عرض مقدمة ابن خلدون :( ف 38 ) عن الحروب والنصر فيها

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية

                                        الفصل الثامن والثلاثون

                                الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها

أسباب الحروب                                                                      

     الحرب بدأت مع بداية الإنسان ، وتنشأ بدافع الإنتقام وتعصب الناس لأهل عصبيتها ، فإذا نشبت الحرب وانتصرت طائفة فإن المنهزمة تطلب الإنتقام . وسبب الإنتقام يأتي من الغيرة والمنافسة ، والعدوان ، أو الغضب لله ودينه أو غضب للملك أو السعي في تمهيده.

أنواع الحروب عدوان أو جهاد

       والغيرة والمنافسة تأتيان من القبائل المتجاورة والمتناظرة ،ويأتي العدوان من القبائل  البدوية على الآخرين حيث تعيش تلك القبائل الرعوية على السلب والنهب ، والغضب لله ودينه ينشأ عنه الجهاد ، والغضب للملك وتوطيده هو حروب الدول مع الخارجين عليها .

ويرى ابن خلدون أن الحروب القبلية تدخل في إطار الفتنة والبغي ، أما الحرب في سبيل الله أو في سبيل  الملك  فهى حروب جهاد وعدل .

صفة الحروب

     وصفة الحروب على نوعين : حرب بالزحف ، وحرب بالكر والفر ، وحرب الزحف هي طريقة العجم ، أما طريقة العرب فهي الكر والفر .

قتال الزحف

     وقتال الزحف أوثق وأشد من الكر والفر لأن فيه ترتيبا للصفوف ويزحفون بالصفوف نحو العدو كالصف المرصوص الذي أشار إليه القرآن والحديث ، ولذلك حرم الله التولي يوم الزحف .

قتال الكر والفر

     وقتال الكر والفر أقل شدة من قتال الزحف ، إلا أنهم قد يتخذون وراءهم موقعا ثابتا يرجعون إليه في الكر والفر ، ويقوم لهم مقام الزحف.

تقسيم الجيش وتعبئته في قتال الزحف

     وكانوا يقسمون الجيش إلى كراديس أو أقسام . وذلك عندما تكاثرت أعداد الجيش من كل الجهات ، فاحتاجوا إلى تجميع كل نوعية من الجند الذين يعرف بعضهم بعضا في كردوس واحد، ويجري الترتيب بينهم على أساس وجود الملك في قلب الجيش وبين يديه عسكره ، ثم عن يمينه فرقة وهي الميمنة ، وعن يساره فرقة الميسرة ، ثم فرقة أمام الملك وهي المقدمة ، وفرقة المؤخرة أو الساقة.

ضرب المصاف في قتال الكر والفر وقتال الزحف

    من طرق الحرب خصوصا الكر والفر اتخاذ ملاجئ وراء العسكر فيها المؤن والخيل والأنعام ، وتسمى المصاف ، وتؤخذ نقطة إنطلاق للهجوم وإعادة الهجوم ، حتى تدوم الحرب .

    ومن ذلك إتخاذ الفرس الفيلة في زحفهم وعليها أبراج الخشب كالحصون مشحونة بالمقاتلين والسلاح، ويجعلونها وراءهم لتثبت الجنود ، وقد إستخدموها في القادسية وكادوا يغلبون بها لولا أن أبطال العرب قتلوا تلك الأفيال .

    وأما الروم والقوط والعجم فكانوا ينصبون سريرا للملك وحوله حرسه ليستميت الجند في الدفاع عنه ، وتحيط بالسرير سياجات ورايات وصفوف من المقاتلة والرماة ، وكذلك فعل رستم قائد الفرس في القادسية ، وأما أهل الكر والفر من القبائل فيصفون الإبل وعليها النساء الظعائن ويسمونها المجبوذة . وانتهى العمل بذلك واستعاضوا عنه بالأنعام التي تحمل الأثقال والفساطيط في المؤخرة ، فصارت العساكر بذلك عرضه للهزائم . وكان الحرب أول الإسلام زحفا لمقابلة العدو الزاحف لكي يستميتوا في الجهاد تقربا لله .

متى بدا نظام الكراديس

     ومروان بن الحكم هو أول من قام بالتعبئة على نظام الكراديس ، وذلك في قتاله للضحاك والجبيري من الخوارج ، وبذلك أبطل قتال الصف ، وتناسوا أيضا اتخاذ المصاف بالظعائن ، حيث عاشت النساء في القصر ، إستبدلوا بهن الفسطاط والترف ، فلم يعد هناك مايدعو للإستماتة في القتال .

ملوك المغرب تستعين بالفرنجة في حروبهم

     وإعتاد ملوك المغرب الإستعانة بجند من الأفرنج الذين تخصصوا في القتال بالزحف ولم يعرفوا الكر والفر ، فكانوا أكثر ثباتا ، وكانوا يستعينون بهم في قتال العرب والبربر ، وليس في الجهاد ضد الفرنج حتى لايمالئوا أهلهم .

طرق الحرب لدى الترك

    ومن طرق الحرب لدى الترك المناضلة بالسهام ، وتقسيم الجيش إلى ثلاثة صفوف ، صفا خلف صف ،وكل صف يحمي الصف الذي خلفه ،ثم يتحاربون جلوسا ،يقول " وكل صف ردء للذي أمامه أن يكبسهم العدو إلى أن يتهيأ النصر لأحدى الطائفتين على الأخرى".

حفر الخنادق

     وكانوا يحفرون الخنادق حول معسكرهم للحماية من الإغارة ليلا ، وكانت لديهم المقدرة على ذلك بكثرة الرجال وضخامة الملك وكثرة العمران . وعندما تخرب العمران وضعفت الدول وقل الرجال انتهى العهد بالخنادق .

وصية " علي" يوم صفين

     وأوردإبن خلدون وصية علي في صفين وقال أن فيها الكثير من علوم الحرب ومنها تسوية الصفوف وتقديم الدروع وتأخير ما ليس مدرعا والثبات عند القتال. وإقامة الرايات بأيدي الشجعان ، والصدق والصبر .

     واستشهد بقول للأشتر النخعي يحرض قومه في الموقعه ، كما ذكر بعض الأشعار .

النصر في الحرب تبعا للحظ !!

     ويرىإبن خلدون أن النصر في الحرب لا يمكن الوثوق به ،وإنما يقع اتفاقا وحسب الحظ حتى لو توافرت كل أسباب النصر.

     ويرى أن أسباب النصرتجتمع في عدد الجيش وقوته ووفرة الأسلحة وجودتها ، وكثرة الشجعان ، وترتيب وتنظيم الخطة الحربية ، والصبر في القتال وجودة الخداع والتجسس وحرب الشائعات ، واختيار المرتفعات عند الهجوم وإقامة الكمائن المفاجئة ، وكلها من الأسباب الجلية ، وقد تأتي الأسباب الخفية من السماء فتقع الرهبة في القلوب ، ووقوع الأشياء الجلية هو معني البخت والمصادفة ، واستشهد بأحاديث :" الحرب خدعة" ، " نصرت بالرعب  " ونصرة المسلمين بعددهم القليل على عدد أكبر منهم ".

     وانتقد إبن خلدون رأي أبي بكر الطرطوشي في أن زيادة الفرسان الشجعان في أحد الجانبين ترجح كفته للنصر ، حتى لو زادوا واحدا ، ويرى إبن خلدون أن الصحيح هو حال العصبية ، فالعصبية الواحدة في جانب واحد تغلب العصبيات المختلفة في الجانب الآخر وليس مهما قيمة العدد.

الشهرة أيضا تأتي بالحظ

     ويرى إبن خلدون أن الشهرة أو الصيت تلحق معنى الغلب في الحروب وأسبابها الخفية ، فالشهرة تأتي لمن لا يستحقها وتتجاوز من يستحقها، لأن الشهرة تأتي عن طريق الأخبار ، والأخبار تتأثر بالتعصب والتشيع ويدخل فيها الوهم والكذب والجهل والتلبيس والثناء والمدح. والنفوس مولعة بتناقل الأخبار المليئة بذلك خصوصا ما يدور منها حول الجاه والثروة ، ولا يرغبون في الفضائل أو في تحري الحقائق في الأخبار . ولهذا لاتتطابق الشهرة مع من يستحقها ، وتأتي بالبخت لمن لا يستحقها شأن النصر في الحرب .

اجمالي القراءات 12065