تناقض الدين والدولة
عن وهم الدولة الدينيّة، نحو اناركيّة الإسلام

امارير امارير في السبت ٢٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

عن وهم الدولة الدينيّة، نحو اناركيّة الإسلام

 

إنّ الدولة في الإسلام التاريخي جنينيّةٌ بسيطةٌ عند المقارنة والدولة الحديثة المؤسّسة وفق فكرة المواطنة وأن الفرد هو الأساس لا القطيع، حيث أن الدولة الإسلاميّة التاريخية تنطلق من منطلقات تلغي الفردانيّة أولاً وتؤسس لتكريس مفهوم الإستبداد الشرعي ثانياً حيث الخلافة مبنيّة فقط وفق المذهب السنّي على الغلبة والقهر وحسب المذهب الشيعي على الإمامة الغائبة والكهنوت الكنسي، انطلاقا من فكرة الراعي والقطيع وكون الحاكم هو ولي الأمر كلّه، وصفته إمبراطوريّة منذ معاوية مرورا بعبد الحميد الثاني آخر العثمانيّين وصولاً الى محمد جلبي آخر سلاطين الأناضول فترة النزاع على العرش، وصولا الى عبد المجيد الثاني آخر الخلفاء المائة دون حساب الكسور طبعاً، خلاف كونه في الدولة الحديثة مجرد موظف تحكمه القوانين وتسيّسه العلاقات الدوليّة التي هي أصلا نقيض للتديّن والجماعة الدينيّة المؤسّسة للدولة وفق الفكر الإسلام السياسي الذي ضل يتحدث لغة من عصر آخر يحاول الإندماج عنوة في عصر لا يلائمه، وللقصة روايةٌ آخرى، حيث دائماً ومنذ عصر أخناتون الموحد الأول في العالم القديم وصولا الى عصرنا هذا كان رجل الدين بحاجة الى السياسي ليطبق احكامه الدينية على المجتمع، وكان السياسي في حاجة ملحّةٍ أيضاً لرجل الدين كي يضيف لحكمه شرعيّة لا علاقة لها حقيقةً بالدين الذي يتبناه رجل الدين نفسه، وهذه هي القراءة الأخرى .

 

 

حكم الدولة الإسلاميّة خلفاء راشدون وآخرون غير راشدين، وكانت الدولة دائماً تنهار وتستلم للإنقلاب تلو الإنقلاب، فكان عثمان خليفة راشد قتله مبشرون بالجنّة، ولا نريد الغوص أكثر في تاريخ دول الخلافة الأولى كونه في واقع الأمر تاريخٌ لم يكتبه أحد، لكن الباحث في نماذج الدول الإسلاميّة في زمن العثمانيين تحديداً يرى نماذج مثيرة للسخريّة وحالات من الإستبداد الذي يبرر له فقط شخصية ولي الأمر الذي تحول الى إمبراطور بسلطة كنسيّة لكنّه يتحدث لغة أخرى، فكان مصطفى الأول المختل الذي سجن إخوته، الى عبد الحميد خان الخليفة الأحمر ومحمد المرشد الى طريق الصواب والذي تم في عصرهما إبادة الأرمن إبادة جماعية لم تشهد مثيلاً عبر التاريخ البشري، لن نطيل الحديث عن مجارز الدول الإسلاميّة وغير الإسلاميّة أيضاً، كون هذه الجرائم لا علاقة لها بالدين مقدار علاقتها بالدولة التي تعلن الدين غطاءً لها، فأساس الحكم الديني بالدرجة الأولى هو العصبيّة لكن ما يهمّنا هنا في معرض الحديث عن الدول الإسلامية هو سؤال لدعاة الدولة الإسلاميّة مفاده في حال أنّنا قبلنا الطرح الذي يقدمونه، تاريخ شمال إفريقيا يحوي اسماء دول عدّة اطلقت على نفسها اسم دولة إسلاميّة، كالمرابطين، الموحدين، الأغالبة، الأدراسة، الفاطميون، فكانت دول المعتزلة والشيعة والإباضية والصوفيّة، لماذا لا يتم الحديث  عن هذه النماذج ويقتصر الحديث عن دولة ابن الخطاب التي لم تدم عشر الزمن الذي دامته هذه الدول، لماذا هذه الدول غير مرضي عليها في خطاب الحنبلة المشرقي، نحن مغاربة فلماذا يحاولون دائما سحبنا بعيداً نحو الشرق، أم أن هذه الدول كافرة ملحدة كفر وإلحاد ابن رشد وابن سيناء والرازي وفق نفس الفهم الحنبلي الفصامي لتاريخ أكثر إنفصاماً !؟ .

 

 

المشكل الحقيقي في العقل السياسي لدى الإسلاميّين أنهم يقفون أمام السيرورة التاريخية التي تخبرنا أن الزمن لا يعود الى الوراء، وأن حياة الناس لا يمكن أن تستمر ومن يقودهم يفكرون فقط في مكان لهم يوم نهاية العالم، فالدولة الدينية اليوم بل ودائماً هي دولةٌ خارج الزمان، إذ بعد خروج أفكار توماس هوبس وجان جاك روسو ومونتسيكيو المؤسسّين لفكرة العقد الاجتماعي والنظرية الحديثة للدولة، وبعد انفجار المعلوماتيّة والوصول الى دولة الفردانيّة والفضائات الاقتصادية والجيوبوليتيكيّة الكونيّة الكبرى في العالم الحديث، تلك التي بقيت مجتمعات الدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط خارجه تفصل بينها وبين الواقع الحديث فجوة تزداد حجماً يوماً بعد يوم، بعد هذه القفزة البشريّة الضخمة، يبقى الحديث عن دولة الشريعة الهشّة والهلاميّة أو عودة حلم الخلافة الإسلاميّة والتي كما ذكرنا مجرد استبداد كهنوتي لم يؤسس سوى للمنطق الفرعوني الظالم، يبقى قفزةً في الفراغ توصل الى مكانٍ واحدٍ لا غير، الهاوية وانهيار الدولة، المجتمع والدين أيضاً، إن كل الدول التي تتحدث باسم الله يكون الشيطان فقط المستفيد من قيامها واستمرار وجودها، وهذه حقيقة تاريخيّةٌ لا مناص من عدم الإعتراف بها إلا في حال كان رجال الدولة أنفسهم يعملون في خدمة الشيطان نفسه كموظفين يسهل تغييرهم دائماً.

 

 

الإخوان المسلمون الذي يحاول تقديم مشروع إسلاموي حديث، هو في حقيقة الأمر تنظيم يحوي داخله بنية دولة فاشيّة بامتياز، عبر بنية الزعيم : المرشد، الإنضباط : الولاء والبراء، لكن المضحك في الأمر هو تقديم المدرسة الوهابية نفسها كبديلٍ لهذا التيار رغم كونهما في حقيقة الأمر مجرد وجهان لعملةٍ واحدةٍ، فكلاهما ضد الحداثة، وكلاهما مسجون داخل غرفةٍ محكمة الإغلاق تعتبر الحداثة نفسها خطيئةً وذنباً، كونها تؤسس لحرية التفكير أولاً لكن هذه الجماعات تعلن أن الحداثة ليست سوى مفهوماً ماديّاً للعالم خاليّاً من القيم الروحيّة والأخلاقيّة وهذا فهم خاطئ ومغلوطٌ سببه النية المسبقة للوقوف أمام الحداثة لأسباب الفصام الزمكاني الذي يحويه المشروع الإسلاموي أولاً، والقطيعة المستمرة وواقع العولمة وهو أمر مستحيل حيث يصر الإسلامويّيون فصل أنفسهم والمجتمعات المسلمة في جزيرةٍ نائيّةٍ منشأها إحتكار الخير والمنفعة للجماعة المسلمة التي لا تحدها حدود الدولة أصلاً، هذه الدولة التي هي أساس المجتمع الحديث، والسبب في هذا الفصام هو القفزة في الفراغ والتي حدثت في المجتمعات الإسلاميّة عبر القفز من مجتمع القبيلة : الوثن الى دولة الديمقراطيّة : الإنسان المبنية على حق إختيار صندوق الإقتراع الأعمى، لكن السبب الأهم وهو الثاني هو حالة الصدمة الحضاريّة وتحول هذه المجتمعات الى مجتمعات ردات أفعال، تحكمها طاقة سلبيّةٌ مبنيّةٌ على فكرة لعب دور الضحيّة دائماً، بالإضافة الى أن هذه الديمقراطيّة والتي نشأت في مجتمعات الغرب بعد الثورة الإقتصاديّة تحديداً في أواخر القرن التاسع عشر لم تجد بيئة لها في مجتمعات ريعيّةٍ تمتلك إقتصاداً مبينياً على البيع والشراء فقط، إقتصادً مبنيٌ على وجود النقود فقط لا غير، لا على وجود الأيدي العاملة أو المشاريع الزراعيّة والصناعيّة التي تنمو من الداخل، دول الموظفين لا يمكن أن يكونوا نظيراً لدولة العمال، وهنا يكمن الفرق، وهنا تكمن الكارثة المزدوجة، ديمقراطيّة في مجتمع خياراته مبنيّة على منطق الشعور بالضعف، وأجندة إسلامويّة تؤسس لمفهوم الصنم وجمود القيم واحتكارها بعيداً عن الإنسان نفسه في محاولة يائسة لإنتاج مجتمع محافظٍ لكن من الخارج فقط.

 

 

فلنتحدث هنا عن ليبيا كونها تهمّنا، كوننا لا نملك سواها للعيش فوق أرضها، فكل المشاريع السياسية المقدمة في الساحة اليوم بعد انهيار دولة القذافي لا تملك خطّة سوى خطّة البقاء في الحكم أطول زمن ممكن، لكن المشروع الأخطر هو مشروع الإسلاميّين على اختلاف مسميّاتهم والتي تعلن فقط أنهم يختلفون في الشدة لا في النوعيّة، وهو كونهم يمتلكون عداءٍ والديمقراطيّة والعداء تبعاً لذلك لحكم الشعب عبر تسليم رقبته الى التاريخ والقراءة البارغماتيّة للنصوص الدينيّة، والتي هي في واقع الأمر ليست سوى قوانين وضعيّة نتجت في مرحلة زماكنيّة معزولة عن النص الديني نفسه : القرآن، الفقه ليس هو الشريعة وترحيله خارج واقعه الزمكاني يجعله نصاً ميتاً لا غير، وهذه هي الفكرة الخاطئة التي نشأ عبرها مشكل كون الوقوف أمام النداء بإقحام الشريعة في اللعبة السياسية و نصوص تكوين الدولة المدنية هو عداء للدين نفسه، الفقه هو فهم للنصوص في محاولة لرجال العصر الأول في القرين الثالث تحديدا من تكوين نصوص أخرى موازية للنص القرآني نفسه والذي كان واسعاً وخالٍ من التفاصيل والفراغات التي ملأها الفقه في مرحلة زماكنيّة بعينها لينتج نصوص أخرى، حتم ترحيلها بعد ألف وخمسمائة عام أخرى لتعلن أن هذه النصوص والتي ليست سوى انعكاساً لواقع بعينه هي المقاصد الحقيقيّة والفهم المطلق للنص الديني العام، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية بعد غض الظرف عن الحديث عن مشكلة دمقرطة البدو، أو البدوقراطيّة، كون الإسلام السياسي في نهاية المطاف متلوّن لدرجة يستعد فيها للتخلي عن الإسلام نفسه، ولنا في قصة غنوشي تونس والذي أعلن أنه أكثر علمانية من بورقيبة نفسه، رغم أن السبب الحقيقي هو الظروف الموضوعيّة في تونس والتي لولاها لكان مجرد صلابي آخر قرر التضحية بالدين والدولة أيضاً مقابل قيام مشروعه النفعي الذي كان يضعه بين يدي ابن العقيد خليفة ليبيا الغد تحديداً.

 

 

ليبيا والدستور قصّة أخرى، إن محاولة إقحام الدين في نصوص الدستور المنظم لمؤسسات الدولة والعلاقة بين الدولة والمواطن هي محاولة جدّ خطرة، ومثيرة للسخريّة أيضاً، الخطأ الأول كان انتخاب لجنة سن الدستور، والخطأ الثاني هو توقع حسن النيّة من هؤلاء، نحن نتحدث عن بنية مجتمع متطرف، أصولي، مغلق ويعاني من حالة فصام غريبة ومشاعر كراهية غير مبرّرة والغرب الذي استنجد به قادة الإنقلاب ضد القذافي نفسه شركاء ابنه من أعلنوا الحرب الليبية ضد حكم أبيه بمعونة الغرب، وهؤلاء ليسوا سوى أفراد من هذا المجتمع لكنهم ليسوا ليبيا، ليبيا ليست هذا الجيل المنكوب، ليبيا هي الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة، أما هذا الجيل فإن الصدمة الحضارية التي سبب سقوط نظام القذافي نفسه جعلتهم يتجهون الى الخلف عبر محاولة كتابة دستور همّه الأول مراقبة ضمير الأفراد لا بناء الدولة الحديثة، وهذا أمر مستحيل أصلاً فالسلوك والقيم والإخلاق مسائل يحويها الضمير الفردي ينعكس على سلوكيّات المجتمع لا علاقة لمؤسسات الدولة بها لأنها مهمة مستحيلة أن تقوم الدولة بدور ربة المنزل، إلا في حال استطاعت لجنة صياغة الدستور صناعة آلة زمن والعودة الى زمن تاريخ نهاية التشريع حيث كان التواتر وهو منشأ الشريعة الإسلاميّة يفيد القطع ويغلب على الظن، خلاف اليوم حيث أصبح الحديث عن النصوص الدينية المبنية على التواثر المؤسس للشريعة أمراً قابلاً للنقد والتمحيص، وفي نهاية المطاف فإن هذه الشريعة وهذا الدستور المنسوب إليها سيكون مجرد نصٍّ ضد الفرد مؤيد للسلطة الباغية وفق منطلق الطاعة العمياء الغير مبرّرة فقط ببقاء السلطة والمحافظة على هذا البقاء، لينتهي الأمر لتأسيس سلطاتٍ تحمي هذه السلطة المستبدة والمدسترة كسلطة رأس المال الفاسد بالإضافة الى سلطة المجتمع الذكوريّة التي تلغي نصف المجتمع، وتتجه في نهاية المطاف نحو إلغاء الحريات والحقوق العامة التي نتجت كقيم حديثة مضادة للموروث الذي تكرسه السلطة الدينية كعادتها، وهي حقوق التعبير، الكلام العبادة، التنقل والكسب، والتي أتت كبديل لمفهوم الكليات الفقهية التي تبقى حقوقا خاصة بالأتباع والخاضعين لسلطة الفقه والموالين لشريعة الحاكم ألا وهي حفظ النفس والدين والعرض والمال الدين نفسه، وهي كليات مغلقة غير مباحة داخل المذهب الواحد أو الطائفة الواحدة للآخرين، ولسنا سوى أمام نموذج يرد في مدونة الإمام مالك على سبيل المثال يمنع دفن أتباع الإباضية في مقابر المالكية، وهذه مسألة تحمل رمزية كبيرة رغم ضآلتها، فالكارثة الحقيقيّة في المدارس الفقهيّة مصادر التشريع هو الموت المعرفي الذي هو بالدرجة الأولى متناقض وفكرة الدين : القرآن  نفسه : {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } النساء 82.

 

موجز القصّة أن الدين لا يؤسس لدولة، أولاً كون الدولة محدودة بجغرافيا وحدود وبطاقات هويّة وجوازات سفر، بينما الدين غير محدود بأي منها، مكانه الضمير مساحة الانتماء فيه عاطفية، وساحة الإنجازات داخله مكانها خارج الزمان والمكان نفسهما في الحياة الآخرة، والإيمان بالربط بين الدين والدولة يحقق نصف الدين ونصف الدولة فقط، لينتج دولة أناركيّة، دولة لا تعدو أن تكون سوى جهازا قمعيا أُضفيت عليه الصفة القانونية، تخدم مصالح الأطراف الأكثر تمتعا بالمزايا والقوة والثراء، بالإضافة الى أن الإسلام في الأساس يحوي أفكراً وقيماً ضد سلطة الدولة، الجهاد مفهوم عام يشجّع تكوين الميليشيات أو القوات الغير نظاميّة والتي لا تعترف بالعمر، الجنس أو الجنسيّة والمحكومة بالأيديولوجيا التي يتبناها زعيم الميليشيا نفسه، القائد الروحي في مثال حزب الله، مرتزقة بلغة أكثر وضوحاً، بينما الدولة لا تعترف سوى بالجيش النظامي الذي يكون أفراده محكومين بقوانين عسكريّة تبدأ بتحديد العمر أولاً وتصل الى الطاعة المطلقة للدولة محدود بمواطنيها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن البنية الإقتصادية للدولة المدنية مبنية على فكرة السيطرة والإحاطة الكاملة من قبل الدولة على التعامل المالي بين المواطنين والسوق، والمواطنين والمواطنين أيضاً، بمعنى أن دائرة التعاملات المالية دائرة مغلقة بين المواطن والإدارة نفسها، بينما في منظومة الإسلام فإن الزكاة والصدقات منظومة مغلقة في اتّجاه آخر، وهي دائرة الضمير لتنتج أموال بمصادر تمويل مجهولة المصدر ومجهولة المصب، وفق فكرة : ( إعطي بيمناك ما لا تراه يسراك )، وهو أمر يدمر فكرة الدولة واقتصادها الذي يحتكر العملة وتداولها والسلعة وتبادلها عبر أجهزة الدولة نفسها فقط لا غير .

 

الإسلام مناقض للدولة، لا لأنه ضدّها بل لأن كلّاً منهما ينساب في مستوى موازي للآخر لا يلتقيان، الأصل في الدولة هو الحق، أما الدين فإن الأصل فيه هو الخير، والتناقض المنطقي بين مفهومي الحق والخير تناقض لم يتم حلّه الى اليوم، نفس الشيء بالنسبة للإسلام والحضارة، فالدين ربانيٌ كاملٌ غير ناقصٍ ومفصولٍ عن المكان والزمان وعلى جانبٍ آخر فإنّ الحضارة إنسانيّة الصنع، تحوي العيوب كونها مرتبطة بعوامل الجغرافيا والقدرة البشريّة، والمسألة الأهم في الموضوع برمّته هو أن الإسلام أناركي بطبيعته، بمعنى أن السلطة فيه للفرد والقرارات كلها فرديّة متجهة من المؤمن في اتّجاهه، هذا قبل أن تتكون المدارس الفقهيّة المستحدثة بعده والتي أعلن  نهاية تاريخ الإسلام نفسه بعد إغلاق باب الإجتهاد، كون النص الديني : القرآن أصلا تجاهل الحديث عن تفاصيل الحياة العامة ومسألة السلطة وتبادلها أو حتى شكلها، هذا من ناحيّة ومن ناحية أخرى فإن مفاهيم مركزية في الإسلام القرآني قبل حدوث ظاهرة الفقه ترتكز على شيء اسمه الوقائع، وهذه الوقائع لا علاقة لها سوى بزمان ومكان وقوعها، وليست قصة طلب مضاجعة الزوجة الميتة في البرلمان المصري أو تطبيق حد الحرابة وقطع أيدي وأرجل المتظاهرين من أعضاء نقابات الشغل في البرلمان التونسي من قبل أعضاء التيار الإسلامي العام المنصرم سوى دليل على هذا الأمر، والأكثر إثارة للضحك مسودة ومقترحات الدستور الليبي الذي أقحمت الشريعة داخله بطريقة تثبت جهل وسذاجة أعضاء اللجان وليس مثل قول أحد أعضاء اللجنة أن بند ضمان عدم إهانة المقدسات الذي احتوى أسماء مقدسّة فقط بسبب التاريخ ولا شيء غير التاريخ كالصحابة وأمهات المؤمنين، وأباح بطريقة غير مباشرة إهانة مقدسات أخرى سيكفل بناء الدولة التي نريد، كبند غير قابل للتغيير، وفي سابقة لم يسبق لها مثيل حتى في كتاب القذافي الأخضر، خصوصا إذا عرفنا أن ليبيا تحوي مواطنون يدينون بالإسلام وفق فهم المذهب الإباضي مثلاً ، وهي مدرسة مبنيّة على تكفير صحابة وتقديس آخرين، الأمر الذي يجعلنا أمام معضل إجابة سؤال هل أتباع الإباضية في ليبيا وفق دستور الشريعة مواطنون أم لا !؟، دون الحديث عن المتصوفة والقرآنيين لأن الباب سيفتح لنا أبواب أخرى لا يستطيع أحد إغلاقها إلا عبر فوهات البنادق، لتكون دولة الدستور الليبي الجديد دولة الأقوياء لا دولة المواطنين، المشكلة في ليبيا مشكلة مزدوجة، مشكلة مفاهيم ومشكلة غياب إدارة، بالإضافة الى كارثة المال الفاسد، وهذه مسائل تحتاج الى رجال دولة لحلّها والتخلص من موروث إستبداد القذافي والذي انعكس كنمط سلوكي لرجال جعلوا الدين مطيّةً ليسرقوا الدولة من الناس ويفصلوا شريعة الله عن الله نفسه.

 

 

 

 

اجمالي القراءات 9325