العدوان السعودي على اليمن..إلى أين ؟

سامح عسكر في الإثنين ٣٠ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بدون سابق إنذار وبخطة تمويه وخداع أشعلت السعودية حربها ضد اليمن، على ما يبدو أنه عن اتفاقٍ مسبق مع عدة دول لبناء تحالف عربي قيادته ومركزه في السعودية، وهذا واضح من تصريحات مصر وباكستان اللتان أعلنتا أن أمن السعودية هو خط أحمر عند الدولتين، وهو تصرف قد يكون مشبوهاً عند البعض بحيث سيظهر شراء السعودية لمواقف الدولتين، وقد يمثل ارتباطاً في المصالح وهذا ما أستبعده..فلا توجد مصلحة باكستانية مصرية في غزو دولة ضعيفة مثل اليمن بينهم وبينها آلاف الأميال.

ظهر أيضاً أن الغزو السعودي لليمن يُصاحبه نشاطاً إعلامياً مكثفاً من مصر والسعودية، بحيث يجري تحشيد الجماهير نحو هدف معين بوسائل متعددة لا تخلو من إشعال النزعات الدينية والقومية، وهذا ظهر بوضوح في الشارعين المصري والسعودي بحيث وصلت معدلات الكراهية الدينية والعرقية ضد الشيعة والفرس لأعلى مستوياتها منذ حرب الخليج الأولى.

رأينا الإعلام المصري يُشعل قضية الأهواز /عربستان بعدما ظل لأكثر من 30 عاماً لا يتحدث عنها، باستعادة مقيتة لخطايا التاريخ، وهذا ما أتفهمه لأن الحشد الطائفي غالباً يُصاحب أي معركة حربية يكون أحد أطرافها دول الخليج، وقد أخطأ السيسي حين ربط أمنه القومي المصري بأمن السعودية ، وفي كل ظهور له يؤكد على هذه النقطة حتى شجّع السعودية على العدوان، بيد أن السيسي لم يكن يفكر في العدوان على اليمن مطلقاً، ولم تظهر أي بوادر إشعال حرب مع اليمن طيلة 9 أشهر قضاها في سدة الحُكم.

لكن ما هذا الذي حدث؟..ولماذا فوجئنا بالقرار العربي؟

هذه سياسة قديمة كانت تتبعها أمريكا أن تضرب حلفاء روسيا ولا تضرب روسيا، اليوم العرب يضربون حلفاء إيران ولا يضربون إيران، والسبب معروف أن روسيا وإيران أقوياء..يعني عدوان لا أخلاقي على عدو ضعيف لم يجلب للعالم إلا الدمار والشعور بالظلم والمهانة، رغم أن أمريكا نفسها لها حلفاء والسعودية لها حلفاء، حسب منطقهم لا يحق محاسبة حلفائهم لكن يحق لهم محاسبة حلفاء الخصوم.

مع العلم أنه وبزوال الحرب الباردة اكتشف الجميع أنه لا فارق بين شيوعية بوتين وليبرالية أوباما..الجميع لديه نفس الوسائل ويطبقها حين تتهدد مصالحه..كذلك لا فرق بين سلفية السعودية ومدنية مصر ..اكشتفنا في الأخير أن المصالح فقط تعلو فوق كل الأديان والقيم.

هذا يعني أن اجتماع العرب-لو حدث-على حرب اليمن سيجتمعوا كذلك على حرب سوريا ولبنان والعراق، فهذه الدول هي حليفة لإيران، بما يعني أن الحرب هي عربية عربية، ويظهر معها كذب من ادعى .."فزاعة إيران"..لتبرير العدوان على شعب أعزل وضعيف وفقير مثل الشعب اليمني.

كذلك فالقوة المشتركة التي يجري تشكيلها الآن لن تضر سوى العرب، سيدافع بها الملوك عن عروشهم من أجل تثبيت حكم مستبد وغير ديمقراطي، الأهم أن تمتلك المال، أما شراء الذمم فليس أسهل منه، فقد اشتروا مصر والسودان والأردن بأموالهم..ما المانع أن يشتروا ذمم الهند أو حتى الصين وروسيا؟!

مصر طول عمرها لا تنظر لليمن كعدو، لكن نظرنا إليهم كأعداء وكشيعة إلا بعد هذه الحرب، يومان فقط تحول فيهما الخطاب 180 درجة، لم يجر حوار مجتمعي أوثقافي بخصوصها، كل التصرفات والسلوكيات المرافقة لهذه الحرب هي ذرائعية محضة وغير شريفة، أن تجتمع 10 دول على ضرب دولة فقيرة بحجة تافهة وسخيفة –وهي إعادة الشرعية-يدل على أن الذمم مخروبة والضمائر ساكنة والعقل مضطرب..المادة فقط هي التي تتحدث..

الحوثيون في اليمن أقل مما يراهم البعض ، هؤلاء ضعفاء ولولا تحالف الجيش اليمني معهم -وتبعيته لعلي عبدالله صالح- ما نجحوا في اكتساح الجنوب، وهذا يعني أن العدوان السعودي على اليمن هو عدوان على الجيش اليمني نفسه، كل الأهداف المدمرة –جراء هذ العدوان-هي أهداف تخص الدولة اليمنية ومؤسساتها وبنيتها التحتية.

نحن لا نعلم شيئاً عن اليمن سوى ما يبثه إعلام تافه يحركه أنصاف مثقفين وكتاب مأجورين وإعلاميين حمقى في مصر والسعودية، كل وظيفتهم هي التبرير، حتى الإخوان اكتشفوا هذا الاضطراب الرهيب في الخطاب الإعلامي والسياسي..أصبحنا أضحوكة لأرذل الأقوام التي عاشت واقتاتت على وهم الخلافة.

مصالح مصر لا تأتي بالحرب والعدوان، نموذج أثيوبيا يدل على أن الحروب لا تنهي مشكلة بل تُشعلها أكثر وتزرع الأحقاد ونوازع الانتقام، في لحظة انتقلت أثيوبيا لدينا من عدو يهدد مصدر حياتنا إلى صديق نتعاون معه على التنمية..

لماذا لم تتبع مصر هذه السياسة مع اليمن؟

الإجابة واضحة: أنت لست مخيراً بل مُسيّر إلى جهة وهدف غير معلوم، لن يخدمك بل سيخدم من سيّرك إلى هذا المصير، أصبحت تحارب بالوكالة لا فرق بينك وبين المعتوه الأسباني.."خوسية ماريا أزنار"..حين تحالف مع بوش على ضرب العراق لمجرد منح مالية.

الفرق بين الشعب المصري والشعب الأسباني ظهر سريعاً ،الأسبان تمردوا على أزنار واكتشفوا حقيقته أنه إنسان خسيس يضرب ويعتدي ويقتل مقابل المال..جاء.."ثاباتيرو"..الذي صحح وضع أسبانيا وقرر نهاية حلفه العدواني مع بوش وسحب الجيش الأسباني من العراق..

فقط لأن لديهم وعي ثقافي ويعلمون مدى وضاعة هذه الحرب، أما الشعب المصري فجاهل ..مستوى المعرفة لديه في أدنى مستوياته، لم نكن كذلك في بدايات القرن العشرين، كانت هناك حركة ثقافية ضخمة استبشرنا باستعادتها على يد السيسي بعد ثورة يونيو..لكن جاءت هذه الفاجعة لتهدم كل شئ وتضع مصر موضع الحليف المشبوه والمرتزق، وشعبها في موضع الطائفي التحريضي الذي لا يعرف عن التسامح شئ..رغم أن تاريخ مصر مع التسامح جيد...

راجع فتاوى الشيوخ وردود الأزهر ودعمهم لهذا العدوان الآن، وكيل الأزهر .."محمد مهنا"..وغيره إضافة إلى مئات وآلاف الشيوخ على المنابر استبدلوا العدو الداعشي والصهيوني بالعدو الشيعي والفارسي، رغم أن 90% من رؤساء المذاهب والمحدثين هم فرس، والشيعة ليسوا أعداء بل مواطنين عرب ومسلمين، لكن تأثرنا بالنزعة العثمانية الشعوبية هي التي فعلت كل ذلك..وكأن أردوجان يُخرج لنا لسانه ويقول أن ما فعلوه بنا أجداده لن نفلت منه مهما حدث.

نعم ..خطة استعداء الفرس لم تظهر قبل حروب الصفويين والعثمانيين في القرن السادس عشر الميلادي، نجح بعدها العثمانيون في غرس ما لديهم من عداء مع الفرس بين العرب، فالأتراك والفرس أعداء تاريخيين، بينهما صراع داخلي بين الجنس الآري يعود تاريخه لصراع السلاجقة مع الغزنويين والدولة البويهية الشيعية، غاية ما كان يعرفه العرب عن الفرس هي ممالك كسرى وأنهم يعبدون النار، لكن كانت لهم دولة في جنوب العراق تابعة للفرس كحرس حدود ضد غارات البيزنطيين وهي دولة المناذرة ، وهذا يعني أن ثمة فارق كبير بين رؤية بدو الصحراء لفارس وبين حَضَر العرب في اليمن وجنوب العراق.

فالعداء العربي الفارسي بالأصل مفتعل..بينهما حروب جاهلية عبثية أزهقت الملايين، وما حدث من فتنة سنية شيعية في العراق لنموذج حي على خطورة النزعات القومية المتطرفة، التي في تقديري لم تكن لها أن توجد في العصر الحديث لولا أفكار .."ساطع الحصري"..التي انتهت بربط شنيع بين الفرس والديانة المجوسية، وربط أشنع بين الشيعة والفرس..نتج عنه وصم كل شيعي بالمجوسي نزولاً لتعريفات الحصري للقومية العربية التي اضطر معها لتجريد كل القوميات الأخرى على خلفيات تاريخية دون إعمال للواقع، أو تقدير أي تغيرات فكرية حدثت، أو حتى رصد التباين بين الأفكار بما لا يؤدي إلى التعميم.

المثير أن القمة العربية الأخيرة استدعت أفكار ساطع الحصري كمقدمة لشيطنة غير العرب، وهذا ما ظهر في لغة المتحدثين وقراراتهم التي أفضت إلى إنشاء.."قوة عربية مشتركة"..قلنا أنها ستكون خطر على العرب أنفسهم، فما من تحالف عسكري ينجح قبل بناء اجتماعي واقتصادي قوي، وفي تقديري أن المجتمعات العربية هشّة من الداخل، وهذا يعني أن التحالف العسكري قبل التحالف الاقتصادي هو نوع من الجنون والعربدة، كان بإمكانهم إقرار.."سوق عربية مشتركة"..ستكون رادعاً للخصوم حسب النظام العالمي الجديد.

ظن العرب أن العالم لا زال يعترف بالأحلاف العسكرية، أو أنها ذات قيمة بنائية، على ما يبدو أنه تفكير قديم استدعوا فيه مبادئ الناصرية وذكريات 73 وغزوة البترول، هذا كله أصبح من الماضي، العالم الآن اقتصادي بحت، أما الأحلاف العسكرية فرأينا بعد عشرات الأعوام من إنشاء حلف وارسو سقط وتفككت أعضائه، حتى حلف الناتو لم يعد قادراً على حسم ملف أوكرانيا رغم حساسية هذا الملف لديه، علاوة على عجزه في ملف جورجيا وانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ،..علاوة على عجزه في ليبيا بعد إسقاطه القذافي، وبالعموم هذا حلف عسكري معرض للتفكك إذا ما تعرضت مصالح أعضائه الاقتصادية للخطر، أي ان الاقتصاد هو البناء الرئيسي في تكوين الأحلاف وليس السلاح.

بالعموم لقد وضعت السعودية نفسها في مـأزق ،أعلنوا أن عدوانهم على اليمن هو لعودة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، وهذا يعني أن الحرب لو لم تفلح بعودة الرئيس يعني هزيمة محققة للسعودية..

مبدئياً كلما طال أمد الحرب كلما كثرت الضغوط لإيقافها ، ولو وقفت الحرب دون عودة هادي- أو في ظل سيطرة حوثية -ستكون فضيحة عسكرية وسياسية مدوية للدول المعتدية وكل من باركها وأيدها..أن تجتمع 10 دول على قصف قبائل ولم يفلحوا في هزيمتهم يعني هو نصر معنوي وسياسي شامل وقوة أكبر تُضاف لتلك القبائل ،علاوة على تجاوز الحوثيين مرحلة.."الصدمة"..وامتصوا الهجوم ..وهم الآن يفكرون في كيفية أخذ زمام المبادرة، ولو أخذوها سيحدث مع السعودية نفس ما حدث لإسرائيل في جنوب لبنان..

معلومة: السعودية لديها نقاط ضعف مقابل قوة الحوثي..وهي مصافي النفط ومحطات تحلية مياة الشُرب في جدة، هذه الأهداف لو تم قصفها بصواريخ إيرانية ستهتز المملكة وتحدث أزمات إنسانية.

بعيداً عن الوضع العسكري...السعودية في مأزق لو لم تُنهِ الحرب بطريقة تحفظ لها ماء الوجه، أما في هذا الوضع فكل يوم يمر دون تحقيق انتصار سعودي هو نقطة تُضاف للخصم..علاوة على مخاطر دخول الحوثي حرب مفتوحة على الحدود..حتى الآن زعيمهم يُهدد ولم يُعط قرار بالدخول.

تعرف السعودية أن هذا العدوان جاء في توقيت غير مناسب لها، ففي ذورة انتصار الحوثي على قوات عبدربه منصور تكون النزعة الوطنية لديهم في أوجها، يعني العدوان جاء في وقت مناسب للحوثيين يمتلكون فيه كل عناصر الجهوزية التامة ..لذا لا يوجد غير حل واحد وهو..توسيع هذه الضربة وإعطائها زخماً إقليمياً ودولياً ، بمعنى أن العدوان السعودي على اليمن لم يكن مقدراً له بهذا الشكل، لكن طبيعة ما حدث مؤخراً في عدن فرض عليها هذا الإخراج.

السعودية لديها إجابة على سؤال واحد كي تكتمل مهمتها بنجاح وهو: هل لو لم تُسفر الضربات الجوية عن انهيار حوثي وقرروا التدخل البري ..هل سيستسلم الحوثيين؟

لا أظن ذلك..فحسب خطاب زعيمهم –منذ يومين- توجد دفعة معنوية وعقائدية عالية وصلت لأعلى معدلاتها ، وهذا يعني أن الحرب قد تطول، وخسائر كبيرة في الطرفين، وفي كل الأحوال لا يربح المحارب ، الربح فقط لمن يوزان بين الحرب والسلام، والسعودية لا تعرف سلاماً مع اليمن فلا عتاب عليها..بل أعتب على من تحالف معها في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل..

اجمالي القراءات 14199