اسقلال الشأن الديني لكل بلد
بطلان عبادات المغاربة؟

عبد الغاني بوشوار في الإثنين ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

بطلان عبادات المغاربة؟

أود في هذه العجالة أن أطرح بعض الاسئلة على الذين ينتقدون تدبير الشأن الديني في المغرب ويدعون احتكار المعرفة الدينية وبالخصوص ما صرح به بابا الأزهر  أمين عام الفتوى  فيما يتعلق ببعض الممارسات والعبادات والطقوس الدنية المغربية. فبطل وأنكر هذا الإنسان صوم المغاربة ليوم عرفات واحتفالهم بعيد الأضحى وأخرج المغاربة عن إجماع المسلمين كأن المغاربة والمسلمون في جميع أنحاء العالم يعيشون في مصر أو السعودية. ولقد عايشت شخصيا في بيروت حالات فرق بدأت الصوم في يوم وبدأته فرق أخرى في اليوم التالي, بل إننا نشاهده باستمرار كل سنة تختلف فيه البلدان الإسلامية في مواقيت بعض الشعائر ويقع الخلاف حى داخل بلد واحد. والغريب أن الضجة لم تثر إلا  في الآونة الأخيرة لكثرة المتفيقهين في الدين والمهوسين بالسيطرة المركزية وإعادة حلم ما سموه بالخلافة الإسلامية لعل وعسى يتربع أحد منهم على سراب الماضي..

فأبدأ بالقول :ماذا لو انتقل بعض البشر ومنهم المغاربة إلى المريخ أو إلى أحد الكواكب الأخرى وأخذوا معهم القرآن وأخفى بعضهم بعض "الصحاح" ووجدوا هناك أناس آخرين وضوء الشمس لا يغيب ولا يوجد نظام الشهور والسنين والأيام كما نعرفها على ألأرض كيف سيتم احتساب المواقيت؟ وكيف سيكون الصوم والصلاة والأعياد؟ ونفترض أن الدولة القائمة هناكتضمن حرية المعتقد وتعتبر الدين مسألة شخصية والعرب والمسلمون لا يشكلون فيها الأغلبية. ونفترض أيضا أن الاتصالات مع الأرض مفقودة كما تنعدم في كوكب الهجرة المواشي والحبوب. فما العمل بالنسبة للأضاحي والأعياد مع قراءة المسلمين منهم " فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ‌ فَلْيَصُمْهُ ۖ" وهم لم يشاهدوا الشهر ولا هم يعرفون ما هو الشهر؟ كيف سيحجون وما هي الأضاحي والهدي عندهم علما انه لا يوجد محتاجون وفقراء وزيادة لم يتعاملوا بأي عملة ، كيف تكون الزكاة؟ ألا بد لهم من فتيا المتفيقهين في الازهر والسعودية وباكستان وايران وفقهاء الأحمدية والدولة الإسلامية التي لا وجود لها؟

 لم يكن المغاربة يقصدون عند بناء الازهر أن تفرخ كهنوتا يشرع الوصاية عليهم والمغرب سيد مصيره في الدين والسياسة والوجود. المعرب مستقل منذ زمن بعيد في كل أموره حتى عندما اعتنق أهله الديانة اليهودية وبعدها المسيحية وبعدها الإسلام. لم يحكم الخلفاء أبدا المغرب والأمويون والعباسيون قد حاولوا ولم يتمكنوا خلسة وضل البلد مستقلا بكيانه المميز وفهمه للدين وممارساته له، بل إن إمارة المومنين خاصة به لا لغيره من الدول الإسلامية القائمة الآن.

 يحظى المغرب بعلماء اجلاء في جميع الميادين ولا احد يضاهيه في تدبير الشأن الديني منذ القدم.  الكتاتيب القرآنية في كل مكان، الدراسات الشرعية والتأليف في شتى العلوم الشرعية متوفرة وتدرس في الجامعات والمدارس والمعاهد التي لا تحصى، ناهيك عن الموروث الثقافي والعلمي والديني من جهابذة أحفاد بناة الأزهر والقرويين والزيتونة وووو....أيتتجرأ بعض تجار الدين في الأزهر وفي المغرب وفي كل مكان أن يصرحوا بعدم جواز ما يقوم به 50 مليون مغربي في التعبير عن عباداتهم؟ وما بال القرون الاولى؟ أيعقل أن كل ما قام به المغاربة باطل ولا يجوز شرعا لمدة أربعة عشر قرنا من الزمن؟ أفعلا نحن خارجين عن جماعة المسلمين؟ ثم أين هي هذه الجماعة التي خرجوا عنها؟ مواقيت الصلاة تحددها الشمس والزوال في السعودية غير الزوال في اليابان وفي المغرب وفي امريكا والمواقيت في امريكا يختلف من منطقة إلى منطقة. وهل يجوز أن يصلي المغاربة بأوقاتهم ويصوموا بها؟

 اللهم إن هذا منكر. ثم أين ورد العيد في القرآن؟ الصوم فريضة لا شك، لكن العيد؟ ُثم هل السعودية هي المعيار؟ ونفترض أن أهل الجزيرة العربية أصبحوا محتلين من قبل هولاكو جديد ومنع هذا الأخير كل مظاهر الدين. او نهم أخطئوا في الحساب، أيتبع المغاربة فتاوي دواعش الأزهر كما سماهم البعض؟ و سمى السيد الريسوني الفقيه الذي لا يطيق وزارة الاوقاف المغربية وزيرنا للأوقاف ب"بوكو حرام" كأني به يسعى إلى المنصب للإبتعاد عن بوكو حرام والالتحاق بجماعة السيد القرضاوي . كل هذه الانتقادات التي تصدر من هؤلاء لا ترمي إلا لفرض الوصاية وتقديس "الكهنوت الإسلامي" الذي يمثلونه.

سطوة الأزهريين وتدخلهم في ما لا يعنيهم أمر مشهود به في تاريخ المتفيقهين ومنهم الذين يضحكون على الناس ويرعبونهم بالتفكير والوعود بجهنم إذا خالفوا اوامرهم ويكنزون في الذهب والفضة ونكاح مثنى وثلاث ورباع. لا يمكن أبدا ان يملك شخص وحده الحقيقة كلها. الإسلام دين جماعي ومفتوح للتدبر من قبل كل المسلمين ولا وجود فيه لمكان البابا بالعمامة وبدونها. أختتم بما ورد في سورة المائدة  ( لكل جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚوَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖفَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚإِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨وكفا الله المؤمنين والمؤمنات شر المحرمين لكل ما لا يفقهونه.

 و يا ليت الدولة المصرية تتجرأ للجم أفواه الدعاة إلى الفتنة وتقيم نظاما معقولا لتدبير الشأن الديني بالتشارك مع المومنين والمومنات وسحب البساط من تحت أرجل الأفراد الذين يفتون في الشأن الذي يخص كل المصريين. المغرب بلد مستقل ولن يقبل الوصاية الدينية ولا غيرها ممن كان. مصر أم الدنيا وأهلها من اطيب الناس، لكن دواعشها  ودواعش المغرب المساندين لهم يوشوشون عليهم وعلينا للتعلق بهم لحفظ مصالحهم على حساب كرامة المصريين وكرامتنا وسعادة المصريين وسعادتنا.وإذا كان  الاسلام فعلا قد نبذ الطبقية الدينية  واللاهوت عند العقائد الأخرى وساوى بين المسلمين فإن ذلك يقود حتما إلى رفض أحكامهم وفتياهم ومنع تقولهم وتأويلاتهم لشأن أكبر من حجمهم. وكل بلد له قوانينه وعاداته وأعرافه إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.

ملاحظة: قد واجه اليهود نفس المشكل باعتمادهم من قبل التقويم القمري، فاجتمع المتنورين منهم واستعملوا عبقريتهم في عمليات رياضية بسيطة حتى ارسوا مواقيتهم وثبتوها بدقة لتقع في نفس الوقت من السنة الشمسية وقربوها بذلك من الأعياد المسيحية.

الدكتور عبد الغاني بوشوار-باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير

,

اجمالي القراءات 6755