الإلحاد والملحدون فى القرآن

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ٠٥ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الإلحاد فى القرآن

أخذ منكرو وجود الله فى تسمية أنفسهم بالملحدين وهى تسمية لا علاقة لها بإنكار وجود الله فالإلحاد فى القرآن لا يمت بصلة لإنكار الإله إلا نادرا وسوف نورد الآيات التى وردت فيها الكلمات المأخوذة من الجذر لحد وهى :

قال تعالى فى سورة الأعراف "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون"المعنى ولله الأحكام العادلة فأطيعوه فيها واتركوا الذين يعصون أحكامه سيعاقبون بالذى كانوا يكفرون،يبين الله لنا أن له الأسماء الحسنى وهى الأحكام العادلة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"ويطلب الله منا أن ندعوه بها أى نطيعه فى هذا الأحكام ويطلب منا أن نذر الذين يلحدون فى أسمائه والمراد أن نترك طاعة الذين يعصون أحكامه لأنهم سيجزون ما كانوا يعملون أى سيعاقبون على ما كانوا يكسبون مصداق لقوله بسورة يونس"هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"وما يكسبون هو الكفر والخطاب للمؤمنين.

 الملحدون هنا هم العصاة لأحكام الله

قال تعالى فى سورة النحل "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين "المعنى ولقد نعرف أنهم يقولون إنما يعرفه إنسان كلام الذين يلقون له غامض وهذا كلام واضح عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أنه يعلم أى يعرف أنهم يقولون "إنما يعلمه بشر والمراد إنما يلقيه له إنسان وهذا يعنى أن من يعلم محمد(ص)هو إنسان أجنبى ،ويبين الله لهم أن لسان الذين يلحدون إليه أعجمى والمراد أن كلام الذين يلقون له غامض والمراد أن كلامه غير مفهوم ومحمد(ص)لا يفهم هذا الكلام لأنه لم يتعلم هذه اللغة الأجنبية بوصفه أمى وأما القرآن فهو لسان عربى مبين أى حكم واضح مفهوم مصداق لقوله بسورة الرعد"وكذلك أنزلناه حكما عربيا".

 الملحدون هنا هم الذين يوحون الكلام لأخر

قال تعالى فى سورة فصلت "إن الذين يلحدون فى آياتنا لا يخفون علينا "المعنى إن الذين يحرفون فى أحكامنا لا يغيبون عن علمنا ، ،يبين الله لنبيه (ص)والمؤمنين أن الذين يلحدون فى آيات الله لا يخفون عليه والمراد أن الذين يحرفون فى أحكام الله لا يغيبون عن علمه فهو يعرفهم فردا فردا .

 الملحدون هنا محرفو الوحى الإلهى والكثرة الكاثرة منهم تؤمن بآلهة والنادر منهم هو منكر الإله

قال تعالى فى سورة الحج "إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "المعنى إن الذين كذبوا ويردون عن دين الرب والمصلى الأمن الذى وضعناه للبشر سيان القائم فيه والزائر ومن يفعل فيه كفر أى فسق نعطيه من عقاب شديد ،يبين الله لنا أن الذين كفروا أى الذين كذبوا حكم الله وفسرهم بأنهم يصدون عن سبيل الله والمراد ويردون عن دين الله والمسجد الحرام والمراد والمصلى الأمن الذى جعلناه للناس والمراد الذى وضعناه للبشر أمان من الضرر والمراد بالبشر هنا العاكف فيه أى المقيم فى مكة والباد وهو الزائر لمكة من أجل الحج والعمرة ويبين لنا أن من يرد فيه بإلحاد أى من يفعل فى مكة وهى البيت الحرام ظلم أى فساد يذقه من عذاب أليم أى يدخله فى العقاب الكبير مصداق لقوله بسورةالفرقان "نذقه من عذاب كبير".

الملحدون فى الحرم هم من يقررون إحداث فساد فيه

قال تعالى فى سورة الكهف "واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا"المعنى وأطع ما ألقى لك من كلام إلهك لا مغير لأحكامه ولن تلق من سواه ناصرا ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يتلو ما أوحى إليه من كتاب ربه والمراد أن يطيع الذى ألقى من قرآن خالقه ،ويبين له أن لا مبدل لكلماته أى لا مغير أى لا محول لسننه وهى أحكامه مصداق لقوله بسورة فاطر"ولن تجد لسنة الله تحويلا"،ويبين له أنه لن يجد من دونه ملتحدا والمراد أنه لن يلق من سوى الله نصيرا مصداق لقوله بسورة الإسراء"ثم لا تجد لك علينا نصيرا"وهذا يعنى أنه لن ينقذه من عقاب الله سوى الله نفسه والخطاب وما بعده للنبى(ص).

 هنا الملتحد هو المنقذ من العذاب

قال تعالى بسورة الجن "قل إنى لن يجيرنى من الله أحدا ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته "المعنى قل إنى لن ينقذنى من الرب أحدا ولم ألق من سواه منقذا إلا طاعة لله أى لأحكامه ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :إنى لن يجيرنى من الله أحدا والمراد إنى لن ينصرنى على الله أحدا أى لن يمنع عذاب الرب أحدا إن كفرت به ولن أجد من دونه ملتحدا والمراد ولن ألقى من سواه منقذا إلا بلاغا من الله ورسالاته والمراد طاعة لله أى طاعة لأحكامه فالشىء الوحيد المنقذ من عذاب الله هو طاعة حكمه .

 هنا الملتحد هو المنقذ من العذاب

ومن ثم لا علاقة لكلمة الإلحاد بإنكار وجود الإله ومن ثم لا يصح إطلاق تلك الكلمة عليهم وإنما سماهم القدماء بالدهرية وأحيانا بالزنادقة

هل لم يذكر المصحف منكرى الألوهية ؟

من الأمور التى شاعت خلو القرآن من ذكر منكرى الألوهية الذين يطلق عليهم خطأ الملحدون وهو كلام قيل بلا دليل وقد ذكر الله التالى عنهم :

عندما تحدث الله عن خلق الناس وضع الاحتمالات التالية :

1-  الخلق من غير شىء وهو إنكار وجود خالق نهائيا

2-   أن الناس خلقوا أنفسهم فهم الخالقون

3-   الله هو الخالق

وفى هذا قال تعالى بسورة الطور "أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون "

 ومن هنا ذكرت طائفة الدهرية أو منكرى وجود الله

قال تعالى بسورة الأنعام ""وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين "المعنى وقالوا إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما نحن بمصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا ردا على البعث :إن هى إلا حياتنا الدنيا والمراد لا نعيش سوى معيشة واحدة هى معيشتنا الأولى أى نموت ونحيا والمراد نتوفى ونعيش الحياة الواحدة وما نحن بمبعوثين أى وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى تكذيبهم بالبعث بعد الموت فى البرزخ وفى القيامة .

وقال تعالى بسورة المؤمنون"أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر "المعنى أيخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم غبارا وفتاتا أنكم عائدون محال محال الذى تخبرون إن هى إلا معيشتنا الأولى نتوفى ونعيش وما يدمرنا إلا الزمان  ،يبين الله للنبى(ص)أن السادة سألوا الضعاف :أيعدكم أنكم إذا متم والمراد هل يخبركم أنكم إذا توفيتم وكنتم ترابا وعظاما أى رفاتا وفتاتا مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإذا كنا عظاما ورفاتا "أنكم مخرجون أى أنكم مبعوثون للحياة مصداق لقوله بسورة الإسراء "أإنا لمبعوثون "هيهات هيهات والمراد مستحيل مستحيل ما توعدون أى تخبرون وهذا يعنى أنهم يطلبون منهم التكذيب بالبعث دون أى حجة أو برهان وهو ما يعنى أن يطيعوا كلامهم مع أنهم ناس مثل الرسول الذى نهوهم عن طاعته وقالوا للضعاف إن هى إلا حياتنا الدنيا أى معيشتنا الأولى والمراد ليس لنا سوى حياة واحدة هى حياتنا فى الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين والمراد نتوفى ونعيش فى الدنيا وما نحن براجعين للحياة مرة أخرى وهذا يعنى أنهم يقولون أنهم يعيشون ثم يموتون وبعد ذلك ليس هناك حياة أخرى بعد الموت والذى يهلكهم فى رأيهم هو الدهر أى الزمن فهم يرون الدهر وهو الزمن هو من يميت الكائنات  

 وهنا الأساس الثانى لمنكرى الخالق فما دام ليس هناك إله فليس هناك بعث أخروى ومن ثم لا ثواب ولا عقاب وهو اعتقاد يشارك فيه منكرى الخالق الكثير من فرق الكفار

 فهم يقرون بكون المهلك ليس الله وإنما الدهر لكونهم ينكرون وجود الله ومن ثم نسبوا الحياة والوفاة للدهر وهو تعبير غامض فهو لا يعنى الزمن وحده وإنما يعنى ما تعنيه كلمة الخلق أى الطبيعة

قال تعالى بسورة الأنعام "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو "المعنى وما المعيشة الأولى إلا لهو أى شغل ،يبين الله للنبى(ص)أن الكفار قالوا من ضمن ما قالوا أن الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى فى رأيهم لعب أى لهو والمراد إنشغال بالأموال والأولاد مصداق لقوله بسورة الحديد"أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وتفاخر بينكم وتكاثر بينهم فى الأموال والأولاد

قال تعالى بسورة يونس ""إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون "المعنى إن الذين لا يريدون جزاءنا وقبلوا المعيشة الأولى أى ركنوا لها والذين هم عن أحكامنا ساهون أولئك مقامهم جهنم بالذى كانوا يعملون ،يبين الله لنا أن الذين لا يرجون لقاء الله أى لا يريدون مقابلة الله والمراد الذين يكذبون اليوم الآخر مصداق لقوله بسورة الأنعام"قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله"وهم الذين رضوا بالحياة الدنيا وهم الذين قبلوا متاع المعيشة الأولى وتركوا متاع الآخرة وفسر هذا بأنهم اطمأنوا بها والمراد ركنوا للتمتع بمتاع الدنيا وفسرهم الله بأنهم الذين هم عن آيات الله غافلون والمراد الذين هم عن أحكام الله معرضون مصداق لقوله بسورة الحجر"وأتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين "أى مخالفين لأحكام الله ويبين لنا أن مأواهم النار أى "مأواهم جهنم"كما قال بسورة آل عمران والمراد مقامهم هو الجحيم والسبب ما كانوا يكسبون أى يعملون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة يونس"بما كانوا يكفرون"

وفى الآيات السابقة فى سورتى الأنعام ويونس نرى الأساس الثالث الذى يقوم عليه دين منكرى الخالق وهو أن الدنيا لعب ولهو والمراد فوضى وهو أساس يتفق عليه كل الكفار عدا قلة نادرة 

 

اجمالي القراءات 82101