النداء لقضاء الصلوات الموقوتة
مسألة الأذان والأبواق المزعجة

عبد الغاني بوشوار في الخميس ١٠ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

مسألة الأذان والأبواق المزعجة

 

قبل بدء سرد بعض الأفكار حول الموضوع أود أن أنبه القراء الكرام أنني أخاطب الذين يؤمنون بمصير الإنسانية المشترك والذين يؤمنون بالمساواة بين جميع الأجناس البشرية ويسعون إلى رفاهيتها وتقدمها نحو الأفضل في عيش كريم وسلام واطمئنان.

إن العاقل والملاحظ للإنتاج والإبداع البشري لا يمكن أن ينكر تميز المجتمعات الإسلامية بالمساجد من الطراز المعماري الفتان في غاية الاتقان والتفنن. وتأتي الصوامع في المقدمة عالية تشرف على مركبات وبنيان في غاية الجمال والإبداع المعماري في كثير من الأحيان. كل البلدان الإسلامية وفي كل البلدان غير الإسلامية التي تعيش فيها الجاليات الإسلامية تتباهى بمساجدها وبمآذنها، حتى باريس ولندن وواشنطن وموسكو وغيرها من المدن تفتخر بجمال مساجدها ومآذنها.

كل المسلمين وكل غير المسلمين الذين سمعوا قليلا عن الإسلام يدركون أن الصلوات مفروضة وموقوتة على المسلمين خمس مرات في اليوم وتؤدى في المساجد وفي البيوت وفي كل مكان طاهر بالإنفراد أو جماعة. وتأتي مسألة النداء للصلاة وقد اختلفت آراء الفقهاء حول هذا النداء أهو فرض أم سنة وقد ورد في الأحاديث أن النبي عليه السلام كان يجتمع إليه الناس للصلاة بدون النداء بالأذان وبغير الأذان حتى طرح موضوع استعمال وسيلة لنداء المصلين فاقترحت الابواق والناقوس وإضرام النار فاتخذ الناقوس لفترة حتى استقر الأمر على رؤية عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بالأذان كما هو معروف الآن وأذن لبلال للقيام به وهي نفس رؤية عمر بن الخطاب إلا انه ورد أن الوحي قد سبقه إليها.

اختلاف الفقهاء لا يتجاوز أهو واجب أم سنة واتفق الجميع على أن الصلاة تبقى صحيحة بدونه وبدون الإقامة. فمنهم من  رأى وجوبه واعتبره فرض كفاية بحيث لو قام به فرد من الجماعة فإنه ينوب عن الباقين وهو مع ذلك لا يعتبر شرطا للصلاة. ومن الفقهاء من يرى أن الأذان والإقامة سنة مستحبان ولهما فضل كبير ولا يضر تركهما بصحة الصلاة.

سواء اعتبر الأذان فرضا أو سنة فإنه يبقى أحد الشعائر الإسلامية التي تمارس خمس مرات في اليوم صبح مساء.وتصح الصلاة بدونه في كلا الأحوال. وإن كانت هناك بعض الاختلافات في بعض تعابير الأذان، فإنها تعكس الاختلاف بين المذهب الشيعي والمذهب السني، لكن يضل الأذان شعيرة دينية عند المذهبين. ولقد بلغنا عبر التراث الإسلامي تفنن المؤذنين والعناية بأصواتهم العذبة ما يشهد على اهتمام المسلمين بالأذان والنداء للصلوات الخمس المفروضة.

فمنذ أن اتسعت رقعة الإسلام في المعمورة انتشرت المساجد والمآذن و المؤذنون وكان الأذان يتم من خلال رفع الصوت البشري من أعلى المآذن ولم تستعمل أي آلة لزيادة في تكبير الصوت البشري كما لم يشكل الصوت ازعاجا ولا تلوثا للبيئة من حيث اصدار ضجيجوصراخلا تتحمله الأذن البشرية ولم نقرأ عن الشكاوي من قبل المسلمين ولا من غير المسلمين فيما يتعلق بإزعاج وضجيج المؤذنين للنائمين وغير النائمين في العصور السالفة . وهكذا كانت الأمور تجري حتى ظهرت التكنولوجيا  وإبداعاتها التي حاربها الفقهاء باعتبارها بدعة وحرم بعض منهم استعمالها في الطقوس والشعائر الدينية حتى تمكنوا من فهمها وفضل تسخيرها في القيام بالشؤون الدينية وأخص بالذكر هنا الأبواق ومكبرات الصوت التي تعلق على المآذن وتستخدم في الأذان.

إن المتجول في البلدان الإسلامية يرى بأم عينه عددا من الأبواق منصوبة من على المآذن في كل مكان. لايكاد يخلو منها مسجد حتى في القرى النائية التي قد لا يتجاوز عدد سكانها عشرة أسر. يلاحظ أن بعض الذين يؤمون الصلوات يبالغون في استعمال المكبرات لنقل مراسيم الصلوات بأعلى  الدبدبات الممكنة التي تتحملها طاقة الجهاز المستعمل، والبعض منهم يتفنن في قراءة السور الطويلة جهرا ليتجاوز صوته رحاب المسجد وآذان المصلين إلى الأماكن البعيدة وتزداد الإشكالية لبسا عندما تكون المساجد قريبة من بعضها البعض وكل إمام يرفع صوته عبر مكبرات الصوت التي كانت أصلا معدة لإذاعة الأذان ونداء الناس للحضور للصلاة، فإذا حضر من حضر يتساءل المرء ما المقصود من إذاعة الصلاة الجهرية عبر مكبرات الصوت وما الفائدة التي سيجنيها من لم يحضر للمسجد؟ إن الذين عاشوا أو زاروا السعودية مثلا يدركون مدى مبالغة بعض الشيوخ في استعمال مكبرات الصوت  والصراخ والبكاء بأعلى الأصوات والضجيج للتعبير عن خشوعهم المفرط والمنفر في نفس الوقت قصد التأثير على المصلين وعلى الناس في الشوارع. علما أن الشيوخ قد حاربوا الملك عبد العزيز عندما أدخل المذياع إلى بلاده وحارب الشيوخ أيضا التلفزة وجميع الأجهزة التكنولوجية حتى تمكنوا منها وبدؤوا في تسخيرها لغاياتهم ولإثبات وجودهم ولنشر الدعوة حسب مفهومهم للعقيدة الإسلامية الصحيحة، ناهيك عن نية الشهرة والصدى لدى الخاصة والعامة.

 

بعض المساجد في المغرب تنقل ما يسمى قراءة الحزب وراء صلاتي المغرب والصبح ويبالغ بعض الشيوخ في التعبير عن تقواهم بالبكاء جهرا عبر مكبرات الصوت وهم يتذرعون إلى الله ليسمعهم القاصي والداني ويختلط نواحهم بضجيج المارة في الأسواق وفي الأزقة، كما أن البعض منهم يقصد عمدا قراءة السور الطويلة في صلاة العشاء وصلاة الصبح التي يتم نقلها كاملة عبر مكبرات الصوت التي قد لا تكون ضرورية لوصول صوت الإمام إلي المصلين الحاضرين في كثير من الاحيان. لقد عايشت هذه الحالات وأمثالها في السعودية وفي مصر وفي سوريا ولبنان وبعض البلدان الأخرى. أما التراويح الرمضانية التي جمع عليها عمر بن الخطاب المصلين مع كونها غير واجبة فحدث ولا حرج عن التطويل والأصوات العالية عبر الأبواق الكبيرة التي تدوي بقوة في أذان المصلين وغير المصلين.

لقد أثار حفيظة بعض الناس في المغرب هذه الأيام دعوة وزارة الأوقاف إلى تخفيض أو اسكات صوت آذان الصبح الذي كانت قد أمرت به منذ فترة، فقاموا بحملة في الفيسبوك لتجنيد النشطاء للاستيقاظ لصلات الصبح وكأن صلاة الصبح هي الصلات الوحيدة المفروضة. وقد ورد في جريدة هيسبريس أن النشطاء: 'وجدوا فرصة مواتية ليطلقوا حملة تحث المغاربة على الاستيقاظ لصلاة الفجر، بهدف التنبيه إلى أهمية وفضل النهوض لأداء هذه الصلاة تحديدا' ردا على مذكرة وزارة الأوقاف. والمبادرة في حد ذاتها قيمة لأنها تخص طاعة الأوامر الإلهية لقضاء فريضة موقوتة، وهذا ما لا يمكن لأحد العبث به والتسائل حوله. وأداء الصلاة في وقتها ليس موضوع المناقشة ولا هو ما تشير إليه مذكرة الوزارة وما يشتكي منه عدد من المواطنين الذين يتضايقون ليس من الصلاة الواجبة، بل من الوسائل المستعملة للدعوة إلى الصلاة وخصوصا مكبرات الصوت المزعجة التي ليست شرطا دينيا لصحة الصلاة.

إن قضية الآذان وإذاعة مراسيم الصلوات عبر مكبرات الصوت هي القضية المطروحة أما القيام بحملة واسعة للاستيقاظ مبكرا لتأدية الصلاة فليس موضوع الاختلاف و لا يجب أن يكون لأنه حق وواجب ديني ليس من حق أحد أن يمنعه لأنه حق مكفول وواجب شرعي عند كل المسلمين، ومن يستطيع منع ذلك؟ ومن يستطيع منع أي أحد من قيام الليل كله والتعبد والصلاة والقراءة والابتهال إلى الله؟

لو لبى كل المغاربة وكل المسلمين في جميع أنحاء العالم ذكورا وإناثا بالغين وغير البالغين دعوة الاستيقاظ لصلات الصبح، فإن ذلك جميل وفي غاية النشاط والالتزام الديني، لكن المسألة تحتاج إلى قليل من التعقل والتأني والدراسة. فيمكن التساؤل عن كيفية الاستيقاظ والوسائل المستعملة للاستيقاظ. إذا افترضنا الآذان من على المآذن عبر مكبرات الصوت، فمن يضمن أن كل من تجب عليه الصلاة سيسمع ذلك الآذان ويستيقظ على صوت المؤذن من خلال البوق؟ وما الموقف من الذين لا تجب عليهم الصلاة ومن المرضى والأطفال ومن اللادينيين ومن زوار البلدان والمسافرين ومن الذين أنهكهم السهر نظرا لطبيعة أعمالهم كالجنود والأطباء والممرضين ورجال ونساء الأمن ومن لا يريد الاستيقاظ ولا يستطيع الذهاب إلى المسجد؟ أترغم كل هذه الفئات من البشر للاستيقاظ على أصوات المؤذنين عبر الأبواق ذات قوة خارقة تزعج النائمين وغير النائمين، خصوصا سكان الأحياء المجاورة للمساجد؟ وما الموقف في المدن الصناعية التي لا تهدأ فيها الآلات ليل نهار مع تلوث وإزعاج أصواتها،بل يغطي ضجيجها على كل الأصوات الأخرى بما فيها أصوات المؤذنين عبر الأبواق,

إنه لمن دواعي السخرية أن يتجاهل البعض حقائق تغلغل الأجهزة  الالكترونية والتكنولوجيا الحديثة في كل مرافق الحياة البشرية ومنها الدينية بالرغم من المعارضة الشديدة ألتي أبداها الفقهاء في البداية مع الثورة الصناعية ومع كل ما آلت إليه وأحدثته التكنولوجيا الحديثة بما فيها الفيسبوك وغيره من منابر التواصل الاجتماعي الذي اطلقت فيه الحملة للاستيقاظ وقد كان الناشط الذي يدير هذه الحملة صرح لجريدة هيسبريس:" إن القصد من الحملة الوطنية للاستيقاظ لصلاة الفجر، هو تنبيه الناس إلى ضرورة إقامة فريضة صلاة الفجر في وقتها، وتبيان فضل المحافظة عليها، وذكر أحاديث وآيات تذكر بأهمية الصلاة عموما وصلاة الفجر خصوصا"ًويا لها من مقاصد نبيلة. هدف مذكرة الوزارة والجدل حول الآذان لا يتعدى التحكم بشكل جيد وبطريقة غير مزعجة من أصوات المؤذنين والأئمة عبر مكبرات الصوت لاعتبارات إنسانية لا غير. ثم إن التطور الذي تشهده المجتمعات الانسانية برمتها ومنها الإسلامية قد اتاح فرصا هائلة للتواصل ومنها تذكير الناس بأوقات الصلوات عن طريق الآذان بشتى الوسائل من جوال ومذياع ومنبه وتلفزيون وحاسوب والساعات اليدوية والمعلقة في المكاتب وفي كل مكان وكسب للعادة وترويض للساعة البيولوجية وتدريب على احتساب الظل بالأقدام لصلاتي الظهر والعصر وما إلى ذلك من الاهتمام من قبل المتدين الذي يهمه المحافظة على الصلوات في أوقاتها. العلم الحديث سهل كثيرا من الأمور ومنها مواقيت الصلوات والتنبيه إلى قيامها. إن شركات الاتصال في جميع أنحاء العالم تمنح فرص برمجة مواقيت الصلوات في الهواتف النقالة وفي غيرها من الأجهزة الإلكترونية على ضوء تحديدها من قبل السلطات الدينية في كل بلد.

لقد تطور الانسان وانتشر التعليم والفهم لدى كثير من المسلمين ويستطيع كثير منهم ان يتفطن إلى قيام أوقات الصلوات بشتى الوسائل حتى في الحالات التي لا يسمع فيها آذان المؤذن لاعتبارات وأسباب شتى. ويمكن أيضا أن يطرح تساؤل مفاده هل سينقطع المؤمنون عن صلواتهم المفروضة لو انقطع الآذان كليا؟ إن هذا مستحيل ولا يمكن تصوره بالمرة. وهناك طرق أخرى لتبليغ المؤمنين بقيام أوقات الصلوات المكتوبة ومنها الطرق التي تستعملها هيأة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية مثل رن أجراس بيوت الساكنة وطواف الأزقة والشوارع بسيارات قوية رباعية الدفع ركبت فوقها أبواق تتعالى منها كلمات "الصلاة الصلاة" لتذكير الناس ودعوتهم للذهاب إلى المساجد وترك انشغالاتهم.

إن وزارات الأوقاف والشؤون الدينية في جميع البلدان الإسلامية مدعوة لتدارس قضية الآذان عبر مكبرات الصوت بجدية راعية مصلحة كل الساكنة خصوصا الذين يتواجدون في محيطات المساجد وهي مدعوة أيضا للتأمل حول رفض الرسول عليه السلام اتخاذ البوق الذي يتخذه اليهود آنذاك للنداء للقيام بصلواتهم. وتشمل هذه الدعوة أيضا تدارس امكانية نزع المكبرات من على المأذن التي تشوه جمال بنائها المعماري ولو تجرأت وزارة الأوقاف المغربية على اتخاذ قرار مثل هذا لما تجرأ أحد من معارضتها وهي السلطة الدينية التي أسند إليها تدبير الشأن الديني في المجتمع. وقد تجد بلدان أخرى في هذا الأمر مثالا يقتدى به مثل ما هو سائد في المجتمعات الغربية التي تمنع المكبرات من على مآذن المساجد في ديارها ولا أحد يشتكي من قلة أعداد المصلين ولا من عدم سماع الآذان الذي لا يعتبره أحد من الأئمة شرطا في صحة الصلاة.

فمبروك على الناشطين في مهمة استيقاظ الناس لصلاة الصبح وعلى تنبيه المؤمنين بأوقات الصلوات المكتوبة وفضائلها، إلا أن ردهم على مذكرة وزارة الأوقاف المغربية يجانب فحوى المذكرة الذي لا يخرج عن قصد تخفيض أصوات المؤذنين عبر مكبرات الصوت لاعتبارات انسانية لا غير. ومن يجادل في الآذان وفي الصلوات المكتوبة ويشكك فيها فإنه يجهل ما بني عليه الإسلام وما معنى ذلك عند المسلمين،وما الضرر والمانع من الاستيقاظ لتأدية صلات الصبح في وقتها والقيام بالحملة في شبكات التواصل الاجتماعي؟ أليس من قيم الإسلام حكم يرددها كثير من المسلمين من أمثال: "لا ضرر ولا ضرار" وحرية، بل واجب 'الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة'؟

الدكتور عبد الغاني بوشوار                                                                    باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير

اجمالي القراءات 20566