ج1 ب1 ف 5 : شيوخ الصوفية رافضو الإسلام فى القرن الثامن

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٨ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

 الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى      الفصل الخامس :المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة .              

شيوخ الصوفية رافضو الإسلام في القرن الثامن :

 شهد القرن الثامن حركة ابن تيمية الداعية لتمسك الصوفية بطريق الجنيد المعتدل، الذي ظن ابن تيمية أنه ملتزم بالكتاب والسنة،وقد أحدثت حركة ابن تيمية رد فعل مضاد على الجانب الصوفي المتطرف التوّاق للتحرر من الشكل الرسمي الإسلامي،فظهرت حركات متفرقة تزعم الشيخ الباجربقي الصوفي أهمها في القرن الثامن . الباجربقى

استحوذ الباجريقي ( محمد بن جمال الدين ) (ت 724 ) على اهتمام المصادر التاريخية . وقد كان في الأصل فقيهاً بالمدارس ثم تصوف وصحب الفقراء وصار له أتباع ، غير أنه كان يتفوه بالعظائم مثل أن ( الأنبياء والرسل طولت على الأمم الطريق إلى الله ، وأنه بإمكانه أن يوصلهم إلى الله بأسرع من الرسل). ( وقد حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مرة بعد أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة، فتغيب عن دمشق ، وأقام بمصر بالجامع الأزهر ، وتردد إليه جماعة ، وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه .. وكان له قوة تأثير ، وشُهد عليه أيضاً بما أبيح دمه، منهم الشيخ مجد الدين التونسي ، فسافر إلى العراق ثم سعى أخوه بحماة حتى حكم الحنبلي بعصمة دمه، فغضب المالكي وحدد الحكم بقتله )[1].

أتباع الباجربقي والباجربقية

وقد نشر الباجربقي دعوته في مصر والشام والعراق ، واجتمع عليه الأشياع ، وكان نصيبهم مثله المحاكمات والاضطهاد ، يقول ابن الوردي وأبو الفدا في حوادث سنة 741 . ( وفيها ضربت عنق عثمان الزنديق بدمشق على الإلحاد والباجربقية ، سمع منه من الزندقة ما لم يسمع من غيره )[2]ومعنى ذلك أن  (الباجربقية ) أصبحت طريقة صوفية تعني التحلل الصريح من الإسلام وإعلان الزندقة بأقذع الألفاظ .ومن أتباعه كان ابن المرحل ( ت716 ) يقول فيه المقريزي أنه درس في الزاوية بجامع عمرو وكان ممن أتهم في دينه كالباجربقي والطوفي، وقد تعارضت آراؤه مع ابن تيمية [3]. وقيل في ترجمة ناصر الدين بن أبي الفضل المقتول سنة 726 أنه ( أجتمع بمحلولي العقيدة مثل ابن المعمار والباجربقي والنجم بن خلكان وغيرهم ، فانحلت عقيدته ، وتزندق من غير علم ، فشُهد عليه فهرب إلى بلاد الروم ، ثم قدم حلب وأجتمع بابن الزملكاني فأكرمه واستتابه ، ثم ظهر منه زندقة عظيمة فسيره إلى دمشق فضربت عنقه )[4].  والنجم بن خلكان سالف الذكر كان قاضيا وهو ( ابن أخي قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان ، وقد ولي القضاء ببعض البلاد الشامية ، ونسب إلى انحلال في العقيدة فانقطع رزقه ومُقت ، فسافر للديار المصرية ، وقعد مع الشهود حتى مات 762 ) . ومعنى ذلك أن مصر كانت ملجأ لمتطرفي الصوفية، فقد وفد إليها الباجربقي، ثم ابن خلكان بعد طردهما من الشام . ويذكر أن ابن خلكان خدع السلطان أوهمه بمقدرته على عمل الطلسمات والسحر فلما طولب بالبرهان عجز ، ومع ذلك ظل مصراً على دعواه [5].

وفي سنة 715 قتل أحمد الرويس الأقباعي ( لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة ، وكان له كشف وأخبار عن المغيبات، فضلّ به الجهلة ، وكان يقول : أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني ، وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة )[6]. ( إستحلال المحرمات كان يعنى استحلال الزنا بالمحارم طبقا للشريعة الصوفية ) وصاحبنا كان يستحل المحرمات ويهاجم الأنبياء، ويترك الصلاو ويدمن الحشيش ، ومع ذلك يعتقدون ولايته وعلمه بالغيب أو ( الكشف ) . 

ابن البققي ( أحمد بن محمد البققي المصري )

قيل في ترجمته في الدرر الكامنة : ( ادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي بما يقتضي الانحلال واستحلال المحرمات والاستهزاء بالدين ، وقامت عليه البينة فحُبس ، وأعيدت عليه الدعوة، فاعترف، وصار يتلفظ بالشهادتين فلم يلتفت إليه ، وحٌكم بقتله ، وقد استجار بابن دقيق العيد فلم يلتفت إليه) واخترع الصوفية كرامة تقول إن بعض الشيوخ الصوفية أنكر عليه وتنبأ بقتله :( ويقال أن الشيخ المحندار سمع كلامه فقال له : " كأني بك وقد ضربت عنقك  بين القصرين وبقى رأسك معلقاً بجلده " فكان كذلك . وكان يشطح ويتفوه بعظائم عن النبوة والتنزيل وتحليل المحرمات ، ولابن دانيال فيه أشعار :   يقول   :

            يظـن فتى البققي  أنـه                سيخلص من قبضة المالكي

            نعم سوف يسلمه المالكي               قريبـاً  ولـكن  إلى  مالك

  وقال :

            لا تلم البقي  فـي  فعله              إن زاغ تضليلاً عن الحق

           لو هذب الناموس أخلاقه               ما كان منسوباً إلى الـبق

ومما ينسب لابن البققي قوله عن نفسه ( لو كان لصاحب المقامات حظ  لكانت مقالاته تتلى في المحاريب ) وأنه كان يفطر في نهار رمضان بغير عذر ، وأنه كان يضع  الربعة ( المصحف ) تحت رجليه ويصعد فوقها يتناول حاجة له من الرف ، ويقال أنه كان يستخف بقاضى القضاة المالكي ويسبُّه ويطعن فيه فكان ذلك يبلغ قاضى القضاة ، فيهتاج ويكتم غيظه ( إلى أن ظفر بالمحضر المكتتب عليه، فطلبه طلباً عنيفاً وادعى عليه عنده فأنكر ، فقامت البينة فأمر به فسجن ليبدي الدافع ــ  أي المحامي ــ في الشهود ، وحكم المالكي بزندقته وأراقة دمه ، ونقل المحضر للقاضي الشافعى ابن دقيق العيد،  فرفض ابن دقيق العيد قتل من ينطق بالشهادتين ، فبلغ ذلك والي القاهرة ناصر الدين بن الشجي وكان يميل إلى ابن البققي فانتصر له، وسعى في نقله من المالكي إلى الشافعي ، فأشير عليه بأن يكتب محضراً بأنه مجنون ، فكتب فيه جماعة ، وأحضره لابن دقيق العيد فقال : معاذ الله ما أعرفه إلا عاقلاً .. فدس بعض من يبغض البققي إلى الشهاب العزازي الشاعر أن ينظم فيه شيئاً فكتب شعراً للمالكي :

                قل للأمام المالكي المرتضى          وكاشف  المشكل  والمبهم

               لا تهمل الكافر وأعمل  بما            قد جاء في الكافر في مسلم

فلما وقف عليهما قال : " شاعر ومكاشف قد عزمت على ذلك " ثم نهض من وقته إلى السلطان فاستأذنه في قتله فأشار عليه أن يتمسك في الأمر ، فقال المالكي : قد ثبت عندي كفره وزندقته فحكمت بإراقة دمه ووجب علي ذلك .. فلما رأي السلطان انزعاجه قال : إن كان ولابد فليكن بمحضر الحكام . فأرسل إلى الوالي والحاجب وحضر القضاة الأربعة فتكلم المالكي بما حكم فوافقه الحنفي وقال: اقتلوه ودمه في عنقي ، فقتل ) [7].أي أن قتل البققي يرجع إلى خصومه مع القاضي المالكي . ولولا ذلك ما قتل . كما حدث لابن اللبان..

ابن اللبان ( شمس الدين بن أحمد عبد بن المؤمن ) ( ت749) ..

كان صوفياً من أصحاب ياقوت العرش الشاذلي ت 737 قال فيه المقريزي ( نسبت إليه عظائم ، منها أنه قال في ميعاده بجامع مصر: أن السجود للصنم غير محرم ، وأنه يفضل الشيخ ياقوت العرشي شيخه على بعض الصحابة ، واستؤذن السلطان فمكّن منه ، فترامى على الأمير جنكلي بن البابا والأمير الحاج آل ملك والأمير ايدمر الخطير حتى حكم بتوبته ، ومُنع من الوعظ وهو والشيخ زكي الدين بن معضاد الجعبري وجماعة من الوعاظ )[8]. وكان القاضي الذي يحاكمه هو جلال الدين القزويني ..[9]ويذكر ابن كثير أن كبار الصوفية حضروا مع ابن اللبان للدفاع عنه ، وهم شيخ الشيوخ مجد الدين الإقصرائي ، وشهاب الدين الأصفهاني ، وأنه قد ادعى عليه ( بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك ، فأقر بعضها فحكم عليه بحقن دمه )[10].وكان المدعي عليه ابن المغربي .. ومنع أهم أصحابه من الوعظ كابن الجعبري والزركشي وجماعة آخرين [11]. ونعرف مما سبق أن إبن اللبان كان له أتباع بين الوعّاظ

  * إدعاء النبوة :

1 ــ وعرف في القرن الثامن أيضاً صوفية ادعوا النبوة . وقد إعتبر العصر المملوكى هذا الادعاء بالنبوة تهمة تماثل القول بالاتحاد.  

2 ــ ويرى ابن خلدون أن الخروج عن الصراط أدى بأصحاب نظريات( الحلول )(والاتحاد )( والامتزاج ) (والاتصال) ( ووحدة الوجود ) ( والقطبية )( والإنسان الكامل ) – أدى بهم إلى القول بأن النبوة ذاتها يمكن للإنسان اكتسابها والوصول إليها عن طريق الرياضة وصفاء القلب [12]..

3 ــ وتأسيساً على ذلك حدث في عام 781 أن ادعى صوفي أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي ، وأن حروف القرآن تنطق له ، وأن الذي يأتيه بالوحي جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ورضوان ومالك ودردائيل .. وأنه أرسل بقتل الكفرة ، وقد قبض عليه وسجن بالمارستان متهماً بالجنون . وأفرج عنه بعد أن رجع عن مقالته [13].

وقيل في ترجمة وضاح الخياط أنه كان يصاحب الصوفية ويحترف الخياطة فأزله الشيطان فادعى النبوة ،  فسجن أياماً ثم استتيب ، وعزر في ذلك ، وأطلق سنة 753 ..[14]

واستمر ادعاء النبوة إلى القرن التاسع فقد ادعى سنة 824 ( شخص من عرب الصعيد يقال له عرام النبوة ، وزعم أنه رأى فاطمة الزهراء في اليقظة فأخبرته عن أبيها ، وأنه سيبعث بعده ، فأطاعه ناس وخرج في ناحيته ، فقام عليه نجم الدين البكري وسعى إلى أن قبض عليه ، فضربه تعزيراً وحبسه وأهانه فرجع عن دعواه وتاب ..) [15]

4 ــ ووصل طوفان الإلحاد إلى المماليك ، فقالوا عن طوغان الشمسي 741 بأنه ( ينسب له استهتار زائد وكلمات مؤذنة بالزندقة والانحلال .. [16]

الصعود للسماء :

وعرف القرن الثامن بوادر لادعاء بعض الصوفية الصعود للسماء وتكليم الباري تعالى ، يقول ابن إياس ( ظهر بالقاهرة سنة 717 شخص يدعى أنه يصعد للسماء ويكلم الباري جل شأنه في كل يوم مرة ،فاعتقده جماعة كثيرة من عوام مصر ، فلما شاع أمره بين الناس رسم السلطان بأن يعقدوا له مجلساً بالصالحية . فاجتمع هناك القضاة الأربعة ، فأراد القاضي المالكي أن يثبت عليه الكفر فشهد جماعة من أهل الطب بأن في عقله خللاً فسجنوه ، ولم يثبت عليه الكفر ...) [17].

خلافا لعصرنا البائس الذى تقهره الوهابية الحنبلية بالاكراه فى الدين فإنّ العصر المملوكي كان يسمح بحرية دينية نحسده عليها ، وكان العصر المملوكى بما نشره التصوف من إنحلال عقيدى وجهل دينى وتخلف عقلى يحتفظ لأصحاب الكرامات الصوفية ولأولئك المدعين الصعود للسماء والالوهية ببعض التصديق بدليل وجود أتباع لهم يؤمنون بهم واستجوابهم وقيام البعض بنصرتهم وادعاء الجنون للتخلص من القتل . أما العامة فهم أسرع للاستجابة والنصرة .  



[1]
النويري نهاية الأرب مخطوط جـ 30 / 26 . فتوح النصر مخطوط جـ 2 /209 . أعيان العصر مخطوط جـ 106 .  24 : 37 دول الإسلام للذهبي جـ 2 /177 ، السلوك جـ 2 /1/4 . الدرر الكامنة جـ 4 / 12 : 14 ، 130 : 132 ، شذرات الذهب جـ 6 / 64 : 65 .

[2] تاريخ أبو الفدا جـ 4 / 137 ، تاريخ ابن الوردي جـ 2 / 330 .

[3] السلوك جـ 2 / 1 / 167  ، حاشية 167 : 168 .

[4] شذرات الذهب جـ 6 / 74 : 75 .

[5] الوافي بالوفيات جـ 3 / 249 : 250 ، الفلاكة والمفلوكون للدلجي 71 .

[6] شذرات الذهب جـ 6 / 35 ، اليافعي : مرآة الجنان جـ 4 / 254 .

[7]  الدرر الكامنة جـ 9 / 329 . تاريخ مصر المملوكية نشر زيثرستين : 104 : 105 .

[8] السلوك جـ2 /2 / 408

[9] شذرات الذهب جـ 6 / 164 .

[10] تاريخ ابن كثير جـ 14 / 177 .

[11] فتوح النصر مخطوط جـ 2 / 271 .

[12] شفاء السائل 84 : 86 .

[13] السلوك جـ 3 / 1 / 368 : 369 . تاريخ ابن إياس جـ 1 / 2 / 249 .

[14] الدرر الكامنة جـ 4 / 407 .

[15] إنباء الغمر جـ3 / 243 .

[16] الدرر الكامنة جـ 2 /329 .

[17] تاريخ ابن إياس جـ 2 / 4

اجمالي القراءات 8082