حتى لا تقفز مصر فى الظلام
تفاديا لثورة مصرية قادمة قد لا تُبقى ولا تذر

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٧ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

حتى لا تقفز مصر فى الظلام : تفاديا لثورة مصرية قادمة قد لا تُبقى ولا تذر :

أولا : التوصيف :

1 ـ مهما كانت قسوة الكلمة فهى لا شىء مقارنة بقطرة دم مصرية ، فما البال إذا كانت هذه الكلمة فى الاصلاح ولتفادى طوفان دم مصرى قادم ؟

2 ـ نتغاضى عن استعمال كلمة ( العسكر ) ونقول منذ أن حكم ضباط الجيش مصر عام 1952 ، وأحوال مصر تتدهور ، من عهد الضابط عبد الناصر الى عهد الضابط السيسى . هذا يؤكد حقيقة لا جدال فيها ، هى أن الجيش وضباطه مهمتهم الدفاع عن الوطن وليس حُكم الوطن . لن نقارن مصر تحت حكم الضباط بحالها فى عصر محمد على أو عصر الخديوى اسماعيل أو حتى الملك فروق حين لم تكن مصر مدينة بل كانت دائنة لانجلترة بخمسة وخمسين مليونا من الجنيهات ، وحيث كان للجنيه المصرى غطاؤه الذهبى ، وحيث كان هذا الجنيه المصرى أعلى قيمة من الجنيه الذهبى . لن نقارن مصر تحت حكم الضباط بإسرائيل ـ لأن المقارنة مؤلمة . نكتفى بمقارنتها بالأردن . تم تخليق (إمارة شرق الأردن ) على يد تشرشل لتكون ملجأ لعبد الله بن الشريف حسين ، وتحولت الامارة الى المملكة الأردنية الهاشمية . ودخلت فى تقلبات ولكن حافظت على نظامها الملكى ، ونجت من الانقلابات العسكرية التى عبثت بمصر وسوريا والعراق والسودان وليبيا وتونس والجزائر . الأردن التى كانت تعيش على المساعدات هى الأفضل حالا الآن من مصر إقتصاديا ، وسياسيا برغم تنوعها السكانى والعداء فيها بين الفلسطينيين والأردنيين وشغب القبائل والعشائر وفساد الحكم الملكى وقلاقل الوضع المتفجر حولها فى اسرائيل وسوريا والعراق والسعودية . ألا يكفى أن الفلاح المصرى الذى إلتصق بأرضه سبعين قرنا من الزمان يهرب من أرضه ليعمل أجيرا فى الأردن ؟

3 ـ فى عهد مبارك تم تجريف مصر ماليا واقتصاديا، ونجح مبارك فى تحجيم وتهميش المجتمع المدنى  وفى مطاردة الفكر الدينى الاصلاحى ( اهل القرآن ) لتمكين السلفية الوهابية وفى تضخيم الاخوان ، ليجعلهم فزّاعة . وانتهى الحال بأن اصبح قادة السلفية والاخوان ومعظم أتباعهم من خريجى الكليات العملية من الطب والعلوم والهندسة ..الخ .. دليلا على فساد التعليم . وفى النهاية ثار الشعب ، وتم عزل مبارك وجاء حكم المجلس العسكرى وتراجع خطوة ليسلّم الحكم الى الاخوان ليفضحهم ويُظهر جهلهم ، ثم يعود الضباط للحكم من جديد بعد أن إستنجد بهم الشعب الذى شاء حظه الأسود أن يختار بين السىء والأسوأ فاختار السىء بديلا عن الأسوأ الاخوانى .

4 ـ  ولكن الأحوال الآن أصبحت أكثر سوءا من أيام حكم الاخوان، وكل يوم تزداد الأحوال سوءا ، من  تناقص الاحتياطى من الدولار وعصف الدولار بالجنيه وارتفاع الاسعار ، وغلق المصانع ، وإزدياد البطالة وانتشار الفساد وتهالك البنية الأساسية . وهناك 20 في المائة من المصريين مصابون بأمراض مزمنة ، وتجاوز الدين العام  47 مليار دولار،  مع انهيار قطاع السياحة.وتراجع دخل قناة السويس بعد الضجة التى صاحبت إفتتاح التفريعة ، وتضخم الفجوة بين المترفين من أقلية الأقلية والأغلبية الساحقة من المصريين أفقر الفقراء الذين يعيشون على دخل يقلّ معدله الشهري عن 200 دولار. ثم رفض دول الخليج المساعدة خصوصا مع دخولها هى فى مشاكل إقتصادية بسبب تناقص سعر البترول ، وأصبح معروفا أنها ستستنفد إحتياطيها النقدى فى غضون خمس سنوات ، إذا ظلت على قيد الحياة خلال هذه الخمس سنوات .

 كل هذه الأزمات الطاحنة والأفُق السياسى مسدود بالاجراءات الاستبدادية وشيوع التعذيب ومنع المظاهرات التى يتم بها التنفيس عن الكبت السياسى . وإرهاصات الخطر القادم بدأت سلبية فى العزوف عن المشاركة فى إنتخابات الرئاسة ، ثم  فى الانتخابات النيابية . ، ومع تفاقم الأحوال الاقتصادية سوءا والارتفاع المستمر والمستعرّ فى الأسعار وتعاظم الفجوة بين الأغلبية الساحقة التى تعيش على حافة الجوع مقابل بضعة ألاف من المترفين البليونيرات ، فإن الأغلبية المطحونة ستتحول من السلبية اليائسة الى مواجهة الاختيار . ليس الاختيار بين السىء ( العسكرى ) والأسوا ( الاخوانى ) ولكن بين الأسوأ والأسوأ ، بين الموت جوعا أو الموت قتلا فى ثورة مدمرة .

5 ـ هى ثورة لا تُبقى ولا تذر ، لأنها ستتحول الى حرب أهلية ، فالسادة ( أسياد البلد ) يستخدمون جزءا من المستضعفين ( الأمن المركزى، الجنود ، وصغار الرتب فى الجيش والبوليس)  لضرب إخوانهم المُحتجّين المستضعفين الجوعى الثائرين ، وبتساقط المستضعفين العُزّل قتلى بالآلاف فسيشعرون بالندم لأنهم يضربون ضعفاء مثلهم ، وستتوجه أسلحتهم نحو ( أسياد البلد ) من كبار الضباط والحواشى المترفين ، ولأن هؤلاء الجند وصغار الضباط يفتقدون زعامة موحدة فستقع إنقسامات فى داخل الجيش والأمن المركزى والمخابرات وأمن الدولة ، وسيتحول العمران المصرى الى ساحات حرب ، وستقفز مصر فى الظلام .

6 ـ بالمناسبة فقد كنت أدير ( رواق ابن خلدون ) ندوة أسبوعية  كل ثلاثاء فى مركز ابن خلدون من 2 يناير 1996 الى يونية 2000 ، كان الشعار المرفوع هو ( حتى لا تقفز مصر فى الظلام )، وتحت نفس الشعار كانت مشروعات مركز ابن خلدون التى كنت قياديا فيها مثل ( تعليم المصريين حقوقهم السياسية ) و ( إصلاح التعليم المصرى ). ولم يتحمل مبارك دعوات الاصلاح فأغلق مركز ابن خلدون وإعتقل صاحبه د سعد الدين ابراهيم وفوجا من القرآنيين ، وانتهى بى الحال لاجئا سياسيا فى أمريكا ، ومصر الآن ( فعلا ) على وشك أن تقفز فى الظلام .

7 ـ المحصلة النهائية أن مصر الآن على وشك أن تقفز فى الظلام لأن عقلية الضباط الحاكمين فيها لا تؤمن بالديمقراطية ولا تعترف بالرأى الآخر ، لأنها عقلية إصدار الأوامر وتنفيذ الأوامر . وهذا مطلوب فى النظام العسكرى ، ولكنه تدمير لأى شعب ( مدنى ) يحكمه ضباط بهذه العقلية العسكرية . هذا هو التوصيف وهذا هو الداء . فأين الدواء والشفاء ؟

ثانيا : العلاج :

1 ـ نحن نفترض أن الضباط الحكام فى مصر يحبون مصر أكثر مما يحبون أنفسهم وسلطانهم ، وحتى لو كانوا يحبون أنفسهم فقط ويعملون لمصلحتهم فقط دون إهتمام بالشعب الذى إستجار بهم فى 30 يونية ، فإن العلاج حتمى لإنقاذ أنفسهم من نلك الثورة القادمة التى ستُهلكهم هم أولا . أى أنه لا سبيل سوى الاصلاح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه . وبالمناسبة ــ أيضا  ــ فهذا عنوان لمقال كتبته فى اوائل التسعينيات فى جريدة الأحرار ، ونشرته الهيئة العامة للكتاب فى أحد كتبها فى مشروعها التنويرى، حين كان يرؤسها الراحل د . سمير سرحان . أى أننا ننصح بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ربع قرن ولا حياة لمن تُنادى . أعتقد أنه لا بد أن تكون هناك ( حياة لمن تُنادى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ) وإلا فالهلاك ..

2 ـ كررنا بنود الاصلاح فى إطار الممكن ، والذى لا يحتاج إلّا إلى إرادة سياسية فقط . الظّروف مُتاحة الان أكثر من وقت مضى ، فقد تم فضح الاخوان والسلفيين ، وأزعم أنه لو بدأت بوادر الاصلاح والتصالح مع الشباب وجرت إنتخابات حقيقية وحُرّة فعلا وأنفتحت ابواب الترشيح للإخوان والسلفيين فستكون هزيمتهم ساحقة ماحقة بعد أن تمت تعريتهم تماما .

 أى أن المطلوب الآن ليس إلغاء حكم الضباط ولكن إصلاحه وتهذيبه ليكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطى ، لا أن تكون عقبة فى التحول الديمقراطى . التحول الديمقراطى  ــ فى ظل قيادة عسكرية رشيدة معنيّة بإنقاذ مصر ــ يحتاج الى عشرة أعوام على الأقل ، تبدأ من أول جلسة للبرلمان المصرى الذى يجرى إنتخابه الآن ، والمفترض أن يؤسس إصلاحا تشريعيا تعبر به مصر الى برّ الأمان وتنجو به من الخطر الوشيك .

3 ـ ومن بنود الاصلاح التشريعى ما يلى :

3 / 1 : إصلاح الأزهر : هناك تعليم حقيقى يقوم بتصنيع الانسان ليكون مُنتجا ، هذا يحدث فى الغرب واليابان . وهناك تعليم فاسد يتكلف البلايين لينتج أجيالا مشوهة تعادى نفسها ومجتمعها وتتحول الى قُنبلة موقوتة تدمر نفسها ووطنها . وهناك عدم التعليم ، أى ترك الناس أميين بلا إنفاق على التعليم . عدم التعليم أفضل من التعليم الفاسد الذى تجنى مصر ثماره السّامة الان .

3 / 2 : فى إصلاح الأزهر : لا بد من حذف كل ما يخص الأزهر فى الدستور منعا لتحويله الى كهنوت دستورى .  وإصلاح قانون الأزهر ليكون مجرد وزارة تتبع مجلس الوزراء ، ويكون شيخ الأزهر هو الوزير الخاص بالأزهر ، وإلغاء مجمع البحوث والمجلس الأعلى للشئون الاسلامية التابع للأوقاف ، وتبعية جهاز الدعوة فى الأوقاف و دار الإفتاء الى الأزهر ، وإحالة كل المسئولين الأزهريين الذين تجاوزوا الستين الى المعاش ، وعدم التجديد لهم مطلقا ، وإعتبار شيخ الأزهر مسئولا عن ضبط الفكر الدينى فى المساجد بتوزيع منهج محدد فى خطبة الجمعة يتم فيه التركيز على التوعية الاخلاقية والقيم الاسلامية العليا من الحرية فى الدين والعدل للجميع والمساواة فى المواطنة والرحمة والاحسان والسلام . والالتزام بنفس المنهج فى التعليم الأزهرى فى مراحلة الثلاث ( إبتدائى / إعدادى / ثانوى ) ، وذلك بحذف كل المواد التراثية ( فقه ، حديث ، تفسير ، توحيد ، تجويد ، سيرة نبوية ) وإستبدالها بمادة إسلامية واحدة ، تقوم بإعدادها لجنة من المفكرين من خارج الأزهر، يقدمون القيم الاسلامية العليا المشار اليها من القرآن الكريم بالاستعانة بالاجتهادات الاسلامية المستنيرة ، ومنها ما كتبه الامام محمد عبده فى تفسير المنار ( من أول سورة البقرة وحتى معظم سورة النساء ) وتفسير الشيخ التونسى ابن عاشور . مع إلتزام التعليم الأزهرى بمقررات التعليم العام فيها مع إضافة التعليم المهنى العملى للطالب الأزهرى فى الاعدادى والثانوى . وتحويل الكليات الاقليمية الأزهرية خارج القاهرة الى معاهد متوسطة للتكنولوجيا.  

3 / 3 : إلغاء الوزارات الآتية توفيرا للنفقات  وبيع مؤسساتها لاصلاح الوضع المالى :

 وزارة التخطيط التى أوصلنا تخطيطها الى القاع ،

 وزارة الأوقاف ، إكتفاء بالهيئة العامة للأوقاف المصرية وتبعيتها لوزارة مختصة .

وزارة الاعلام : إكتفاء بميثاق شرف قانونى إعلامى .

وزارة المواصلات التى دمرت هيئة السكك الحديدية .  

وزارة العدل لتحقيق إستقلال القضاء.

وزارة البحث العلمى التى خنقت البحث العلمى فى مصر .   

3 / 4 : تكوين هيئات مستقلة تتبع مجلس الشعب للتفتيش القضائى ، ولمراقبة السجون وأقسام الشرطة وقرارات النيابة للتأكد من سير العدالة و تحقيق الكرامة للإنسان المصرى .

4 ـ و كى تعود مصر لريادة الفنون والثقافة كما كانت من قبل فلا بد من إلغاء تام ونهائى لكل ما يقيّد حرية الدين والفكر والرأى والابداع ، وحرية تكوين وعمل منظمات المجتمع المدنى والأهلى،والنّص فى الدستور على أن أى قانون يقيد هذه الحرية يكون معدوما من أصله،.

5 ـ إلتزام الحكومة بإسترداد كل ما نهبه آل مبارك وغيرهم وإعادته الى الخزينة المصرية ، والاسراع فى ذلك فى حياة مبارك . ومن قليل أعلن الاستاذ محمد حسنين هيكل أن ورثة المشير أبى غزالة يتنازعون فى تركته التى بلغت 100 مليون دولار . فإذا كان أبو غزالة فى مدة قصيرة جمع وهرّب هذا المبلغ فماذا عن مبارك ؟ أليس إسترداد أموال مصر المهربة الى الغرب والخليج أشرف من التسول من الخليج ؟

6 ـ إلتزام الجيش المصرى بالآتى :

إصلاح البنية الأساسية المصرية ،وإستغلال أمثل للسواحل المصرية على البحر الأحمر والمتوسط ، ومناطق الصحراء القابلة للإستزراع ، ولبحيرة السد العالى وتعمير ما حولها ، وتجهيزها لاقامة مصانع لمعلبات الأسماك ومصانع لجلود التماسيح . فهى تكتظ بالتماسيح والثروة السمكية والمتروكة بلا إستغلال ، فى الوقت الذى تتسول فيه مراكب الصيد المصرية رزقها خارج مصر . وتسكين رديف الجيش فى تلك المناطق ، وإلزام الشباب بالخدمة العامة فى تلك المناطق الجديدة ، وتسهيل التملك فيها والسكن بها لاعادة التوزيع الديموغرافى المصرى .

7 ـ عزل اللواءات من الشرطة والجيش المسيطرين على المحليات ومجالس المدن والأحياء لأنهم سبب التدهور والفساد ، وجعل مناصب رؤساء الأحياء والمحافظين بالانتخاب .

8 ـ خضوع ميزانية الجيش وهيئات المحاسبة لمجلس النواب .

9 ـ الفصل بين السلطات الثلاث : التنفيذية والقضائية والتشريعية النيابية ، واستقلال كل منها فى ظل رقابة الإعلام الحُرّ  .

10 ـ مصالحة عامة بين النظام والاخوان والسلفيين وبين النظام والشباب ، بإطلاق سراح المساجين ووقف الملاحقات الأمنية ، مقابل الإلتزام بالعمل السلمى ونبذ العُنف .

11 ـ ليس صعبا تفعيل هذا الاصلاح من الآن وتطبيقه فى فترة عشر سنوات يتم فيها التحول الديمقراطى المصرى بسهولة وسلاسة وأمن وسلام ، وبها يكون الجيش المصرى قد كفّر عن سيئات ستين عاما مضت من الاستبداد والكوارث والفساد ، وبها ايضا يكون الجيش المصرى قد أفلح فى إنقاذ مصر من بحور من الدماء وإنقاذ نفسه من الانقسام والفناء .

أخيرا : ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر  )

اجمالي القراءات 8312