن عدد من قتلوا في هذه المواجهات كان حوالي ثلاثين ألفاً.



· البديل الثاني: هو الانسحاب والتقوقع والشكوى، أو تحديداً بالنسبة للأقباط، تصفية أعمالهم في مصر، وحزم حقائبهم والرحيل إلى أمريكا الشمالية أو الجنوبية، أو أوروبا، أو استراليا. وهناك بالفعل جاليات مصرية قبطية كبيرة سترحب بهم، وتخفف عنهم مشاعر الغربة والاغتراب. وسيكونون آمنين مطمئنين. وحينما يكتسبوا جنسية هذه الأوطان الجديدة فيمكنهم أن ينضموا إلى الأجيال الأكبر والأقدم في تكوين جماعات ضغط على حكومات هذه الأوطان للمشاركة في حملة عالمية لحماية من يتبقى من الأقباط في مصر، حتى يأمنوا من القهر أو البطش أو التزمت المتوقع مع تزايد تمثيل الإخوان المسلمين في البرلمان، وربما مشاركتهم في السلطة التنفيذية ـ بشغل مناصب وزارية.



· البديل الثالث: الانخراط الجاد في العمل العام والحوار مع الإخوان المسلمين. فمثل هذا البديل يجعل من الأقباط في مصر جماعة ضغط حقيقية، ويضاعف من تمثيلهم في المجالس المنتخبة. وبذلك للأقباط حساباً. أما الحوار المباشر مع الإخوان المسلمين فمن شأنه أن يوضح ويبدد مخاوف الأقباط وهواجسهم. إذ ربما تكون الصور النمطية عن الإخوان مغلوطة أو غير دقيقة. أو ربما تكون هذه الصور قديمة اعتنقها الإخوان حيناً من الدهر، ولكنهم الآن تجاوزوها وغيرواً نظرتهم "للآخر" غير المسلم.



وحينما طلبت من المشاركين في المؤتمر التصويت على هذه البدائل الثلاثة، حظي البديل الأول (الإبادة والتصفية البدنية) بصوت واحد فقط، اتضح لي فيما بعد أنه لأحد المشتركين المسلمين. وحمدت الله أن الهم والغم والفزع والجذع لم يصل بأصحابه إلى اختيار هذا البديل الدموي الرهيب. أما البديل الثاني ـ وهو الانسحاب والتقوقع والشكوى ـ فقد حظي بثلاثين صوتاً من بين المائتي مشارك. وقد داعبنا من نعرفه منهم طيلة أيام المؤتمر بإطلاقنا عليهم أوصاف "الشكائين" و "الندابين" و"المكتئبين". وأخيراً حظي البديل الثالث ـ وهو مزيد من انخراط الأقباط في العمل العام والحوار مع الإخوان المسلمين بحوالي مائة صوت. وظل حوالي سبعون آخرون من المشاركين في حيرة من أمرهم ـ أي أنهم امتنعوا عن التصويت لأي من البدائل الثلاثة، وقد مثلوا حوالي 35 في المائة من المشاركين في المؤتمر الدولي الثاني لأقباط المهجر.



وعند عودتي لمصر ومطالعة الصحف التي صدرت في الأيام التي غبت فيها عن مصر، راعني أن الصديق والناشط الحقوقي الشيخ ميلاد حنا، أطال الله عمره، قد صرّح للصحف (المصري اليوم 23/11/2005) بأنه سيحزم حقائبه ويهاجر من مصر، إذا وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة..." وحزنت لقراءة هذا التصريح، الذي أرجو ألا يكون صحيحاً، وأرجو أن يقرأ د. ميلاد حنا ومن يشاركه نفس الهواجس والنزعات وجهة نظري في هذا الأمر، ويعرضوا ما قد يكون لديهم من وجهات نظر مخالفة.



1. لا يمكن من حيث المبدأ أن يكون الإنسان ديمقراطياً، ثم ينزعج أو يفزع من إفرازات ونتائج الديمقراطية، متمثلة في أحد أركانها، وهي الانتخابات التشريعية. إن مثل هذا الموقف يتصف بالانتقائية (الديمقراطية حلال لي ولأمثالي، وحرام على من أختلف معهم أو عنهم). ولا أظن أن د. ميلاد حنا الذي عرفته مناضلاً من أجل الحريات الأساسية وحقوق الإنسان يندرج في هذا الرهط الانتقائي.



2. إنني أؤمن أن البشر، كل البشر، بما فيهم الإخوان المسلمين ليسوا كيانات استتاتيكية جامدة، ولكنهم قابلون وقادرون على التغير. وربما كانت صورة أو ممارسات الإخوان في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، هي صورة متشددة أو متعصبة وعنيفة. ولكنهم منذ عام 1971/1972 قرروا الإقلاع عن العنف واستخدام القوة للوصول للسلطة. ومنذ ذلك الوقت، أي على امتداد خمسة وثلاثين عاماً، لم يثبت تورط الإخوان المسلمين في حادث عنف واحد، لا ضد السلطة، ولا ضد الأقباط، ولا ضد أي من أطراف المجتمع المدني.



3. الشواهد العملية المدنية من مصر وبلدان أخرى ـ من ماليزيا وإندونيسيا شرقاً إلى تركيا والمغرب غرباً ـ تشير أن الإسلاميين حينما يشاركون في العملية الانتخابية، وما يترتب عليها، فإنهم يحترمون قواعد الديمقراطية ولم يحنثوا أبداً بها، على الأقل على تاريخه. كما لم يمارسوا أي سياسات تمييزية ضد غير المسلمين، وهو الهاجس الذي يؤرق الأخوة الأقباط.



4. إن هذا الكاتب، ومعه كل الإثباتات التاريخية والسوسيولوجية المعاصرة، يؤكد أن المشاركة السياسية النشطة لأي تيار فكري، حتى لو بدا متطرفاً أو متزمتاً، فإنه يصبح بمرور الوقت أكثر اعتدالاً. وهذا ما حدث مثلاَ للمسيحيين الكاثوليك الذين كانوا معاديين للديمقراطية طوال القرن والنصف التالية للثورة الفرنسية. ولكنهم بعد الحرب العالمية الثانية، تحولوا إلى ديمقراطيين، وأسسوا أحزاباً تعبر عن هذا التحول، وتُعرف في البلدان الأوروبية باسم المسيحيون الديمقراطيون. ولا أستبعد أن يحدث نفس الشيء عندنا، فيكون ثمة مسلمون ديمقراطيون. والله أعلم

 

اجمالي القراءات 13921