الناسخ والمنسوخ وسبل الضلال..

حافظ الوافي في الثلاثاء ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

طالما مصطلح النسخ يعني الاثبات والتدوين وليس الحذف والالغاء كما فهمنا من بحوثات الدكتور احمد صبحي منصور  وقد استشهد بآيات قرآنية في ذلك منها: "هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تكتمون" أي " نثبت وندون ما كنتم تعملونه في الدنيا..

قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ..

فلو كان النسخ يعني الالغاء والحذف فكيف سيتم حذف والغاء ما القى الشيطان ثم سيجعله فتنة لولا ان ما يلقيه الشيطان يبقى في الناس ثابتا وبالمقابل حكم الله آياته وهنا يبقى ما ألقى الشيطان فتنة كما تبقى حرية الاختيار ؛ اما الهداية او الضلال ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..

وهنا نتطرق للآيات التي وردت فيها النسخ:

قال تعالى: " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ألم تعلم ان الله على كل شيء قدير..

القضية هنا واضحة تتحدث عن رفض أهل الكتاب أن يكون القرآن ناسخا لكتبهم ومفادها: " ان أي آية سماوية كانت موجودة في الكتب السماوية السابقة فتم نسخها (أي اثباتها وتدوينها بالقرآن) وجعلها بديلة أو "ننسها" أي نغفلها، فما اغفلنا من آية كانت تتضمن حكما ما نأت بخير منها في القرآن، واي آية كانت في الكتب السماوية نسخت "تكررت تدوينا وتثبيتا بالقرآن"، فقد تضمن القرآن آية مثلها تحمل نفس الحكم والمعنى ( نأت بخير منها أو مثلها... ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير).. فالآية المنسوخة والآية المنسية، تضمن القرآن خير منها أو مثلها .. فلماذا يا ترى يعترضون على الله قدرته انزال كتاب سماوي كافي شافي ناسخ وموضح لسابقيه من الكتب السماوية، يتضمن احكاما مثل التي وردت سابقا او خير وأفضل من تلك التي وردت في الكتب السماوية السابقة، فان كانوا يعتقدون انه من المستحيل ان يأتي كتاب مثيل لكتبهم او يتضمن ما هو خير اكثر ويوضح ما تم اخفاءه في الكتب السابقة فان ذلك على الله يسير ، فالله على كل شيء قدير لكنه على البشر مستحيلا..

ولنتدبر كلمتي "خير" واللتان وردتا في الآيتين، ففي الآية الأولى وصف الله القرآن بان كله خير في قوله " ان ينزل عليكم من خير من ربكم"، وفي الآية الثانية وصف الله الآيات الناسخة بانها خير من المنسوخة او مثلها وطالما هي خير فهي آيات ناسخة وليست منسوخة والقرآن كله خير  أي آياته ناسخة للآيات التي وردت في الكتب السماوية السابقة وليس فيه آيات منسوخة اطلاقا والقرآن مكتمل ككتلة متماسكة وليس فيه اية خلل  فهو ليس من أدبيات البشر بل من عند الله القادر..

وفي موضع آخر يتطرق القرآن في قوله تعالى:" وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون"

فالآية المنسوخة او المنسية وردت في القرآن آية بديلة لها اما مماثلة للآية الموجودة في الكتب السابقة أو خير منها، فأهل الكتاب لو قلت لهم ان القرآن ينسخ القرآن لما وجدت لديهم اية مشكلة بل قد يوافقوك الرأي، لكن لو قلت لهم ان القرآن ينسخ كتبهم لأقاموا الدنيا عليك ولأتهموك بالكذب والافتراء " قالوا انما انت مفتر"

لكن طالما هذه كتب انزلها الله جميعا فلماذا يتعصبون لكتب وكأنها ملك لهم فمن يطيع الله يرتضي بما انزل الله بغض النظر عن القوم الذي انزل عليهم لكن الكثير من اهل الكتاب للأسف صنعوا لهم أديان أرضية باسم الكتاب السماوي وادعوا الوصاية عليه ويرون في الاقرار بالقرآن يهدد مصالحهم الدنيوية الضيقة  وألا فالكتب جميعها من الله والقرآن كتاب الله وأنت تطيع الله ولا تطيع أهوائك..

لكن المصيبة ان ما كان يخشاه اهل الكتاب ويريدون اتقاءه قام الفقهاء من أمة محمد بهذا الدور واصطنعوا أكذوبة الناسخ والمنسوخ وصار القرآن مفكك وكأنه كتاب مرحلي نزل وفقا للمراحل والجديد فيه ينسخ الأقدم وهذا ما أثلج صدور أصحاب الأديان الارضية من أهل الكتاب فأصحاب الاديان الأرضية يخدمون بعضهم ويستفيدون من بعض فها هو اليوم اصبح الكثير منا يقرأون ديننا بعيون يهودية بعد ان تسللت الكثير من الروايات المدونة بالعهد القديم الى كتبنا المسماة "كتب اسلامية" أو "سنة نبوية" للأسف،  ولقد كان الحرص على أن يكون أئمة الإسلام السني أربعة احتذاء بالعهد القديم كون أئمة التلمود اليهودي أربعة والأناجيل المحرفة أربعة، كما ان الأئمة في أدبيات الاسلام الشيعي اثنى عشر إماما وذلك محاكاة لليهود على غرار " اثنى عشر نقيبا"..

فما من رواية في صحاحنا إلا ولها نظيرة في تلمودهم فلو قرأت في تراثنا " الأئمة من قريش" ستقرأ في التراث اليهودي " الأئمة من يهودا" وكل رواية عندنا تحاكي رواية عندهم وصدق الله العظيم القائل" ولكل نبي جعلنا عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا"..

وطالما محمد نبي فهناك اعداء له من المجرمين شأنه شأن بقية الانبياء ولقد عرفنا منهم اعداء عيسى وموسى من الذين حرفوا نهجهم وسيرتهم واستبدلوا كتاب الله بروايات كتبوها عن عيسى وموسى وهم من العلماء والرهبان والأحبار وليسوا من الناس البسطاء.. فلماذا لا نتحسس عن عدو النبي محمد وحتما سنجدهم من كبرائنا من العلماء الأجلاء والأئمة المبجلين والسادة فهم من احترفوا ويحترفون تزوير النهج المحمدي والسيرة المحمدية وجعلوا من رواياتهم الشفهية قاضية وحجة على القرآن وشارحة له.. أم اننا سننتظر الى ان نلقى الله وساعتها لن ينفعنا قولنا :" وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا "، لأن هؤلاء الذين اتبعناهم سيتبرؤون مننا " {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ.. وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون.. الآية ".. واخيرا أقول: ربنا اننا نبرأ اليك مما صنع الكافي والبخاري.. ربنا نبرأ اليك مما صنع الشافعي ومما صنع مالك وكل من سار على نهجهم ومن اتبعهم.. ربنا نجنا وأهلنا مما يعمل الظالمون..

 

·        عبدالحافظ الصمدي

اجمالي القراءات 12440