بحث قرآني عن مفردة زَيْغ – مفردات
في البحث عن الإسلام - مفردات – زَيْغ

غالب غنيم في الخميس ١٧ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ ) الزمر، 39 – 36

مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،
______________

موضوع البحث :

لطالما تفكّرت في أسلبونا في فهم الخطاب القرءاني حين نتلوه، فأغلب ما نقع فيه من أخطاء سببه هو عدم التفريق بين صِيَغ الإرادة الثلاثة ناهيك عن الرابعة التي لا نميّزها في الأغلب ابدا !
فصيغ الإرادة الثلاث من أردتُ، أردنا و أراد ربّك على الأقل معلوم فاعلها، فكيف بالصيغ التي ليست منسوبة لفاعل معلوم ؟! هنا بالطبع يقع الأكثرية  في المتشابهات بسبب سوء فهم المساق أولا والمخاطِبِ أو المخاطَب ثانيا، مما يدعو الى ظهور الحيرة بل وأحيانا ينعتون الخالق سبحانه بما لا يليق به !

ومما كنت قد تعرضت له سابقا، في بحث منفصل، من هذا القبيل هو الآية التي تتحدث عن التزيين للناس باستخدام مفردة " زُيِّـنَ " والتي يظن الكثيرين ظن السوء بالله أن الله تعالى هو من زَيَّنَ، فيقعون في الخلط بين المبني للمجهول من المعلوم من غيره!   
وهنا أريد أن اكتب عن آية كنت قد تعرضت لها يوما ما في نقاشات عابرة سريعة وهي قوله تعالى على لسان المؤمنين  (
 رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ  )، والتي اثارت جدلا حول كون الله تعالى سبحانه هو من يزيغ القلوب بإرادة ومشيئة، سبحانه عما يصفون.

______________

المدلول اللساني :

حسب تصنيف سامر اسلامبولي لدلالة الأصوات للحروف العربيه :

ز – صوت يدل على بروز متصل .
ي – صوت يدل على جهد خفيف ممتد زماني .
غ – صوت يدل على غموض أو غياب .

ومنه نستطيع القول ان مفردة زيغ تدل صوتيا على شيء بارز أو بيّن الظهور وبروزه لا يحتاج لجهد كبير بل خفيف ويمتد هذا البروز زمانيا مع غموض في ظاهر هذا البروز وكأنه غياب للشيء ذاته!
فالفرق بين الزَّين والزيغ في النهاية لهما، حيث الزين ينتهي بستر بينما الزيغ ينتهي بغياب وغموض، وكلاهما بارز ظاهر للعيان.
 
______________

ترتيل الآيات :
مفردة - زَيغ

منهجي في البحث هو أن اقرأ وأرتل كل الآيات المتعلقة بالمفردة في محاولة للبحث عن أكثرها تصويرا للمفردة بأبسط السبل، أي الآية المفتاح، كما أسميها، ولكي نفقه هذه المفردة أو أي مفردة في القرءان، فيجب أن نحاول قدر الإمكان الابتعاد عما لغوا فيه من حولها لكي يضلوا عن سبيل الله، وسنجد أولا أن مفردة زيغ لم ترتبط أبدا بالنظر بل البصر والقلب – من البصيرة – والتي لغة نسميها الإدراك !
فلغة نحن حين نتكلم عن الزيغ ننسبه للنظر والعين بأن يزيغ النظر أي اصبحت العين لا ترى بوضوح بسبب حركة سريعة تحدث في الحدقة مما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية ودقتها!
وهذا يناسبني إن كان المدلول " الماديّ" للمفردة، أما المدلول المعنوي فهو الإبتعاد عن الحق وعدم رؤيته لسبب ما في دخيلة الإنسان.

ومنه قوله تعالى في سورة - ص :

(   وَقَالُوا۟ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًۭا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلْأَشْرَارِ ﴿٦٢﴾ أَتَّخَذْنَـٰهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلْأَبْصَـٰرُ   )
ونلاحظ انهم بداية استخدموا مفردة " لا نرى " للدلالة على الاحساس المادي لمن يبحثون عنهم فأعينهم لا تراهم معهم، بينما في الأخرى – ادركوا – انهم ليسوا منهم، فقد كانوا يسخرون منهم، فأدركوا بأنهم لن يبصرونهم، فلقد زاغت عنهم الأبصار بسبب ما سخروا به منهم !
إذن هي عملية إدراك لما كانوا عليه من قبل، ولتصرفاتهم السابقة مع أولئك الرجال الذين كانوا يعدونهم من الأشرار، فعلموا بأنهم لم يدركوا الحق بل ابتعدوا عنه فلم يروه – أي زاغت عنهم الأبصار.
ثم أريد هنا أن أناقش " عنهم" ، فلو كان النظر هو المقصود ما ابتعد النظر عنا ! بل هو توقف او عمِيَ ليس أكثر، بينما هنا الأبصار تزيغ "عن" الشخص فتبتعد عنه – أي لا إدراك له، أي يعطّل عملية الوعي والإدراك عنده عن جحد.

فالبصر في القرءان الكريم يدل على القيمة الفعليه لعملية الإدراك الناتجه بعد تحليل المعطيات من سمع ونظر وتلاوة وفؤاد وغيرها من مصادر المعلومات الحسية والمعنويه.

لهذا هو من مقومات الوعي الإنساني الذي من الله تعالى علينا به إذ خلقنا منذ اصطفى آدم حتى اللحظة، وهو ما يميّزنا عن بقية الخلق.
وعملية الإدراك – الوعي ترتبط في القرءان بالقلب – بما يعقله القلب من فكرة تم دراستها والتفكّر فيها وتدبرها من علم مادي كوني او قرءاني مسطور، فالقلب يتقلّب ويقوم بعد ذلك بعقل – ربط – ما توصل إليه من قناعات عبر إدراكه، تماما كما تقلب قلب ابراهيم بين القمر والشمس فقال إني سقيم ثم عَـقـَلَ الله تعالى !

ومفردة الزيغ بالذات ارتبطت بالقلب والأبصار برسالة واضحة لنا كي نفقه انها ليست عملية غوغائية عشوائية بل ناتجة عن إدراك ووعي بشكل مقصود منا ومدروس على علم.

تماما كما الآية السابقة، حيث علموا انهم سخروا من أناس كانوا يعلمون انهم على الحق فاعترفوا بذنبهم – بكون الأبصار زاغت عنهم فيهم.

ومنه، أقرب آية في القرءان الكريم، لنفقه مفردة الزيغ هي قوله تعالى في سورة الأحزاب :

(   إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَـٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ ﴿١٠﴾ هُنَالِكَ ٱبْتُلِىَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا۟ زِلْزَالًۭا شَدِيدًۭا   )

ولكي نفهمها، يجب ان لا يذهب عن  فكرنا اثناء قرائتها، نهاية الآية رقم عشرة، " وتظنون بالله الظنونا"، فهي جائت فعل مضارع ليست كما سبقها، زاغت وبلغت تم حدوثهما بسبب تظنون.

فالإنحراف عن الحق الى الظن هو زيغ الأبصار عينه!

فحين بدأوا يظنون بالله الظنون، ضعف إيمانهم باستماعهم للمنافقين الذين اثروا بهم باقوالهم كما تصف سورة الأحزاب.
وهذا بيّن في سورة الصف في قوله تعالى :
(   وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَـٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوٓا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ   )

فالله تعالى لا يأمر بالفحشاء ولا يظلم، ولكنه إن زاغ احدهم عن الحق يزيغ قلبه، فقوم موسى علموا بالحق من كثرة ما أتى به من آيات بينات لفرعون وملأه، ولكنهم نسوا كل هذا وأذوا موسى وكأنهم لم يروا شيئا ما، وهذا عين الابتعاد عن الحق الى الضلال. فهم علموا انهم قوم فاسقين وانحرفوا عن الحق فأزاغ الله تعالى قلوبهم بجحدهم!
جمال هذه الآية هو حرف الفاء في قوله تعالى فلما، فالله تعالى لن يزيغ قلوب قوم مؤمنين أبدا بل سيربط على قلوبهم ويثبتهم ويزيدهم إيمانا على إيمانهم، لكن من منهم يحرف من بعد علم الى الضلالة فهو ظالم نفسه وليس الله بظلام للعباد.

والآن نتعرض للآية موضوعنا هنا، التي يقرأها كثيرون بدون ترتيل لها وتدبّر، فتكون مقطعة الأوصال عن بقية الآيات التي تُـفصّلها، فتصبح مقطوعة من جذورها، فلا يفقهونها، ظانّين بالله ظن السوء ظن الجاهلية، كمن يقول ولا تقربوا الصلوة ويتوقف متمتعا بكونه قرأ آية تنهى عن الصلوة!

في سورة التوبة يقول تعالى :
 (   لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِىِّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍۢ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٌۭ رَّحِيمٌۭ   )

فكيف نفقه قوله تعالى هنا (   مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍۢ مِّنْهُمْ   ) ؟
هل هنالك سبب لفعل هذا بهم؟ ام هو أمر يتجبّر الله تعالى به عليهم حاشاه؟
بالطبع هنالك سبب، وسبب يستدعي، كما حصل مع قوم موسى، ولكن لطف الله تعالى بهم لكونهم اقل خطئا من قوم موسى استدعى ان يتوب عليهم، بالرغم من خطأهم في تلك الساعة التي وصفها في سورة الأحزاب أعلاه، فهم ايضا زاغت قلوبهم وبلغت الحناجر وظنوا الظنون بالله تعالى، لكنه عفى عنهم، فلم يزغ قلوبهم، وهذا امر نسبيا لما فعله قوم موسى - اقول كبشر بالطبع افتراءا – ليس بمستوى فعلة قوم موسى الذين رأوا على الأقل تسع آيات بينات رؤي العين!

فالله تعالى بيّن لنا كيف يُضِلّ البشر بكل وضوح وبيان في قوله تعالى في سورة التوبة :

(    وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًۢا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ    )

أي هم من يضلون انفسهم فعليا قبل ان يمدّهم الله تعالى في طغيانهم يعمهون. والله تعالى لا يضل البشر بل يبلغهم رسالاته ويوضح لهم ما يجب اتقائه فإن اهتدوا فلأنفسهم وإلا فيحلّ عليهم الضلال – الذي هم اختاروه اصلا


أخيرا:

ومنه، وقي قوله تعالى على لسان المؤمنين بالحق – وليس الظن -  في سورة ال عمران :

(   هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ ءَايَـٰتٌۭ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌۭ ۖ
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌۭ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَآءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِۦ ۗ
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُ ۗ
وَٱلرَّ‌ ٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلٌّۭ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴿٧﴾
 رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ
إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ   )

أولا نقرأ الآيات كلها، اقصد الآيتين هاتين، ولا نخرج عن مساقهما، وبعد كل الترتيل الذي قمنا به اعلاه، لا بد أن نصل الى نتيجة حتمية بكون الله تعالى لا يزيغ قلوب قوم مؤمنين، فهذا من الغريب جدا في فهم القرءان الكريم، فإن ظننا ان الآية تريد ان تقول لنا ما ندّعيه عن الله تعالى فأنا كلي يقين بأن الآية لم تقل هذا، بل ما سوّلت به انفسنا ليس اكثر، وهو سبحانه من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولهذا نقراها بعد الدراسة اعلاه فنجد التالي:

أولا الآيات السابقة لهذه الاية، وكأنها تمهّد للموضوع، بعلم الله تعالى لما نخفي وما في الأرحام والغيب في الراسلات السابقة، ثم السياق يتحدث سابقا  في هذه الآيات عن طبيعة ما انزل الله تعالى على رسوله لنا من رسالة، وكوننا لن نعلم بها كليّة ابدا، حتى لو كنا راسخين في العلم، فلن نعلم بتأويل كل ايات القرءان ما حيينا، وهذا امر منطقي علمي بسيط، لأن التأويل هو، حصول الحدث للنبا – راجع سورة يوسف – ومنه، وما يعلم تأويله الا الله تعالى، هذه الجملة بحد ذاتها تنفي علمنا بكل تأويله، لأن الصيغة أتت عن الكل – الكتاب – والراسخون في العلم كذلك لا يعلمون تأويله كله، فهم يعلمون تأويل هذه وتأويل تلك من انباء، فالتأويل ليس الفقه والفهم بل علم بحد ذاته بالانباء ورمزها وما تؤول إليه من بعد، وبما ان الراسخون في العلم سيموتون لا محالة فهم لن يعلموا تأويل آيات يوم البعث والحساب  الخ
ومنه هم يقرون ويسلّمون بعدم العلم هذا ويقولون كل من عند ربنا ، لكنهم بشر برغم كونهم راسخين في العلم – وهنا نقف قليلا !

الأنبياء والرسل، وهم انبياء ورسل، طلبوا من الله تعالى ونادوه ودعوه كثيرا، وهذا بشهادة الله تعالى عليهم، وبرسالته التي بلغنا إياها وقص علينا من قصصهم – وكأنه سبحانه يريدنا ان نتعظ بهم ونتعلم منهم ومن اخطائهم !
بل حتى إبراهيم عليه السلام طلب من الله تعالى ان لا يميته إلا وهو مسلم، فكيف ببشر ليسوا برسل بل هم يعلمون كثيرا وراسخون في علمهم ؟
اليس لهم الحق بالرجاء والنداء ؟
وهنا يظهر الضعف البشري في صياغة النداء ! أو لنقل التقوى في صياغته وعرضه على الله تعالى، فعيسى طلب بلطف من الله تعالى ان يعفوا عن قومه باسلوب لبق جدا لا تعدّي فيه على سنّة الله تعالى بينما نوح وابراهيم طلبا ما لا يستجاب لهما من ابن نوح وابا ابراهيم !

ومنه بعد كل هذه المقدمات التي لا بد منها، فالقرءان يفقه مجملا لا مفردا ، أقول :
هؤلاء الراسخون في العلم بعد كل هذا التسليم – كما سلّم إبراهيم – يطلبون من الله تعالى ان لا يُزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم ...
أولا هم الذين طلبوا، عود على بديء، بداية مقالي تحدثت عن الخطاب القرءاني واهمية ان نميز من الذي يتحدث ومع من الخ
فهم من طلبوا هذا الطلب أولا – ولم يقله الله تعالى على لسانه سبحانه – وإن بدا غريبا للبعض فهو لن يكون غريبا لراسخ في العلم يعلم ان الله تعالى لن يزغ قلبه إلا إن هو زاغ عن الحق !
بل قولهم "بعد إذ هديتنا" ذاتها تعبر عن نفس الشبهة لمن لا يعلم، فسيقول هنا ان الله تعالى هو من هداهم فلم لم يهدني معهم ؟!
فلا أرى فرقا بين " بعد إذ هديتنا " وبين " لا تزغ قلوبنا" ، إلا إن درست القرءان وعلمت شروط الهداية وكيف يهدي الله تعالى الناس والطريقة التي تتم فيها الهداية ولم يهديهم ومتى يهديهم وكذلك ما درسناه اليوم من زيغ للقلوب، متى يزيغ الله تعالى القلوب ولم وعلى أي اسس ؟!

هم يدعون الله تعالى مخلصين له الدين بان لا تَـزيغَ قلوبهم فيزيغها الله تعالى، تماما كمن اناب الى الله تعالى يريد الهداية فهداه الله تعالى، وما هو الا دعاء بشر، فإن قال ابليس خلقتني من نار، فليس شرطا كون ابليس صدق القول ، بل هو كذب حتى في هذه، فالله تعالى قال انه خلقه من نار السموم وصدق الله، وليس من نار، انظر الايات على لسان من ومن قال ومن يخاطب من ثم احكم.

ولا يفهمها انسان بعد كل هذا البحث بأن الله تعالى هو من يهدي بانتقائية أو هو من يزيغ بانتقائية فهو إذا من الضالين.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم.
 

اجمالي القراءات 7049