الدين المعاملة
هذه صديقة صديقتي

لطفية سعيد في السبت ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

حدثتني صديقة لي مقربة ،  كانت تعمل منذ سنوات  في وظيفة مرموقة  في إحدى الدول العربية   ، تقول صديقتي في تأثر بالغ : أنها قد توسطت لسيدة مسيحية  كانت تعمل معها ، وساعدتها  في الحصول لأبنائها على إقامة  في تلك البلد ـ وكانوا ثلاثة ذكورـ  ، إلى هنا كان الحديث غير مسغريا ، فلا ضير في أن تساعد صديقتها  في أن يقيم أولادها معها ثلاثتهم ، فهي أم و هي تشعر بما تشعر به الأم من ألم لفراق الأبناء ، وهي نفسها قد مرت بتجربة مثيلة ، ولم تتحمل بعد أبنائها  إلا بشق الأنفس ، سيما و صديقتي هذه أم عطوف فقد تبكي لبكاء طفل لا تعرفه ، فما بالك  وقداشتركت هي كما تقول في تربية أولاد صديقتها  ، فقد كانوا  يلعبون مع أولادها طوال النهار ولا يذهبون لبيتهم  إلا عند  النوم ، أكيد سيكون تأثرها أكبر ، وقد كانت لي مع صديقتي  هذه  مناقشات مطولة ،اتفقنا تارة واختلفنا  تارة أخرى أنا وهي ، حول تربية الأبناء ، وأساليب الثواب والعقاب ،  ما بين مؤيد للتربية الصارمة ومعترض تاركا للوراثة دورها الأساسي فيها  ، الخلاصة أنني لم  أكن مستغربة  قط من مساعدتها لصديقتها  ،لا بل  كان سؤالي لها عن سبب انفعالها ـ وهي كما عهدتها  هادئة  ،كالنسمة الرقيقة ـ  وقد كان استغرابي شديدا  ،لأنها  لم تبال بكل كلمات التهدئة التي أمطرتها بها ، ولا بقواعد الدكتور إبراهيم الفقي في التنويم بالإيحاء ، وكل  علوم التنمية البشرية ..إنني أسجل هنا اعترافا بأنني قد فشلت فشلا غير مسبوق في تهدئتها بداية ..  فتوقفت عن الكلام  ، وجلست أسمع في اهتمام .. لأرى ماسبب هذا الضيق و تحول الصديق...وأخيرا .. قد بدأت  تتكلم ـ  وأنا لها مصغية ، ولثورتها موارية ـ  فقالت في حدة   صادمة موجهة حديثها لي وأوبلتني بقذائف  ثلاث عجيبة غريبة  ومفاجئة ، فقالت  : أكيد أنت لاتعرفين أن صديقتي المسيحية هذه   كانت متزوجة من مسلم .. وأن أولادها ثلاثتهم كانوا مسلمين كذلك .. والغريب أنها مسيحية لكن أبوها  مسلم .. فلم أقو على الصمت بعد سماع الجملة الأخيرة ، طلبت منها بصيغة الرجاء أن توضح لي هذه النقطة الأخيرة : إذ كيف تكون مسيحية ووالدها مسلم  ، غريب .. واعتذرت لها عن المقاطعة ، بحركة و بإيماءة  نفهمها معا  ، فقالت لي أن والد صديقتي وهو ... وذكرت  اسما غير عربي ، أدركت على الفور انه من  الهند أو تايلاند ..الخ  ،  فقلت  حيرتي وتقريبا وصلت لي الإجابة ، وزال عني الاستغراب بعض الشيء ..  إذ أن الإصرار بإعطاء دين الأب للأولاد ( بين الزوجين المختلفين في الديانة ) بما يشبه الحرب  لا يكون إلا من الزوج  العربي  ..وواصلت  كلامها  فقالت لي : أن الأولاد الثلاثة  قد اختاروا أن يكونوا مسلمين  بمحض إرادتهم  مع الأب  ،(ادركت حينها أن سن الأبناء كبير ، وليس كما كنت أتخيلهم )  و تكمل قائلة  أن صديقتي المسيحية  لم تعارض ،  لأنها  تصورت أن كل المسلمين على شاكلة أبيها الذي سمح بأن تحمل ابنته دينا غير دينه،  وأن تستمر زوجته مسيحية بالرغم مما يتمتعا به من وفاق ، وألفة ،  فمازال يحضر والدها لأمها الورود ، والهدايا في عيد الميلاد ، وفي عيد الحب أيضا  ، فأشرت لصديقتي إشارة مضحكة  ، فانخرطت على أثرها في الضحك دون إرادة منها لذلك ، فعادت إلي الثقة  في أن هناك أمل في تهدئتها ، وواصلت الحديث معي  ، لكن بحدة أخف ،  وقالت تصوري فقلت لها على الفور:  بأنني لا أحتاج  للصور ، فضحكت وقالت عن الأب (والد المسيحية ) تتحدث : فهذا الأب هو من دفع تكاليف زواج ابنته ومهرها .. بالرغم من أن الدين الإسلامي لا يقول بأن الزوجة هي من تدفع المهر أو عائلتها ، وأنه لم يفرض على ابنته زوجها ، بل هي من اختارته بإرادتها مسلما ..  وهو ( الأب أيضا  ) من سعى في قدومه  فقد اشترى لزوج ابنته عقدا للعمل في هذا البلد العربي ، وأقاما ( ابنته وزوجها )  معه في نفس المسكن ،  حيث كانت صديقتها المسيحية تعمل هي أيضا ، وتدخرمع زوجها كل ما تحصله،   فقد كانت  خلوقة  ، ولا تهتم  بأن يكون لها حسابا منفصلا ، توقعت أنا  تكملة القصة وما عصّب صديقتي بهذه الطريقة ، ولكني تحاملت  على نفسي وكتمت ما أظهرته  تعبيرات وجهي ، وقد صدقت على ما فهمته  ، وقالت بالإيماء  كأنها تقول لي صحيح ما وصلت إليه من استنتاج....   نعم  لقد  أخذ كل شيء  ، وقال إنه  ذاهب فقط في زيارة لأهله ، وقد ذهب ولم يعد ، وكانت حيرة الزوجة كبيرة ، ليس من أجل المال فحسب ، بل في إقامة أولادها  ، فهم  تابعين للأب في إقامتهم ..  وواصلت  صديقتي الغاضبة  سرد قصتها   ، فقالت لي تصوري قلت لها : أكيد أنت تعرفين إجابتي الماضية ،  فتبسمت وقالت إن الآولاد قد أصروا على تغيير ديانتهم إلى المسيحية، فقد تركوا الإسلام ، وتحولوا  إلى دين والدتهم ،  وتركوا حتى الأسماء ..  إذ كانت أسماؤهم تنم عن إسلامهم ،فلم يرغبوا حتى بمجرد  الاحتفاظ بها ... فقلت يا ... إلى هذه الدرجة ... قالت لي وهي حزينة تتساقظ دموعها  ، لإن زوج صديقتي  المسلم ، والذي كان من نفس بلد الزوجة ،  والذي جمع كل المستحقات المادية التي كانت معه هو وزوجته ، نسي أنه زوج و أب وأنه قدوة لأبنائه كذلك  .... وهكذا فقد الأولاد   الثقة ، والقدوة معا ،  ليس في  والدهم فحسب  بل في الدين الإسلامي كله ..  و تستطرد صديقتي الغاضبة في حديثها  فتقول :  وفي مكالمة هاتفية لي  مع صديقتي المسيحية قد رد ابن منهم على التليفون فقلت له يا أحمد كيف حالك ، فقال لي إن اسمه لم يعد أحمد ..  فقلت  عادي أن  أناديك بهذا الاسم الذي اعتده  ، فرد علي بأنه لا يحب أن يناديه أحد  بهذا الاسم ... وقد تأثرت بهذه المكالمة أيما تأثر .. وسكتت عن الكلام  لحظات  ،  وقد لمحت دمعة حائرة في عينيها وهي تقول لي بصوت متقطع   :  إنهم أصبحوا يذهبون للصلاة في الكننيسة الآن ، وهذا يعد خسارة بأن يترك الإسلام  هذه النماذج  المشرفة  ،والتي أعرف أخلاقهم جيدا ،  ويأخذون عن الإسلام هذه الفكرة السيئة    ..فأشرت لها بيدي كأني اقول لها عفوا هذا دوري في الكلام  ، لأني قاربت أن أنسى كيف أتكلم ، من كثرة الإنصات ،  وسنتبادل الأماكن ، وعليك ان تستمعي لي  هذه المرة ، وبدأت كلامي بتوضيح أفزعني وهو ما أحزنني أنا أيضا  ، فقلت لها : بداية اسمحي لي أن أعدل صيغة العبارة الأخيرة التي قلتها   : فالأصح  لو تكرمت يا صديقتي الحبيبة أن  تقولي :  ( يأخذون عن المسلمين هذه الفكرة السيئة ،  وليس عن الإسلام ) وكذا فقدوا الثقة في المسلمين ، وليس في الإسلام ...  فالإسلام يا صديقتي  ليس مسئولا عن أخطاء المسلمين .. إنه كقاعدة كلنا نعرف ما فيه من تسامح  وحرية وقسط  أنت تعرفين مثلي تماما  ذلك عنه ، وقد تحدثنا قبل ذلك معا عن الذمة المالية المنفصلة للزوجة ،  فقط  على سبيل التذكرة أقول لك .. فضعي عنك ما تحملين من أعباء ،  فالإسلام لا يقارن بأفعال المسلمين مطلقا ، و أردت  أيضا أن أذكرك بشيء أكيد قد غاب عنك أيضا  في جملة انفعالك ..  فقالت لي ما هو ؟ فقلت لها  : لماذا لم يأخذ الأولاد نصب أعينهم جدهم  ،الأب المسلم لصديقتك .. ؟ لماذا لم يقتدوا به  مثالا ونموذجا ..؟  إننا يا صديقتي قد نأخذ وننتقي ما نريد  من نماذج ،  ولكن لا نسحب هذا الانتقاء على أنه قاعدة  ..   فأطرقت وهزت رأسها كأنها قد وجدت  أخيرا ما تبحث عنه ،وتناولت كوبا من الماء كنت قد أحضرته لها سابقا  لتهدئ من روعها ، و شربته  ، وبعدها أعدت على مسامعها هذه الآيات ، وقد كنا قبل ذلك  نقرأها معا  ، قال تعالى :

 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة

(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران

ودائما صدق الله العظيم    

اجمالي القراءات 11997