الفصل الخامس : أثر التصوف في الجهاد فى العصر المملوكى
ج2 / ف 5 : جهاد الصوفية الفعلى وخيانتهم وتعاونهم مع العدو

آحمد صبحي منصور في السبت ٢١ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف 

الفصل الخامس : أثر التصوف في الجهاد فى العصر المملوكى

جهاد الصوفية الفعلى وخيانتهم وتعاونهم مع العدو    

    جهاد الصوفية في المصادر التاريخية

1ـ عندما عزم الأشرف خليل على التوجه إلى عكا لفتحها في ربيع الأول سنة 690 جمع الصوفية فى ( تربة)  أبيه المنصور قلاوون ، يقرأون القرآن وفرق عليهم الصدقات وعلى أهل المدارس والربط والزوايا والخوانق[1] أي ليؤيدوه بدعواتهم المستجابة. وهذا دورهم في فتح عكا آخر معقل صليبي، أي مجرد الدعاء وقراءة القرآن مقابل أجر .

2ـ على أن بعض المتصوفة قد شارك بالقتال الفعلى في حملة مملوكية موجهة لقتال العربان بالصعيد .

وقد تمكنت هذه الحملة من إهلاك العربان هناك عن آخرهم، وأسرت منهم الكثير خصوصا النساء والأطفال ونهبت الأكثر الذي تفرقته الأيدي : ( وصار لكثرة ما حصل للأجناد والغلمان والفقراء ( الصوفية )  الذين اتبعوا العسكر أن باعوا الكبش السمين من ثلاثة دراهم إلى درهمين..") ( "وقد خلت بلاد الصعيد من أهلها، حيث صار الرجل يمشي فلا يجد في طريقه أحد، وينزل القرية فلا يرى الا النساء والصبيان .! )"[2]. أي خربوا الصعيد ودمروه.. وهذه هي الحملة المشهورة التي شارك فيها الصوفية.

 3ـ هذا، ولقد أثرت الأوقاف – والمتأثرة بالتصوف – على حركة الجهاد الديني ، ذلك أن النظام الحربي في الدولة المملوكية قام أساسا على نظام الإقطاع، وقد نافست الأوقاف على الصوفية  ــ وجهادهم السلبى ــ الإقطاع المملوكى ــ الذى ينفق على المجهود الحربى ــ في الإستئثار بالثروة الزراعية ، مما حدا بالظاهر برقوق لمحاولة الإستيلاء على الأوقاف بحجة "أن كثيرا من الأراضي الزراعية تم وقفها مما أدى لإضعاف جيش المسلمين "[3].  وهذه الأوقاف هي التي أعاشت الصوفية وأعانتهم على تواكلهم ،وهي التي حرمت الجيش المملوكي من قوة إضافية.

4ـ اشتراكهم في غزوة رودس الثالثة (ت848) هجرية طمعا فى الغنائم :

لم يسبق للصوفية الاشتراك في الغزوتين السابقتين لرودس،وقد تشجعوا بما حدث في الغزوتين السابقتين ، وبما حصل عليه المجاهدون فيهما من غنائم، فاشتركوا في الغزوة الثالثة طمعا في الربح السهل، وكان اشتراكهم شؤما لأن الغنائم هدفهم الأسمى ،فقد : ( تفرقوا في قرى البلد وبساتينها وضياعها ، ينهبون ويسبون ويحرقون ويفعلون القبائح" وأقامت طائفة أخرى في كنيسة، فطوقهم الفرنجة على حين غفلة وظهروا عليهم.. وبعثوا يطلبون المدد فجهزه لهم جقمق إلا أن الخبر وصل برجوعهم" بسبب تخاذلهم" هذا بالإضافة إلى فرار كثير من المماليك إلى الفرنجة مرتدين عن الإسلام ، فاتفق أكثرهم على الرجوع ، فلم يسع الباقين إلا موافقتهم فوصلوا أرسالا [4]. أى جماعات متفرقة ، فكانت هزيمة مروعة ببركة الصوفية .!!

5ـ ويحاول الصوفية المحدثون[5].إثبات جهاد الشاذلي في موقعة المنصورة اعتمادا على ما روي في كتب المناقب من روايتين قيل بحدوثهم في المنصورة، مع أن المصادر التاريخية لمعركة المنصورة المشهورة لم يرد فيها ذكر للشاذلي، وهو أشهر من أن يجهله المؤرخون وقتها ، وما كان بإمكان الشاذلي أن يجاهد- ولو أراد – وهو شيخ ضرير . وتحكي الرواية الأولى أن الشاذلي حضر بالمنصورة لقاءا علميا مع العز بن عبد السلام وابن دقيق العيد وابن سراقة ومجد الدين الأخميمي يتناقشون في رسالة القشيري، والشاذلي بينهم صامت فاقترحوا أن يتكلم الشاذلي فقال:" أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم"، فأصروا  ، فسكت ساعة ثم "تكلم بالأسرار العجيبة " حتى أن ابن عبد السلام لم يحتمل ذلك فقال: اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله ". ولم يذكر الوقت الذي حدثت فيه هذه الرواية [6]..

 وواضح أن كاتب الرواية يحرص – كما هو واضح – على إثبات تفوق الشاذلي علميا على معاصريه من العلماء ، والواضح أن ناحية الجهاد الديني لم تخطر بباله، وإلا فما كان أسهل عليه أن يخترع يزايد. فى كرامات الشاذلى فى الانتصار على العدو الفرنسى .  ثم كيف تكون هناك موقعة حربية مع عدو توغل في عمق البلاد، ويجتمع أولئك المشايخ يقرأون رسالة القشيري ويبحثونها في هدوء ؟ وهل رسالة القشيرى وثيقة  الصلة بالجهاد حتى تبحث فى مثل ذلك الوقت ؟.

 وتحكى الرواية الثانية مناماً للشاذلي يقول : "كنت بالمنصورة..مشغولا بأمر المسلمين وبأمر الثغر خصوصا، وقد كنت أدعو الله، وأتضرع إليه في أمر السلطان والمسلمين.."  وتمضي الأسطورة فتصف لقاء الشاذلي بالرسول عليه السلام في المنام وكيف أنه كرّم الشاذلي: " فمد يده حتى قبض على يدي وقال :  لاتهتم كل هذا الهم من أجل الثغر وعليك بالنصيحة لرأس الأمر" .وتهدف الاسطورة الى إعلاء شأن الشاذلي وليس للمنصورة فيها من نصيب المقولة، إلا قوله  في أولها "كنت في المنصورة" ، وانصب اهتمامه فيها على الثغر أو الإسكندرية حتى لقد طمأنه الرسول عليه السلام – في المنام – على الثغر ومن فيه..فأين موقعة المنصورة بكل ما حدث فيها ؟

6ـ وعلى عكس الشاذلي والصوفية المصريين نلمح في المصادر التاريخية مشاركة للصوفية الشاميين في الحروب الصليبية مع الظاهر بيبرس ضمن جمع الناس وأصنافهم حتى النساء.فقد اشعل الظاهر بيبرس جبهة الشام بالجهاد الديني فورد ذكر للفقهاء والفقراء المجاهدين عام 661 في حصار عكا [7].وحصار أرسول سنة [8]663.وصفد سنة 664 والشقيف سنة 666.هجرية[9].

7 ــ وانتهى ذلك بموت الظاهر بيبرس.

فعاد الصوفية إلى "جهادهم الأكبر" أو جهاد النفس، بل سمعنا عن صلات بين الصوفية الشاميين وبين الصليبيين فكانت كلمة أحدهم عند الفرنج مسموعة [10].بل ادعى آخر أنه مأمور بحفظ خنازير الفرنج الصلبيين وكان يعذره بعض أكابر الشيوخ في بعلبك لأنه(صاحب كرامات يأتي له راكبا أسدا)[11]. بزعمهم .

تعاون الصوفية مع هولاكو والتتار (علنا)

1ـ بدأ الأمر بالتزام المتصوفة جانب حكوماتهم المحلية طالما كانت قوية، فقتل بعضهم بأيدي التتار[12].

ولكن لاحظ المتصوفة والتتار أن احدهما في حاجة للآخر فالتتار في حاجة إلى حليف يهدىء الناس ويشغلهم ويقنعهم بالتسلم، أما المتصوفة فقد كانوا دائما في حاجة إلى حماية الحكومات المختلفة، وقد بدأ الإتصال الواعي سنة  643  بلجوء الشيخ خليل الكردي أحد أصحاب الرفاعي إلى المغول ثم ما لبثت أن خرج معه جمع كثير من المغول [13]. واستهوت التتار ألاعيب الرفاعية من دخول النار وشرب السم[14]. وأتت هذه العلاقة الجديدة أكلها فعند فتح حلب لم يسلم من المذبحة إلا من لجأ إلى بضع بيوت منها خانقاه زين الدين الصوفي [15].  وأثناء إقتحام هولاكو لبغداد رؤى شيخ صوفي محلوق الرأس أخذا بفرس هولاكو, ويزعم أنه أمر بذلك[16].

2ـ والصوفية من جانبهم حاولوا التخفيف من وقع كارثة بغداد وامتصاص كراهية المسلمين للتتار، فانتشرت المنامات الصوفية تحذر من الإعتراض وتهون من الأمر، يقول أحدهم " كنت بمصر فبلغني ما وقع ببغداد من القتل الذريع فأنكرته بقلبي، وقلت يارب كيف هذا وفيهم الأطفال ومن لاذنب له؟, فرأيت في المنام رجلا في يده كتاب فأخذته فإذا فيه:

دع الإعتراض فما الأمر لك        ولا الحكم في حركات الفلك

لا تسـأل الله عـن فعـله          فمن خاض لجة بحر هلك[17]

أى إن تدمير بغداد هو فعل الاهى ومن يعترض عليه فقد هلك .!!

3ـ وانخرط أعلام الصوفية في خدمة هولاكو، مثل قاضى القضاة محيي الدين القرشي "وقد سار إلى خدمة هولاكو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه"[18]، وتوجه ابن حمويه إلى خراسان واجتمع بملوك التتار فأعطوه مالا كثيرا، وبنى بآمل خانقاه وتربة، وكان له قبول عظيم هناك [19]،وسار ابن الزملكاني لخدمة هولاكو فأكرمه[20].

4ـ وتوثقت هذه الصلة بعد موت هولاكو، فأقيمت الرباطات الصوفية بمشهد الإمام على وسلمان الفارسي كدليل على إلتفات النظام الجديد إلى جدوى التعاون مع المتصوفة[21].

5ـ وأصبح التصوف وسيلة للوصول عند التتار فتزهد أحد مماليك الخليفة المستعصم. وتسمى عبد الرحمن واتصل بأحمد بن هلاون – الذى أسلم على يد المتصوفة – فعظم عنده للغاية بحيث كان إذا شاهده ترجل وقبّل يده وامتثل جميع ما يشير به[22]، وكان رسوله إلى المنصور قلاوون فوصفه الملك المغولي "بشيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين عبدالرحمن الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين" ، طبقا لما ورد في كتاب أحمد بن هلاون إلى قلاوون[23].

المتصوفة فى خدمة غازان:

1ـ رتبط جهاد ابن تيمية للتتار[24]بجهاده لحلفائهم المتصوفة، فقد أدرك العلاقات التي تربط الفريقين فناظرهم أمام نائب السلطنة في مصر سنة 705هجرية  ونجح في إثارة الرأى العام عليهم، حتى إن شيخهم صالح الأحمدي لم يتمالك نفسه فقال ( نحن ما ينفق حالنا إلاعند التتر، وأما عند الشرع فلا" ) ،فكثر الإنكار عليهم، واتفق على قتل من يخرج منهم على الكتاب والسنة[25].

وهذا الشيخ أكرمه التتار لما قدموا دمشق سنة 699 حتى لقد نزل عنده قطلوشاه نائب التتار[26].

2ـ وقرر ابن تيمية أن ظهور الأحمدية حمل الناس على الخمول والتسليم فاستفاد بذلك التتار[27]. وأن الصوفية قد حققوا للتتار مركزا مرموقا حملهم على تطوير عقيدتهم من الحلول الجزئى إلى الإتحاد المطلق الذي يعني وحدة الوجود[28]، بل إن اليونسية – إحدى الفرق الصوفية ـ قد أعلنوا ردتهم عن الإسلام عندما جاء غازان إلى دمشق [29].

3ـ ومما يذكر أن بعض صوفية مصر قاموا بدور الطابور الخامس لغازان فادعى أبو العباس الملثم في السنة التي دخل فيها غازان الشام أن النبي عليه السلام أخبره في المنام بأنه أذن للتتار في دخول الشام وأنه راسلهم بذلك [30]؟

4ـ واقتحم غازان دمشق، فشرب التتار في الجامع الأموي الخمور، وفجروا فيه بالنساء ،ونجسوه بالبول، وعظم القتل والنهب في الناس حتى بلغ مائة ألف إنسان، وحمل إلى غازان6و3 "مليون" درهم سوى السلاح والثياب والدواب ..إلخ ومع ذلك لم يسيطر التتار على قلعة دمشق فقد تحصن فيها أرجواش القائد المملوكى مهددا التتار ورافضاً التسليم.

في هذه الأثناء عظم شأن أحد الصوفية المتعاونين مع غازان وهو شيخ الشيوخ نظام الدين الشيباني فنزل بالمدرسة العادلية، وعتب على أهل البلد لأنهم لم يترددوا إليه كي يصلح من أمرهم "وعظم نفسه تعظيماً كثيراً".."وحصل لشيخ الشيوخ من البراطيل فوق الثلاثين ألف دينار وكان لا يزال الدبوس على كتفه ولم يكن فيه شيء من أخلاق المشايخ" واستخف بأبطال قلعة دمشق وقال كأنه أحد التتار "لو أردنا أخذها أخذناها من أول يوم" ورفض أرجواش الأمان الذي كتبه له غازان  فهلك أهل دمشق خوفاً من غضب غازان, وانتهز شيخ الشيوخ الفرصة فكان يتظاهر بالرحيل فكان بعض الناس يلجأ إليه للإحتماء به "وهو مصمم لا يفرج كربة عن مسلم.. وكل الناس في ضيق".

5ـ  وقد اجتمع ابن تيمية ببعض التتار وسألهم عن سبب قتالهم المسلمين فقالوا "أفتانا شيخنا بتخريب الشام وأخذ أموالهم لأنهم ما يصلون إلاً بالأجرة ولا يؤذنون إلاًبالأجرة ولا ينفقون إلاًبالأجرة,وقال لنا إذا فعلتم ذلك بهم يرجعون إلى الله ويتوكلون عليه" أى أن الشيخ الصوفي حرض التتار على تدمير الشام, وأفتى لهم بذلك، وحملت الفتوى رؤية الصوفية في الذي يعبد الله بالأجرة . إلا أن أجرة الشيخ الصوفي نظام الدين الشيباني كانت هائلة، أخذها من أهله وقومه وأبناء وطنه إذ حصل الشيخ لنفسه "ما قيمة ستمائة ألف درهم" وهذا خارج عما "برطلوه من المصادرين المظلومين" [31].

الصوفية وتيمور- لنك(ت808):

   تطوع الصوفية فحاولوا تقريب صورة تيمور من قلوب العامة إحياءً للود القديم، فالرسول عليه السلام في أساطيرهم دفع عن تيمور لنك ملائكة العذاب "اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن إليهم" ولنفس هذا السبب سمح له الرسول فى زعم مناماتهم بالجلوس معه في منام صوفي آخر[32].ولم تحدث حرب تيمور لنك وبرقوق. لذلك لم يحدث تعمق في علاقات الصوفية بتيمور لنك ، واقتصرت على الدعاية المجانية له.

تجسس المتصوفة لحساب التتار:

 أ) جواسيس التتار في زي الصوفية:

1ـ بازدهار التصوف توافد على مصر كثيرون بزي الصوفية حيث منحوا كل تكريم, ومن الطبيعي أن يستغل التتار هذه الناحية بما عرفوا من خبرة في التجسس، فقدمت جواسيسهم إلى مصر أفراداً أو جماعات بزي التصوف.

2ـ ولقد كان منهم الشيخ على الأويراتي الذي أسلم وتصوف وتبعه بعض أولاد المغول إلى الشام، ثم إلى مصر حيث رتبهم السلطان في جملة مماليكه. وعندما عزم الناصر على حرب غازان سنة 699 جند الأويراتية بعض المماليك السلطانية للتجسس لصالح غازان، ولكن إنكشف أمرهم  حين بدأوا التنفيذ فاعتقل المشتبه فيهم من المماليك وشنق الأويراتي [33].

3ـ وفطن المماليك بعد حركة الأويراتية إلى هذه اللعبة, ويتضح ذلك من حادثة الشيخ براق الذي حظى عند التتار واشتهر بكراماته وزيه العجيب هو وأصحابه بالمائة، وقد دخل الشام فأحسن الأمير الأفرم مقابلته،وأراد الدخول إلى مصر فمنعه الناصر محمد بن قلاوون [34]. ولأن المصريين قد فطنوا إلى حقيقته أرسله غازان التترى إلى جبال كيلان ليحارب المماليك ( فأسروه وقالوا له:أنت شيخ فقراء كيف تجيء صحبة أعداء الدين لقتال المسلمين؟ وسلقوه في دست)[35].

 وتابع تيمور لنك نفس الخطة فاعترف أحد الجواسيس أمام والي القاهرة بأن تيمور أرسل إلى مصر عدة جواسيس في هيئة تجار وأعاجم(صوفية) فقبض على سبعة منهم[36].

وفي حريق بولاق سنة 862 الذي استمر عدة أيام  بالقاهرة على فترات متقطعة اتهم بذلك جواسيس القرمانية فنودي بخروج الغرباء من مصر [37]، والقرمانية كانوا يأتون إلى مصر ضمن التوافد الصوفي عليها من الأعاجم.أى أن جموع المتصوفة الأعاجم في القاهرة صاروا موضع شك لإحتمال أن يكون بينهم جاسوس، وقد وجدوا مع أحدهم كتاباً من جان بك الصوفي وكان هارباً من مصر إبان نزاعه مع سلطان برسباي [38].

4ـ وقد اتهم أعجمي آخر هو نور الدين علي التبريزي  بالتواطؤ مع الحبشة والصليبيين، وأنه كان يحمل الرسائل بينهم، وخطط لربط الحبشة بكنيسة روما، ومصاهرة الفونسو للبيت المالك في الحبشة، ومحاولة تحويل مجرى النيل عن مصر، وقد أفشى سر العجمي أحد خدمه فضربت عنقه[39].

صوفية يتطوعون للتجسس لحساب التتار:

قيل في ترجمة الشريف القمني أنه (داخل التتار لما أتى غازان إلى دمشق وتوجه إليهم وعاد إلى دمشق ومعه أربعة من التتار وكسر أقفال بيت توما) ..(وشرع يدل التتار على عورات المسلمين إلى أن أمسك وقتل مع أعوانه)[40].

وأقام الصوفي ابن عمران بين التتار فأكرموه ثم قدم دمشق(واتفقت له كائنة فسجن في قلعة دمشق)[41].

وكان سعيد المغربي مقيماً بجامع ابن طولون وللناس فيه اعتقاد زائد وكان برقوق يزوره ويعظمه ويقبل شفاعته،ثم سافر العراق ووشى به للسلطان فتخيل منه وظن أنه جاسوس فقبض عليه [42]. أى أن الشك في الصوفية لم يقتصر على الأعاجم منهم.

وأخيراً

فهذه هى المحصلة النهائية لفريضة الجهاد الديني عند الصوفية،فقد تحولت في دين التصوف إلى قعود في بيوت الصوفية لممارسة عقائدهم في الحلول والإتحاد، ولممارسة الإنحلال الخلقي، وسنرى ذلك في موضع الأخلاق، وبينما يلهون ويلعبون ويتمتعون كان المماليك يقاتلون الصليبيين في الشام ثم في البحر المتوسط،

 ويقاتلون التتاروالمغول من حملة هولاكو إلى غازان. 

 ثم أسفر الصوفية عن ولائهم الحقيقي حين انضموا في القتال لأعداء المسلمين، في العلن حين يحتلون أرض المسلمين، وفي السر حين يتجسسون لحسابهم داخل أرض المسلمين.. وهم في ذلك كله لم يكن لهم أدنى عذر، فقد تمتعوا بالسطوة والنفوذ والتقديس لدى الحاكم والمحكوم، وليس أدل على ذلك من تقرير عقائدهم المخالفة للإسلام، واضطهادهم لخصومهم الفقهاء بالمحاكمات والملاحقات،ثم إن كل ما تبقى من آثار العصر المملوكي المعمارية شاهد على عناية العصر المملوكى بالصوفية، فلا تزال لدينا الخوانق والزوايا والمساجد والقباب التي أقيمت أساساً للتصوف وأوليائه.

وفي النهاية كان ولاؤهم  للعدو المعتدي..



[1]
ابن الفرات . التاريخ جـ8 / 111 ، السلوك للمقريزى جـ1 / 2 / 764 .

[2] السلوك للمقريزى جـ1 / 3 / 922 . حوادث سنة 701 والنجوم الزاهرة جـ8 / 153 .

[3] محمد أمين رسالة على الأوقاف ص 394 نقلا عن السلوك للمقريزى جـ3/1/345 .

[4] السخاوى . التبر المسبوك 88 .

[5] د. عبدالحليم محمود : الشاذلى 61 : 71 .

[6] عمار . أبو الحسن الشاذلى وتصوفه جـ 1 / 69 : 70 .

[7] تاريخ النويرى . نهاية الارب . مخطوط جـ 28 / 79 . السلوك للمقريزى جـ 1 / 2 /488 .

[8] النويرى جـ 28 / 83 والسلوك جـ 1 /2/ 528 : 529 .

[9] السلوك جـ1 / 2 / 546 ، 565 .

[10] الغمر جـ3 / 508 : 509 ترجمة ابن قديدار الدمشقى .

[11] ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1/ 171 : 172 .

[12] نفحات الأنس للجامى 423 : 424 ،599 .

[13] الشيبى : الفكر الشيعى ص 86

[14] النويرىالإلمام جـ2 / 83 .

[15] تاريخ أبى الفدا جـ 3 / 210 ، عقد الجمان للعينى مجلد 54 لوحة 424 وتاريخ حلب لابن الشحنة ص 96 .

[16] محموعة الرسائل والمسائل جـ 1 / 169 : 170 ابن تيمية ؟

[17]  عقد الجمان 54 / لوحة 45 : 546 وروى السبكى رواية أخرى فى طبقات الشافعية جـ 5 / 116 .

[18] شذرات الذهب  جـ 5 / 327 : 328 .

[19] عقد الجمان مجلد 53 لوحة 354 .

[20] اليافعى مرآة الجنان جـ4 / 170

[21] الفكر الشيعى 87 .

[22] تاريخ الذهبى مخطوط مجلد 31 لوحة 26 ، 27 .

[23] سيرة المنصور قلاوون جـ 1 / 13 .

[24] قاتل ابن تيمية التتار بنفسه وحرض المماليك و الناس على  جهادهم  واشترك فى المباحثات . راجع تاريخ ابن كثير جـ 14 / 7 :26 ، 89 ، العقود الدرية لابن عبدالهادى 177 : 178

[25] تاريخ ابن كثير جـ 14 / 36 .

[26] تاريخ ابن كثير جـ 14 / 47 ، عقد الجمان وفيات سنة 707 ، الدرر الكامنة جـ 2 / 201 .

[27] مجموعة الرسائل والمسائل جـ1 / 179 ، جـ 1 / 171 : 172 .

[28] مجموعة الرسائل والمسائل جـ1 / 179 ، جـ 1 / 171 : 172

[29] مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1 / 168 ، 169 .

[30] الدرر الكامنة جـ 1 / 199

[31]  زيتر ستين " تاريخ سالطين المماليك " 64 : 77 ، الداودارى الدر الفاخر 27 : 30 ، النويرى نهاية الأرب 29 / 115 مخطوط ، المقريزى المقفى 4 / لوحة 87 ، السلوك 1 / 3 / 890 : 902 ، العينى عقد الجمان حوادث سنة 699 .

[32]  المقريزى فضائل آل البيت 80 ، 81 ، التبر المسبوك 254

[33] بيبرس الدودار زبدة الفكرة جـ 9 / لوحة 217 ، 205 ، 355 ، 356 .

[34]  النجوم الزاهرة جـ 8 / 169 : 170 ، عقد الجمان حوادث سنة 705 .

[35]  الدرر الكامنة جـ 2 / 6 .

[36]  نزهة النفوس لابن الصيرفى جـ 1 / 378 حوادث سنة 796 .

[37]  النجوم الزاهرة جـ 16 / 123 : 125 حوادث الدهور جـ 2 / 313 وما بعدها ، تاريخ ابن اياس جـ 2 / 347 ، 348 .

[38] تاريخ ابن اياس جـ 2 / 172 : 173 .

[39] المجلة التاريخية مجلد جـ 8 / 61 : 63 دكتور طرخان ، النجوم الزاهرة جـ 1 / 14 / 324 : 326 ، حوادث الددهور 73 ، ( نزهة النفوس مخطوط حوادث سنة 832 ) ، تاريخ ابن اياس تحقيق محمد مصطفى جـ 2 / 123 والمطبوع جـ 3/ 149 ـ  152 .

[40] أعيان العصر للصفدى . مخطوط جـ 6 / 2 / 280 : 281 .

[41] المناوى الطبقات الكبرى . مخطوط .

[42] انباء الغمر / 438 .

اجمالي القراءات 9457