ف 15 ( قل ) فى تأكيد أن الاسلام ضد الاحتراف الدينى

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٧ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم 

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

 الباب الثالث  : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما

ف  15  ( قل ) فى تأكيد أن الاسلام ضد الاحتراف الدينى

مقدمة :

1 ـ هناك مخدرات عادية تضيع بها أموال الناس وربما حياتهم ، وهناك مخدرات أخطر يضيع بها الناس فى الدنيا والآخرة ، وهى المخدرات الدينية فى الأديان الأرضية . كلاهما يقوم بتغييب العقل ، وكلاهما تقوم عليه ( تجارة ) أو ( يزينيس ) بالبلايين ، وكلاهما يقتل من البشر ملايين . ثم كلاهما يقوم على إدارته وإستغلاله نوعية حقيرة من البشر المحترفين . الفارق أن قادة تجارة المخدرات خارجون على القانون ، يُعاقبون بالاعدام أو السجون ، بينما يتمتع قادة المخدرات الدينية بالتقديس .

2 ـ حين يسيطر رجال الدين الأرضى على مجتمع تتحول الحياة الدينية الى تدين سطحى وفساد أخلاقى ، ويروج الاحتراف الدينى ، وتتأكد سلطة الكهنوت الذى يؤسس له سلطة دينية وسياسية زمنية باسم الله جل وعلا . ويقف هذا الكهنوت يحارب أى إصلاح دينى ، لأن الاصلاح الدينى كفيل بتقويض هذا الكهنوت وفضح حقيقته كمخدرات دينية تجعل الانسان مجردا من العقل يحنى ظهره ليركبه هذا الشيخ أو ذاك البابا  ويحتاج المصلحون  للمال ، ليس لأنفسهم ولكن لمتطلبات الصمود ، أى يحتاجون الى الجهاد ( فى سبيل الله ) بأموالهم وأنفسهم ، أما الكهنوت فهو يجمع المال فى سبيل ( أنفسهم ) ومن أجل الصد عن سبيل الله جل وعلا .

3 ـ قضية الاحتراف الدينى بين دين الله جل وعلا ( الاسلام ) وبين الأديان الأرضية وكهنوتها معقدة ، وتتداخل فيها أحيانا كلمة ( قل ) . ونحاول تبسيطها على النحوالآتى :

أولا :  الاحتراف الدينى فى الأديان الأرضية  

1 ـ  يكتنز أرباب الكهنوت البلايين والملايين لآنفسهم. ونتساءل : كم تبلغ أموال الكنيسة الارثوذكسية المصرية أو الكنيسة الكاثولوكية ؟ وكم تبلغ ثروة الساستانى الشيعى وكم تبلغ ثروة القرضاوى السُّنى ؟ وكم تبلغ أموال الاخوان المسلمين وتنظيماتهم العالمية والمحلية ومنظماتهم العلنية والسرية ؟ مهما بلغت ملايين أباطرة المخدرات فهى لا شىء بالمقارنة بأباطرة المخدرات الدينية .

2 ـ وهى عاهة بشرية تليدة ، ففى عهد نزول القرآن الكريم كان كثير من الأحبار ( اليهود ) والرهبان ( النصارى ) يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ، ويكتنزون الذهب الفضة ، وقد توعدهم رب العزة بأن يُحمى عليهم فى نارجهنم بما إكتنزوه . يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)( التوبة ).

3 ـ وكان لدُعاة الباطل والكهنوت الدينى  من أهل الكتاب وسائل  فى الاحتراف الدينى ، منها :

3 / 1 : التحريف  فى الكتاب السماوى : كانوا ( يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)البقرة 75)، وفى عصر نزول القرآن كانوا ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ )(النساء 46 والمائدة 13 )(  يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) المائدة 41 ). التحريف لا يعنى الالغاء التام للحق بل إدخال الباطل فى الحق وكتمان الحق ، وهذا ما نهى رب العزة أهل الكتاب عنه فقال : ( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42 البقرة ).  وبعض هذا التحريف كان بالكتابة ، وقد توعد رب العزة من يفعله بالويل : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )(79 البقرة )، ومنه التحريف الشفوى بتلاوة الأكاذيب على أنها من الكتاب السماوى، فيحسبها السامع أنها كلام الله جل وعلا  : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) آل عمران )

3 / 2 : ثم بيع هذا الباطل أو التحريف للناس على أنه صحيح الدين ، وهو ما حذّر رب العزة منه أهل الكتاب ، فقال : ( وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) البقرة (41) . وقد أخذ عليهم العهد على تبليغ الحق للناس وعدم كتمانه ، وعدم التجارة بالدين ، فعصى كثيرون منهم : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) آل عمران )، ولكن كان منهم متقون يؤمنون بالقرآن وبما أنزل اليهم ، لايشترون بآيات الله ثمنا قليلا : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) آل عمران )

4 : ولأنها عاهة بشرية تلك التجارة بالدين فقد جعل رب العزة أرباب تلك التجارة خصوما له يوم القيامة ، وأنذر أنه جل وعلا لن يكلمهم يوم القيامة ولن ينظر اليهم ولن يزكيهم وسيصليهم عذابا لامثيل له : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175 البقرة  ) ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) آل عمران ).

5 : وأخذت قريش عن أهل الكتاب الاحتراف الدينى  والصّد عن سبيل الله بالمال وزادت عليه الاعتداء المسلح ، فقال جل وعلا عنهم : ( اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة )، كانوا يتكسبون بتكذيب القرآن الكريم ، فقال جل وعلا  لهم عن القرآن الكريم  : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)) الواقعة ). وتخصصوا فى ( الصّدّ عن سبيل الله والمسجد الحرام  ) فقال جل وعلا عنهم  (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) الانفال ) وقال عن إنفاقهم المال للصّدّ عن سبيل الله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )(36) الانفال ).

وفعل ذلك المنافقون فى المدينة ، أتاح لهم الاسلام الحرية المطلقة فى الدين وفى المعارضة السياسية السلمية ، فكانوا ينظمون مظاهرات من الرجال والنساء تجوب شوارع المدينة يصدون عن سبيل الله يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67)التوبة )

 6ـ ولأنها عاهة بشرية مستمرة فقد إحترف المحمديون الصّد عن سبيل الله ، وإفتراء الأحاديث ( النبوية والقدسية بزعمهم ) وتحريف معانى القرآن بعد عجزهم عن تحريف النصوص القرآنية نفسها ، كل ذلك يسعون فى آيات الله معاجزين ، وأسسوا فى ذلك ما يسمى بعلوم القرآن والنسخ والتفسير . والله جل وعلا نبّأ بذلك مقدما ، وتوعد من يفعل ذلك بالعذاب . قال جل وعلا  عنهم بصيغة الماضى: ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج ) ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) سبأ ) ، وقال جل وعلا عنهم بصيغة الحاضر دليلا على إستمرار هذه العاهة البشرية ( وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) ( سبأ ).

6 ـ وستستمر هذه العاهة البشرية الى قيام الساعة ، ويوم الحساب سيقف الأشهاد دعاة الحق يشهدون ضد أرباب الكهنوت والاحتراف الدينى ؛ الذين يفترون على الله الكذب ويكذبون بآياته، يقول جل وعلا  : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)هود ). وسيقال عنهم وهم فى النار : ( أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) الاعراف )، وجاء قوله جل وعلا  عنهم قبل وأثناء وبعد نزول القرآن الكريم : ( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم )

ثانيا : حاجة أهل الحق للمال ليصمدوا ضد الكهنوت الذى يصُّدُّ عن سبيل الله

1 ـ حاربت قريش الاسلام بكل الوسائل المتاحة، منها سلاح المال: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)الانفال ) ومنها متابعة المؤمنين فى المدينة بالقتال لارجاعهم الى الكفر : (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) ( البقرة ) . كان حتما أن يدافع المؤمنون عن أنفسهم ، وأن يجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم .

2 ـ  وفى سورة الأنفال نلاحظ أنها بدأت بتحديد صفات المؤمنين حقا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) الانفال ). كان من صفاتهم أنهم (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ). كما جاء فى نفس السورة توصيف الكافرين بأنهم ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(36)الانفال ). فى مواجهة هذا نزل التشريع فى نفس السورة بالاستعداد الحربى الدفاعى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ).ولأن هذا الاستعداد الحربى يستلزم تبرعا بالاموال فقد قال جل وعلا يدعوهم الى الانفاق فى سبيل الله جل وعلا : ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الانفال )

3 ـ هنا التبرع بالمال فى سبيل الله ، وليس تبرعا لأرباب الكهنوت ، وهو فرض على الجميع ، وكل مؤمن يتبرع بما لديه من جهد ونفس ومال إبتغاء مرضاة الله جل وعلا . وقد كان النبى عليه السلام فى مقدمة المجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، أى كان يدفع من جيبه ويبذل من صحته ووقته فى سبيل الله ، فاستحق والمؤمنون معه أن يقول عنهم رب العزة : ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة )

4 ـ ولأنه تبرع فى سبيل الله جل وعلا فإنه جل وعلا :

4 / 1  : يجعله تجارة معه هو :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) الصف )

4 / 2  :ويجعله قرضا له جل وعلا ، ويعد ( من الوعد ) أن يرد القرض أضعافا مضاعفة : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن )

4 / 3 : ويجعله ميزانا لدرجة التقوى بين المؤمنين: فلا يستوى القاعد بالمجاهد كما لا يستوى المنفق بالمُمسك : ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد )

4 / 4 : ويجعل البخل نذير الاهلاك ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) محمد ). وبعد تشريعات القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195 ) البقرة )

4 / 5 : وتوالت الأوامر بالانفاق فى سبيل الله قبل الموت ، فهو الخير للمؤمنين : ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة )( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15) الحجرات  ) ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)الحديد ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون ).

ثالثا : الرسل ودعاة الحق لا يسألون أجرا لأنفسهم  

1 ـ هم لا يسألون الناس أجرا لأنفسهم مقابل الدعوة للهدى ، لأنهم ينتظرون أجرهم من الله جل وعلا. وكل الأنبياء كذلك . نرى هذا فى قصص الأنبياء فى سور: يونس ( 72 ) هود ( 29 ، 51  ) والشعراء (  109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180  ).

2 ـ خاتم النبيين أمره رب جل وعلا أن يعلن ( بكلمة قل ) أنه لا يسألهم أجرا : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ(86) ( ص) . الأجر لهم هم إذا إختاروا طريق الهدى : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (57) الفرقان ). الأجر لهم هم لأن أجره على الله جل وعلا :( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) سبأ ). ومن ضمن هذا الأجر أن يكونوا ابرارا بذوى قرباهم : ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )(23) الشورى) .

3 ـ وتكررت هذه الحقيقة بدون كلمة ( قل ) فى أسئلة إستنكارية يسألها رب العزة : (  أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40 الطور) ( 46 القلم ) ( َأمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) المؤمنون). وجاءت قاعدة عامة للبشر للتمييز بين الدعاة . دعاة الباطل يتصارعون فيما بينهم على اكل أموال الناس بالباطل ، أما دعاة الحق فلا يسألون الناس أجرا ، وفى نفس الوقت هم متمسكون بالهدى الالهى :( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) يس )  

4 ـ وجاء نفس المعنى بنفس الألفاظ تقريبا بكلمة ( قل ) وبدونها : (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِين) ( يوسف  104) ( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) الانعام ).  

أخيرا

1 ـ خلال نصف قرن مضى ، ومن عهد الملك فيصل وحتى الآن أنفقت السعودية أكثر من مائة بليون دولار من عوائد البترول فى نشر الوهابية على أنها الاسلام ، وسينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) ابراهيم ) ويدفع العالم كله الثمن . أمام الجبروت السعودى يقف أهل القرآن بسواعدهم العارية ، ليس معهم سوى كتاب الله ، ونجحوا به فى فضح الوهابية .

2 ـ ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا أشهادا عليهم يوم القيامة . ففى ذلك ـ  وليس فى حُطام الدنيا ـ  ينبغى أن يتنافس المتنافسون . ندعو الله جل وعلا ان ينطبق علينا قوله :(إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ ) (26)  المطففين ).

ودائما : صدق الله العظيم    

اجمالي القراءات 9962