ج1 ب2 ف 3 : زعم الصوفية أنهم يملكون الغفران ويتحكمون فى الجنة والنار .!!

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٠ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

زعم الصوفية أنهم يملكون الغفران ويتحكمون فى الجنة والنار .!!    

9ـ و ( غفران الذنوب) أسمج ما ادعاه الصوفية ..

 يقول تاج الدين النخال ( من جاء لي عامداً متعمداً لا ينوي في نهاره إلا زيارتي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)[1].  وفي أحد المجالس قال عبد الظاهر الأخميمي لمن حوله ( إن الله قد غفر لكم أجمعين)[2]. وقد وضع الصوفية قواعد الغفران ، أهمها أن يعترف المخطئ بخطئه للشيخ لكي يغفر له أو يتوسط له عند الله ليغفر له بما يحظى به الشيخ – بزعمهم – عند الله من مكانة ، وكان الاعتراف بالذنب أمام الشيخ من أهم طقوس أخذ العهد الصوفي وقد اعترض على ذلك ابن الحاج وقال (إن في هذا تشبهاً بالقسيسين)[3].

   وفي عصر الشعراني ازداد الاعتقاد في قدرة الصوفية على غفران الذنوب تبعاً لاعتقاد العصر في ألوهيتهم . وتردد في القصص الصوفية مبادرة المريد لقوله : التوبة عند أي خطأ في القول أو القلب .. وفي كتب الشعراني اعترافات كثيرة حتى أنه عدّ من المنن كثرة رفقه ورحمته لمن شكا إليه كثرة محبته للمعاصي وغلبة وقوعه فيها [4]

   وقد جعل الشعراني من أهم آداب الذكر ( أن يظهر المريد جميع ما بقلبه من حسن أو قبح لشيخه حتى يصل إلى درجات الصديقية – وإن لم يظهر ذلك كان خائناً  وحرم الفتح)[5]. وكان ذلك عاماً لكل المريدين شمل كل الأمراء أيضاً إذا شاء سوء طالعهم أن يعتقدوا شيخاً صوفياً ، يقول الشعراني (من أدب الأمير  مع شيخه ألا يكتمه شيئاً من زلاته التي وقع فيها ولو لم يسأله الفقير( الفقير يعنى الشيخ الصوفى ) ، وذلك إذا ذكرها للشيخ فإما أن يرشده للتوبة أو يشفع له عند الله بأن يغفرها له ويؤخر عنه العقوبة والمؤاخذة.. وقال المرصفي لا ينبغي لأمير أن يستحي من ذكر نقائصه لشيخه ليداويه فيها بالتوبة والمغفرة)[6].

 وكان بعض الصوفية يستفيد من الاعتقاد فيه وفي شفاعته فكان يبيع الجنة للناس، فروى اليافعي قصة باع فيها أحدهم بستانه نظير قصر في الجنة، وكتب بذلك صكاً وضع في كفن البائع حين مات[7]. وقال الشعراني أن امرأة جاءت الشيخ مدين بثلاثين دينار ليضمن لها الجنة فقال لها : ما يكفي:  فقالت: لا أملك غيرها ، فضمن لها على الله دخول الجنة[8]

  وأسمج من ادعاء (غفران الذنوب) ادعاء التحكم في الآخرة والجنة والنار. والدسوقي  يقول في كتابه ( الجوهرة ) : ( أنا بيدي أبواب النار غلقتها بيديّ ، أنا بيدي جنة الفردوس فتحتها، من زارني أسكنته جنة الفردوس)[9]. وفي طبقات الشرنوبي تفاصيل أكبر.. تنسب الى الدسوقي قوله في معرض مقدرته على تفسير القرآن الكريم (.. وفكيت طلاسم سورة الزمر فسقت بها للجنة المتقين وإلى النار الكافرين.. وفكيت طلاسم سورة الرحمن وهى صفات الجنة فرأيت صفاتها فأدخلت أتباعي فيها .. وفكيت طلاسم سورة المنافقين فعرفتهم وأدخلتهم النيران.. وفكيت طلاسم سورة نوح فأدخلت قومه النار، وقلت هذا جزاء القوم الكافرين فقالوا من أنت قلت لهم أنا إبراهيم)، ويقول( من كراماتنا أني لما وردت على النار هربت خوفاً مني فرفصتها برجلي فصارت رماداً وصرخت عليها فغلقت أبوابها السبع.. ومنها أني سددت أبواب جهنم السبع بفوطتي وفتحتها لأعدائي وأدخلتهم فيها.. ومنها أني فتحت أبواب الجنة الثمانية بيدي وأدخلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها، ومنها أن صُنج الميزان بيدي أصير حسنات مريدي أثقل من سيئاته، ومسّيت عليها فصارت سيئات المنكرين علىّ أثقل من حسناتهم، ولو كانوا مطيعين . ومنها أني أدخل أتباعي يوم القيامة في الحشر أعلا مرتبة من أتباع غيري..)[10].

  وقال الشعراني في ترجمته ( وكان رضي الله عنه يقول أنا بيدي أبواب النار غلقتها وبيدي جنة الفردوس فتحتها ومن زارني أسكنته جنة الفردوس.. وأطال في معاني هذا الكلام ثم قال رضي الله عنه وما يعلم ما قلته إلا من انخلع من كثافة حجبه وصار مروحناً كالملائكة.. قلت: وهذا الكلام من مقام الاستطالة تعطي الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق، وقد سبقه إلى نحو ذلك الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه وغيره فلا ينبغي مخالفته إلا بنص صريح ، والسلام )[11]. فالشعراني يرى أنه لا ينبغي مخالفة الدسوقي إلا بنص صريح، ما دام الدسوقي يسير على منهاج الجيلي وغيره في الادعاء بالتحكم في الآخرة. وتهرب الشعراني من إيراد النصوص القرآنية الصريحة التي تهدم افتراءات الدسوقي والجيلي وغيرهما حتى لا يهدهم ركناً أساسياً في التصوف ، وهو تصريف الأولياء الصوفية في الدنيا والآخرة..

 ونود أن نذكر بنصوص قرآنية صريحة تجاهلها الشعرانى ، وهى تقطع بأن يوم الدين ملك لله وحده لا يشاركه فيه واحد من خلقه ملكاً أم رسولاً فكيف بأولياء الشيطان.

يقول سبحانه وتعالى عن يوم الدين ( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ..البقرة48 )، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ..البقرة123 ). (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ .. الانفطار19). (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ...لقمان33) .. وكل إنسان  – والأنبياء منهم – إما والد وإما مولود .. فلن يجزي أحد عن أحدٍ شيئاً.. بل يقول تعالى للرسول الخاتم عليه السلام ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ ..آل عمران 128).. بل في ساعة العرض على الله تعالى.. يقف البشر جميعاً مؤمنون وأنبياء ومشركون وكفرة  أمام الله تعالى لا يستطيع أن يبدأ أحدهم كلاماً إلا بعد أن يأذن له الواحد القهار فيقول تعالى عن اليوم الآخر (... ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ{103} وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ{104} يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ{105} هود ). فلا يستطيع السعيد أو الشقي  أن يتحدث إلا بإذن في يوم الدين . الكل أمام جبروت الله تعالى سواسية.. كل منهم خائف مرتعب من هيبة الله تعالى. كل منهم محاسب أمام الله تعالى رسولاً كان أم مرسلاً إليه (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ..الأعراف66) . كل منهم يدافع عن نفسه عند الحساب بكل ما يستطيع ( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ..النحل111)، يوم رهيب على الجميع، فكل إنسان لا هم له إلا إنقاذ نفسه والنجاة بها من عذاب الله والذنوب التي وقع فيها .. كل إنسان يفر من أقرب الناس إليه ( ْيومَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ{8} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ{9} وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً{10} يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ{14} كَلَّا إِنَّهَا لَظَى{15} المعارج).. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}عبس).. وكل البشر – وكل إنسان بما في ذلك الأنبياء – امرؤ له أخ وأم وأب وزوجة وأبناء، سيفر منهم من رهبة الموقف العظيم..

   هذه نصوص قرآنية قاطعة .. ولا اجتهاد مع وجود نص واحد صريح.. فكيف بنصوص عديدة ؟؟ لو كانوا يعقلون..

 



[1]
- طبقات الشاذلية 118 .

[2] - الطبقات الكبرى للمناوي 296 مخطوط .

[3] - المدخل جـ 2/ 209 .

[4] - لطائف المنن 438 .

[5] - لبس الخرقة 11 مخطوط  .

[6] - إرشاد المغفلين 254 .

[7] - روض الرياحين 215 .

[8] -  الطبقات الكبرى جـ2/ 93 .

[9] - جوهرة الدسوقي 99 . مكتبة الجمهورية .

[10] - طبقات الشرنوبي مخطوط 3، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، : 12 متفرقات..

[11] - الطبقات الكبرى جـ2 / 157 .

اجمالي القراءات 8822