المقال العشرون
قلب المغترب يتآكل!

محمد عبد المجيد في الجمعة ٠٧ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً



رغم أن هذا التسلسل المنطقي يؤدي إلى انتفاء فكرة ثبات الغيرة في جو ليس فيه من المنافسة شيء، إلا أن الواقع يشهد باستفحال ظاهرة الكراهية بين المصريين في الغربة كأنهم في حالة ثأر شرف لا ينتهي إلا .. بالدم.

هنا وأقولها بحسرة وأسف أن المصريين في الغربة يختلفون عن باقي الجنسيات الأخرى، فنحن نهاجر ونلصق كراهية أبناء بلدنا في قلوبنا حتى لو تصاحبنا، وتزاملنا، وأكلنا "عيش وملح" سويا منذ... اليوم الذي هبطت بنا الطائرة أرض وطننا الثاني.
تـُجهد عقلك في التحليل، وتطرق كل أبواب التفسيرات النفسية، وتتسلل إلى مداخل ومخارج شخصية مغترب تتآكل جوانب قلبه مع النبضات، ومع ذلك فلا تعثر على سر ذلك الحقد المخلوط بغيرة ورغبة في أن يراك ابن بلدك جالسا على الرصيف تتسول أو .. تـَـحْفَىَ قدماك بحثا عن عمل.

سيقول قائل بأن هذا تعميم خاطيء، وأن المصري إذا التقى ابن بلده عر ض عليه أن يمدّ له يده، وأن يساعده، وأن كل الجنسيات يعيش فيها أبيض القلب مع اسّوَده، ونظيف المشاعر مع أعفنها، ورقيق الوجدان مع مُتحجرها، لكن القرائن اللانهائية تشير إلى عدم قدرة المصري قبل غربته في ترك المشاعر السلبية في بلده لتكون الغربة قائمة على أرض خصبة ترويها الأحلام والآمال في مستقبل واعد ومشرق وصحي وطبيعي.
قضية في منتهى الحساسية، يعرفها المغتربون المصريون في أوروبا وبلاد المهجر والخليج، وتزكم رائحتها الأنوف في تجمعات ونواد ورابطات وجماعات تريد أن تتنفس ذكريات الوطن الأم وهي ملتصقة ببعضها، تضحك، وتحكي، وتعرض خدماتها، وتتسع أنوفها لرائحة طعام الوطن الأم فيزداد الحنين مع لغة تستدعي من الذاكرة هوية باتت في حُكم الحيرة، بين وطن غادرناه وآخر أردنا فيه تثبيت الماضي لعل المستقبل يكون أكثر تناغما.

بكل خجل وحيادية قدر الامكان أطرح السؤال تلو السؤال طوال أربعة عقود خارج بلدي الأم: لماذا يكره المصريون المصريين في الغربة؟
قطعا سيبدي أهلنا وأبناء بلدنا في الداخل الدهشة من هذه الأحكام المتسرعة (رغم أنها خبرة أربعين عاما)وسيقولون بأنهم يستقبلون صديق ابنهم، ويحمل معه أغراضا وهدايا وأموالا من الابن المغترب، فكيف يتحاقدون، وكيف أتجرأ بوصف حياتنا في الغربة بأنها ساحة معركة لا ترى فيها، ظاهراَ، متحاربين ومتبارزين و.. أنيابا بارزة !
هذه حقيقة، سواء رفضناها أو خفَّفنا من وقعها أو ثبـَّـتناها، فالمصريون يحملون في هجرتهم إلى الخارج مرضا لا شفاء منه، وهو الغيرة بين بعضهم البعض، بل إن ابن بلدك يطعنك في ظهرك مئة طعنة مع كل ابتسامة، ويذبحك مئة مرة كلما عانقك واحتضنك وأقسم لك أنه يحبك.

قد أكون مُبالــِـغا أو قاسيا أو غير عادل عدلا كاملا، لكنني لم أبتعد عن الحقيقة المـُـرّة والحارقة، وإذا ظلننا نُخفي وجوهنا في الرمال أو الجليد، فلن نتعرف على ملامح المرض النفسي، مرض الغيرة والحقد والكراهية الذي يختفي خلف ضحكة مجلجلة، وخفة دم مصرية، وتعاون ظاهري، وصداقة طويلة الأمد.
معذرة فأنا أقرر واقعا، ولكم الحق في نفْـيه وتكذيبي لئلا ننشر غســيــلنا علىَ الملأ: نحن نتغرب ومعنا هذا المرض اللعين، الغيرة من بعضنا ولو كانت القسَمات المشتركة والمنافسة الحقيقية فير موجودة بالمرة، حتى لو كنت طبيبا والآخر يعمل في بناء الكباري، أو كنت بائع هوت دوج وابن بلدك يعمل في فندق أو محطة بنزين.
أنا أرى الابتسامة مع الأنياب، وأنتم تظنونها فرحة تسمعون من خلالها انشراح القلب وهو يرقص طربا بالصداقة في الغربة.
أنت مغترب ولم تمر بهذه التجارب مرة واثنتين وعشرا ومئة وأكثر، فالحقيقة أنك لم تتغرب بعد.سامحوني على هذه الصراحة المؤلمة!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 3 مارس
اجمالي القراءات 11276