الأزمة الأوكرانية ومخاوف التصعيد

مجدي خليل في الخميس ٢٧ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الآن اصبحت شبة جزيرة القرم جزءا من الاتحاد الروسى وفقا لأستفتاء جرى يوم 16 مارس وافق فيه 97% من الذين صوتوا بالإنفصال عن أوكرانيا ثم لاحقا الانضمام للأتحاد الروسى،وهذا الاجراء لم يعترف به سوى روسيا وسوريا ، هما فقط من اعترفا بالجمهورية الجديدة فى حين هناك صمت حذر فى العالم تجاه هذه المسألة وغضب أوروبى وأمريكى.

المخاوف الغربية مشروعة والمخاوف الروسية مشروعة أيضا،ولا يوجد طريق للحل سوى تكثيف العمل الدبلوماسى،أما التصعيد والتصعيد المقابل فأن نتائجه قد تكون مدمرة على العالم كله، فمن ناحية فأن أمريكا والغرب لم يكتفيا فقط بسقوط الاتحاد السوفيتى عام 1990 ولكنهما حاولا تجريد وريثه الروسى من كل قوة، وكما قال بوتين فى خطاب تاريخى بعد ضم القرم " ما بدا مستحيلا فى يوم من الأيام، أصبح واقعا، لقد سقط الاتحاد السوفيتى.. لكنك إذا واصلت ممارسة الضغط على الزنبرك إلى اقصى حد فإنه سيرتد فى وجهك وبقوة"، وقد بلغ التجرؤ الأمريكى لحد التمهيد لضم أوكرانيا إلى حلف الناتو،وهذا يعتبر من وجهة نظر موسكو اللعب فى اخطر دوائر الأمن القومى الروسى،ومن ناحية أخرى فأن الخوف الغربى مشروع من شخصية بوتين المستبدة النرجسية، وقد عانى الغرب كثيرا من مثل هذه الشخصيات التى قد يدفعها جنون العظمة إلى تفجير الحروب وتخريب الدول خاصة فى ظل غياب معارضة حقيقية فى روسيا تستطيع أن تقول لا لبوتين، وهناك خوف أوروبى وغربى من غزو الدول واقتطاع أراضيها وقد تكرر ذلك كثيرا فى التاريخ الأوروبى الحديث،ولهذا وقعوا معاهدة هلسنكى فى عام 1975 مع الاتحاد السوفيتى تحت حكم بريجنيف بحرمة التعدى على حدود الدول الأوروبية واعتمد بوتين هذه المعاهدات فى عام 2009، كما أنه نفسه وقع اتفاق بودابست عام 1994 بأحترام حدود أوكرانيا فى مقابل تخليها عن برنامجها النووى ،والغرب يتهم بوتين بكسر هذه الأتفاقيات مع حزمة من الأتفاقيات المماثلة التى وقع عليها،وفى نفس الوقت يتهم بوتين الغرب بأنه هو الذى خالف اتفاق بوادبست بالتدخل فى شئون أوكرانيا عبر تأجيج الثورة البرتقالية عام 2004 وكذلك المساعدة على الإنقلاب على حكومة شرعية منتخبة  فى نوفمبر 2013.

وإذا كانت مسألة شبه جزيرة القرم تلقى تأييدا واسعا فى روسيا نظرا لأنها كانت جزءا من روسيا حتى عام 1954 حيث اهداها خرشوف إلى أوكرانيا  عندما كان سكرتيرا للحزب الشيوعى وهو ينحدر من اصول أوكرانية،كما أن معظم من فيها يتحدث الروسية، وتعتبر المنفذ الوحيد لروسيا على المياه الدافئة، وهى مقر للاسطول الروسى منذ عام 1783، وقد دخلت روسيا حربا طويلة مع الامبراطورية العثمانية من آجلها من 1853-1856 سميت بحرب القرم،ومن ثم فأن هذه المنطقة روسية قلبا وقالبا، كما أن أوكرانيا ذاتها كانت جزءا من روسيا لعدة قرون كما كتب هينرى كيسنجر ،ولكن الخوف  فى الغرب من أن السكوت على بوتين قد يفتح شهيته لضم أراضى اخرى يتحدث معظم سكانها بالروسية سواء فى شرق أوكرانيا أو فى بعض دول الاتحاد السوفيتى السابق،كما قد يدفعه غروره ونرجسيته لفتح نقاط صدام أخرى حول العالم تصعد المواضيع مع الغرب. والحقيقة أن معاجة العالم لأزمة أوكرنيا سيشكل نقطة هامة فى مسار العلاقات الدولية وفى شكل النظام العالمى القادم،فمن ناحية أعلن بوتين منذ سنتين أن النظام العالمى الجديد يتشكل من سوريا،بمعنى أوضح نهاية التفرد الأمريكى بقيادة العالم ، ولكن شكل نظام الأمم المتحدة ما بعد الحرب العالمية الثانية من الصعب إعادة تشكيله بدون حرب دولية كبرى،حيث أن هذا النظام هو نتاج لقاء يالطة بين القوى المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، ومن المفارقات أن منتجع يالطة التى اجتمع فيها المنتصرون فى الحرب تقع فى شبه جزيرة القرم التى عادت إلى روسيا مرة أخرى.

من ناحية أخرى أنفجرت الكتابات والتقارير فى الإعلام الأمريكى ومراكز الأبحاث ضد روسيا،حيث أن هناك الآلاف من المتخصصين فى الدراسات السوفيتية وقد عادت شهيتهم للكتابة بعد أزمة القرم،وهؤلاء مع تخصصهم العميق والدقيق فى الشأن الروسى إلا أن الخيط الذى يربطهم جميعا هو النظر إلى روسيا على أنها عدو من واقع ما درسوه اثناء الحرب الباردة، وهؤلاء يشكلون وقودا للصدام داخل أمريكا ويدفعون المسئولين إلى الأتجاه الخطأ.

من ناحية ثالثة فأن الاخطاء الأمريكية اعطت مصداقية للتحرك الروسى،فترك أمريكا ملف سوريا فى ايدى قطر والسعودية مما حولها إلى مسرحا للإرهابيين المجرمين جعل التدخل الروسى مقبولا،ودعم أمريكا للأخوان وللمحور الأخوانى بقيادة تركيا جعل اصدقاء أمريكا القدامى ينفرون منها،وتصرف أمريكا تجاه ثورة 30 يونيه2013  جعلها على وشك أن تفقد أهم حليف فى الشرق الأوسط وهو مصر،والحوار الأمريكى الإيرانى جعل السعودية ودول الخليج  تهتز ثقتهم وصداقتهم لأمريكا،والنتائج الكارثية لغزو العراق جعل السنة ساخطون،وسياسات أمريكا برمتها ونتائجها تجاه مسألة مسيحى الشرق الأوسط جعلتهم غاضبين بشدة تجاه هذا الدور الأمريكى الذى تسبب فى كوارث لهم،والفراغ الذى تركته أمريكا نتيجة أنسحابها من التدخل فى مناطق عديدة فى العالم جعل قوى طموحة تحاول أن تملأ هذا الفراغ وفى مقدمتها روسيا،كما أن قيادة أمريكا للعالم جلب عليها حسد وعداء وكراهية كثير من الشعوب لها.

ومن ناحية رابعة فأن تحريك أمريكا والغرب للثورة البرتقالية عام 2004 وللأنتفاضة الشعبية القومية فى وجه حليف روسيا فى أوكرانيا فى نوفمبر 2013 كشف عن المحاولات التخريبية الغربية لعمق الأمن القومى الروسى والتى قد تمتد إلى داخل الأراضى الر وسية ذاتها، وقد استطاعت روسيا امتصاص أثار الثورة البرتقالية عليها،ولكن ما حدث منذ أسابيع وكشف خطة تحرك الاوكرانيين القوميين للإنضمام لحلف الناتو هو اهانة كبرى لروسيا وتبجح غربى ما كان له أن يحدث،فأوكرانيا تمثل منطقة عازلة بين روسيا وبين دول حلف الناتو فى أوروبا الشرقية،كما أن القرم هى المنفذ الروسى الوحيد للمياه الدافئة وهى أيضا مقر للأسطول البحرى الروسى،ومعنى أنضمامها للناتو وبها أوكرانيا يعنى تهديد عمق الأمن القومى الروسى،ولهذا يعتبر التحرك الروسى مشروعا من هذه الناحية.

على أن اخطر المأخذ على واشنطن هو التعامل بالمعايير المزدوجة وأستثناء نفسها من كافة القيود،فهى تعمل بمبدأ مونرو منذ 2 ديسمبر 1823 بأعتبار أمريكا الجنوبية تشكل عمقا للأمن القومى الأمريكى ولهذا غزت أمريكا جرينادا فى عام 1983 وبنما فى عام 1989 ولا ننسى كذلك أزمتى الصواريخ الكوبية وخليج الخنازير فى حين أنها تنكر على موسكو أن يكون لها حزام أمن قومى حولها،وفى نفس الوقت توافق واشنطن بل وتدعم انفصال كوسوفو عن صربيا ولكنها تقف ضد انفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا وعودتها لموطنها الأصلى، ويصفون ما حدث فى مصر فى يونيه 2013 بأنه إنقلاب فى حين يصفون ما حدث فى أوكرانيا فى نوفمبر 2013 على أنه ثورة رغم تماثل الحالتين.

على العموم نتمنى أن لا تتطور مسألة القرم لأبعد من حرب العقوبات الأقتصادية المتبادلة،والكرة فى ملعب الغرب بقدر ما هى فى ملعب روسيا،وعلى الجميع أن يدركوا جيدا عواقب التصعيد والتصعيد المقابل.

كاتب المقال محلل سياسى بارز ومدير منتدى الشرق الأوسط للحريات-القاهرة-واشنطن

Magdi.khalil@yahoo.com

اجمالي القراءات 12475