لماذا أكتب؟ إنه سؤال طالما سأله السائلون وطالما أجابوا عنه بالجواب الذي يرضيهم
وجهات نظر ... للتأمــل ..

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ٠٦ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أفكـــار للتأمــــل

XIX

*  ... لماذا أكتب؟ إنه  سؤال طالما سأله السائلون وطالما أجابوا عنه بالجواب الذي يرضيهم أو الذي يجعلهم يبدون محترمين لأنفسهم، لا بالجواب الذي يقنعهم أو الذي يفهمونه. قد أقول هنا جوابا عن هذا السؤال الذي يصرخ  بقسوة  ووقاحة في وجه كل من يقبض على القلم وإن كان في الغالب لا يسمعه، قد أقول: إنني أكتب لأني مضطر إلى تصدير نفسي وإن لم يطلبها أو يرغب فيها أحد لا  شراء ولا هبة،  ولأني مضطر إلى الإلقاء  بها -  أي  بنفسي -  على الآخرين عدوانا مني ووحشية غير مهذبة، وطفيلية أدبية دون أن يطلبوا مني ذلك أو يريدوه أو يحتاجوا إليه، إني أكتب لأني أبحث عن الخروج  من ذاتي لأني لا أطيق البقاء فيها ولا اعتقالها داخلي ولا مواجهتها منفرداً إن الإنفراد بالذات والعيش معها بلا آخرين وبلا هجرة عنها هو العذاب والجنون. إني هارب حينما اكتب، إني هارب إلى بيوت الآخرين  وإلى عقولهم  ومشاعرهم  وإلى أعصابهم وإثارتهم.

***

*  أغلب  الناس  يعيشون  كل حياتهم في رضاعة  عقلية ونفسية وأخلاقية لا يريدون  الفطام منها – وإنهم  ليفضلون الرضاعة  من الأثداء  الميتة !

*** 

*  إن كراهتنا  وحقدنا على  الأشياء،  على المذاهب  والأشخاص، كثيرا ما  تكون تعبيرا عن كبرنا  وأنانيتنا المسحوقة أو المهانة، وكثيرا ما تكون أسلوبا من أساليب الدفاع عن النفس والكرامة. وهل  يمكن أن يكون الحقد والكراهية غير دفاع عن النفس أو عن الكرامة ؟

*** 

*  إن أبعد الناس عن التعامل  مع علم النفس هم  الحكام  والزعماء  الذين  يحولون مجتمعاتهم إلى مادحة مؤلهة  لهم، ويرفضون أن تكون رافضة لهم محتجة عليهم.

* ... إن العطف هو أقصر الطرق إلى الإيمان والإحترام ، وإن قبول الهجوم  والنقد  هو  أقرب  الطرق  إلى الظفر  بعطف  المهاجـِـم  الناقد .

***  

*  ... إنه لا  يوجد  تشويه  للإنسان  أبشع  من أن  تحول  نفسه  إلى متحف  كئيب موحش يزدحم بالمُسلـّـمات  الغاضبة  المتوحشة ، وبالمذاهب  والعقائد  المتعصّـبة  الداعية إلى البغض والقسوة ، وبالدعاة  والقديسين  الكالحين  الذين  لم  يتحضروا، والذين صاغت  الجحيم  أخلاقهم  وبلاغتهم .

*** 

*  نحن  نفكر لنحول  أفكارنا  إلى  أسلحة  نطلقها على الأشياء  وعلى الآخرين، ونحن لا نفكر لنقتات  بأفكارنا،  فالمفكرون  لا يستهلكون أفكارهم  في الصلوات أو في ممارسة الأخلاق. إننا  نتناقض مع الأشياء ومع الناس ونحتج عليها وعليهم،

لهذا  نفكر كمعاقبين  ومحاربين لا  كمعالجين. والمفروض أن التفكير والتعبير عنه هما عملية واحدة، وهما عمليتان متلازمتان. إن الولادة عملية انفصال، وكذلك  التفكير، والذين  لا يستطيعون أن يصدروا  أفكارهم  ويحولوها  إلى أسلحة مقاتلة هل يستطيعون أن يكونوا مكانا جيدا وملائما  لإنتاج  الأفكار، والذين لا يستطيعون أن  يلدوا  هل  يمكن  أن  يحبلوا؟

*** 

*  إن الإنسان كوكب يدور حول نفسه لا  في  نفسه، وآلة تعمل من أجل نفسها في غير نفسها، وإن التفكير سوط  يضرب  به المفكر ظهور الناس وهدوءهم، فإذا  لم توجد  ظهور أو لم  يوجد  ناس  فهل يمكن أن يوجد  سوط  أو حــــــــامل  سوط -

إن التفكير طغيان يمارسه إنسان ما ضد عقول وعقائد وأفكار أخرى وضد قوم ما، فهل يحتمل أن يوجد  طاغية  ما  لم  يوجد مجتمع  يمارَسُ ضده الطغيان؟ إن  التفكير طغيان فيه كل معاني وحوافز العدوان  ولكنه طغيان كطغيان الجمال الذي يذلنا بدون أن يكون مذنبا أو ينوي أن يكون مذنبا.  ولكن أليس التفكير ينوي أن يكون مذنبا وكذا الجمال، مثلما ينوي أي طاغية أن يكون مذنبا؟ إن العملية  واحدة.طاغية أ

***

*  ... فالحرية  لا  تفقد  إلا  بوجودها،  أي لا  تفقد  من  المجتمع  إلا  بوجودها  لدى  طبقة أو طائفة  أو  طاغية ما  في  المجتمع.  إنها - أي الحرية -  لا تموت  ولكن تقتل، وقاتل الحرية  يكون هو  حرا  جدا  أي  حرا  في  التعامل ضد  الحرية وفي التعامل برذائل  الحرية.   

***

*  والمعادون للحرية الذين يريدون إكراه الناس على صواب ما، إنما يريدون إكراههم على صواب وهبتهم إياه الحرية، والذين يريدون صوابا من غير خطأ  هم كالذين يريدون اكتشافا أو حقيقة من غير تجربة، والذين يحاولون أن يمنعونا من تجربة الحرية خوفا علينا من أسباب الغواية ما مثلهم إلا  كمثل من يحرمون علينا أن نتنفس الهواء  لحمايتنا من الجراثيم  المنتشرة فيه.             

***

*  أما تحريم الحرية بكل تعبيراتها المحتجة المنذرة، وسوق المجتمع كله في طريق واحد مفروض، وصبه - أي المجتمع - في إحساس واحد متكرر، وإخفات جميع الهمسات والإحتجاجات المعارضة والناقدة، فإن هذا قد يخلق حالة خطيرة من البلادة والإستساغة والعجز والإستعداد لعبادة كل هوان، والإنحناء لكل سوط دون غضب أو معاناة، وحينئذ سوف يستسيغ الطغاة ممارسة طغيانهم والإصرار عليه والتجديد فيه دون أن يعانوا أية مكدرات أو منغصات أو أي إزعاج.

*** 

*  لعل أسوأ أعضاء الإنسان حظا أذناه، إنهما أسوأ حظا من عينيه وقدميه ويديه وكل أعضائه، إن الأذنين هما الممر الكريه الذي تمر منه كل التفاهات والوقاحات والآلام إلى الإنسان لتصب فيه بكل وحشية، إن حاسة السمع هي أفظع مستنقع في العالم تتساقط فيه جيف الكلام والأخلاق، ويتزاحم عليه أضعف ما في البشر من خبث  وقذارة وغباء ، وإن الإنسان لهو أكبر جهاز مرور في الكون – إن جميع  الأشياء الكونية والإنسانية بل والأشياء التي ليست كونية ولا إنسانية تمر بقسوة وتعذيب من خلال ذاته في صور أفكار وعواطف.

*** 

* إن الذين يَـعدون يشعرون بالسعادة حتى ولو لم يعطوا لأن الوعد نوع من الإستعلاء والكبرياء والقدرة والإمتلاك والعدوان على الآخرين، فالذي يقول: أعدك أن أفعل كأنما يقول: أنا أقدر وأفضل منك، وأنا أملك التصرف لك والتصرف ضدك. إن الذي يملك أن يعد يملك أن يوعد ويملك حرية الآخرين، إن الوعد نوع من الوعيد أو يحمل معنى الوعيد، والوعيد في معناه قوة وتفوق، أي إذا كان وعيداً يحمل معنى التنفيذ والوعي للموقف، إن الوعد ألوهية وطغيان وكبرياء. ووضع الواعد هو دائما وضع المتفوق الأقوى، لهذا يحس إذا وعد أنه يؤكد سلطانه ويعلن عن قدرته.  إن الواعد ليشعر بنشوة كلها طفولة كلما راح يلقي بوعوده على الجماهير المصدقة المنتظرة  المغلوبة.

*** 

* إن الناس جميعا في جميع ما يفعلون ويريدون ويفكرون ليسوا إلا متغذين بالناس والأشياء أو باصقين لأنفسهم أو عارضين لذواتهم، وفي عهد الطاغية يراد أن يكون الطاغية هو وحده المتغذي العارض الباصق !

* أتمنى الموت للطغيان لأني لا أطيق أن أرى الناس يصغرون ويصغرون حتى أراهم أصغر وألصق بالأرض من النمال، كما لا أطيق أن أرى رجلا واحداً يكبر ويكبر حتى يملأ كل الفضاء ويتنفس كل الهواء ويرى وحده كل الأشياء ويملك وحده كل التفكير وكل الذكاء والحب والبغض والرضا والسخط والصداقة والعداوة والمذاهب والعقائد والحق والباطل والحرب والسلام والتآمر، وحتى يصبح وحده هو كل الماضي والحاضر والمستقبل وكل شئ.

***

* إن البطل هو أسوأ وحش في التاريخ ظل يتغذى بحياة الإنسان دون أن  يموت الوحش أو يتعلم الإنسان.إن تفوق الأبطال تفوق عدواني مذل وليس مثل تفوق العلماء والمفكرين والشعراء والفنانين. إن تفوق البطل تفوق محارب قتالي يقود إلى الخراب والموت والدموع. أما تفوق العلماء والمفكرين والفنانين فالمفروض أنه تفوق يصنع نقبض ما يصنع تفوق الأبطال، صناع الحروب والعداوات والأحزان والجنون.

***

* إن البطل بطل لأن تحته منخفضا متواضعا لا لأنه  فوق  قمة ولا لأنه قمة.

***

* كم كان من الممكن أن تتقي الإنسانية كثيرا من آلامها وأمجادها الشريرة  لو أنها كانت بلا أبطال، إن البطولة نوع من الإفتراس، والبطل صورة إنسان فيها روح وحش، وحينما يسقط البطل يتبين أنه لم يكن إلا إعصارا يقتل ويهدم ويزأر عاليا دون أن يترك أو أن يكون فيهما ينفع الناس.

*** 

* لقد امتدح الناس في التاريخ الأبطال وعدوهم سماء من سموات العبقرية البشرية. ولكن البشر قد امتدحوا أيضا في التاريخ كل الرذائل والحماقات، فالتاريخ  ليس صادقا أو عادلا أو ذكيا في مدائحه وأحكامه. لقد امتدح التاريخ الحروب والقتال والقتل والسرقات والنهب والعداوة والبغضاء والغزو والإسترقاق، وامتدح الذين يستطيعون أن يقتلوا من أعدائهم ومخالفيهم في المذهب أو الوطن أو الدين أكثر، وامتدح التفاخر بأكبر الحماقات التي يخجل اليوم المتحضرون من الحديث عنها. لقد امتدح التاريخ كل ذلك وحول امتداحه له إلى شعر وفلسفة وكتب مقدسة. فامتداح التاريخ للأبطال لا يعني أن لهم قيمة إنسانية أو قيمة من أي نوع.

***

اجمالي القراءات 12139