الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
ج3 / ف 2 :التصوف والشذوذ الجنسى: تطبيق الشذوذ الجنسى وفق عقيدة الشاهد

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٣ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

  كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية .

 تطبيق الشذوذ الجنسى وفق عقيدة الشاهد

عند القشيرى فى الرسالة القشيرية

          1ــ والقشيرى يعترف بأن الأشياخ قبله طبقوا عقيدة الشاهد سلوكا شاذا مع الصبيان، ويخفف من وقع المعنى حين يستعمل المصطلح الصوفى وهو ( صحبة الأحداث) ويعترف بأنها  ( من أصعب الآفات فى هذه الطريقة صحبة الأحداث)[1].

ويقترح القشيرى علاجا لمن أدمن هذا الفسق أو غيره بالرحيل عن مكانه لينسى ، يقول ( وإذا ابتلى مريد بجاه أو معلوم أو صحبة حدث أو ميل لامرأة وليس هناك شيخ يدله على حاله .. فعند ذلك حلُ له السفر والتحول عن ذلك الموضع ليشوش على نفسه تلك الحالة)[2] . ثم يقول فى آفة صحبة الأحداث ( من ابتلاه الله بشىء من ذلك فبإجماع الشيوخ ذلك عبد أهانه الله عز وجل وخذله ، وأصعب من ذلك تهوين ذلك على القلب حتى يعد ذلك يسيرا. )، ويروى القشيرى عن أحد الأشياخ  قوله: ( صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال ، كلهم  أوصونى عند فراقى إياهم وقالوا لى: اتق معاشرة الأحداث ومخالطتهم).  وهذا القول يذكرنا بالمثل الشعبى : إسأل مجرب.

  2 ــ ثم يلمح القشيرى إلى الأصل العقيدى فى معاشرة الأحداث وهو اتخاذ الأشياخ له شاهدا بالمفهوم الصوفى فيقول متحرجا: ( ومن ارتقى فى هذا الباب عن حالة الفسق ، وأشار أن ذلك من بلاء الأرواح وأنه لايضر)، أى اكتفى بالنظرواللمس ليحقق شهوده الصوفى الروحى ( وماقالوه عن وساوس القائلين بالشاهد، وإيراد حكايات عن بعض الشيوخ ، لما كان الأولى منهم إسبال الستر عن هناتهم الصادرة منهم ، فذلك نظير الشرك وقرين الكفر. ) . أى يعترف أن القول بالشاهد شرك وكفر ، ويتمنى لو أسدل الستار عن أقاويل الأشياخ وحكاياتهم فى هذا الشأن ، ويناقض نفسه فيعتبر ذلك هنات أوسيئات صغيرة طالما تتعلق  بالأشياخ.

3 ــ   ثم يتوجه للمريدين للمرة الثانية ( فليحذر المريد من مجالسة الأحداث ومخالطتهم ، فإن اليسير منه فتح باب الخذلان)[3].

والذى يهمنا أن كثرة التحذير من معاشرة الصبيان تدل على كثرة وقوع الفسق بهم واشتهار الصوفية بهذا، بل قد يكون أكثر الناصحين هو نفسه أكثر المدمنين ، فالشيخ يوسف بن الحسين  يقول ( رأيت آفات الصوفية فى صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد ورفق النسوان )[4]. وفى نفس الوقت يعترف بأنه لم يستطع الإقلاع عن إدمان الشذوذ فيقول مقالته الشهيرة ( عاهدت ربى ألا أصحب حدثا مائة مرة ففسخنا على قوام القدود وغنج العيون)[5]. فهذا الشيخ أدمن الشذوذ مع الصبيان ، وكلما تاب عاد ، وينطبق عليه قول عبد الحليم حافظ :

وأنا كل ما أقول التوبة يا عين     ترمينى المقادير يا بوى

تطبيق عقيدة الشاهد بالشذوذ فى العصر المملوكى

        1 ــ وإذا كان هذا حال الأشياخ فى بداية التصوف وفى رسالة القشيرى الداعية للاعتدال والإصلاح ، فإن انتشار التصوف فى عصرنا المملوكى أظهر طوائف الصوفية المتخصصة فى هذا المجال مثل طريقة المطاوعة.  يقول عنهم السخاوى المؤرخ ( المطاوعة وهم جمع كثير يبيحون النظر إلى الأمرد الجميل بحيث أنهم يشترونه من أهله بمبلغ  كبير .. ويأذنون فى اختلاء الأجنبى به، فمنهم من يدسه تحت كسائه، ومنهم من يدسه معه فى ثوبه، ويشرحه الأجنبى فيجعل صدرالأمرد على صدره ويهزه فيركض قلبه كما يركض الطائر الحمام ). ولاتعليق لنا على ذلك سوى أنهم كانوا يمارسون طقوسا دينية فى اعتقادهم ، وذلك مما قاله السخاوى نفسه عنهم ، يقول:( ويعتقدون إن ذلك قربة يتقرب بها لله)[6] ،  أى تطبيق عقيدة الشاهد .

 2 ــ  وعن طريقة المطاوعة الصوفية أيضا يقول أبوالفتح المقدسى فى كتابه ( حكم الأمرد) (طريقة المطاوعة صحبتهم الأحداث)، أى أن طريقهم الصوفى، أو دينهم يتركز فى ( صحبة الأحداث) ثم يتحدث عن طقوس عبادتهم فيقول: ( ويجلسونهم خلف ظهورهم ويسمونهم البدوات ، ويفتخرون بذلك ، ولايصحبون إلا الأمرد الجميل ، ولايربى الحدث إلا الفقير الصادق العارف بربه ).أى أكثرهم ورعا وتدينا فى دينه الصوفى هو الأكثر ممارسة للفاحشة مع الصبيان .! أى تطبيق عقيدة الشاهد.

3 ــ    ويتحدث أبو الفتح عن الشعارات التى يرفعها المطاوعة فى بدايتهم حين يربون الصبيان عندهم ( ولهذا يصيره عنده بمنزلة ولده ، بل أعز لذة اجتنابهم المكروهات  والمحرمات ، فيجعلونهم  خلف ظهورهم حتى لاينظرون وجوههم ولايمسونهم ولاينامون معهم .. فإذا رأوا فى الأمرد خيرا ورشادا خبأوه وكتموا عنه المحبة ولايعلم بها حتى يكمل عقله ) ( فكل ماكانت لديه هذه الأوصاف المذكورة جاز له أن يربى الأمرد وإلا فهو من المخالفين ).ولكن هذه الشعارات المرفوعة فى بداية المطاوعة لم تكن إلا ستارا لممارسة الشذوذ ، وأبو الفتح نفسه اعترف بذلك فيقول عن المطاوعة المعاصرين له وقد لمس طقوسهم ( خصوصا مطاوعة أهل هذا الزمان ، فإنهم ينامون مع المردان ، ويجلسون معهم ويأمرونهم بتكبيسهم ، وتحسيسهم، ويعانقونهم بالصدوروالظهور ، وغيرذلك عكس المتقدمين ، وأقبح من ذلك معانقة البدايات ـ أى المردان فى اصطلاحهم ــ بالظهوروالصدور ،لأن أحدهم يجد بذلك لذة وراحة عظيمة ، ويسمونها راحة الفقراء ، ويزعم أن ذلك حسنة لله تعالى ) وذلك يذكرنا بكلامه عن المؤاخاة مع النساء، وهو نفس إتخاذ الفاحشة شعيرة دينية ، أى تطبيق عقيدة الشاهد.

4 ــ  ثم يقول عن الوظائف الأخرى للبداوات ( ومن وظيفة البدوات بالنهار خدمة الفقراء وتفلية ثيابهم ، وغسلها ، وحمل الأباريق وغير ذلك ، مع غض أبصارهم ، وإطراق رءوسهم ، وخفض أصواتهم بترخيم ، وطلب الدعاء من الفقراء).[7] أى حولوهم إلى إناث .

5 ــ   وقد انتشر هذا الوباء الصوفى بين أغلبية الفقراء الصوفية خارج نطاق المطاوعة ، حتى يقول أبو الفتح: ( من آفات هذا الزمان صحبة المردان ، خصوصا فى فقراء هذا العصر زاعمين أن صحبتهم طريق إلى الرحمن ) [8].وهذا تأكيد آخر على إتخذاهم فاحشة الشذوذ شعيرة دينية ، أى تطبيق عقيدة الشاهد .

6 ــ  وقيل فى الشيخ الجمال العجمى أنه ( كان بصحبته عشرة مردان من جماعته فى غاية الحسن قل أن يرى مثلهم ، وليس من طريقته الذكر ولا كثرة الصلاة والعبادة ، بل الفكر، وقد سئل عن هؤلاء المردان ،فقال يحصل بالنظر إليهم شوق وذوق).[9] أى كانت عبادته فى الشذوذ فقط ، أى تطبيق عقيدة الشاهد .

7 ــ وكان ذلك فى القرن التاسع ــ عصر المطاوعة ــ ولكن الداء كان منتشرا من قبل ، فيقول ابن الحاج فى القرن الثامن أن الصوفية كانوا(  يستحضرون المردان فى مجالسهم للنظر فى وجوههم ، وربما زينوهم بالحلى والمصبغات من الثياب ، ويزعمون أن القصد من ذلك الاستدلال بالصنعة على الصانع)[10]. أى تطبيق عقيدة الشاهد ..

8 ــ وفى القرن الثامن الهجرى يقول المؤرخ صلاح الدين بن أيبك الصفدى عن الشيخ نجم الدين الأسوانى المتوفى فى صفر 739 ،إنه كان معلما بجامع عمرو بن العاص ، ثم  إنه تجرد مع الفقراء ( الصوفية ) زمانا طويلا ، وسافر معهم البلاد ، وكان يحضر معهم السماع ويصرخ فيه متواجدا ، ( وجرى على طريقتهم فى القول بالشاهد )( الوافى بالوفيات 13 / 23 : 24 ) . وكان المؤرخ الصفدى معاصرا لهذا الشيخ الصفى فى القرن الثامن إذ مات الصفدى عام 764 .

          وقبل العصر المملوكى وفى القرن السادس كان الصوفية يفعلون نفس الشىء، يقول عنهم ابن الجوزى ( ويستصحبون المردان فى السماعات ، يجملونهم فى الجموع مع ضوء الشموع)[11].

   9 ــ وعليه فلا نتهم ابن تيمية بالتجنى عليهم حين كتبت رسالته ( التنفير من الأمرد) ليحارب هذا الوباء الصوفى ويرد على دعاويهم بأسلوب الفقهاء. يقول : ( وقول القايل أن النظر إلى وجه الأمرد عبادة حرام ، ومعلوم أن جعل هذا النظر المحرم عبادة هو بمنزلة من جعل الفواحش عبادة ، بل من جعل مثل هذا النظر عبادة فإنه كافر مرتد ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهو بمنزلة من جعل إعانة طالب الفاحشة عبادة ، أو جعل تناول يسير الخمر عبادة أو جعل السكر من الحشيش عبادة ، أو غيرها عبادة ، فمن جعل المعاونة على الفاحشة عبادة أوغيرها عبادة فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ..).[12]

  ثم يأخذ فى تفصيل آراء الصوفية والرد عليها: ( وأما من نظر إلى الأمرد ظانا أنه ينظر إلى مظاهر الجمال الإلهى، وجعل ذلك طريقا إلى الله كما يفعله طوائف المدعين للمعرفة ، فقول هذا أعظم كفرا من قول عبُاد الأصنام  ومن كفر قوم لوط . هؤلاء شر من الزنادقة المرتدين الذين يجب قتالهم بإجماع كل أمة ، فإن عبُاد الأصنام قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، وهم يجعلون الله سبحانه وتعالى موجودا فى نفس الأجسام وحالا فيهم ، أما أولئك فيقولون بوحدة الوجود ثم يجعلون المردان مظاهر الجمال ، فيقررون هذا الشرك الأعظم طريقا للوصول إلى استحلال الفواحش ، بل إلى استحلال كل محرم. )

 وابن تيمية بهذا وضع يده على الأساس العقيدى للانحلال الصوفى . ثم يستطرد بضرب الأمثلة ( كما قيل للتلمسانى إذا كان قولكم بأن الوجود واحد هو الحق ، فما الفرق بين أمى وأختى وبنتى حتى يكون هذا حلالا وهذا حراما؟ فقال : " الجميع عندنا سواء ، ولكن هؤلاء المحجوبين قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ".  ويقول أحدهم: " إنما أنظر إلى صفات خالقى وأشهدها فى هذه الصورة" ، والكفر فى هذا القول أبين من أن يخفى على من يؤمن بالله ورسوله ، ولو قال مثل هذا الكلام فى نبى كريم لكان كافرا ، فكيف إذا قاله فى صبى أمرد.!.  فقبّح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها)[13].

وصدق ابن تيمية ( قبح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها).

 



[1]
ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37.

[2] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37

[3] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37.

[4] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37

[5] ـ تلبيس إبليس 260.

[6] ـ السخاوى . التبر المسبوك 103، 104.

[7] ـ أبو الفتح المقدسى الرجائى : حكم الأمرد 49، 50، 51، 40.

[8] ـ أبو الفتح المقدسى الرجائى : حكم الأمرد 49، 50، 51، 40.

[9]ـ تاريخ البقاعى . مخطوط : ورقة 136 ب .

[10] ـ المدخل ج2 /161 .

[11] ـ تلبيس إبليس 360.

[12] ـ ابن تيمية . التنفير من الأمرد 247، 255، 256.

[13] ابن تيمية . التنفير من الأمرد 247، 255، 256.

اجمالي القراءات 12291