عرض مقدمة ابن خلدون: ب3:(ف 48 :52 )انهيار دولة وقيام أخرى

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية

الفصل الثامن والاربعون

كيفية طروق الخلل للدولة

يقوم المُلك على أساسين : الجُند والمال . ومنهما يأتى الخلل للدولة ، كالآتى :   

  1 - الخلل من الجند أو العصبية : يبدأ الملك بعد توطيد دولته بالإستبداد بالنفوذ دون أسرته أو عصبيته الأولى حتى لاينافسونه ، فيقهرهم سياسيا مع مالهم من أموال وترف فيؤثر فيهم القهر والترف ، ويتحول القهر عندهم إلى خوف مستمر من السلطان ثم يتحول خوف السلطان منهم إلى قتلهم ومصادرة أموالهم ، أي القضاء على أسرته سياسيا وإقتصاديا . وهم الدائرة الأولى من عصبيته وقوته .           

     ويستعيض السلطان عنها بالموالي ، وهم ليسوا في نفس إخلاص أسرته وأقاربه مما يجعل أصحاب العصبيات الأخرى تطمع في سلطانه ، وهكذا تتكاثر الثورات ويتكاثر أصحاب الثارات  الطالبين الانتقام من السلطان ، مما يضطره إلى سحب قواته إلى عاصمة ملكه لحمايته ، وهذا يُضعف قبضته على أطراف دولته ،الأمر الذي يهيئ فرصة سانحة للثوار في تكوين مواطئ أقدام لهم في أطراف الدولة ، وتندلع الثورات في الأطراف وربما تنقسم الدولة ، وربما تصل الثورات إلى العاصمة . وتنتهى الدولة بالسقوط أو الإنقسام .

 وضرب إبن خلدون مثالا لذلك بالدولة العربية الأموية ثم العباسية ، كيف قامت بعصبية بني عبد مناف وهو جد الأمويين والهاشميين ، وكيف إستأثر الأمويون بالأمر دون بني عمومتهم الهاشميين ، وإنتهى الأمر بسقوطهم وجاء العباسيون الهاشميون ، ولكنهم طاردوا أبناء عمومتهم أبناء علي بن أبي طالب ، فأدى ذلك إلى إستقلال الأطراف تباعا من الأندلس ثم المغرب ، ثم تونس ، ثم مصر .

وقال إنه قد يطول أمد الدولة الضعيفة بسبب إعتياد التسليم والإنقياد لها خشية النزاع ، كما حدث للخلافة العباسية في ضعفها ، إلى أن سقطت في النهاية .

2 ـ الخلل من جهة المال  

   تكون الدولة في بدايتها بدوية بسيطة متقشفه رفيقة بالناس في فرض الضرائب ، ثم يتضخم ملكها وتدخل في الترف والإسراف وتحتاج إلى المزيد من المال للإنفاق على  الجند وعلى مطالب البذخ ، وتنتشر عادة الترف في المجتمع ، ويتعود السلطان فرض المزيد من الضرائب والظلم في تحصيلها ، ويقترن ذلك بشيخوخة الدولة وحاجتها لإسترضاء الأصدقاء والأعداء ، ومن هنا تنتشر المصادرات والرشاوي والفساد والثورات إلى أن تسقط الدولة.

                                       الفصل التاسع والأربعون 

                           حدوث إنهيار الدولة وتجددها كيف يقع

 يبدأ إنهيار الدول على نوعين :

 1- إستقلال أمراء الأطراف وتكوين دولة مستقلة كما حدث من الولاة في العصر العباسي في تونس ومصر والشام وماوراء النهر ، وكما حدث في الأندلس الأموية حينما إستقل الأمراء وأصبحوا ملوك الطوائف ، وهنا لاتكون حرب بين تلك الإمارات الناشئة والدولة الأم ، حيث لايطمع الأمراء في القضاء على الدولة الضعيفة أصلا .   

2- أو يخرج على الدولة ثائر من الخارج بدعوة دينية أو دعوة عصبية ، ويكون معه قوة وأنصار ويستطيع اسقاط الدولة ، كما حدث في دعوة بني العباس التي أسقطت الدولة الأموية .

                                    الفصل الخمسون

 الدولة المستجدة إنما تستولى على الدولة المستقرة بالمطاولة

                  لا بالمناجزة ، أي بسياسة النفس الطويل ، وليس سريعا

      الدول المستجدة نوعان : إمارة قامت على الأطراف وإستقلت عن الدولة الأم وهي تقنع بالإستقلال ولاتريد القضاء على الدولة الأم ، ثم الدولة الخارجية التي تقوم باسقاط الدولة الأم بالحرب المتكررة وبسياسة النفس الطويل.

الدولة الأم المستقرة لا تسقط سريعا

     ويرى إبن خلدون أن الدولة المستقرة أو الدولة الأم لا تسقط سريعا أي بالمناجزة ، وإنما تسقط بالمطاولة أي بالحروب الطويلة التي تدور سجالا بين  الفريقين .

الأسباب

   وفي تعليل رأيه يقول أن النصر في الحرب يقع بالتعبئة النفسية والخداع ، والدولة المستقرة إعتاد الناس طاعتها مما يجعل ذلك عائقا أمام الثوار ، ويكون من الصعب عليهم إقناع الناس بالخروج على دولة إعتادوا طاعتها ، وتظل تلك مشكلة إلى أن يتضخم عجز الدولة وشيخوختها مما يشجع على الثورة عليها .

     بالإضافة إلى أن تلك الدولة المستقرة مع ضعفها تكون قد إكتنزت الأموال وتجيد إستخدامها في شراء الأنصار وفي تدعيم هيبتها ومظهرها الخارجي أمام الناس ، في نفس الوقت الذي يعاني فيه الثوار من نقص المال . ومن هنا يلجأ الثوار إلى سياسة النفس الطويل أو المطاولة حتى يستحكم الخلل في الدولة عن طريق الجند والمال .

     ويضاف إلى ذلك عجز الثوار عن التجسس على السلطان ، وربما يكون أعوان السلطان وجواسيسه هم الأقدر على تتبع الثوار ، ثم إن عجز الثوار عن إختراق حصون السلطان يؤخر مسيرتهم ، إلى أن يظهر انهيار الدولة للعيان فيتشجعون على الحرب السريعة .

إستثناءات

    وإستثنىإبن خلدون من ذلك الفتوحات الإسلامية حيث إعتبرها من الخوارق ومن معجزات النبي ، ولايقاس عليها .

أمثلة

    وضرب أمثلة لنظريته بدعوة بني العباس خلال الدولة الأموية ، والدعوات الأخرى التي أقامت دولا في العصر العباسي على حساب الدولة العباسية ، مثل البويهيين والسلاجقة والفاطميين ، وأمثلة أخرى في المغرب وشمال أفريقيا . وكل دعوة أخذت وقتا حتى أقامت لها دولة .

                                        الفصل الحادي والخمسون

             وفور العمران آخر الدولة ومايقع فيها من الأوبئة والمجاعات

     في بدايتها تكون الدولة رفيقة معتدلة بدعوتها الدينية أو بداوتها ، وهذا الرفق يجعل الناس تنشط للعمران فيكثر النسل بالتدريج ليظهر بعد جيل أوجيلين ، وبعدها تشرف الدولة على نهاية عمرها فيكون العمران وعدد السكان في غايته . وذلك مع وجود الظلم ، إلا أن الظلم يظهر أثره السئ في  تناقص العمران بالتدريج ، وحينئذ يكثر الوباء والمجاعات .

    وتحدث المجاعات بسبب كثرة العدوان والثورات والجرائم والفتن ، مما يعطل الزراعة ، والمجاعات تؤدي إلى الموت والعجز عن دفن المئات من الجثث ، وتحلل الجثث يؤدي إلى انتشار الأوبئة وفساد الجو ، ويكثر الوباء والموت في المدن الكبرى .

                                               الفصل الثاني والخمسون

                        العمران البشري لابد له من سياسة ينتظم بها أمره

السياسة العقلية والسياسية الشرعية

    يحتاج اجتماع البشري إلى حاكم ، وقد يستند الحاكم إلى سياسة شرعية تنفع في الدنيا والآخرة ، وقد يستند إلى سياسة عقلية تنفع في الدنيا فقط ، وما يقال عن عدم حاجة المدينة الفاضلة إلى حاكم إنما هو ضرب من الخيال .

أسس السياسة العقلية

    ويرىإبن خلدون أن السياسة العقلية على وجهين:

    1- رعاية المصالح العامة ومصالح السلطان ، وكانت تلك سياسة الفرس . ويرى إبن خلدون أن الخلافة والأحكام الشرعية تغنينا عن هذه السياسة .

  2- رعاية مصلحة السلطان وإستبداده . وتفسير المصلحة العامة في ضوئها .

ملوك المسلمين يتبعون السياسة العقلية مع تهذيبها بالشرع 

 ويرى ابن خلدون  أن ملوك المسلمين يأخذون من هذه السياسة  ما يتفق مع الشريعة بحسب جهدهم ن وقال إن قوانينها لدى المسلمين تتضمن أحكاما شرعية وآدابا خلقية وقوانين اجتماعية طبيعية، مع مراعاة الشوكة وأصحاب النفوذ والعصبيات والاقتداء فيها أولا بالشرع ، ثم باقوال الحكماء وسيرة الملوك. واستشهد بكتاب طاهر بن الحسين لابنه عبدالله حين عبدالله حين ولاه المأمون الرقة ومصر وما بينهما .

 كتاب طاهر بن الحسين في أصول السياسة

وملخص الكتاب : هو  الوصية بتقوى الله والخوف من اليوم الاخر ، وان الله تعالى أوجب عليه بالنسبة للرعيةالعدل والدفاع عنهم وحقن دمائهم وراحتهم . وأكد عليه في الصلوات الخمس في جماعة مع السنن وإسباغ الوضوء وذكر الله الواحد والأخذ بسنة الرسول والسلف الصالح والاستخارة عندما يفكر في امر ، وأن يصحب الفقهاء ومن يحفظ كتاب الله ، وحسن الظن بالله حتى تستقيم له رعيته ، ولا يتهم أحدا قبل أن يكشف حقيقة امره ، وأن يحسن الظن بأعوانه ، وإقامة الحدود في أهل الجرائم وألا يؤخر العقوبة ، والابتعاد عن البدع والشبهات ، والوفاء بالعهد والابتعاد عن الكذب والزور وسماع النميمة واكتناز الأموال ، مع تفريق الأموال في التعمير . وأوصاه بالكرم والتحبب إلى الرعية ورعاية الجند والمسئولين عنده ، مع الاهتمام الكافي بالقضاء والعدل ، وان يلتزم العدل في توزيع الأموال ، وأن يجعل في كل ناحية رجلا يراقب سيرة الولاة والمسئولين ويكتب إليه بخبرهم ، وان يستشير في كل أمر اهل الاختصاص فيه ثم يعزم على التنفيذ ، وأن يكون حازما ،وألا يؤخرعمل اليوم إلى الغد ،وأن يجعل له مجلس شورى من أهل الفضل والعقل ،وأن يجري المرتبات والأموال على أهل البيوت المستورة والفقراء والمساكين،  ويقيم المستشفيات للمرضى.  وأن يقسم يومه على حسب الأعمال المطلوبة منهم ، وقد أعجب المأمون بهذا الكتاب  ـ حسبما يقول ابن خلدون ـ وأمر الولاة بالاقتداء به . 

اجمالي القراءات 10976