عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف21: 23) ماوراء الطبيعة والسحر وعلم الحرف

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٧ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

 تابع  الباب السادس في ثقافة العمران في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه ومايعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق     

                                الفصل الحادي والعشرون

                           (الإلهيات ( ما وراء الطبيعة )

ماهية علم الإلهيات

    علم ينظر في الوجود المطلق ، في الأمورالعامة للجسمانيات والروحانيات من حيث الماهية والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان ، ثم مبادئ الموجودات وأنها روحانيات ، ثم كيفية صدور الموجودات عن الروحانيات ومراتبها ، ثم أحوال النفس بعد مفارقة الجسد وعودتها إلى المبدأ.

ما فعله علماء المسلمين بعلم الإلهيات اليوناني

   وترجمت كتب أرسطو في الإلهيات . ولخصها إبن سينا في الشفاء والنجاة ، ولخصها إبن رشد ، ثم رد الغزالي على الفلاسفة ، وحدث خلط بين علم الكلام وعلم الإلهيات ، وغيروا ترتيب المسائل كما فعل إبن الخطيب في المباحث الشرقية .

رأي إبن خلدون في الخلط بين علم الكلام وعلم الإلهيات

   ولايرى إبن خلدون الخلط بين علمي الكلام والإلهيات، لأن مسائل علم الكلام عقائد مستقاة من الشريعة كما نقلها السلف بدون الرجوع إلى العقل ، حيث أن مدارك الشريعة أوسع من العقل لأنها تستمد من الأنوار الإلهية فلا تدخل تحت قانون العقل الضعيف ، فإذا هدانا الشرع إلى شئ فينبغي أن نقدمه على مداركنا العقلية ، ولو تعارض العقل مع الشرع إعتمدنا على الشرع وفوضنا إليه أمرنا وعزلنا العقل .

 و( الشرع ) المقصود عند ابن خلدون هو القرآن والسنة ( الأحاديث ) التى يعتبرها وحيا ، وسرتفع بها فوق العقل.

ويرى إبن خلدون أن المتكلمين الأوائل لجأوا إلى الحجج العقلية للرد على الملحدين بنفس أسلحتهم دفاعا عن العقائد السلفية ، مما أوقعهم في الخلط بين علم الكلام والعلوم الطبيعية والإلهيات .

رأي إبن خلدون في الخلط بين الطبيعيات والإلهيات والخلط بين التصوف والإلهيات

    ويختلف إبن خلدون مع المتأخرين الذين خلطوا علم الكلام بالطبيعيات والإلهيات في الوضع والتأليف ويرى أنهما مختلفان في الموضوع . ويقول نفس الشئ عن غلاة الصوفية الذين خلطوا التصوف بالإلهيات الإغريقية وجعلوهما واحدا في كلامهم عن النبوءات والإتحاد والحلول ووحدة الوجود ، ويرى إبن خلدون أن التصوف يخالف علم الكلام كما يخالف الإلهيات ، لأنه يقوم على الوجدان ولايقوم على العقل والبرهان .

                                         الفصل الثاني والعشرون

                              في علوم السحر والطلسمات

ماهية السحر وماهية الطلمسات 

وهوعلم بكيفية إستعداد لدى النفس بالتأثير في العناصر بغير معين أو مساعد . أما الطلسمات فهو علم بكيفية إستعداد لدى النفس بالتأثير في العناصر عن طريق معين أو مساعد .

المؤلفات في السحر والطلسمات قبل الإسلام وبعده

    كتب فيهما الأنباط والأقباط والفراعنة والكلدانيون والبابليون ، ونظرا لاتهام السحرة بالكفر فلم تترجم تلك الكتب للعربية ، وما كتبوه مختلطا بالفلاحة قام المسلمون بترجمة الفلاحة وتركوا ما اختلط منها بالسحر .

وعن الخلط بين الكيمياء والسحر يقول ابن خلدون أنه ظهر جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فكتب في صناعة السحر والكيمياء لأن إحالة الأجسام من صورة إلى أخرى لايكون إلا بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية ، فهو من قبيل السحر ، ثم ظهر مسلمة المجريطي في الأندلس فلخص كتب السابقين في السحر في كتابه " غاية الحكيم ".

حقيقة السحر والطلسمات والشعوذة

    يرى إبن خلدون أن النفوس أنواع لكل نوع خواص مميزة ، فنفوس الأنبياء لديها استعداد للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة والتأثير في الكون ، وذلك بالمدد الإلهي ، ونفوس الكهنة لديها استعداد لمعرفة الغيب بالقوى الشيطانية . والنفوس الساحرة لها ثلاث مراتب ، الأولى التأثير بالهمة الذاتية وهو السحر ، الثانية التأثير بمزاج الأفلاك والعناصر والأعداد ، وهو الطلسمات ، وهو أضعف رتبة ، والثالث تأثير عن طريق الخيال والإيحاء والمحاكاة ، وهو الشعوذة .

هل السحر حقيقة أم خيال ؟

  ولأن السحر توجه لعبادة الأفلاك والشياطين حكم الفقهاء بكفر السحرة ، ولكنهم أختلفوا في حكم قتله لأختلافهم في خاصية السحر ، هل هو حقيقة أم توهم و خيال  .

رأي إبن خلدون في حقيقة السحر

 ويرى إبن خلدون أن السحر حقيقة ،   واستدل على ذلك بآية هاروت وماروت وأحاديث سحر النبي وقصة السحرة مع فرعون وموسى ، واستدل ابن خلدون بما شهده في عصره وحكى طرفا من ذلك ، وما سمعه من حكايات من الهند والسودان ، وروى عمل الطلسمات ( أو الأعمال السحرية ) وقال إنها مجربة ، ونقل ذلك عن كتاب المجريطي ، و قال أن أهل المغرب ينسبون كتابا للإمام  الفخر بن الخطيب في السحر اسمه السر المكتوم لا يعرفه أهل المشرق . وبسبب رواج السحر في المغرب فقد تحدث إبن  خلدون عن طائفة السحرة البعاجين الذين يشيرون إلى الغنم فيبعجون بطونها ويسترزقون من تهديد الرعاة بذلك ، وقال أنه شاهد ذلك بنفسه .

رأي الفلاسفة في  التفريق بين السحر والطلاسم والمعجزة والكرامة

     وقال إن الفلاسفة يثبتون تأثير السحر والطلسمات ، وقالوا إنه تأثير عارض من كيفيات الأرواح ومن جهة التصورات والإيحاء.

    أما من حيث الفرق بينهما فالسحر لايحتاج إلى معين ، والطلسم يحتاج إلى روحانيات الكواكب والإعداد ، والسحر إتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم والساحر مفطور على السحر لايكتسب سحره ، أما صاحب الطلسمات فيستعين بالتنجيم وغيره.

    ويرى الفلاسفة أن المعجزة قوة إلهية من روح الله للخير ، أما السحر فمصدره ذات الساحر وبمدد الشياطين وفي الشر . وقد توجد كرامات لبعض الصوفية بالمدد الإلهي تبعا للنبوة وعلى قدر إيمان الولي وحاله وبعد الإذن الإلهي . ولأن المعجزة مدد إلهي فلا يقوى السحر على مواجهتها كما حدث مع سحرة فرعون أمام موسى .

    رأي الفقهاء : لم يفرق الفقهاء بين السحر والطلسمات ، إذ حظروهما معا وحظروا معها التنجيم ، واعتبروا التحدي فارقا بين السحر والمعجزة واعتبروا الساحر كاذبا لا يستطيع التحدي.

الحسد ( الإصابة بالعين ) :

 يراها إبن خلدون تأثيرا من الحاسد يأتيه بفطرته ، عندما يستحسن شيئا بشدة ويتمنى زواله ، فيزول ويرى أن الحاسد مجبور في صدور الحسد عنه .

                                    الفصل الثالث والعشرون

                                    علم أسرار الحروف

ماهيته ونشأته

     هو علم السيمياء ، وهو علم حادث في تاريخ المسلمين ، إبتدعه غلاة الصوفية في رغبتهم في علم الغيب وافتعال الكرامات على أساس عقيدتهم في وحدة  الوجود أو تنزل الوجود عن الواجد.

أساس علم الحرف

    ويقوم هذا العلم على أساس أن الكمال الأسمائي للخالق يظهر في أرواح الأفلاك والكواكب وأن للحروف طبائع تسري في الكون وفق هذا النظام منذ أن أبدع الله تعالى الكون ، وتنتقل في  أطواره وتكشف عن أسراره ، وهذه هي أسرار علم الحرف ، الذي كان من فروع علم السيمياء ثم أصبح يطلق عليه إسم السيمياء من باب اطلاق العام على الخاص .

ثمرة هذا العلم

    وقد كتب فيه إبن عربي والبوني وغيرهما ، وثمرة هذا العلم هو أن النفوس الربانية ( الصوفية ) تستطيع أن تتصرف في الكون ( بالكرامات ) عن طريق الأسماء الحسنى والكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الكون .

إختلافهم في سر قوة الحروف

    واختلفوا في سر التصرف أو قوة الحروف إلى رأيين :

(أ) مزاج الحروف وكينونتها الداخلية ، وقسمت الحروف إلى أربعة أصناف مثل العناصر ، واختص كل صنف في الطبيعة بما يناسبه من الحروف يتصرف فيه الحرف طبقا لقانون صناعي اسمه التكسير ، وبالتكسير تتنوع الحروف إلى نارية وهوائية ومائية وترابية ، ومثلا لعنصر النار حروف سبعة وهي الألف والهاء والطاء والميم والفاء والسين والذال ، ولعنصر الهواء سبعة وهي الباء والواو والياء والنون والضاد والتاء والظاء ولعنصر الماء سبعة حروف وهى الجيم والزاي والكاف والصاد والقاف والثاء والغين . ولعنصر التراب أيضا سبعة وهي الدال والحاء واللام والعين والراء والخاء والشين وقالوا أن الحروف النارية لعلاج الأمراض الباردة ومضاعفة قوة الحرارة في الجسم ، أما الحروف المائية فهي لدفع الأمراض الحارة ولتضعيف القوى الباردة .

(ب) والرأي الثاني أن سر تصرف الحرف بقيمته العددية ، وذلك وفقا لجدول يبين قيمة كل حرف حسبما كان معتادا في ترتيب الحروف العربية وقيمة كل حرف .

أساس هذا العلم يقوم على علم الغيب

    وسر التناسب بين الحروف وأمزجة الطبائع أو بينهما وبين الأعداد أمر عسير على الفهم ، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات ، وإنما يقوم على الذوق الصوفي أو الكشف أي العلم اللدني بالغيب والتوفيق الإلهي ، ومن هنا يرى إبن خلدون أن تصرفهم في الطبيعة بهذه الحروف أمر ثابت لاينكره أحد ، وقد تواترت أخباره عنهم . أي أن الأمر يحتاج إلى الإيمان والتسليم بدون إنكار .

الفرق بين مقدرة أصحاب الطلسمات السحرية ومقدرة أصحاب علم الحرف

     التصرف يعني المقدرة على الأتيان بالخوارق ، ويرى إبن خلدون أن التصرف في عالم الطبيعة كله إنما هو للنفس الإنسانية والهمم البشرية ، حيث أن النفس البشرية محيطة بالطبيعة وحاكمة لها .

     وأصحاب الطلسمات يتصرفون في الطبيعة باستنزال روحانية الأفلاك وربطها بالصور أو بالنسب العددية حتى يحصل من ذلك نوع من المزاج يفعل الإحالة أو قلب الأشياء إلى أشياء أخرى أي الإتيان بالمعجزة ، وذلك بالقهر والغلبة . أما تصرف أصحاب الأسماء فيحدث لهم بالمجاهدة الصوفية والعلم اللدني الغيبي أي الكشف الآتي من النور الإلهي والمدد الرباني فيستطيع بهذه القوة أن يسخر الطبيعة دون حاجة إلى إستمداد المقدرة من الأفلاك ، لأن مدده أعلى منها . وبينما يحتاج أهل الطلسمات إلى رياضيات ومجاهدات قليلة تمكنهم من إستخدام روحانيات الأفلاك فإن أهل الحروف يحتاجون إلى رياضيات كبرى ومجاهدات عليا ليحصلوا على الكرامات التي تعطيهم المقدرة على التصرف والإتيان بالمعجزات .

الفرق بين أصحاب علم الحروف وأصحاب السيمياء

     فإذا وصل صاحب علم الحروف بالمجاهدات الكبرى إلى الكشف والعلم اللدني الرباني واقتصر في عمله على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف كان من أصحاب السيمياء ، ولم يعد هناك فارق كبير بينه وبين أصحاب الطلسمات السحرية ، بل أن صاحب الطلسمات أوثق منه لأنه يرجع إلى أصول طبيعية علمية وقوانين مرتبة ، وأما صاحب الأسماء إذا فاته الكشف الأكبر الذي يطلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات فليس له في العلوم الإصطلاحية قانون برهاني .

المزج بين الأسماء والطلسمات

    وبعض أصحاب الأسماء والحروف يمزج قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب فيعين لذكر الأسماء الحسنى ولسائر الأسماء أوفاقا أو أوقاتا تكون من حظوظ الكوكب الذي يناسب ذلك الإسم ، وذلك مافعله البوني في كتابه " الأنماط " . وهذا المزج يأتي عندهم من لدن الحضرة العمائية وهي برزخية الكمال الأسمائي ، ويتنزل تفصيلها في الحقائق على ماهي عليه من المناسبة ، وإثبات هذه المناسبة عندهم بحكم المشاهدة التي تأتي للعارفين من الأولياء الصوفية ، فإذا لم يصل صاحب علم الحرف إلى هذه الدرجة وتلقى تلك المناسبة تقليدا أصبح في منزلة صاحب الطلسمات السحرية ، بل يكون صاحب الطلسمات أوثق منه .

  المزج بين الطلمسات والدعوات المكونة من أسماء وحروف

  وقد يمزج صاحب الطلسمات بين عمله وقوى الكواكب وبين قوى الدعوات المؤلفة من كلمات مخصوصة بحيث تكون هناك مناسبة بين الكلمات والكواكب وتقوم هذه المناسبة على اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكونات من جواهر وأعراض وذوات ومعاني ، ومن بينها الحروف والأسماء ، فلكل كوكب حظه من هذه الأسماء والحروف ، وعلى ذلك يقسمون آيات القرآن وسور القرآن تقسيمات غريبة كما فعل مسلمة المجريطي في كتابه " الغاية " ، وذلك مايبدو في كتاب " الأنماط " للبوني حين تعرض للدعوات وتقسيمها على ساعات الكواكب السبعة ، وحديثه عن قيامات الكواكب أو الدعوات التي تختص بكل كوكب . وفي النهاية يقرر إبن خلدون إيمانه بكل ذلك حيث يقول " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ، وليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بمنكر الثبوت ، فقد ثبت أن السحر حق مع حظره ، لكن حسبنا من العلم ماعلمنا ".

إستخراج الأجوبة من الأسئلة

   إحدى فروع السيمياء ، وذلك عن طريق إرتباط بين الكلمات والحروف ، وتدخل ضمن الزايرجة ، ولهم في ذلك أدعية وقصائد ومنها قصيدة السبتي ، وقد أوردها إبن خلدون ، وقسم أبياتها على عناوين ، مثل : الكلام على استخراج نسبة الأوزان وكيفياتها .. فيما يخص السيمياء ، والطب الروحاني ومواليد الملوك وبتيهم والانفعال الروحاني والانقياد الرباني ، ومقامات المحبة والعشق والطاعة .. الخ .

    ثم أسهب إبن خلدون في شرح كيفية العمل في إستخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم ، مما نقله إبن خلدون عن القائمين بهذا العلم ، وتلخيص هذا الكلام أو عرضه ليس إلا مضيعة للوقت ، وإن كان يدلنا على أن عقلية إبن خلدون كانت تؤمن بهذا الكلام .

     ثم عقد فصلا في الإستدلال على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية .. وهي طريقة تنفع الدجالين في عصرنا حين يتصدون لما يسمى بالعلاج الروحاني ، ونحن نقصد أنها تنفعهم في خداع البسطاء.

اجمالي القراءات 35951