.
محنة إسلام البحيري

نبيل هلال في الخميس ١٦ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

محنة إسلام بحيرى :

لو كانت الأمور تسير وفقا لما يريد الفقهاء من حظر النظر الديني على غيرهم لما أمكن استخراج  درر النص القرآني , ولبقينا نَعْمَهُ في ضلالات تراثنا الأصفر ,ولو لم يجتهد علماء العلوم الطبيعية - غير الدينية - في استنطاق النصوص لما أمكن اكتشاف الإعجاز العلمي في القرآن , ولولا جهود علماء الإحصاء والحاسوب (الكمبيوتر) لما  أمكن اكتشاف الإعجاز الرقمي (العددي) في القرآن , وهما من  الأدوات الحديثة لإقناع إنسان العصر المتحضر بألوهية مصدر القرآن بعدما انحصرت فعاليات الإعجاز اللغوي على أهل الضاد , وليس كلهم , بل المتعلمين منهم فقط. ومن كشفوا عن مثل هذا الإعجاز العصري للقرآن ليسوا من المشايخ ولا يتبعون أي مؤسسة دينية  , ولم يتلقوا العلم عن مشايخ (وهو شرط أساسي يضعه الفقيه لاعتماد علم العالِِم) . وهذا الإعجاز "العصري" هو السبيل الوحيد لمخاطبة عقول الناس في عصر العلم للمضي نحو عالمية الإسلام , وهي عالمية لن تتحقق بقصر الكلام عن المعجزة اللغوية والبيانية للقرآن   .  

ولا دور الآن  للمشايخ والمؤسسات الدينية  في اكتشاف معجزات القرآن العصرية  لأن الأمر يفوق الإلمام بألفية ابن مالك والتفقه  في اللغة , فالأمر أعقد من ذلك بكثير , فالزمام الآن في أيدي العلماء بعلوم العصر والحاسوب .والبراهين على ألوهية مصدر القرآن الكريم تقع في علوم الفلك والجيولوجيا والنبات والطب وعلوم العصر والعصور المقبلة حتى قيام الساعة , وهي علوم   لا يقوى على فهمها من يؤمن - مثلا- بأن كوكب الأرض يحمله حوت (انظر تفسير القرطبي )   وهو ما قاله الفقيه القديم وسكت عنه الفقيه المعاصر ,أو من يكفِّر القائل بكروية الأرض ,أو من ينكر غزو الفضاء).

وانشغل الوعاظ بالثرثرة من فوق المنابر في ما لا يفيد , وفاتهم اكتشاف مهمة القرآن في تغيير واقع الناس ,واكتفوا بالحديث إليهم عن نعيم أخروي ( يمتلك فيه الصالح مئات من الحور العين حيث يجامعهن بذَكَر لا يمل وإن الشهوة لتجري في جسده سبعين عاما يجد فيها اللذة ( انظر ابن قيم الجوزية – كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - حققه وأخرج أحاديثه خالد بن محمد بن عثمان).

ومن الاستبداد الديني غلْق باب الاجتهاد منذ القرن الرابع الهجري ظنا من الفقهاء  أنه تم استيفاء كل ما يهم  الناس من مسائل وقضايا , وأنه لا مزيد يمكن إضافته لفقه السلف , وتوقفوا حيث لا ينبغي لأحد أن يتوقف . وبغلقهم باب الاجتهاد يصبح الأمر كهنوتا مثل كهنوت كنيسة القرون الوسطى . ورأوا أن ما لديهم هو العلم كل العلم , ولم يتجاوزوه , ومضوا مدة مئات السنين يجترُّون ما لديهم من علوم أصبحت متحفية وغريبة عن العصر , وعكفوا على شرح متونها وهوامش المتون وهوامش هوامش المتون . وكان لابد من إغراق المسلم في دوامة من التفاصيل المظنون أنها دينية فاصطنعت ضبابا كثيفا ضلل عقل المسلم وحجب عنه الفكر القرآني الأصيل الذي يفرد الله بالقداسة وينزعها عمن سواه , سواء أكان الخليفة أم رجل الدين . وداروا في حلقات مفرغة تخلفت فيها الأمة وتجاوزتها سائر الأمم إلى أجواز الفضاء , فطار "الكفرة" - غير المسلمين- إلى القمر والمريخ ,   تلك شواغلهم  ,لكن شواغلنا نحن المسلمين لم تغادر بعدُ  قضايا  الختان والزواج من الطفلة الصغيرة ,شواغلهم تصنيع الصاروخ والسيارة والدواء والكمبيوتر ,ونحن مشغولون بإرضاع الكبير وزنا القرود .

وكم من متوضئ غسل رأسه ألوف المرات , ومع ذلك لم تتح  له  ولو  لمرة واحدة فرصة غسل عقله من الأوهام .  

وإذا ما حل مثل هذا الجمود على الدين , تعطلت تعاليمه وآلت الأمور إلى بوار, الأمر الذي كان الله يبعث بأنبيائه أحدهم تلو الآخر لفك الحصار عن الدين وإعادة الحيوية إليه .

ويصف لنا " عباس العقاد" أحوال حاخامات اليهود قبيل بعثة المسيح عليه السلام فيقول: "ومن الجامدين من يفخر بعلمه بالنصوص والشرائع, ويقيس علمه بمبلغ قدرته على خلق العقبات من خلال حروفها وسطورها أو من المقابلة بين سوابقها ولواحقها , ويحدث هذا لكل "شريعة" صارت إلى أيدي الجامدين والحرفيين ...  ,  ويتمادى الأمر حتى تصبح الاستقامة براعة في اللعب بالألفاظ وتعجيزا للجهلاء بالحيل والفتاوى , وحتى يزول الجوهر في سبيل العرض , ويزول اللباب في سبيل القشور .  " عباس محمود العقاد - عبقرية المسيح  - بتصرف.     

  وعلى الله وحده قصد السبيل .

    نبيل هلال هلال

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 8227