بين الاسلام و التقاليد
تعدد الزوجات

محمد غنّام في الإثنين ٠٥ - مارس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

سئل الدكتور أحمد صبحي منصور مؤخراً عن تعدد الزوجات في الاسلام, و أجاب على السؤال, و قد أحببت أن أعلق على السؤال والاجابة, و لكن التعليق كان طويلاً فارتأيت أن أكتب هذه المقالة عوضاً عن التعليق.

قضية تعدد الزوجات تستعمل كذخيرة من قبل الذين يهاجمون الاسلام خصوصاً من قبل بعض المتطرفين في الغرب. و الحقيقة أنه يوجد مشكلة كبيرة في تعدد الزوجات, و لكن هذه المشكلة ليست مشكلة الاسلام, المشكلة في تعدد الزوجات في ظل أديان أرضية (سنية كانت أم شيعية) و عادات اجتماعية تستعبد المرأة &aeaelig; لا تعطيها حقوقها المكفولة في الاسلام.

فلنفرض أن رجلاً ما في دولة عربية جاء الى زوجته و أخبرها بأنه يريد أن "يتزوج عليها", أو أن الزوجة اكتشفت أن زوجها متزوج بالسر من امرأة أخرى, فما هي الخيارات المطروحة أمام هذه الزوجة؟ بامكانها أن تطلب الطلاق, و لكن الرجل في معظم الأحيان يرفض أن يطلقها (مخالفاً التعاليم الاسلامية برفضه), و قد يقول قائل أنه بامكانها أن ترفع عليه دعوى خلع, و لكن من أين لها المال لتوكل محام و زوجها يتحكم في كل المال؟ و لو استطاعت أن ترفع دعوى الخلع و كسبتها, فعليها اذاً أن تتنازل عن حقوقها و "تطلع على الحديدة" بعد سنوات من "الخدمة".

و ماذا لو طلقها زوجها؟ أين تذهب و كيف تعيش؟ فمعظم الزوجات في الدول العربية و الاسلامية لا يعملن بعد الزواج لأن الزوج يريدها أن تبقى في البيت لرعايته و رعاية الأطفال, و "طاعته واجبة عليها", و لو عملت الزوجة فإنها في معظم الأحيان تشارك في مصاريف البيت, بل أنه في كثير من الأحيان يأخذ الزوج مال الزوجة ليشتري بيتاً أو يستثمر في مصلحة, و لا ضير في ذلك إلاّ أن الزوجة عندما يطلقها زوجها لا تأخذ سوى مؤخر الصداق – في أحسن الأحوال, و تكون بذلك قد اشتغلت و تعبت ليقول لها الزوج مع السلامة إن لم ترض بزواجه من أخرى.

و أين تذهب إن طلقها زوجها؟ إلى بيت أهلها؟ في الأغلب سيحول الأهل حياتها إلى جحيم, لأن الاعتقاد السائد هو أن المطلقة "الثيّب" هي أكثر قابلية للانحراف من "البكر" التي لم يسبق لها الزواج (لاحظ كيف يطبق هذا على المرأة فقط و ليس على الرجل), فيقيّد الأهل حريّتها و كأنها في سجن, أما إذا أرادت أن تسكن بمفردها فالويل و الثبور و عظائم الأمور, فحرام عليها أن تسكن بدون "محرم" لأنها "ناقصة عقل و دين", و إن فعلتها ينظر إليها كامرأة "بطّالة و دايرة على حلّ شعرها".

ثم إن طلقها زوجها فمن الصعب عليها أن تتزوج مرة ثانية, لأن العادات الاجتماعية تنظر للمرأة باعتبارها سلعة, و بالتالي فالزواج من مطلقة عندهم لا يختلف عن شراء سلعة مستعملة, هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الرجال لديهم عقدة نقص فيما يتعلق برجولتهم, فيخاف الواحد منهم أن يتزوج من مطلقة فتقارنه بزوجها السابق, لذا يفضّل أن يتزوج من "بنت بنوت".
هذه هي مشكلة تعدد الزوجات عند السنّة و الشيعة على حدّ سواء, فالمرأة تضطر للبقاء مع زوجها في أغلب الحالات بالرغم من أنها تريد الطلاق, الاّ انّه لا يوجد أمامها أي خيارات أخرى, فتجلس في البيت كأنها مملوكة.

أما في الإسلام الصحيح, فإذا أراد رجل أن يتزوج بامرأة ثانية و طلبت الزوجة الأولى الطلاق, فعليه أن يطلقها و يوفها حقوقها كاملة, و هي حقوق أكثر بكثير من تلك التي يدعيها أصحاب اللحى و العمائم, و بعد الطلاق تذهب إلى بيت أهلها معززة مكرّمة, أو تسكن لوحدها إن شاءت و كانت لها القدرة الماديّة, بل إنّ فرصها في الزواج مرة أخرى لا تقلّ عن فرص الرجل, كما أنها تستطيع أن تعمل إن شاءت ولا يتم حرمانها من فرصة العمل بدعوى منع الإختلاط.

في هذه الحالة مالذي سيفعله الرجل لو عرف بأنّ زوجته قد تطلب الطلاق؟ و أنّه لا بدّ و أن يلبّي طلبها؟ و أنها قد تتزوّج من غيره فيما بعد؟ لابدّ أنّه سيعيد التفكير مليون مرة قبل الإقدام على الزواج بزوجة ثانية, و تكون المصيبة أعظم لو كان لديه أطفال, فأين سيجد امرأة تقبل به و بأطفاله؟

إذاً إعطاء المرأة كامل حقوقها يؤدي إلى تحوّل تعدد الزوجات إلى حالة شديدة الندرة, و حالة المسلمين في أمريكا خير دليل على ذلك, فحالات تعدد الزوجات بين المسلمين الأمريكيين نادرة جداً, و السبب ليس – كما يدعي البعض – القانون الأمريكي الذي يجرّم التعدد, فهناك طرق عديدة للتحايل على هذا القانون منها أنّ البعض يتزوج زواجاً إسلامياً غير مسجل لدى الحكومة فلا تستطيع الحكومة ملاحقته قانونياً, السبب الحقيقي هو أن الزوجة ليست مغلوبة على أمرها كما هو الحال في الدول العربية و الإسلامية, بل لديها خيارات عديدة منها أن ترفع على زوجها قضية طلاق, كما يحق لها أخذ نصف الممتلكات إن لم يكن هناك اتفاق قبل الزواج يقضي بغير ذلك (القانون الأمريكي يعتبر أن الزوجة شريكة في كسب المال مع زوجها إمّا من خلال عملها أو من خلال تربيتها للأطفال), و بما أنّها تحمل الجنسية الأمريكية ففرصتها من الزواج مرة أخرى فرصة عالية جداً. ألمهم أن الرجل المسلم في أمريكا بشكل عام لا يمارس تعدد الزوجات بالرغم من السبل و الإمكانيات المادية المتاحة, لأنه يعلم أن زوجته إنسانة و شريكة و ليست جارية.

و قد يقول قائل: "إذا كان هذا هو الوضع, فلن يكون هناك تعدد للزوجات أبداً, يعني تحللون التعدد و لكن تجعلونه مستحيلاً." و الجواب هو أن التعدد يحصل و لكن يجب أن يكون بتراضي جميع الأطراف و من ضمنها الزوجة الأولى التي تقبل طواعية لا اضطراراً, و هي حالات منها أن الزوجة الأولى لا تنجب الأطفال و لكنها تريد البقاء مع زوجها, و حالات أخرى كثيرة, المهم هو الاتفاق و عدم الضغط الديني و الاجتماعي على طرف ما ليقبل ما تكرهه نفسه, فتلك هي الإهانة الحقيقية لأي إنسان.

اجمالي القراءات 35000