الارهاب والضباب

كمال غبريال في الأحد ٠٥ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الحالة المصرية والعالمية تشخيصاً لمعضلة الإرهاب يكتنفها الدم والضباب معاً، فتختلط علينا الرؤى، وتتعثر خطانا في مواجهة ما يتحتم علينا مواجهته بكل الحسم والقوة والسرعة.
"
الفقر والظلم والتهميش والقهر والاستبداد هي منابع الإرهاب وقاعدته الاجتماعية"، أكلاشيه يردده "الأفندية" وهم معجبون بأنفسهم وبسعة اطلاعهم وبنظرتهم العلمية المادية للأمور، وبربطة العنق ماركة "سان مايكل" التي يعدلون وضعها بين الحين والآخر، إذا ما كانوا في لقاء على أحد الفضائيات.
هكذا يكون ترديد المبادئ والمقولات آلياً دون فهم حقيقي أو تمثل واستيعاب. . ربما جل ما يعني البعض التجمل بحلو الحديث، دون أن تبتل الأقدام من بحيرة الحقيقة الواقعية على أرض الشرق الأوسط والعالم. . لا يماري أحد في أهمية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كحق إنساني أولاً، وكضمان لاستقرار الشعوب ثانياً، لكننا هنا بإزاء إشكالية محددة، هي رواج الفكر السلفي المتخلف وفي ركابه الإرهاب، وهي تحتاج لتوصيف خاص بها، خارج ذلك الذي نجده في كتاب الماركسية. . الفقر والظلم والتهميش موجود في سائر المجتمعات منذ فجر التاريخ، وسيظل موجوداً بدرجة أو بأخرى، مهما نجحنا في التنمية والعدالة وما شابه من مقولات رائعة. ما ترددون مقولات وإن كانت رائعة، إلا أنها خارج السياق أو على هامشه.
لأي ظاهرة أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، وغالباً ما تحتاج الظواهر التي تتضمن تهديدات خطيرة إجراءات فورية على المدى القصير، وأخرى أكثر عمقاً وشمولاً على المدى المتوسط والطويل.
وضع أيدينا على الأسباب المباشرة للإرهاب هو الخطوة الأولى والمحورية، لأن عليها ستتقرر إجراءات مواجهته على المدى القصير والعاجل.
يأتي بعدها في الأهمية تتبع الأسباب الثانوية للظاهرة، والتي هي في حالتنا هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية، التي تساعد على نمو فيروس التطرف والإرهاب، وهذه تفيدنا في ترتيب إجراءات على المدى المتوسط والطويل.
المشكلة هنا فيما يحدث عن حسن أو سوء نية، من خلط للأسباب المباشرة بالأسباب غير المباشر، لتتوه هذه مع تلك.
الإجراءات العاجلة الضرورية حالاً وفوراً، هي المواجهة المسلحة الحازمة الباطشة للإرهاب، وغلق كافة أنواع الدكاكين المتاجرة بالدين والفكر المتطرف.
الإجراءات على المدى المتوسط والطويل هي السعي في طريق التنمية، لكي تجعل الحياة المصرية جديرة بأن تعاش.
أما خلط هذا مع ذاك، فيقع في المنطقة ما بين البساطة والسذاجة وسوء النية.
ثلاث فرق تردد رؤية البرادعي التي يصدرها للعالم عن بلاده التي تواجه عاصفة الإرهاب:
الفريق الأول أناس يتمتعون بحس إنساني غاية الرهافة، يذكرني بما قرأته عن رهبان هنود، يخشون أن يطأوا الأرض، خوفاً من قتل ما قد يكون بها من براغيث وكائنات حية. . أنحني احتراماً وخجلاً أمام إنسانية هؤلاء الفائقة!!
الفريق الثاني هم بتوع الثورة مستمرة، والذين يعادون الدولة المصرية على طول الخط، لسبب غاية في الوجاهة، وهو أن بطل الناصرية والعروبة قد خرج من الانتخابات الرئاسية بنسبة أقل من نسبة الأصوات الباطلة!!
الفريق الثالث هم الإخوانجية وأذيالهم، الذين يعرفون أن كثيرين مؤهلين لأن يلدغوا من جحر الإخوان، ليس مرتين أو ثلاثة، بل يظلون يلدغون هكذا إلى الأبد. هم بارعون في استغلال حماقة الحمقى.
السؤال المحوري هو:
تنظيمات الإسلام السياسي بأيديولوجيتها التي ترى أن الانتماء للدين وليس للوطن، وتنادي بالخلافة الإسلامية وتكفير المخالفين وإهدار دمهم، وترى تدخل الدولة في حياة الفرد الشخصية، وفقاً لمسئوليتها عن دخوله الجنة، وتبنيها لرؤى فقهاء عاشوا قبل أربعة عشر قرناً، وطموحها لغزو العالم بهذا الفكر والوصول لأستاذيته، هل تصلح هذه التنظيمات لأن تكون ضمن إئتلاف سياسي وطني يجمع سائر الأطياف السياسية الوطنية، لتشكل نظاماً سياسياً قادراً على مواكبة العصر، توافقاً بين كل أبناء الوطن، واندماجاً بالمجتمع الدولي وحضارته؟
على إجابة هذا السؤال يتوقف ماذا ينبغي أن يكون موقفنا من التنظيمات الإرهابية. هل نواجهها بالسلاح والقوة الحاسمة، ونعزل أجنحتها السياسية كما سبق وحدث مع النازية والفاشية، أم ندعوها للتفاهم وتكوين ذلك الإتلاف الذي يتحدث عنه البعض، وإن قبلت التيارات العلمانية بهذا الإئتلاف، هل ستقبل تلك التيارات الدينية به حقاً وصدقاً وليس تقية مؤقتة؟

اجمالي القراءات 12229