حكاية رجل

نهاد حداد في الأحد ٢١ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مازالت لهجته الصعيدية تغلب عليه وهو يتحدث عن هجص البخاري وراء كاميرا أهداها له بعض المحسنين. عانى الأمرين ، ومع ذلك ، مازالت  روحه المرحة تنتزع ابتساماتنا . لم أعرفه شخصيا ولكن حين حدثته هاتفيا أول مرة كان وسط عائلته الصغيرة يحتفل بعيد ميلاد أحد أحفاده ! شعرت بإنسانيته   وهو يتحدث عن زوجته التي يسميها أم امحمد على عادة المصريين .  ! " أنا مع أم محمد والولاد ومش سامع حضرتك كويس ...". 
رجل لم يأل جهدا في الدفاع عن دينه ، هاجمه الجميع ، عاداه رجال الأزهر كماعاداه غيرهم ، تماما كما يحدث اليوم مع إسلام بحيري ، لكن مع فارق كبير ، وهو غياب الإعلام والتكنولوجيا الحديثة ، التي جعلت الكثيرين يتعاطفون مع إسلام ويتضامنون معه ، معنويا على الأقل . أما هو ، فقد عاش في العتمة ، ولم يكن له معين سوى إلاهه الذي دافع عنه باستماتة ولم يخف فيه لومة لائم . سُجن وأُهين وهُجِّر ، عانى الأمرين ومازال يعاني . فليس من السهل نزع العصابة عن عيون أناس عاشوا وهم يقدسون التراث . تراث يهين الله ورسوله . تراث صنعه وصوليون إرضاء لأهواء وغرائز أولياء أمورهم الحيوانية حينا ، والدموية أحيانا كثيرة . لا أريدأن أختزل فكره في بضع كلمات ، فقد قضى عمره في البحث والكتابة والدفاع عن القرآن الكريم ، وهو يقترب اليوم من سن السبعين . ولكن مافهمته من فكره ، وأرجو أن اكون صائبة ، هو أنه يرى أن الإسلام دين سلام ومحبة ووئام . دين أخلاقي ، دين رحمة ، دين لايمكن استقاء تعاليمه إلا من معين الوحي الإلاهي ، ألا وهو القرآن الكريم . وكل مايتعارض معه ، ليس من الدين في شيء ، حتى لو نسب زورا إلى نبي الله عليه السلام . 
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن المنكر والفحشاء .
دين الله المنزل في قرآنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوافق الفحش والمنكر والنفاق والدموية التي اخترعها البشر وألحقوها بدين الله . أعرف بأنني أختزل فكرا ومرحلة طويلة في جمل قصيرة ، ولكن أريد فقط أن أُشهد التاريخ على مافاعله هذا الإنسان الكريم . الذي عمل ومازال يعمل مصداقا لقوله عز وجل :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون ". وأرجو من الله عز وجل أن أكون من المؤمنين الذين رأوا العمل وشهدوا به . 
هو رجل لا يعادي أحدا ، مسلم مسالم ، كل همه هو أن يوصل الصورة  الحقيقية لنبي شوه التراث صورته ، فعن نبيه يقول : بأنه ، كان على خلق عظيم ، تماما كما وصفه ربه . ومن كان على خلق عظيم ، لايمكن أن يرتكب من الفحشاء ما تعج به كتب التراث . 
هو رحمة للعالمين ، فلا يمكن إذن أن يكون ظلاما ولا سفاكا ولا مجرم حرب.  كما سماه التراثيون :" الضحوك القتال ". 
لقد وصف التراث محمدا على أنه نبي الهوس الجنسي ونكاح ومفاخذة الأطفال ، وجاء هذا الرجل الطيب ليقول لا . وألف لا . لا يمكن لنبي الله أن يكون كذلك ، ولا يمكننا أن نوافق على ماتصف ألسنتهم الكذب . 
لقدصنعوا نبيا يلائم أهواءهم وغرائزهم ويبرر شرور أعمالهم . لقد جعلوا منه شيطانا ( والعياذ بالله) . واستحلوا صورته لتصبح مسخرة للعالمين . وماتجرأ الكاريكاتوريون على نبي الله إلا لأنهم يصفونه بماوصفه التراث الكاذب ، الذي استباح عرضه وعرض نسائه أمهات المؤمنين . ثم يأتون بعد ذلك ليندبوا ويهللوا ويتهموا الغرب بالإساءة للنبي . ولو أن أحد الكاريكاتوريين غاب عن الأنظار بضع سنوات ورسم النبي في كل الأوضاع التي وصفه به التراث . لعرفوا حينها مقدار إساءتهم لنبي كان على خلق عظيم. 
لقد آساء البخاري لنبيهم ومازال الأزهر يستميت في الدفاع عنه ويتهم المتنورين بازدراء الدين ، مفضلا بذلك ازدراء النبي على أن يساء ببنت شفة لمؤرخ زعم صحة ماكتب . 
لقد صنع لهم ابن اسحاق سيرة أهان فيها خاتم الرسل وجعله عرضة لألسنة السوء . لقد جعلوا منه مجنونا مسحورا حاول الانتحار عدة مرات . مع أن الله في قرآنه الكريم عصمه من الناس ورفع ذكره . جعلوا منه مشركا يركع للات والعزى ويقبل شفاعة تلك الغرانيق العلا . جعلوا منه سبابا لعانا مدعيا معرفة الغيب . مع أن القرآن الكريم برآه من هذا تبريئا . إذ قال عز وجل في سورة الأنعام :" قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ". 
فجاء هذا الرجل الطيب ، كماجاء الكثيرون من قبله ، الذين عُتم على فكرهم فعُذِّبوا ونكل بهم أو قتلوا تقتيلا ، جاء ليبرِّء الله ورسوله من إفكهم ، فاتهموه بإنكار السنة . 
وبدعوى عدم ذكر عدد ركعات الصلاة في القرآن فضلوا المعادلة التالية ، التراث لأن فيه مواقيت الصلاة وعدد ركعاتها . فلا يمكن  أن نتخلى عنه ، بكل ما يحمله من إساءة لرسول الله عليه السلام ولكتاب الله ولله عز وجل ؛مقابل حجة واهية ؛ هي غياب عدد ركعات الصلاة في القرآن والتي جاءت أصلا بالتواتر ،وليست بحاجة في أي حال من الأحوال أن  تُفَصَّل . لأن غايتها الصلة بين الله وعبده . والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي . ولو كان غايتها مجرد عدد ركعاتها لأكد المولى عز وجل على ذلك في كتابه الحكيم . لكنه أكد في محكم تنزيله على الخشوع فيها . على غاياتها . وهي التقوى وتنقية النفس ونهيها عن الهوى . هي تلك الصلة النقية بين البارئ وخلقه . هي عدم الإشراك في ذكر أحد غيره معه . " وأقم الصلاة لذكري ". ذكر الله فقط . وقوفا وعلى جنوبكم . لأن الأهم ، هو عدم قطع الصلة بالخالق . وهو في نهاية المطاف يجزي من أحسن عملا. أما طريقة القيام بها، فقد جاءت بالتواتر جيلا عن جيل وأبا عن جد . أقامها المؤمنون قبل أن يأتي الكهنة في القرن الثالث للهجرة ليقرروا الصح والخطأ ويشوهوا دين الله بما ابتدعوه ونقلوه على أنه سنة نبي الله . فإذا كان مافي البخاري سنة ، فعثمان وأبو بكر وعمر بن الخطاب وهم رموز أهل السنة ، لم يكونوا سنيين مطلقا. 
جاء هذا الرجل الطيب لينفي عن الذات الإلاهية الظلم والإفتئات . لن ندافع عن دين الله . فهو الأقوى الأعز الأجل القادر على حفظ دينه وقرآنه وقد فعل. ولكننا سنترك القارئ يتدبر حديثا كهذا " إن الله عز وجل قبض قبضة فقال :"في الجنة برحمتي ، وقبض قبضة وقال : "في النار ولا أبالي ! " فهل يعقل كلام مثل هذا . إن الله ليس بظلام للعبيد ، فكيف لا يميز بين عباده فيأخذ تارة من هنا وتارة من هناك فيرمي حسب ماتمليه عليه قريحته لحظتها ( أستغفر الله العظيم ) إما في النار وإما في جنات عدن ولا يبالي .
ثم يتهمون الناس بالإلحاد . وهم أول من يلحد في أسماء الله .ويتهمونه بالظلم والهوائية واللامبالاة . ( أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ).
" وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ . "
هم أول من يلحد بعدل الله وقسطه ورحمته . هو " المقسط " فهل يعقل أن يرمي بالناس ولا يبالي . هو الرحمان الرحيم الغفار الرؤوف . فهل يرمي الناس دون أن يبالي . 
" ألا إني أستغفر الله وأعوذ به من إفكهم وإلحادهم ". هذا غاية مايقوله الرجل . إنه يذكرهم ، ويذكرنا بكلمات ربنا . وهذا هو ذنبه . 
هي ذي ذنوبه التي دفع سنينا من عمره في المنفى لأجلها . هي ذي أخطاؤه التي تجعل أعداءه يتهمونه بإنكار السنة وازدراء الدين . هي ذي مآثمه التي أدخلته السجن وتسببت في اضطهاده في وطنه وخارجه . 
ومع ذلك ، مازال قلمه لم يجف في الذود عن دين خالقه . ونرجو من الله أن يعينه على إتمام رسالته وأن يمن عليه بالصحة والعافية . وأن يتجاوز عن سيئاته وأخطائه . فهو أبدا لم يدع الإصابة في كل ماقال وما يقول ، ولكنه فقط يتبع أمر خالقه في تدبر كتابه المكين . 
هو ذا الرجل ، هو ذا الإنسان ، الذي عرفته من خلال كتاباته ومداخلاته التلفزيونية التي مافتئ الجميع يعتم عليها . مع أنهم يجعلون من قنوانهم أبواقا لكل أولئك الذين يهينون الله ورسوله بأفواههم وأعمالهم . فمتى تصحو ا هذه الأمة ومتى تعود إلى رشدها؟ 
يحدثوننا عن التخصص في الدين ، ويتحدث الله خالقنا عن أمة بكاملها:"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ". اللهم اجعلنا من هؤلاء وارحم من علمنا وأعاننا على الاهتداء إلى طريقك . واجعلنامن المدافعين عن دينك أبدا. ولا تزغ قلوبنا عن الحق . 
نحن لا يضيرنا أن نُضطهد في الأرض ، كما لم يهم الظلم هذا الرجل . فقد ظلم أنبياؤك ورسلك وهم أحسن الخلق .
ولنا في رسولك أسوة حسنة . 
نعم يا الله ، يا أرحم الراحمين . نحن نؤمن بك ونعلم أنه لا يمكن أن تجعل لنا أسوة حسنة في نبي يشبه نبيهم . بل في رسول عصمته من الناس ومن الزلل. في مبلغ كريم نبهته في سورة التوبة من المنافقين الذين يحيطون به . وحاشى أن يكون تنبيهك هذا عبثا في أواخر سورك . هو ذا ما يجعلنا نأخذ الحيطة والحذر من كل هؤلاء الذين نافقوا وكذَّبوا وكَذبوا. وشاركوا في نشر دين غير الدين لأن إيمانهم كان نفاقا بحتا. فهل يتذكر المؤمنون؟ 
اجمالي القراءات 14482