الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 3 من 4 )
السيسى وفرعون موسى : من الكفر الى التوبة

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٧ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 الكفر السلوكى بين فرعون موسى و السيسى

1 ــ المؤمن بالأخرة يعتبر حياته فى هذه الدنيا طريقا ليفوز بالجنة . وحتى لو أخطأ فإنه يتوب قائما بشروط التوبة الصادقة التى جاءت فى قوله جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ). الذى يريد الدنيا كافرا بالآخرة غير آبه بها قد يكون مسالما لا يؤذى أحدا ولا يظلم أحدا ولا يسعى للعلو فى الأرض بالفساد . هذا مسالم فى السلوك ، وعقيدته هو مسئول عنها أمام رب العزة جل وعلا يوم الدين . هناك كافر بالآخرة قلبيا وسلوكيا يصل كفره السلوكى الى طلب العلو فى الأرض بالفساد حيث يركب أقفية الملايين من المسالمين ، ومن يعترض عليه منهم يسومهم سوء العذاب . هذه هى ( الفرعونية ) التى كانت فى الدولة المصرية العميقة ــ ولا تزال حتى الآن .

2 ــ قلنا إن المستبد الذى يفرض نفسه ( أعلى ) من الآخرين لا بد له من إستعمال القوة ضد الآخرين لينحنوا له ويستطيع العلو عليهم وركوبهم وإسترقاقهم ،أى لا بد من أن يقترن علوه بالفساد فى الأرض. وهذا ما حدث من فرعون موسى .وصفه رب العزة جل و (علا ) فقال فى بداية سورة القصص :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )فإرتبط هنا العلو بالفساد ،ثم ختم رب العزة سورة القصص بآيات للعبرة منها قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .وعن ارتباط العلو بالفساد قال عنه جل وعلا : ( إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ الْمُسْرِفِينَ (31) الدخان )، اى اسرف فى الفساد .

3 ــ هذه النوعية من الفساد هى أحطُّ دركات الكفر السلوكى لأنه يعنى إرهاب الناس بالقتل والسجن والتعذيب ليستسلموا للمستبد ويتنازلوا له عن حقوقهم .  هذا الاضطهاد للمسالمين يسميه رب العزة ( فتنة ) ويجعله أشد من القتل وأكبر من القتل ، لأنه قتل لكرامة الانسان وحريته . يقول جل وعلا : (  وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ  ) (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ) ( البقرة 191 ، 217 ) ، وفعلا فإن الموت قتلا ـــ  للمؤمن المسلم الحُرّ ــ خير من حياة ذليلة فى ظل حكم مستبد . 

3 ــ و قلنا إن ( الفتنة ) فى المفهوم القرآنى تعنى الاضطهاد للمسالمين . وهذا ما فعله فرعون موسى حين إصطنع سياسة ( الفتنة ) أى الاضطهاد الهائل لخصومه ، وأباح لنفسه قتل معارضية وتعذيبهم ، وبسبب سطوته إرتاع قوم موسى خوفا من ( فتنة ) فرعون بهم .. يقول جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس )، أى بسبب الرُعب من الارهاب الحكومى الفرعونى فإن السواد الأعظم من قوم موسى إبتعدوا عنه خوفا من فرعون أن يفتنهم أى يعذبهم ، وقد كان عاليا فى الأرض ومن المسرفين .

هو نفس الاحساس الذى يعيشه المصريون فى ظل حكم العسكر الحالى ودولته البوليسية منذ 1952 . من تغضب عليه السُّلطة يتجنبه الناس خوفا من ارهاب السلطة . إذكر أننى بعد أيام من خروجى من السجن فى أواخر عام 1987 قابلت بالمصادفة صديقا عزيزا فى ميدان الأوبرا ، حين إلتقت عينانا لمحت فى عينيه الذعر الشديد حين رآنى ، وأسرع بالسلام .. وأختفى بسلام . !!

4 ــ الذى يرتكب الفتنة أو إضطهاد معارضية سياسيا أو دينيا هو كافر بسلوكه المُعلن هذا . جاءت كلمة (الفتنة ) الدين وصفا لكفار قريش الذين تابعوا المؤمنين بالهجوم الحربى عليهم فى المدينة ، وهذا قبل أن ينزل للمؤمنين تشريع القتال الدفاعى . قال جل وعلا عن كفار قريش وفتنتهم المؤمنين بالقتال الهجومى :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة  ) . أى من يفعلون هذا فهم كفار ، ويجب قتالهم حتى يكفوا عن إعتدائهم وفتنتهم أو إضطهادهم للمُسالمين .

ويقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) (  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ). وهنا جاء المقصد الأعلى من تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، وهو منع الفتنة أى الاضطهاد للمسالمين ، مهما إختلفوا فى الدين . الاسلام يقوم على السلام والعدل والحرية الدينية المطلقة ، حيث لا ( إكراه فى الدين ) ليكون الناس أحرارا فى إختيارهم الدينى فى هذه الدنيا ومسئولين عن هذا الاختيار (يوم الدين ) أمام ( مالك يوم الدين )، وسيحاسب فيه رب العزة ( مالك يوم الدين ) الناس أجمعين وينبئهم بما كانوا فيه يختلفون . وهذا معنى أن يكون الدين لله جل وعلا ، أى يجب أن يكون الدين لله جل وعلا وحده بلا إضطهاد وبلا إكراه فى الدين الى أن  يحكم فيه رب العالمين وحده.

من حق المظلومين تكفير الباغى الظالم الذى يمارس الفتنة ( الاضطهاد للمسالمين ) 

1 ــ والمؤمنون حين يقاتلون العدو الباغى المعتدى يكفّرونه أى يصفونه بالكفر ( السلوكى ) بناء على بغيه عليهم وإعتدائه عليهم ومعناتهم من ظلمه ووحشيته. لذا هم يدعون ربهم جل وعلا قائلين : ( أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ) . يدعون الله جل وعلا أن ينصرهم  على ( القوم الكافرين ). أى يصفونهم بالكفر . فالله جل وعلا هو مولاهم لأنه لا يحب المعتدين ، وقد قال جل وعلا فى تشريع القتال الدفاعى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة  ). فالله جل وعلا لا يحب المعتدين الكافرين ، وينصر المظلومين الذين يقاتلون أولئك الكافرين المعتدين دفاعا عن حريتهم .

وهكذا كان يفعل الأنبياء السابقون فى تكفير خصومهم الذين يهجمون عليهم حربا ظلما وعدوانا : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)آل عمران ) . تكفير الباغى هنا أمر مشروع ، ولهذا قال جل وعلا عن أولئك المؤمنين المُسالمين الذين أُضطروا للقتال الدفاعى :( فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران  ). هؤلاء المؤمنون المُسالمون المقاتلون دفاعا عن أنفسهم وحريتهم وصفوا أعداءهم بالكفر . وكوفىء أولئك المؤمنون من رب العزة بأن أتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، ووصفهم بالمحسنين .

2 ــ والمسالمون العاجزون عن القتال الدفاعى حين يتعرضون لاضطهاد ظالم باغ فمن حقهم تكفير ذلك الباغى ووصفه بالكفر بناء على إجرامه فى حقهم . هكذا فعل موسى عليه السلام وابراهيم عليه السلام .

لقد إشتكى بنو اسرائيل لموسى ما أصابهم من الاضطهاد : ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا )(129) الأعراف ). ونسترجع الآية الكريمة من سورة ( يونس ) عن إضطهاد فرعون لبنى إسرائيل : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس ) ونقرأ الآية التى بعدها : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ). هنا وصفوا فرعون وآله بالقوم الظالمين والقوم الكافرين بناء على السلوك أو ( الفتنة ) اى الاضطهاد الظالم لقوم مسالمين .  اى إنه من حق من يتعرض للإضطهاد أن يصف الظالمين البُغاة المعتدين بالكفر طبقا لسلوكياتهم .

نفس الحال مع ابراهيم عليه السلام وقد تعرض لاضطهاد من قومه وصل الى درجة أنهم ألقوه فى نار محرقة ( كما تفعل داعش اليوم ) . دعا ابراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أن ينجيه من فتنة القوم الكافرين : ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) (5) الممتحنة ). أى وصفهم بالكفر بناء على ما يفعلون .

التوبة بين فرعون موسى والسيسى

1 ــ الفارق بين فرعون موسى والسيسى أن السيسى لا يزال حيا يملك وقتا للتوبة قبل الموت ، وهو يستطيع لو أراد . أما فرعون فلم يتذكر التوبة إلا عندما أشرف على الموت غرقا . ولم يتقبل الله جل وعلا توبته . يقول جل وعلا: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). ولهذا نكتب لا لتكفير السيسى ولكن لوعظه ليلحق بقطار التوبة قبل فوات الأوان . ونعطى بهذه المناسبة تفصيلات عن التوبة فيما يخص موضوعنا :

2 ــ معنى التوبة : تعنى تصحيح الايمان والتركيز على العمل الصالح وإلتزام الهداية حتى الموت. يقول جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ).

تصحيح الايمان قد يكون سهلا لمن لديه رغبة فى الهداية . وقد أتى علينا حين من الدهر كنا نؤمن فيه بشفاعة النبى محمد وبأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان . ثم تحررنا من هذا الإفك . قد يكون سهلا التخلص من الشرك العقيدى والتوبة منه ، لذا يقول جل وعلا ــ مثلا ــ عمّن يجعل الله جل وعلا ثالث ثلاثة: العقيدى ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)). ثم يدعوهم الى التوبة والاستغفار : ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) المائدة ).

المشكلة الحقيقية هى فى الكفر السلوكى الذى يعنى ظلم البشر وسلب حقوقهم . التوبة هنا تستلزم رد الحقوق لأصحابها ، فإذا ظلمت فردا واحدا وتُبت ، فعليك أن ترد له حقه وأنت حىّ على الأرض تسعى . وإذا لم تستطع لظروف خارجة عن إرادتك فعليك بكثرة الأعمال الصالحة وتكثيفها لتعوض مظالمك السابقة قبل التوبة . ولو نجحت فى هذا فإن الله جل وعلا يُبدّل سيئاتك حسنات . يقول جل وعلا عن كبرى الجرائم من الشرك والقتل والزنا :( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)الفرقان ) ويستثنى من هذا العذاب المهين الخالد من تاب فى حياته الدنيا وكان له وقت كاف يتمكن فيه من تأدية فرائض التوبة من تصحيح الايمان والاكثار من العمل الصالح بديلا وتعويضا عن أعماله السيئة السابقة حتى يبدل الله جل وعلا سيئاته حسنات فيكون من ( الصالحين ) لدخول الجنة :( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ).

موعد التوبة : لذا فإن موعد التوبة عنصر فعّال هنا . فالذى يتوب مبكرا هو الفائز لأنه سيجد وقتا طويلا لاصلاح نفسه ، يقول جل وعلا :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ) . أما الذى يتذكر التوبة وهو على فراش الموت بعد حياة حافلة بالظلم فلا سبيل لقبول توبته ، يقول جل وعلا فى الآيت التالية :( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء). وهذا ما حدث لفرعون موسى . وهذا ما لا نرجوه للسيسى .!

التوبة فى الدنيا والغفران فى الآخرة

الذى يموت مشركا كافرا دون توبة لا يمكن أن يغفر الله جل وعلا فى الآخرة : (  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ  ) (48) ( 116 ) النساء)( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة )

يخطىء البعض معتقدا أن الغفران فى هذه الدنيا بناء على التوبة فيها . ولكن الغفران سيكون يوم الدين ، وبالتحديد يوم الحساب أمام الواحد القهار . ابراهيم عليه السلام دعا ربه أن يغفر له يوم الدين : ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) الشعراء )، وهو هنا يوم الحساب ، فهو القائل أيضا : (  رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)) ابراهيم ). وقبلها والمؤمنون مع النبى يسعى نورهم بين أيديهم وأيمانهم يدعون ربهم أن يُتم لهم نورهم وأن يغفر لهم ليدخلوا الجنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم )

إن اليوم الآخر أيام ومشاهد فى زمن لا يمكن لنا أن نتخيله . فيه يوم البعث ويوم الحشر ويوم العرض ويوم الحساب ..ونفهم أن البداية بالبعث ، وفيه يرى كل الناس أعمالهم من خير أو شر ، يشمل هذا كل شىء من الأعمال من كبيرها الى أصغر صغيرها : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ). يتسلم كل منا كتاب أعماله الفردى ، كما يرى كتاب الأعمال الجماعى الذى يسجل حركته وتاريخ حياته مسجلا بالصوت والصورة وسط مجتمعه وقومه ، ويرى المجرمون كتاب أعمالهم فيرتاعون لأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا : ( الكهف 49).

ثم عند الحساب يكون الغفران لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم إهتدى . والغفران من ( غفر ) أى ( غطى ) ، أى هو التغطية لذنوب التائب حتى لاتهلكه ذنوبه ، ولا يتبقى له سوى عمله الصالح . فهذا التائب يأتى بأعمال صالحة وسيئة ، وبالتوبة المقبولة يغفر له الغفور الرحيم جل وعلا ، أى ( يغطى ) أعماله السيئة بالأعمال الصالحة ، وبهذا يقيه من سيئات أعماله بغفرانها . فهذه السيئات هى التى سيكون بها عذاب العاصى يوم القيامة . لذا تدعو الملائكة للمؤمنين بأن يقيهم السيئات  : ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر  ). فالوقاية من عذاب الجحيم تعنى الوقاية من سيئات الأعمال التى يقترفها الانسان فى حياته الدنيا ، وستكون هذه السيئات أساس تعذيبه فى النار ، ويقال لهم وهم فى الجحيم : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39)  الصافات ).( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) التحريم ).

بين الخاسرين يوم القيامة سيكون الأشد عذابا هو المستبد الذى ظلم شعبا بسلطانه . عندها لا ينفعه ماله ولا سلطانه ، سيصرخ قائلا : ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) لحاقة ) ومصيره : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32)   الحاقة ).

الذين يغفر لهم الغفار الرحيم هم المستغفرون فى حياتهم الدنيا يطلبون الغفران من الغفور الرحيم ، يقول جل وعلا عنهم : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران ) ويقول جل وعلا عن مصيرهم يوم الدين :(أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران ).

نكتب أملا فى التوبة . ونرجو من الله جل وعلا أن يهدينا وأن يجعلنا من التوابين .

اجمالي القراءات 8936