رحلتى الى وطنى

محمد حسين في الخميس ٢٢ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

قصدت رحلتى الى وطنى بعد غياب دام بضعة اعوام ، ذهبت وانا كلى حنين وشوق الى تراب ووطن لطالما شق على فراقه . مثلى كمثل اى مغترب يحب هذا البلد ، ووالد وما ولد، يحلم كل حين ان يعود كى يستنشق من هواه لكيلا يقتله الفراق فيعود مرة اخرى بدفعة الامل فى ان تنتهى غربته يوما كى يعود ويبكى بين ذراعى الوطن وهو يحتضنه بعد عناء الغربة.

ولكن لفحة نار المفاجأة كانت كالهجير الذى ضرب ضميرى ، وزادت من صدمته ، وما رأيت كان اشبه بكابوس يكاد يلقى بى الى ثرى اجهل مؤداه ونهايته . وكان الوضع &ute; وكأن الخراب والفساد يهطل من السماء . تحولت اجمل عواصم العالم فى ما قبل الثورة المشئومة ، التى اتت باسافل القوم كى يتحكموا فى مصير شعب ، بل امة باكملها ، وقد تحولت الى ثكنة ،بل ثكنات عسكرية ، تكاد الحرب تقوم بها ولو لم تكن هناك جيوش العدو . منظر يستدعى الرائى ان يتسائل : ماذا يحدث ؟ اهى حرب؟ فان كانت هى كذلك ، فاين العدو ؟ ومن اى جهة يأتى؟ هل الغيت معاهدة كامب ديفيد؟ . فاسترعى انتباهى المنظر مما جعلنى اسال احدهم ، ماذا يحدث ؟ ولم كل هذا؟ قال لى "قانون الطوارئ يا استاذ" فقلت له "لكن قانون الطوارئ هنا من ساعة ما وعينا على الدنيا ايه اللى فرق؟" قال لى " المرة دى وسعت حبة ، حبتين" فقلت داخل نفسى ، اذا فالعدو هو من يقطن تلك البلد ومن يدعى مصرى؟ السنا فى مصر ، وهل تمادى "اللى ما يتسمى" فى ان يفعل ذلك بشعب ، بموجب الاعراف هذا الشعب هو مالك الوطن ، فى ان يعتبره عدوا؟

وقلت لنفسى ، اشعر وكان الخراب والفساد عالقا بالجو ، اشعر وكانه يهطل من السماء . تري الناس سكاري وما هم بسكاري ـ تراهم يضحكون ولا يبكون وهم سامدون.. رغم أن المبكيات من حولهم بلا حصر.. الناس يديرون خدهم الأيمن والأيسر وقفاهم ليتلقوا الصفعات ويستزيدوا منها ويغرقوا في الضحك.. و الكلام كثير و الفعل معدوم ، والادهى من ذلك انتقاد الجميع الروائح الكريهة ولا يعون ولا يدركون أنهم مصدرها. فقد المرء مناعته الفكرية ، وتراه وقد تحول عقله إلي مقلب قمامة تلقي فيه فضلات ونفايات من الشرق والغرب يقال لها إنها من دواعي التحضر والتقدم والرقي.

اخذنى الموقف الى مواقف قد قرأت عنها لابن إياس والمقريزي ، في بدائع الزهور والخطط ، فقد وصف الرجلان ما حل بمصر في السنين الغابرة من مجاعة أدت إلي أن يأكل الناس الكلاب والقطط والجيف.. وبلغ الأمر حد أكل لحوم البشر.. وأبلغ ما اتفق عليه الرجلان هو ذلك التآلف العجيب مع أكل لحوم البشر.. فقالا: إن الناس أمسكوا بامرأة وراحوا يجرونها في الشارع ويضربونها ضربا مبرحا لأنها ضبطت تأكل طفلا مشويا.. وكان المارة يتابعون المشهد بلا اكتراث وكل منهم يمضي في سبيله لا يلتفت ولا يزاحم وكأنهم اعتادوا هذا الأمر وألفوه وتوافقوا معه.. ولم يعد يثير لديهم الدهشة والاستنكار.. والكارثة ليست في أكل لحوم البشر ولكنها في تلك الخاصية العجيبة التي يبدو أنها تلازمنا من ألوف السنين وهي الاعتياد والتآلف واللامبالاة حتي ولو خربت الدنيا. وذلك اثير فى انتباهى لمجرد انى لاحظت الناس لا تكترث بما حولهم ، الكل ماض فى طريقه وكان شيئا لم يكن ، وكأنهم قد اعتادوا على ذلك الذل وتلك المهانة حتى باعوها وهم لا يدرون ، فقد اتفق الناس على ان من يفرط فى ارضه كأنه فرط فى "البوكسر" . ولو ان الامر وصل الى البوكسر ، فلا اعتقد ان ما رأيته يدعو الى التفائل بان الشرف وما الى ذلك ما زال يجول بخاطر الناس ، فان الشرف والامانة والاخلاص والمروءة اصبحت فى مصر كنسمة الجنوب ، تغار منها كوكب الشرق ، ولكنها لا تعنى شيئا للمصرى اذا اتت لتلك المذكورات اعلاه.

تذكرت رغيف العيش الذى هو سبب الفاجعة والمصائب المتلاحقة لذلك الشعب ، فكل فرد تحدثه يقول لك "ياعم انا مالى ، هو انا اللى هاتكلم يعنى ، انا عندى عيال بادورلهم على رغيف العيش" واخر يقول لك " والشعب هيعمل ايه ، ده الشعب غلبان" . كلمة سلبى قد نسبها ونضعها فى موضع يحط من شأنها اذا وصفنا بها المصرى ، فهو العن من ذلك ، وعجابة العجب انهم قد تركوا التعجب من التعجب ، قائلين دائما " وايه يعنى ، اياكش تولع" وانا من داخلى اتمنى ان تلتهب بهم كى يفنى ذلك الجيل وانا معهم حتى تتخلص تلك الارض من وصمة العار التى سببوها من ولدوا فيها ، وهم وصمة عار اشد وطأة من النكسة .

قبل ان اذهب كان هناك حوار وجدال وصل الى حد الحرب عن الخمار والنقاب والحجاب ، وقد سألنى صاحبى عن رأيى فى هذا الامر ، قلت له مستعجبا ومستهزئا بذلك بانه نعم ان الحجاب هو مشكلة الامة ، فهو سبب الجهل والفقر واندثار الاخلاق ودماثتها والفساد والانحراف وانهيار التعليم والبنية التحتية والصرف الصحى والنصب وسرقة سواقين التاكسى للخلق وحوادث القطارات وغرق العبارات و وووو ...... وهو ايضا سبب التليف العقلى الذى اصاب الامة َ!! فضحك وقال فهمتك ، فقلت له وماذا بعد ، قال لى ياعم خلينا فى اللى احنا فيه ، ربنا على الظالم (-ولتلك الكلمة عودة فى وقت لاحق-) فقلت لنفسى ذلك ما يحدث عندما يفهم المصرى ، فهو يفهم وفى نفس الوقت قاعد تحت نعل الحذاء فى راحة متناهية ، فقد اخذت رأسه على الضرب بالنعول وفى نفس الوقت يقول لك "انا احسن من غيرى ، غيرى بينضرب على ..... " وكأنها نعمة سوف تزول منه اذا انكر عليها وانكرها!!!

ولكن هيهات ، فحتى اذا اخذنا الامر ماخذ الجد فى النقاب والحجاب وما الى ذلك من اشياء جهنمية التى يعتقد الباحثون انها ستحل السؤال الذى حير العلماء عقودا فيما اذا كانت هناك اى نوع من انواع الحياة على المريخ ، فقد يتماوج لديك الاحساس بداخلك عندما تتامل فى شوارع مصر بان
الحجاب والنقاب والخمار اللواتى كن أمورا مرتبطة بالتدين والورع والتقوي ، قد امست مع ذلك التآلف والوقت فاقدات ارتباطهن الشرطي بالتدين ، فترى كل شئ وقد صار هناك تبرج بالحجاب وسفور بالخمار ومصائب خلف النقاب.. وتحولت اللحي والجلابيب القصيرة مع الوقت والألفة من مظهر تديني إلي عدة نصب واحتيال لدي البعض .

لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه ، ولا اصلاح لفاسد حتى يفسد الاصلاح.

وللحديث بقية!!!

اجمالي القراءات 13773