ج1 ب2 ف 3 : الولى الصوفى ــ فى زعمهم ــ بين السماء والأرض

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى

 الولي الصوفي ــ فى زعمهم ــ  بين السماء والأرض :

يقول تعالى عن تمام سيطرته على الأرض والسماء ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) الزخرف84) . وجاء بصوفية ينافسون الله في ملكه في الأرض والسماء. يقول الغزالي ( جميع أقطار ملكوت السماوات والأرض ميدان العارف يتبوأ منه حيث يشاء، من غير حاجة إلى أن يتحرك إليها بجسمه وشخصه، فهو من مطالعة جمال الملكوت في جنة عرضها السماوات والأرض ، وكل عارف له مثلها من غير أن يضيق بعضهم على بعض أصلاً ، إلا أنهم يتفاوتون في سعة منتزهاتهم بقدر تفاوتهم في اتساع نظرهم وسعة معارفهم .. ولا يدخل في الحصر تفاوت درجاتهم )[1]. الغزالى هنا ينتحل للولى العارف الصوفى بعض ما قاله رب العزة عن ذاته جل وعلا :( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) المؤمنون )( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) يس) (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة  )( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) المُلك ). المشكلة أن أولياء الصوفية ( العارفين ) كثيرون بالآلاف ، فكيف يتسع لهم الكون ليتصرفوا فيه ؟ ويأتى الغزالى بالحل السحرى ، وهو (وكل عارف له مثلها من غير أن يضيق بعضهم على بعض أصلاً ، إلا أنهم يتفاوتون في سعة منتزهاتهم بقدر تفاوتهم في اتساع نظرهم وسعة معارفهم .. ولا يدخل في الحصر تفاوت درجاتهم . )

 2- وذلك التفاوت  الذي أشار إليه الغزالي كان مبعث التنافس والتزايد بين صوفية العصر المملوكي ، كل منهم يسابق الآخر في إعلاء درجته في الأرض والسماء وما بينهما ..

 أ) الفرغل هو فلاح صوفي أمّى جاهل لا يحفظ القرآن الكريم من قرية أبى تيج فى الصعيد ، ومع ذلك إشتهر بالولاية ، وكتب بعضهم كتابا فى مناقبه ، نقل فيه عنه مزاعمه الخرافية ، ومنها أنه ( يعرف أزقة السماء كما تعرف أم حسن الدلالة أزقة أبي تيج)[2]. ( وأن السماء لم تحوه والأرض لم تطوه) [3]. ولا يزال هذا الفرغل يتمتع بالتقديس حتى الآن ، وينتشر بين المصريين إسم ( فرغلى ) نسبة اليه وتبركا به .!! ومعرفة ( أزقة السماء) ادعاها ابن عنان [4]. والنخال[5].

  ب) ويقول الدسوقي أن الدنيا صارت في قبضة يده وهو ابن ست سنين (واكتشفت على شجرة المنتهى وأنا ابن إحدى عشر سنة ، وجلست على الكرسي وأنا  ابن اثني عشر سنة[6] . لذا قال عنه المناوي ( إن قدمه لم تسعه الأرض .. وإن الدنيا جعلت في يده كالخاتم وأنه جاوز سدرة المنتهى ، وجالت نفسه في الملكوت)[7].

ج) وقيل عن الرفاعي : ( عروس الحضرة ، نائم والدنيا في رجله كفردة خلخال)[8]. ومعروف أن الخلخال حلية تلبسها النساء وليس الرجال.!!. وقال عنه الشعراني (كان قطب الأقطاب في الأرض، ثم انتقل إلى قطبية السماوات، ثم صارت السماوات السبع في رجله كالخلخال)[9].

 د) وتوحي بعض الروايات أن الشاذلي ( وإسمه الأصلى : على بن عبد الجبار )  كان في السماء ثم أهبطه الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) إلى الأرض: ( قال الشاذلي : قيل لي : يا على اهبط إلى الناس ينتفعون بك فقلت : يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم فقيل لي : أنزل فقد أصحبناك السلامة ورفعنا عنك الملامة..)[10]. وحين ذهب المرسي للقاء الشاذلي (بعد أن هبط إلى الأرض طبقاً لتلك الأسطورة) ، أخبره الشاذلي ثم قال له : ( رُفعت إلىّ منذ عشرة أعوام)[11].

3-وكان بإمكان الولي الصوفي – بزعمهم – أن يطير بين السماء والأرض ربما لأتفه الأسباب ، فالمرسي طار في الهواء ليستوثق من أن خادمه يقول له كذباً أنه سقى له حصانه[12] .

وعرف في الكرامات الصوفية( الفقراء الطيارون) أو رواد الفضاء بالمصطلح الحديث، فقيل مثلاً أن الشيخ البسطامي أولم وليمة فاخرة للفقراء الطيارين، وجاءوا بالليل وتساقطوا من الهواء عليها والتهموها[13]. وكان الأولياء الفقراء الطيارون يطيرون إلى بغداد للقاء عبد القادر الجيلي[14]. وبعضهم كان ينقذ الأولياء الآخرين عند الحاجة كما حدث للشيخ حسن الطراوي الذي فقد ماء الوضوء فنزل عليه أحدهم من السماء( وفي عنقه قربة ماء مملوءة من بحر النيل)[15]. وهى كرامات مضحكة تنم عن جهل خارق .

4-وطمح الصوفية لمزاحمة الرحمن تعالى في عرشه، يقول الشعراني ( الأولياء تطمح أبصارهم حتى تحيط بالعرش) [16]. وأبو العباس المرسى الذي كان يطير في الهواء- وصل في تطوافه إلى العرش، يقول( جلت في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقاً بساق العرش، وهو رجل أشقر أزرق العينين)[17]. وأعلن المرسى أنه يعرف العرش أتم معرفة فيقول يحلف بالله جل وعلا كذبا ( والله أني لأعرف العرش كما أعرف كفي هذه)[18]. وحين أقسم بعض المنافقين كذبا بالله جل وعلا وصفهم رب العزة بأنهم يهلكون أنفسهم ــ لمجرد أنهم أقسموا كذبا فى موضوع التخلف عن الجهاد: (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)  ) التوبة ) ، فكيف بمن يقسم كذبا فى حق من حقوق الرحمن وفى معرفته بعرش الرحمن ؟

وأطلق المرسى على تلميذه ياقوت الحبشي لقب(العرشي) نسبة للعرش فاشتهر بهذا اللقب فقيل فيه (سماه المرسى بالعرشي لأن قلبه دائماً كان ينظر إلى العرش، وليس في الأرض إلا بدنه)[19].

  وعرف الصوفية التزايد في الادعاءات حول العرش، فقد أعلن عبد القادر النقاد للشاذلي أنه رأى مقامه عند العرش، فقال الشاذلي – كأنه استقل ذلك – (هذه الطينة أرضية، والنفس سماوية، والقلب عرشي، والروح كرسي، والسر مع الله بلا أين، والأمر يتنزل فيما بين ذلك، ويتلوه الشاهد منه )[20]. فلم يدع الله مجالاً معه في عرش أو كرسي .

وكان الخضري- وهو صوفي مجهول(ت907 ) يقول ( لا يكمل الرجل عندنا حتى يكون مقامه تحت قوائم العرش دائماً، وتكون الأرض كلها بين يديه كالإناء الذي يأكل منه, وأجساد الخلق كالبلور يرى ما في بواطنها )[21].وما دام ذلك الخضري قد زعم احتلال قوائم العرش فبإمكانه حينئذ أن يدعى التحكم في الأرض وسكانها.

 وأراح الدسوقي نفسه من عناء المنافسة فأعلن ( أنا العرش أنا الكرسي أنا اللوح أنا القلم ) [22].ويقول الدسوقي إن الله تعالى قال عنه (يا أولياء الله أشهدكم بالله إن من زاره فقد زارني فإنه من نوري..) [23]..

   5-هذا .. والعرش الذي جعله الصوفية مجالاً لأهوائهم , هو عرش الرحمن الموصوف  بالعظمة والكرم شأن صاحبه تعالى  (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْش الْعَظِيمِ ) .النمل26 )

( وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) التوبة129 ) ، ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ...المؤمنون 116) ووصف تعالى نفسه بأنه صاحب العرش (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ)غافر15)، و رب العرش جل وعلا يتنزه عما يصفه به المشركون : ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ )  الأنبياء22).



[1]
- إحياء جـ 4 / 265 :266 .

[2] -  مناقب الفرغل مخطوط 34 ، 21 .

 

[3] - مناقب الفرغل مخطوط 34، 21 .

[4] - أخبار القرن العاشر مخطوط 175 .

[5] - طبقات الشاذلية 118 .

[6] - طبقات الشرنوبي مخطوط 2 .

[7] - الطبقات الكبرى للمناوي 254  ب مخطوط .

[8] - عبد الصمد . الجواهر السنية 49 .

[9] - لطائف المنن 411 ط .

[10] - تعطير الأنفاس 37 ، المفاخر العلية 19 .

[11] - تعطير الأنفاس 70.

[12] - تعطير الأنفاس 241 .

[13] مناقب الحنفي 389 مخطوط .

[14] بهجة الأسرار جـ1/21 مخطوط.

[15] الطبقات الكبرى للمناوى 386 مخطوط.

[16] الجواهر والدرر 166 .

[17] المفاخر العلية 15 .

[18] تعطير الأنفاس 273 .

[19] عيون الأخبار مخطوط جـ2/442 . الطبقات الكبرى للمناوى333 .

[20] لطائف المنن لابن عطاء75 .

[21] أخبار القرن العاشر 63 مخطوط ,الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/98.

[22] شمة- مسرة العين10مخطوط

[23]   جوهرة الدسوقي103 

اجمالي القراءات 7225