العبث باليمن العبوس

كمال غبريال في الأحد ٢٩ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

أنا لست خبيراً استراتيجياً تليفزيونياً والعياذ بالله، من هؤلاء الذين يفصلون تحليلاتهم ورؤاهم، وفق ما يهوى السلطان أو الخليفة، أو من يضع أصبعه على زناد البندقية. لكنني لا أستسيغ ولا أفهم ماذا يحاولون الآن في اليمن بهجمتهم العنترية. إذا كان تحالف الحوثيين قد كاد أن يسيطر على كامل اليمن، بحيث أسروا وزير الدفاع، فيما هرب رئيس الجمهورية إلى خارج البلاد، فماذا أمامهم لتغيير هذه الحالة، غير احتلال كامل اليمن، فهل ينتوون، وهل يقدرون؟!!
لا يوجد باليمن فريق للحداثة والحرية، في مواجهة فريق آخر متخلف وظلامي، لنعتبرها حرباً مقدسة من أجل الحرية والأنوار. هو صراع الفقر المدقع والفوضى والتخلف والعصبيات القبلية والطائفية، وإن انتمت عناصر تنظيم القاعدة بدرجة أو بأخرى إلى أحد الفريقين المتصارعين، وهو بالمصادفة غير السعيدة، ذلك الفريق الذي تدافع عنه الجيوش العربية الماجدة، المهاجمة لأرض اليمن العبوس.
تدخل قوات إقليمية باسم الشرعية، في جانب فريق عجز عن ضبط الأوضاع باليمن، ضد تحالف تبدو بشائر قدرته على السيطرة على كامل اليمن، هو أمر غريب وغير مسبوق في العصر الحديث فيما أعتقد. يبدو الأمر كله إقليمياً ودولياً، يسير وفق هوى القطب السُنِّي فاحش الثراء، في الصراع المذهبي الدائر، مع القطب الشيعي المدجج بالسلاح، للهيمنة على المنطقة.
لماذا لا تتوقف هذه الحرب العبثية فوراً، وننظر لما يعرضه عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح، ونضعه محل البحث الجدي، وليس بحث الإملاء والإذعان والهيمنة، لا من قبل الحلف الحوثي المسيطر على الأرض، ولا من قبل الحلف المؤيد إقليمياً ودولياً. لماذا يكون الخيار هو الفرض بالعنف، وضرب قبائل متخلفة يقتلها الفقر والجهل، بقاذفات القنابل الحديثة؟!!
عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي ظهر في خطابه الأخير، وعلى صدره خنجر بدائي، يثير الشفقة على الرجل، بأكثر مما يثير الرهبة منه، رجل قد يكون صادقاً ووطنياً، يبحث عن العدالة والرخاء لكل شعبه، وفق ظاهر كلمات خطابه. كما قد يكون مناوراً مخادعاً، "يتستر حتى يتمكن" بمعسول الكلام، ويسعى في الحقيقة لهيمنة قبلية أو طائفية. لكن أياً كانت الحقيقة، فإن خطاب الرجل مدني وطني، ولا يوجد في خطابه الأخير على الأقل، أي ظل لرؤية دينية ظلامية يريد فرضها على الناس. لم يكن ينبغي أبداً أن تقف دولة كمصر أو أي قوى عالمية، موقف العداء المطلق من مثل هذا الرجل!!
لماذا لا تنظر القوى العالمية على الأقل إلى الحوثيين، ذات نظرتها إلى قضية شيعة وأكراد العراق، والأفارقة في جنوب السودان؟. . هل لشبهة علاقتهم بالشيطان الإيراني، أم لكونهم يدينون بالمذهب الشيعي، المستهدف في المنطقة بالقهر والاستئصال؟. . أليس كلا الأمرين يوجبان احتضان الحوثيين إقليمياً ودولياً، للنأي بهم عن الانجراف إلى تيار إيران التخريبي، وتيار المذهبية المدمر؟!!
الآن وفق الخطاب السائد للتحالف، الذي يضرب الشعب اليمني بقاذفات القنابل انتصاراً للشرعية، أليس من حق إيران، دخول سوريا للدفاع عن الشرعية، أم أن "الشرعية" هي قميص عثمان جديد، نلوح به متى وافق هوانا، ونطيح به متى يروق لنا، كما حدث وتكتل العالم كله، ضد شرعية القذافي وبشار الأسد، واحتض من أسقطوا شرعية زين العابدين بن علي وحسني مبارك؟!!
أليس من الطريف أن تشن دول عربية حرباً على شعب عربي، لتعقد في اليوم التالي "مؤتمر قمة"، بالطبع للتصديق على هذه "الحرب المباركة"؟!!. . عموماً ليس هذه بغريب على العرب، فليست تلك هي الحادثة الأولى للسير بالظهور إلى الخلف، فيتشاورون بعد اتخاذ القرارات، ويجتمعون لمجرد تبويس اللحى، قبيل موائد الثريد العامرة بالخيرات. اجتمع الجالسون على العروش المتصدعة في شرم الشيخ، فيما غاب عن اللقاء، القوى الشعبية الناهضة من رقادها، بكل ما تحمل من تخلف وعصبية وتطلعات ومظلومية، لتزلزل كل ما هو كائن، وانتهى من زمن عمره الافتراضي عالمياً، وحان الآن وقت الإطاحة به محلياً. أظن أن التسمية الصحيحة هي "مؤتمر الكراسي المهتزة". هو اجتماع "قمة"، في زمن تفقد فيه "القمم" زمام الفعل، لتصبح مفعولاً بها، فيما تأخذ عناصر "القواعد" مبادرة الفعل. النتائج المستقبلية لهذا الصراع المدمر غير معروفة، إن كانت استعادة تلك العروش لسلطانها، أم انهيارها التام، أم حل وسطي بين بين، يستمر لبعض البعض، وليس كل الوقت. 
التطوير والتحديث مستبعد أو مؤجل في المنطقة العربية، إلى أجل غير مسمى. المتاح الآن هو إدارة الصراعات في مختلف بؤر التوتر، بمحاولة جمع الفرقاء حول هدف الاستقرار ووقف الصراع بالعنف. سيتطلب هذا القبول حتى بالتيارات الظلامية، التي تبدي ولو ظاهرياً استعداداً لنبذ العنف، ومشاركتها في الحكم، بقدر حجم قوتها وتواجدها في الشارع. . هذا هو الواقع المُر، الذي يتحتم علينا تجرعه، والبديل هو الخراب الشامل، والفوضى المدمرة غير الخلاقة.
إذا كان العالم قد فشل ويأس من محاولة تحديث اليمن وتنوير شعبه، فلا نظن أن ضربه بالقنابل يمكن أن يكون هو الحل، فما يحدث الآن "لن يزيد الطين إلا بَلَّة"!!

اجمالي القراءات 6224