بلاغ الى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى ( 2 من 2 )
أملا فى التخلص من شيوخ داعش فى الأزهر

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٥ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

لا زلنا نوجه هذا البلاغ الى ضمير الرئيس السياسى أملا فى إنقاذ مصر والعرب والمسلمين من خطر دواعش الأزهر . وهنا نعطى لمحة تاريخية سريعة للإرادة السياسية بالايجاب أو السلب ، وكيف تمخضت عن سيطرة دواعش الأزهر على الحياة الدينية للمصريين والعرب والمسلمين :

 1 ــ حين لاح فى الأفق خطر داعش بادرت بنشر كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية ) للتنبيه مقدما على أن المذابح التى كان يقترفها جنود عبد العزيز آل سعود فى الشام والعراق يقوم وهابيو اليوم بتكرارها فى الشام والعراق وغيرهما . جرى هذا فى قيام عبد العزيز آل سعود بتأسيس الدولة السعودية الثالثة ( الراهنة ) . الارادة السياسية لعبد العزيز آل سعود خلقت ( الاخوان النجديين ) الذين قامت على سيوفهم الدولة السعودية الراهنة ، وعندما عارضوا عبد العزيز وثاروا عليه إختارت الارادة السياسية لعبد العزيز آل سعود التخلص من هؤلاء الاخوان النجديين ، وتأسيس ( إخوان ) آخرين فى مصر باسم ( الاخوان المسلمين) . وشرحنا هذا بالتفصيل فى القسم الأول من كتابنا ( المعارضة  الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) والذى لا زلنا نواصل نشره على حلقات هنا .

2 ـ وانتشر تنظيم الاخوان المسلمين فى مصر وتسلل الى الضباط الأحرار فى الجيش المصرى ، وانضم للاخوان المسلمين كثير منهم ، ونجح انقلاب الثوار فى يولية 1952 ، وكان الاخوان المسلمون هم الظهير الشعبى لهذا الانقلاب . وحدث الخلاف بين الاخوان والقائد الفعلى للانقلاب (جمال عبد الناصر) وأطاح عبد الناصر بالاخوان ففرّ معظمهم الى وطنهم الروحى (السعودية ) . وكان عبد الناصر عارفا بمنهج الاخوان الدينى وكان ينتقده علنا وساخرا فى خُطبه . وواجه عبد الناصر الوهابية السعودية بايدلوجية القومية العربية وباصلاح الأزهر مستمدا العون من التدين المصرى القريب للاعتدال والبعيد عن التزمت والتطرف . وبتأثير مصر الناصرية أصبحت السعودية فى خطر محيق ، إذ وصلت أصداء الثورة الى تكوين ( الأمراء الأحرار ) فى البيت السعودى نفسه يتزعمهم الأمير طلال بن عبد العزيز . وكان لابد من القضاء على عبد الناصر لتستمر السعودية ، فإغتالو عبد الناصر فى قمة نشاطه وحيويته وهو فى الثانية والخمسين من عمره. لو عاش عبد الناصر الى الثمانين مثلا ( حسنى مبارك تجاوز 85 عاما ، ومحمد حسنين هيكل فى التسعينات ) لانتهت الدولة السعودية وما رأينا داعش والقاعدة والنصرة والجهاد وحماس ..الخ .. لا ننسى أن مصر هى التى دمرت الدولة السعودية الأولى عام 1818 ، وهى التى سمحت بقيام الدولة السعودية الثانية وبسقوطها ، وبالتالى فإن إستمرار الدولة السعودية الثالثة مرهون بالرضى المصرى ، وتألق الدولة السعودية الراهنة يستلزم سيطرة السعودية على مصر . وإلّا فإنّ مصر الناصرية تعنى سقوط السعودية .

3 ــ التخلص من عبد الناصر كان إرادة سياسية وهدفا أمريكيا اسرائيليا سعوديا ، واستلزم الايقاع به خطوات محسوبة وعلى مهل ، خصوصا بعد تزعمه حركة الحياد الايجابى وعدم الانحياز عام 1964 ، ونجاح الثورات ضد الاستعمار فى الوطن العربى وأفريقيا ، والتحالف المعلن بين عبد الناصر والاتحاد السوفيتى فى مواجهة أمريكا . بدأت الخطة بالانفصال ( انفصال سوريا عن مصر عام 1961) ثم استدراج عبد الناصر الى حرب اليمن ، وبمجرد خروجه منها تم إيقاعه فى كمين حرب 67 ، وبها انتهت اسطورته ، وسقطت هامة مصر وهامة عبد الناصر لتعلو هامة فيصل آل سعود فى مؤتمر الخرطوم فى 29 أعسطس عام 1967 والمشهور بثلاثة ( لاءات ) : لا صلح ، لا إعتراف لا تفاوض مع اسرائيل قبل عودة الحق لأصحابه . من وقتها تولت السعودية القيادة تاركة عبد الناصر يضمد جراح الهزيمة ، ثم كانت الضربة القاضية باغتيال عبد الناصر ،والتى تم لاعداد لها على مهل عن طريق السادات .

4 ــ من عام 1955  توثقت الصلة بين السادات وكمال أدهم الذى أصبح رأس المخابرات السعودية و المنسق الإقليمي لنشاطات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى الشرق الاوسط ، وهو زوج اخت الملك فيصل . فى عام 1955 كان كمال أدهم ممثل السعودية فى منظمة المؤتمر الاسلامى الذى كان يرأسه أنور السادات، فأصبح من وقتها السادات أملا للسعودية تتسلل به لمصر . بتقرير الصلح بين عبد الناصر والملك فيصل أصبحت السعودية تقدم دعما لمصر مقداره 41 مليون جنيه استرلينى ضمن علاقات أخرى تم إستحداثها ، وكان هذا الوضع الجديد مبررا للملك فيصل أن يُلحّ فى تعيين السادات نائبا للرئيس عبد الناصر بحجة أن السادات هو الذى يستطيع إنجاح التواصل المصرى السعودى بعيدا عن حاشية عبد الناصر من اليساريين مثل ( على صبرى ورفاقه ) . وتم تعيين السادات نائبا للرئيس عام 1969 . كانت الخطوة التالية إعتيال عبد  الناصر ليحل السادات محله . فى العام التالى مباشرة نشب الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاردن بعد أحداث ( ايلول الأسود )، واستغاثت المقاومة الفلسطينية بعبد الناصر فتم عقد مؤتمر القمة فى القاهرة فى 21 سبتمبر عام 1970 ، وكان عبد الناصر فى أوج تألقه من بداية المؤتمر الى نهايته ، وبعد أن قام بتوديع الرؤساء والملوك العرب كلهم ـ كان آخرهم أمير الكويت حسبما أتذكر ـ ذهب الى الاستراحة وشرب عصيرا مسموما مات بعده فورا . وتولى السادات . وتغير تاريخ مصر وتاريخ المنطقة وساد عصر السعودية ..ولا يزال .. وضاعت مصر ووصلت الى الحضيض ..ولا تزال ..

5 ـ الذى يهمنا هنا هو تأثير هذا على الأزهر الذى كان ذراع عبد الناصر داخل وخارج مصر .عبد الناصر هو الذى قام من البداية بالغاء القضاء الشرعى الأهلى الفاسد ، وضمه الى القضاء المدنى الحكومى ، ثم إلتفت الى الأزهر الذى كان فى الحضيض وقتها تابعا للأوقاف فقام بتحديث الأزهر بضمه الى الحكومة وتأميم الأوقاف ، وتم إنشاء الكليات العملية من طب وهندسة وصيدلة وزراعة ..الخ ، ثم وضع قانون الأزهر رقم 103 عام 1960 ليوجب على شيوخ الأزهر تجلية حقائق الاسلام ، وتجنب القانون تماما ذكر كلمة ( السّنة )  فتحدث عن القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية ،أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري ،وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب. واحتوى القانون على سطور ( رجعية ) بالمفهوم الناصرى ، فكلف عبد الناصر وزير الأزهر بوضع  المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961 تنفى عن الأزهر صفة الكهنوتية، حيث لا كهنوت في الإسلام، أي انه مؤسسة مدنية تتبع السلطة التنفيذية ،بل إن المذكرة التوضيحية تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر)وليس الإمام الأكبر, فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر ).فالمذكرة تصف شيخ الأزهر بأنه الأستاذ الأكبر وتؤكد على أنه لا كهنوت فى الإسلام حيث لا توجد واسطة بين العبد وربه ،وتنفى الشفاعة والولاية .

6 ـ عبد الناصر هو الذى أنشا المجلس الأعلى للشئون الاسلامية عام 1960 ليكون ذراعه فى الريادة الاسلامية خارج مصر ، وأنشا مدينة البعوث الاسلامية لاستضافة الطلبة من العالم الاسلامى ، وأنشأ وإذاعة القرآن الكريم جنبا الى جنب مع إذاعة صوت العرب ، وفتح التعليم والترقى أمام الفتاة المصرية و المرأة المصرية فصارت وزيرة ( د حكمت أبو زيد ) ومديرة ومساوية للرجل فى الوظائف والأجر ، وترتدى أحدث الموضات . وفتح ابواب التعليم للجميع على قاعدتى العدالة والكفاءة ، فأصبح من حق ابن الفلاح والعامل أن يدخل أعلى كلية وفق مجموع درجاته ، وأن يدخل فى سلك القضاء والنيابة والشرطة والجيش بكفاءته، وتفاصيل أخرى تخرج عن موضوعنا ، ويكفى أن ترى أفلام الستينيات وحفلات أم كلثوم لترى الرقى المصرى فى عهد عبد الناصر ، ويكفى أن تقرأ تراث مصر وقتها لتعرف قيمة المصرى فى الخارج بفضل عبد الناصر . كان لزاما التخلص من عبد الناصر الذى كان الزعيم المناسب فى الدولة المؤهلة للريادة ، وبهذا فقط تستطيع السعودية ( التى تكونت رسميا عام 1932 بعد 77 سنة من تأسيس جريدة الأهرام المصرية )أن تكون ( الشقيقة الكبرى) لمصر ( أقدم دولة مستقرة فى التاريخ الانسانى ) .  

7 ـ جاء السادات فأعلن أنه سيسير على خُطى عبد الناصر ، ولكنه فعل النقيض تماما ، فانتشرت نُكتة مصرية تقول إنه سيسير على طريق عبد الناصر بأستيكة ، وهذا ما حدث . تطوع السادات بتحقيق أقصى ما تحلم به أمريكا وقدمه لها مجانا ، وهو طرد الخبراء السوفيت وربط مصر بالقاطرة الأمريكية ووضع 99% من أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط فى يد أمريكا . هذا مع تبعية مصر للسعودية وفتح الأبواب للإخوان المسلمين وسائر تنظيماتهم ما ظهر منها وما بطن . وبعد أن إستنفد السادات كل ما لديه وأصبح حملا ثقيلا مزعجا استجابت أمريكا للطلب السعودى، فكانت نهاية السادات المروعة على يد الوهابيين .

8 ـ فيما يخص الأزهر فقد قضى السادات على قانون 103 ومذكرته التوضيحية بإصدار ( اللائحة التنفيذية ) عام 1975. وهذا فى حد ذاته أمر عجيب ومريب ، أن يكون لقانون واحد مذكرة توضيحية ويتم تطبيقه بها 14 عاما .  ثم بعدها يصدر السادات تلك اللائحة التنفيذية بقرار جمهوري رقم 250 لسنة1975 . وقضت هذه اللائحة التنفيذية على مزايا القانون الذى وضعه عبد الناصر ، والتفاصيل فى بحثنا المنشور هنا ( حريات لا يحميها القانون المصرى ) .  أكثر من هذا ، فإن هذه اللائحة التنفيذية أتاحت للشيوخ العاجزين عن الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام أن يعاقبوا من يجتهد فى تأدية دوره الوظيفى طبقا لقانون الأزهر نفسه  . تقول المادة 72 " كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر )أو لا يلائم صفته كعالم مسلم ،أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل .  " وحين قمت بالاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام اتهموني بإنكار حقائق الإسلام مع ان كل كتاباتي التي حاكموني بسببها فى الفترة من 1985 :1987 كانت إما آية قرآنية أو تعليقا على آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، ولكن اللائحة أعطت سلاحا للشيوخ القاعدين عن الاجتهاد لكي يستخدموا نفوذهم ومناصبهم في معاقبة المجتهد الذى يطبق  قانون الأزهر.

9 ــ وهكذا فإن الارادة السياسية لعبد الناصر أعطت لمصر حقها فى الريادة وأعطت للأزهر دوره ، فجاءت الارادة السياسية للسادات بعكس ذلك ، فقد زرع السادات ألغاما أمام العقل المصرى ، حجبت دور العقل المصرى صاحب المكانة الكبرى فى التجديد والاجتهاد ( من رفاعة الطهطاوى ، محمد عبده ، طه حسين ، أحمد أمين ، محمد حسين هيكل ،الى الشيخ شلتوت وابو زهرة وامين الخولى ..) ، وأخضعته للتحكم الوهابى . الارادة السياسية للسادات ( رئيس دولة العلم والايمان / الرئيس المؤمن / المتشبه بعمر بن الخطاب ) أدخل مصر فى نفق الخطاب الدينى السلفى الوهابى بحيث أصبح كل أمر مُباح فى شريعة الاسلام يستلزم فتوى سلفية متزمتة . وبالتالى وضع السادات إطارا دينيا للتيار السلفي السياسى الطامح للحكم كي يتهم خصومة السياسيين بالكفر بحجة إنكار تطبيق الشريعة . وقُدر لهذه الألغام أن تنفجر .. وانفجر أولها في وجه السادات نفسه حين أتهمه التيار السلفي بالكفر , ثم انفجرت باقي الألغام في عصر حسنى مبارك .. ولازالت تنفجر فى مصر وخارجها ..

أخيرا

نأمل خيرا فى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى أن تكون إرادته السياسية إيجابية بما يكفى لتخليص مصر والعرب والمسلمين من خطر الدواعش .. دواعش الأزهر والأوقاف .

اجمالي القراءات 11378