هل ما يحدث في مصر الان هو ثورة ام انقلاب ؟
هل ما يحدث في مصر الان هو ثورة ام انقلاب ؟

مهدي مالك في الجمعة ٢٢ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

هل ما يحدث في مصر الان هو ثورة ام انقلاب ؟

                                          مقدمة

قلما اكتب عن الشؤون الدولية باعتباري باحث متواضع في الشان الامازيغي غير انني اتابع كل ما يقع في هذا العالم الواسع بتناقضاته الصارخة و تحالفاته  الغريبة بين الدول المتخلفة في كل شيء و الدول العريقة في مجال الديمقراطية و الحريات الجماعية و الفردية بمعنى ان السياسة الدولية تتماشى مع المصالح الاقتصادية اكثر مع نشر الديمقراطية و حقوق الانسان ...

اولا قبل كل شيء ان الانسان العاقل مهما كانت ديانته لن يرضى باي حال من الاحوال و تحت أي ظرف كان قتل المدنيين الذين اعتصموا في ميدان رابعة العدوى و ميدان النهضة في صيف 2013 بغض النظر عن الخلاف الايديولوجي العميق مع تنظيم الاخوان المسلمين باعتبارنا مسلمين ذوي الفكر العلماني بمعنى اننا لا نؤمن بوجوب تطبيق الشريعة الاسلامية في مختلف مناحي الحياة العامة و لا نؤمن بوجوب الخلط بين السياسة و الدين الخ من هذه المبادئ الديمقراطية و الضامنة للتنمية البشرية و العدالة الاجتماعية و توزيع الثروة و القيم .

انني فعلا كتبت مقالا انثاء ما يسمى بثورة 30 يونيو 2013 تحت عنوان هل سقط شعار الاسلام هو الحل ام مازال حيث قلت بالحرف ان ما يحدث في مصر اليوم حسب رايي المتواضع هو معركة من اجل مدنية الدولة و تحقيق اسباب التقدم و الرخاء للشعب المصري المتميز بتنوعه الديني و الثقافي و تعدد تياراته الفكرية و السياسية و تعدد فنونها الموقرة من قبيل السينما و الادب الخ من هذه الخصوصيات التي جعلت مصر تعتبر موقع استراتيجي على صعيد منطقة شمال افريقيا و منطقة الشرق الاوسط.

غير انني انذاك ارتكبت خطا استراتيجيا بحكم ان نظام العسكر في نهاية المطاف لا يريد اقامة أي نظام ديمقراطي على الاطلاق بل يريد احياء عهد الاستبداد و القمع بكل بساطة و بكل تفاصيله و مبادئه بدعم قوي و مباشر من السعودية التي لا ترغب اصلا ان يوجد بلد ديمقراطي بجوارها يختار الناس فيه رئيس مدني عبر صناديق الاقتراع بكل حرية لاول مرة في تاريخ مصر الحديث حيث أفرزت صناديق الاقتراع محمد مرسي رئيس شرعي لمصر بدون أي نقاش حسب اعتقادي المتواضع لان جماعة الاخوان المسلمين امنت باللعبة الديمقراطية بشكل معين و امنت بالنسق المدني  للدولة الحديثة خلافا لبقية التيارات التي تنطلق ايديولوجيا و سياسيا من الدعوة الوهابية المعتمدة  على اسس  التكفير لعامة المسلمين  و خصوصا الشيعة و القرآنيين بمصر و تكفير هويات المسلمين الثقافية و الحضارية على الاعتبار ان العروبة تساوي الدين الاسلامي حسب راي مجموع  التيارات الاسلامية ذات الخطاب السلفي  .. .

انموقفي من الاسلاميين هو ثابت لا يتغير  على الاطلاق حيث ان مشكلة الاسلاميين اليوم بعد مرور تداعيات الربيع الديمقراطي هي تمسكهم بشعار الاسلام هو الحل كما يفهمه السالف الصالح كما يسمى منذ 14 قرنا دون اجتهاد يراعي حاجات المسلمين المعاصرة  باختلاف مذاهبهم الدينية و هوياتهم الثقافية بينما في اوربا  المسيحية استطاعت توحيد شعوبها المختلفة لغويا و ثقافيا في اطار الاتحاد الاوربي كخيار ناجح على كل المستويات و الاصعدة .

و بينما نحن المسلمون نعتبر خير امة اخرجت للناس مازال بعضنا ذوي النزعة السلفية يود الرجوع الى الخلافة الاسلامية و الى فقه الحلال و الحرام في  الشان السياسي حيث ان هذا الزمان تمكنت المراة في الغرب المسيحي من احتلال المناصب العليا و احتلال مكانة متميزة داخل تلك المجتمعات المسيحية بدون اية قيود دينية او اجتماعية لان اوربا قامت منذ قرون باصلاح ديني جذري بهدف الانتقال من الدولة الدينية الى الدولة المدنية الحديثة.

اذن هناك فرق شاسع زمني بين العالم المسيحي و عالمنا الاسلامي بحكم انتشار الفكر الماضوي داخل منظومتنا الدينية الرسمية و داخل منظومة تيارات الاسلام السياسي عبر التركيز التام على فكرة العودة الى مقاييس الماضي الايديولوجي و الاستبدادي بالمشرق العربي حيث هذا لا يمكن حدوثه بحكم ان عصرنا الحالي قد تجاوزه نهائيا من خلال الدولة الحديثة و الضامنة  للحقوق و الحريات بغض النظر عن الدين او العرق.

 و بالتالي فان مشروع الاسلاميين الايديولوجي هو غير قابل للتحقيق على المستوى النظري لان العاقل سيرى ماذا يجري في السعودية الان من انتهاكات لابسط حقوق الانسان تحت غطاء تطبيق الشريعة الاسلامية و السعودية هي مهد الاسلام و رسولنا الاكرم لكنها شوهت الاسلام عبر خطابها الوهابي المعادي للاخر مهما كان و المعادي لابسط حقوق الانسان حيث ان هذا المسلم المعاصر ليس غبيا باعتباره يشاهد  ماذا يجري في  بعض اقطار المسلمين من الحروب الطائفية و قتل المدنين اكثر ما يقع في فلسطين نفسها منذ عقود طويلة حيث يتساءل هذا المسلم المعاصر اسئلة  مختلفة مثل ما هو الداعي من هذه الحروب الطائفية اصلا؟ ..

 و عندما  يسمع هذا المسلم المعاصر فتاوى تكفر الديمقراطية و حقوق الانسان و العلمانية نفسها تحت ذريعة ان الاسلام هو شامل لمناحي الحياة العامة كالسياسة و الاقتصاد و الثقافة الخ من هذه المناحي حيث كم كنا نتمنى ان يكون الاسلام او بعبارة اصح ففه المسلمين السلفي بهذه الصورة المثالية غير ان الواقع يقول اشياء موضوعية من قبيل ضرورة قراءة الاسلام قراءة معاصرة و محاربة التطرف الديني إذا اراد المسلمين ان يتقدمون كشعوب الغرب المسيحي  لان التقدم له شروطه الاساسية مثل محاربة نظرية الرجوع الى الوراء نهائيا حيث تصوروا معي اذا حدث هذا الرجوع بالفعل فاننا سنتحول بكل بساطة الى خدام  الطاعة و الولاء بدون أي شروط حيث سيحل الاستبداد محل الديمقراطية عبر القراءة السلفية للنص الديني و بالتالي سيعتبر اية دعوة للاحتكام الى الديمقراطية كفرا و خروجا عن والي الأمر الذي يحكم بشريعة الاسلام كما فهمها فقهاء القرون الماضية الذين عاشوا في ظروف غير ظروفنا الحالية من حيث التطور الهائل التي عرفته البشرية من خلال الاستكشافات الجغرافية  و الاختراعات المهمة و المساهمة في انتقال البشرية من عصور الكهوف الى عصور الانترنت و الفكر الحر و الهادف الى التغيير العميق في فهم المسلمين لسياقهم الحضاري وفق مقاييس عصرنا الراهن..

انني اعتقد صادقا ان الخلاف العميق مع الاسلاميين لا يعني اقصاءهم من الحياة السياسية كما يحدث في مصر الان من اعتقال عناصر الاخوان المسلمين و سجنهم و اعدامهم تحت تهمة الارهاب الخ من هذه الاجراءات الدالة على حدوث الانقلاب في يوم 30 يونيو 2013 حسب رايي الشخصي كمعارض لجل جماعات الاسلام السياسي كما هو معروف عبر مقالاتي الكثيرة في هذا الشان..

ان منظومة حقوق الانسان الدولية تضمن لكل فرد الحق في اعتناق الاراء السياسية و الايديولوجية بكل حرية دون اية قيود دينية كانت او سياسية بينما داخل منظومة الاسلاميين ذوي النزعة السلفية فلا وجود هامش كبير من الحرية في التفكير و التحديث الاساسي في أي مجتمع انساني بحكم ان الانسان سيجد امامه خياران لا ثلاث لهما اما تكون معهم في خطهم المستقيم فانت عندها ستعتبر مسلم سيذهب الى  الجنة و اما تكون ضدهم فانت عندها ستعتبر كافر او ملحد سيذهب الى النار حيث ان الله سيحاسب الناس في نهاية المطاف على اعمالهم كلها  .

انني اعتقد ان شعار الاسلام هو الحل لم يسقط بعد في عيون عامة المسلمين و خاصتهم من العلماء و الفقهاء لاننا نعيش في الازدواجية الخطيرة بين القراءة السلفية للدين و المصطلحات الكونية ببلادي المغرب الذي يتابع بشكل دقيق ما يجري في مصر لان اغلبية المغاربة يتجهون نحو السخط من سياسات حزب العدالة و التنمية  الذي يقود الحكومة الحالية و الذي لم يفعل اي شيء يستحق الذكر تجاه العديد من الملفات الجوهرية من قبيل تفعيل دستور 2011 الحالي و حل المشاكل الاجتماعية كالبطالة و الفقر الفاحش و محاربة الفساد .

 لا ينبغي ان نقارن بين الحالة المصرية و الحالة المغربية لان المغرب هو بلد له تاريخ طويل و عريق مع العلمانية الاصيلة التي اخترعها اجدادنا الامازيغيين المسلمون لكنهم كانوا ذوي الفكر العلماني المغربي  قبل دخول جيوش الاستعمار المسيحي الى بلادنا سنة 1912 اثر توقيع عقد الحماية بين المخزن التقليدي و الاستعمار الفرنسي غير ان التيار الاسلامي ببلادنا ينكر هذه الحقيقة التاريخية لاسباب ايديولوجية بالاساس ..

ان من الصعب إقناع عامة المسلمين بزيف شعار الاسلام هو الحل حاليا بحكم عدم وجود نخبة متنورة من العلماء  و الفقهاء قادرة على تحقيق مشروع اعادة قراءة الاسلام قراءة حداثية وفق حاجات المسلمين المعاصرة و لمالا تاسيس حركات الاسلام السياسي الجديدة من الناحية الفكرية  .

   

المهدي مالك

 

 

اجمالي القراءات 8121