إبن خلدون بين التاريخ والتأريخ
تفاصيل حياة ابن خلدون العملية في شمال أفريقيا والمغرب والأندلس

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٤ - أغسطس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية  

 فصلتمهيدي : إبن خلدونبين التاريخ والتأريخ

تفاصيل حياة ابن خلدون العملية  في شمال أفريقيا والمغرب والأندلس

                           753- 784: ( 31 عاما من القلق )

 

(1)           عينوه لكتابة " العلامة" السلطانية للسلطان أبي اسحق في تونس، وكان الذي يكتب العلامة السلطانية أبو عبدالله محمد بن عمر ، فطلب زيادة في الأجر ، فاستدعوا إبن خلدون ليحل محله ، وكان ذلك في بداية سنة 753 وكان عمره 21 سنة.

(2)           إستقدمه السلطان أبو عنان ملك فاس والمغرب سنة 755 وجعله من علماء مجلسه أواخر سنة 756، وألزمه شهود الصلوات معه ،  واستخدمه كاتبا للتوقيع بين يديه ، واستفاد من لقاء العلماء والشعراء ، ومن العلماء : الرحالة إبن رشيد الفهري وقاضي الجماعة بفاس محمد المغربي وأبوعبدالله العلوي ومحمد بن يحيي البرجي والرحالة محمد بن عبدالرازق .

(3)           توثقت صلته بالسلطان أبي عنان وأصبح المختص بالتوقيع عنه ، فزاد خصومه في الوقيعة بينه وبين السلطان فأقنعوا السلطان بأن هناك علاقة بين إبن خلدون والأمير محمد صاحب بجاية السجين لدى السلطان أبي عنان . وأوهموا السلطان بأن إبن خلدون يساعده ليهرب إلى بلده ويسترجعها من قبضة السلطان . وكان السلطان إبن عنان مريضا ، فأمر السلطان باعتقال إبن خلدون . وظل إبن خلدون سجينا بينما أطلق سراح الأمير محمد ، وقد استعطف إبن خلدون السلطان إبن عنان بقصيدة فوعد باطلاق سراحه ، ولكن فاجأه الموت  ليلة 24 ذي الحجة 759هـ . فأطلق سراحه الوزير الحسن بن عمر وأعاده إلى وظيفته ، إلى أن ثار عليه بنو مرين ، فتركه وعمل لدى منصور بن سليمان القائم على بني مرين .

(4)           إنتقل السلطان أبوسالم من الأندلس إلى غماره ليطلب ملكه في المغرب وقام بدعوته في فاس إبن مرزوق . واتصل إبن مرزوق بإبن خلدون ليتحالف مع السلطان أبي سالم ، فتحالف إبن خلدون معه ، واستطاع السلطان أبوسالم بمعونة إبن خلدون أن يضم إليه بني مرين والوزير الحسن بن عمر القائم على فاس بعد موت إبن عنان . وتولى إبن خلدون كتابة السر ( أي السكرتارية الخاصة ) للسلطان أبي سالم . في منتصف شعبان سنة 760.

(5)           حدث تنافس بين إبن خلدون وإبن مرزوق في حاشية السلطان أبي سالم مما أثر على علاقة إبن خلدون بالسلطان أبي سالم ، ولكن ظل إبن خلدون كاتب السر ، ثم ولاه السلطان ديوان المظالم ، وانتهى الأمر بثورة الوزير عمر بن عبدالله وضاع ملك أبي سالم وأقر السلطان الجديد إبن خلدون على وظيفته وزاد في راتبه .

(6)           يقول إبن خلدون أنه كان يطمع في المزيد  بسبب صلته السابقة بالوزير القائم بالحكم في سلطنة أبي عنان ، ولذلك حدثت الجفوة وطلب إبن خلدون من الوزير الرحلة إلى تونس ، فرفض السلطان محمد حتى لاينضم إبن خلدون إلى أبي حمو حاكم تلمسان ، وبالحاح الوزير ابن رحو وافق الوزير على رحيل إبن خلدون بشرط ألا يذهب إلى تلمسان ، فاختار إبن خلدون الذهاب إلى الأندلس ، حيث كانت لإبن خلدون صداقة مع سلطان الأندلس أبو عبدالله ابن الأحمر حين أقام مع السلطان أبي سالم في فاس . كما كانت لإبن خلدون عليه سالف خدمه ومعروف إذ ساعده سياسيا وعائليا في محنته إلى أن استرجع ملكه في أواسط سنة 763.

(7)           قبل رحلته إلى الأندلس بعث بأهله وولده إلى أخوالهم بقسنطينة ، وسار إلى سبته حيث كبيرها الشريف أبو العباس الحسني  فاستقبله في بيته سنة 764 وأبحر منها حيث ودعه الشريف أبو العباس ، ونزل بجبل الفتح ومنه إلى غرناطه ، وكتب للسلطان أبوعبدالله الأحمر ووزيره إبن الخطيب بقدومه فأرسل إبن الخطيب رسالة ترحيب ، واستقبله السلطان في غرناطة استقبالا حافلا في 8 ربيع الأول سنة 764.

(8)           وأرسله أبوعبدالله الأحمر سفيرا إلى الطاغية ملك قشتاله لعقد الصلح ومعه هدايا فاخرة ، فدخل إبن خلدون إلى إشبيلية موطن آبائه وعاين فيها ديارهم القديمة ، وكان ملك قشتاله يعلم تاريخ أسرة إبن خلدون في إشبيلية ويعرف خلفية إبن خلدون وعلاقاته من خلال طبيب يهودي إسمه إبراهيم بن زرور. وكان ذلك اليهودي يعمل لدي إبن عنان وغيره ويعرف إبن خلدون . ولذلك طلب الطاغية أن يقيم إبن خلدون عنده ويرد عليه تراث أسرته في إشبيلية ، فاعتذر إبن خلدون واكتفى بما لقيه  لديه من حفاوة ، وبعد أن أكمل السفارة عاد إبن خلدون بهدية من الطاغية ، فكان أن أعطى الهدية للسلطان إبن الأحمر ، فأقطعه السلطان  قرية البيرة في مرج غرناطة وكتب له منشورا بذلك . واستقدم إبن خلدون أولاده بمباركة السلطان ، ودب النفور بين إبن خلدون وإبن الخطيب الوزير الذي استبد بالمملكة ووجد في إبن خلدون منافسا خطيرا ، لذلك طلب إبن خلدون من السلطان الإذن بالعودة إلى سلطان بجاية أبي عبدالله ، وكان قد استدعاه بعد أن استولى عليها سنة 765 وعاد إبن خلدون إلى بجاية في تونس .

(9)           وكان إبن خلدون قد ساعد الأمير أبا عبدالله أثناء  محنته ، فكتب له الأمير عهدا بولاية الحجابة إذا حصل على سلطانه في بجاية في تونس . والحجابة تعني هناك الإستقلال بادارة أمور الدولة والتوسط بين السلطان وأهل دولته ، ولايشارك الحاجب أحد في ذلك ، أي أقوى رجل في الدولة بعد السلطان . وكان إبن خلدون في الأندلس وقد أظلم الجو بينه وبين إبن الخطيب وزير إبن الأحمر ، وفي نفس الوقت نجح الأمير أبوعبدالله في الإستيلاء على بجاية من عمه في رمضان 765 وكتب يستقدم إبن خلدون ، وأقيم له إستقبال حافل في ميناء بجاية ، وقابل السلطان ، وتولى أمر الحجابة وتسيير أمور المملكة والخطابة بجامع القصبة .

(10)       وحدثت فتنة بين السلطان أبي عبدالله صاحب بجاية وإبن عمه السلطان أبي العباس صاحب قسنطينة بالجزائر ، وحدثت بينهما حرب إنهزم فيها أبوعبدالله وضاعت أمواله التي أنفقها في قبائل العرب ، واحتاج إلى أموال فخرج إبن خلدون بنفسه إلى قبائل البربر بالجبال الممتنعين عن دفع الخراج فأقنعهم بالطاعة واستوفى منهم الضرائب . وزوج أبو عبدالله إبنته من سلطان تلمسان أبوحمو ليستعين به على إبن عمه السلطان أبي العباس . إلا أن السلطان  أبا العباس لم يسكت فجمع جيوشه واستمال أهل بجاية إلى جانبه ومعه الأعراب ، وهزم أبا عبدالله وقتله ، وأراد بعضهم من إبن خلدون أن ينصب إبن للسلطان أبي عبدالله وليا للعهد ليقطع الطريق على إبن عمه أبي العباس في تملك بجاية ، ولكنه رفض ، وخرج واستقبل السلطان أبا العباس وسلم له مقاليد الأمور . فأكرمه السلطان أبو العباس واستبقاه ، ولكن كثرت السعاية ضده عند السلطان فاستأذن منه في الانصراف ، وانصرف ولحق إبن خلدون بأحياء العرب حيث أقام في بسكرة ، وبعد رحيله إعتقل السلطان أبو العباس أخوى إبن خلدون وصادر بيوتهما بحثا عن أموال .

(11)        وغضب سلطان تلمسان واسمه أبو حمو مما حدث لصهره والد زوجته أبي عبدالله من قتله والاستيلاء على ملكه ، لذلك حشد أبو حمو قبائله من البربر وحاصر أبا العباس في بجاية واضطره إلى الهرب منها وأعوانه من الأعراب . وبعد دخول أبي حمو إلى بجاية كتب إلى إبن خلدون يستقدمه ليتولى الحجابة ويستعين به على توطيد ملكه ، وذلك في 17 رجب 769 ، ولكن إبن خلدون كان قد أراد التفرغ للعلم وسأم من السياسة ، وكان أخوه يحيى بن خلدون قد جاء يزوره في بسكرة ، فأرسله إبن خلدون إلى السلطان أبو حمو في تلمسان يعمل حاجبا لديه بدلا عنه وكان السلطان أبو حمو قد ضاعت منه بجاية .

(12)        لم تستمر عزلة إبن خلدون طويلا ، إذ تحالف مع سلطان تلمسان أبي حمو في حصار بجاية سنة 769 ، وتحالف معه السلطان أبو اسحق صاحب تونس ، وأقنع إبن خلدون شيوخ الزواودة بالإنضمام إلى السلطان أبي حمو ، وانهزم أبو حمو بعد عدة معارك ، إلا أنه ظل مصمما على حصار بجاية ، وجاءه الخبر بأن سلطان المغرب عبدالعزيز يريد الهجوم على تلمسان فانسحب أبو حمو إلى بلده ليدافع عنها ، وحمل إبن خلدون رسالة أبي حمو إلى السلطان إبن الأحمر في الأندلس ، وفي الطريق اعتقله سلطان المغرب ، ثم عفا عنه بعد ليلة واحدة ، وذهب إبن خلدون إلى رباط الشيخ أبي مدين لينقطع للعلم .

(13)       ثم استولى سلطان المغرب عبدالعزيز على تلمسان وهرب أبو حمو عنها إلى عرب رياح . وكلف سلطان المغرب إبن خلدون بالذهاب إلى عرب رياح ليضمهم إلى طاعته سنة 772، ونجح إبن خلدون في أن ينفض عرب رياح عن أبي حمو مما سهل على سلطان المغرب هزيمته ، ووفد إبن خلدون مع شيوخ الزواودة من عرب رياح على سلطان المغرب فأكرمهم .

(14)       إنقطع ابن خلدون في بسكرة 772 واشتعل المغرب الأوسط ( الجزائر) بالإضطرابات . فأمر السلطان عبدالعزيز سلطان المغرب عرب رياح وشيوخ الزواودة بمساعدته وطلب مساعدة إبن خلدون في تحريضهم وذلك سنة 774، ونجحت الحملة وعاد إبن خلدون إلى بسكرة إلى أن استدعاه السلطان عبدالعزيز للقائه في المغرب ، فارتحل إبن خلدون من بسكرة بأهله وولده إلى المغرب في ربيع أول سنة 774 وعند وصوله عرف بخبر موت السلطان ، فاضطرب إبن خلدون واعترضته في الطريق عصابة بتدبير أبو حمو الذي ظهر أمره بعد  موت عبدالعزيز سلطان المغرب ، ونجا إبن خلدون من العصابة بصعوبة ، ولحق بفاس حيث أكرمه الوزير إبن غازي القائم على حكم المغرب والوصي على ولي عهد عبدالعزيز ، ثم حدث صراع بين إبن الأحمر في غرناطة وإبن غازي في المغرب ، وكان إبن خلدون أثناء ذلك الصراع عاكفا على العلم ، وكان إبن الأحمر قد اطلق سراح الأمير عبدالرحمن ليطالب

بعرش المغرب ، ونجح في تملك مراكش ، وقدم إبن خلدون له فروض الطاعة .

(15)       وأطلق سراحه عندما اعتقله الوزير ، وكان شريك الأمير عبدالرحمن المتحالف معه هو السلطان أبوالعباس صاحب فاس ، وحدثت فجوة بين أبي العباس وإبن خلدون مما جعل إبن خلدون يرحل إلى الأندلس للمرة الثانية سنة 776 حيث أحسن السلطان إبن الأحمر إستقباله ، وأراد أن يلحق به أهله المقيمون في فاس ، ولكن السلطات في فاس منعتهم من اللحاق به ، وطلبوا من السلطان إبن الأحمر تسليم إبن خلدون لهم فأبى ، ثم استجاب لطلبهم فأرسل إبن خلدون إلى الساحل الأفريقي حيث يكون تحت رحمة خصمه أبي حمو ، ولكنه استقر في تلمسان ، ولحق به أهله هناك في عيد الفطر 776، وأراد السلطان أبوحمو استخدامه في استماله الزواودة ، ولكنه كان قد صمم على الانقطاع للعلم ، فاختلى في قلعة أولاد سلامة أربعة أعوام حيث ألّف تاريخ العبر (776-780) في حماية أولاد عريف . وهم الذين توسطوا بينه وبين السلطان أبي حمو حتى تركه ، ولحق به أهله .

(16)وأراد الإستزادة من الكتب بعد أن فرغ من المقدمة وتاريخ العرب والبربر وزناته واشتاق إلى تونس وطنه فكتب رسالة بذلك إلى سلطان تونس أبوالعباس غريمه القديم ، فأذن له بالقدوم عليه فارتحل مسافرا إلى تونس سنة 780 في رجب وأحسن السلطان أبو العباس إستقباله ، وكان ابن خلدون قد ترك أولاده في قسنطينة  في حماية إبراهيم إبن السلطان أبوالعباس . ثم لحق به أهله في تونس . وبدأت المكائد ضده وتأليب السلطان عليه ، وكان مما أعانهم في الكيد له عند السلطان أنه كف عن المدح بالشعر منذ أن تفرغ  للعلم ، وكان على رأسهم إبن عرفة شيخ الفتوى في تونس ، فأقنعوا السلطان أن إبن خلدون يستكبر عن مدحه بالشعر ، ورد عليهم إبن خلدون بمدح السلطان بقصيدة طويلة مع ما استكمله من كتابه في التاريخ ، ولم تنقطع المكائد ، فضاق صدر إبن خلدون . وكان في الميناء سفينة تجارية على أهبة السفر إلى الإسكندرية فتوسل للسلطان أبي العباس كي يأذن له بأداء فريضة الحج فأذن له ، فركب البحر هاربا إلى الإسكندرية فوصلها في عيد الفطر سنة 784. [1]

وبدأ فيها مرحلة جديدة في حياته حين وصل القاهرة في أول ذي القعدة 784.



[1]
المصدر الوحيد عن هذه الفترة هو ما كتبه إبن خلدون في سيرته في أواخر تاريخه العبر : عن طبعة بولاق

 

اجمالي القراءات 14270