لماذا يفشل أغلب البشر فى ابتلاء الحياة الدنيا ف 3 / 3

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : ملمح نستفيده من قصة ابراهيم عليه السلام

1 ــ مبكرا بدأ الفتى ابراهيم  راشدا يحتج على ابيه وقومه : (  وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) الأنبياء ). كانوايعبدون الله جل وعلا ، ويعبدون معه أوثانا ينحتونها  تمثل الكواكب والشمس والقمر. قبلها دخل الفتى ابراهيم فى حوار مع نفسه عن القمر والشمس والكواكب التى يعبدها قومه : ( الأنعام 74 : 78  )، وتوصل بعقله الى عبادة الخالق وحده، وأعلن لقومه: ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام ). ودخل فى صراع مع أبيه وقومه والملك الذى زعم الألوهية وأنه يحيى ويميت ، فناقشه ابراهيم عليه السلام وتحداه أن يأتى بالشمس من المغرب ، فبُهت الذى كفر ( البقرة 258 ). واجههم ابراهيم بالحجة العقلية المنطقية بأن يعبدوا الخالق وحده ، وليس مخلوقاته معه ، أن يعبدوا الله جل وعلا وحده لا أن يعبدوا ما ينحتون من أصنام وقبور مقدسة ، فألقوه فى النار ، فأنجاه الله جل وعلا منها : (  قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ (98) الصافات ).  

2 ـ محور الهداية فى قصة ابراهيم هى خلق السماوات والأرض . إن الله جل وعلا هو وحده خالق السماوات والأرض وبالتالى فلا يصح أن يكون معه إله آخر لم يخلق شيئا ، بل هو من مخلوقات الله. ومن حُمق البشر ــ من محمديين ومسيحيين وبوذيين وهندوسيين ــ أنهم يعبدون مخلوقات خلقها الله جل وعلا ، ويرفعونها الى مرتبة الخالق جل وعلا : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) الأعراف )، (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) النحل ) ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ )( 3) الفرقان ). يصل الخبل العقلى الى الحضيض حين يأخذون مواد الأرض التى سخرها الله جل وعلا لهم ، والتى يدوسون عليها بأقدامهم من تراب وأحجار وحصى وخشب ، والتى  يستعملونها فى بناء البيوت والحظائر ودورات المياه ، ويقيمون بها قبورا يجعلونها مقدسة بدعوى أن تحتها رفات من يقدسونه ويعبدونه . وكانت حجة ابراهيم عليه السلام موجهة الى أولئك المغفلين الذين يعبدون ما ينحتون . ويعبدون الأجرام السماوية التى سخرها الله جل وعلا لنا . هى الحجة التى قال عنها رب العزة : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) الانعام ) .

3 ـ حين كان الفتى ابراهيم يفكر وحيدا فى خلق السماوات والأرض فى ليلة ونهارها (الأنعام 74 : 78) لم يكن معه سوى عينيه وعقله الواعى . لم يكن مُتاحا له تليسكوبات فضائية تتجول فى الفضاء الخارجى تغوص فى هذه المجرة ، ولم يكن متاحا له ميكروسكوبات تتيح له الغوص فى الفضاء الداخلى للذرة ونواة الذرة . ولو كانت متاحة له ما تغير فى الأمرشىء لأن العقل الواعى  يدرك بسهولة أن الله جل وعلا لم يخلق السماوات والأرض باطلا . يكفى أن تغمض عينيك وتفكر فى خلق السماوات والأرض متعقلا لتكون من أولى الألباب :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران )

4 ـ من قصة ابراهيم عليه السلام نفهم أنه من الخبل أن تجعل بشرا من الأنبياء شريكا لله جل وعلا ، وهذا النبى لم يخلق شيئا ، بل هو مخلوق ، وهو فى حياته لا يستطيع أن يلمس أقرب جُرم سماوى وهو القمر ، فكيف ببلايين المجرات وما بينها من بلايين السنوات الضوئية ؟ وما قيمة النبى المخلوق والبشر كلهم بالنسبة لخلق السماوات والأرض ، وخلقها أكبر من خلق البشر جميعا : ( لَخَلْقُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) غافر )؟

ثانيا : تقديس الأنبياء والرسل يعنى أن البشر لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره

1 ــ يرسل الله جل وعلا الرسل والأنبياء يدعون الناس الى أنه لا إله إلا الله . ثم لا يلبث هؤلاء الناس أن يقدسوا نفس الأنبياء ويجعلوهم شركاء لله جل وعلا فى ألوهيته وربوبيته . ينسون أن :

1/ 1 :  النبى هو بشر محتاج للطعام كى يعيش ، محتاج للحصول عليه ، ومحتاج الى إبتلاعه ومحتاج الى هضمه ، ثم هو محتاج الى إخراجه بولا وريحا و فضلات قذرة . ولو تعطل حصوله على الطعام أو بلعه للطعام أو تعطل هضمه أو تعطل إخراجه للبول أو البراز لأصبح فى أزمة هائلة . ولهذا فإنه جل وعلا يستخدم موضوع الطعام ردا على من يقدس المسيح وأمه لأنهما كانا يأكلان الطعام : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَانظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة ) وكذا كل رسل الله : (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20)الفرقان ). هل تضع هذا النبى المحتاج الى الطعام الى جانب الخالق جل وعلا ؟ .

1/ 2 : أن البشر فى حياته كان يمارس الجنس مع زوجته . يقول المثل البريطانى : ( لو تكلم السرير ( الفراش ) لإحمرت وجوه كثيرة ) يعنى أن السرير لو نطق بما يتم فوقه من لقاء جنسى لأصيب الناس بالخجل . لماذا ؟ لأن الفرد من البشر ـ ذكرا كان أو إنثى ـ عندما يُمارس الجنس فإنه يفقد إحترامه لنفسه ويتحول الى حيوان جنسى يفعل ما يستحى منه فى أوقاته العادية ويقول ما يخجل منه فى الأوقات العادية، ويستحى أو تستحى من حكاية ما يحدث على ملأ من الناس أو للأهل والأولاد . الأنبياء تزوجوا وأنجبوا ، أى مارسوا الجنس مثل أى بشر آخر . تخيل النبى محمدا وهو يمارس الجنس مع إحدى أزواجه .! . هل يوضع هذا النبى الى جانب الخلّاق العظيم ؟!

1 / 3 : ــ كل الأنبياء جاءوا من أب وأم ، وكانوا نطفة من ماء مهين شأن كل مخلوق من البشر: (السجدة 8 )، هل يوضع هذا النبى المخلوق من نطفة مهينة الى جانب الخلاق العظيم ؟ !.

1 / 4 : ــ كل نبى مات شأن كل نفس بشرية ماتت او تموت او ستموت.  والموت يعنى رجوع النفس الى البرزخ الذى أتت منه ، ورجوع جسدها بالتحلل الى تربة الأرض.وهذا التحلل يعنى تعفن وترمُّم الجسد بحيث يكون جيفة نتنة الى ان ينتهى الى تراب وعظام نخرة. والله جل وعلا قال لخاتم النبيين فى خطاب مباشر له وعن خصومه يؤكد له وقت أن كان حيا :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر ) موت النبى مساو لموت خصومه ، لا فارق بين النبى محمد وأبى جهل وابى لهب وعقبة بن أبى معيط. كل منهم تحول جسده الى جيفة نتنة شأن كل بشر يموت . هل يوضع هذا النبى الى جانب الخلّاق العظيم ؟! .

2 ـ ليس هذا إقلالا من شخص النبى محمد عليه السلام ، بل هو إثبات لحقيقة بشريته ، فهو بشر مثلنا ولكن يوحى اليه : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )(110) الكهف) هو رجل منهم : من قريش : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) (2) يونس ) هو رجل من العرب الأميين : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ  )(2) الجمعة ).

3 ـ الذى يعتبر هذه الحقائق القرآنية إقلالا من شخص النبى محمد يقع فى جريمة وخطيئة عُظمى : أنه لم يقدّر الله جل وعلا حق قدره . إن تقديس البشر والأنبياء يعنى عدم تقدير الله جل وعلا حق قدره . لأن التقديس هو حق لله جل وعلا وحده لأنه الخالق وحده . هناك مساحة فى النفس البشرية ( أو القلب ) للتقديس يجب أن تكون خالصة لرب العزة . إذا جعلت نسبة منها لتقديس النبى فأنت لا تقدر الله جل وعلا حق قدره . وهذا هو السبب الرئيس فى فشل البشر فى إختبار وإبتلاء الحياة الدنيا . 

 ثالثا : الحسابات الخاطئة للبشر

1 ـ البشر الأذكياء عندما يفكرون فى مشروع ما يبدأون بعمل ( دراسة جدوى ). البشر العقلاء الذين يقدرون الله جل وعلا حق قدره يتحسبون للآخرة القادمة الباقية الخالدة ، ليفوزوا فى إبتلاء الدنيا وليفوزوا بالخلود فى الجنة ولينقذوا أنفسهم من الخلود فى النار. دراسة الجدوى لمشروع تجارى أو صناعى فى هذه الحياة الدنيا لا تعنى حتمية نجاح المشروع ، وحتى لو نجح المشروع فصاحبه لا بد أن يتركه بالموت . أما دراسة الجدوى التى يسير عليها المؤمن الصادق الذى يؤمن باليوم الآخر والذى يقدّر الله جل وعلا حق قدره ـ فهى مضمونة النجاح ، والذى يضمن نجاحها هو الله جل وعلا الذى لا يُضيع أجر من أحسن عملا ، والذى لا يُخلف الوعد ولا يُخلف الميعاد ، والذى لا تبديل لكلماته ، جل وعلا. هنا يكون المؤمن الصادق ناجحا فى إبتلاء الآخرة ، ولذا فإنه فى أواخر حياته يرجو لقاء ربه متشوقا وآملا وطامعا فى رحمة ربه جل وعلا .

2 ـ يختلف الحال مع أغلبية البشر الذين لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره ، لذا تكون حساباتهم خاطئة ، وخطرها يعنى فشلهم فى إختبار الحياة الدنيا ، وخلودهم فى الجحيم . والله جل وعلا يتوعدهم بسبب ظنهم هذا الظّن السّيىء به جل وعلا : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح )

2 / 1 : لأنهم لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره ، فهم يقدسون معه أولياء وأربابا . وهذه الأولياء والأرباب لا تستطيع أن تخلق ذبابا ولو إجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا ستنقذوه منه ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) ثم يقول بعدها : ( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) الحج )

هنا تتجلى الحسابات الخاطئة فى إتخاذ عباد الله أولياء من دون الله ، يتخذونها وهم ( يحسبون أنهم يحسنون صُنعا ) ، يقول جل وعلا لهم : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )

2 / 2 : الحسابات الخاطئة فى  الظن السىء بالله جل وعلا بأنه جل وعلا غافل عن العالمين ، أى خلق العالم وتركه غير مهتمّ به . وتكرر نفى هذا مرارا وتكرارا فى القرآن الكريم بأساليب شتى .

وفى سورة البقرة وحدها قوله جل وعلا ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) ( 85)( 140 )( 149 ) البقرة ).

ويقول جل وعلا عن ملائكته التى تسجل أعمال كل فرد : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف ). ويقول جل وعلا عن علمه الشامل بنا : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة )( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ). وتكرر أنه جل وعلا على كل شىء شهيد : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ) الاحزاب (55) ).

لذا يقول جل وعلا عن بعض الصحابة الخائنين المتآمرين الذين كانوا يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله جل وعلا وهو بهم محيط : ( يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) النساء )، ويقول عن بعض مشركى قريش : ( أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) العلق ). هذه الآيات تنطبق على أغلبية البشر .

إن الله جل وعلا يرانا ويسمعنا وهو الشهيد علينا . هذا هو ما يؤمن به الذى يريد النجاح فى إختبار الحياة الدنيا ، والذى يقدر الله جل وعلا حق قدره . أما أغلبية البشر الذين يخسرون فى إبتلاء الدنيا أصحاب الظن السىء بالله جل وعلا فستشهد عليهم يوم القيامة سمعهم وبصرهم وجلودهم ، ويقال لهم : ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)فصلت ).

2/ 3 : الحسابات الخاطئة فى الابتلاء بنعيم الدنيا . سبق أن قلنا أنهم يحسبون ( خطأ ) أنهم بالنعيم الدنيوى سابقون ، يقول جل وعلا لهم : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) الانفال ). هم لا يدركون أن هذا النعيم إبتلاء ، وهم بعدم تقديرهم لله جل وعلا سيزدادون بهذه النعمة إثما ، أى هى حسابات خاطئة ، قال عنها جل وعلا : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) آل عمران ). ومنهم هذا الذى وهب حياته لجمع المال السُّحت يحسب أن ماله أخلده ، ثم تكون عاقبته الخلود فى النار : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) الهمزة )

2 / 4 : وتأتى النهاية لأولئك الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره . تأتى لهم نتيجة الحسابات الخاطئة يوم القيامة . يقول جل وعلا عن ذاته جل وعلا وتمام هيمنته يوم القيامة وتمام تحكمه فى يوم الدين : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67) الزمر ) (  وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر )

عندها وهم فى الجحيم يتمنون الافتداء بما فى الأرض جميعا لو كانوا يملكونه ، وبدا لهم من الله جل وعلا ما لم يكونوا يحتسبون فى حساباتهم الخاطئة :( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48) الزمر )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ يحسبون أنه لا بعث لعظام نخرة ، مع ان الله جل وعلا قادر على ذلك لو شاء ، بل هو جل وعلا قادر لو شاء أن يعيد البصمة لكل أصبع بشرية :( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) القيامة )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ ينكرون البعث ، فقال جل وعلا لهم :( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ يطنون ان الله جل وعلا خلقهم عبثا وأنه لا بعث ولا نشور . وسيقال لهم فى النهاية نفس الأسئلة الكبرى التى كانت من قبل فى طفولتهم وفطرتهم تُلحُّ عليهم :  ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون )

أخيرا

ماذا لو تدبرنا قوله جل وعلا لنا :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )؟؟!!

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 7478