الشبكة الجهنمية التى قتلت فرج فودة

مجدي خليل في الإثنين ٢٤ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

لعل توضيحنا  للدائرة الجهنمية التى اغتالت شهيد الكلمة والرأى الدكتور فرج فودة تفيد مصر فى محاربة الدائرة الشيطانية التى تستهدف ابنائها من سيناء إلى اعماق الصعيد،وتكون مفيدة أيضا للنظام الجديد فى تجنب الأخطاء التى وقع فيها نظام مبارك وأدت إلى توحش هذا التيار، والتى تركزت فى المزايدة الدينية الرسمية على هذا التيار من ناحية والتفرقة الوهمية بين المعتدل والمتطرف منهم من ناحية أخرى،وعلى حد قول المفكر الراحل نصر حامد ابو زيد " إن الفروق بين المعتدلين والمتطرفين فى تيار الإسلام السياسى هى فى الدرجة وليست فى النوع"..

فى عام 1991 منحت الدولة المصرية جائزة الدولة التقديرية للشيخ الراحل محمد الغزالى، واحتفت به الدولة كقائد لقوافل التوعية للمتطرفين!!،علاوة على كونه كان ضيفا دائما على التليفزيون المصرى كوجه من وجوه الاعتدال الدينى كما كان يراه صفوت الشريف!!!.

فى 8 يناير 1992 حدثت مناظرة تاريخية حول الدولة المدنية والدولة الدينية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب كان طرفاها الشيخ محمد الغزالى ومعه المرشد الأسبق لجماعة الاخوان السيد مأمون الهضيبى وثالثهما كان محمد عمارة وفى الطرف المقابل كان دكتور فرج فودة ومعه دكتور محمد احمد خلف الله،وفى هذه الندوة افحم فرج فودة مناظريه بقوة حجته  وعمق ثقافته الإسلامية وفصاحة أسلوبه وخفة ظله وهدوء اعصابه واحترام محاوريه،فى حين أن الطرف الآخر كان عصبيا متشنجا مهددا،وافصح مأمون الهضيبى عن وجهه الإرهابى قائلا "أننا تقربنا إلى الله بأعمال التنظيم الخاص للاخوان المسلمين"،أى أن القتل والإغتيالات والتفجيرات هى عنف مقدس من آجل نصرة الجماعة ومن ثم نصرة الإسلام.

كانت هذه نقطة البداية فى خطة اغتيال فرج فودة،فبعدها بأسابيع ظهر الشيخ محمد الغزالى فى برنامج "ندوة للرأى" على التليفزيون المصرى وقال بوضوح " أن من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة"،وكان فرج فودة قد الف كتابا للدعوة للعلمانية تحت عنوان " حوار حول العلمانية"،كما كان داعية جهير الصوت شجاعا فى مواجهة الدولة الدينية.

توالت بعد ذلك ردود الافعال المرتبة،فنشرت جريدة النور فى يوم 1 يونيه 1992،أى قبل اغتياله باسبوع واحد، بيانا لجبهة علماء الأزهر(ندوة علماء الأزهر وقتها) برئاسة عبد الغفار عزيز ونائبه محمود مزروعة يكفر فرج فودة تكفيرا صريحا بدعوة أنه مرتد ومن ثم يستوجب القتل، وافتى عمر عبد الرحمن بدوره بكفره ، وتوالت بعد ذلك فتاوى تكفير فرج فودة فقال وجدى غنيم " قتله هو الحل" ،وانتشرت دعاوى تكفيره وقتله فى عشرات المنابر الإسلامية المختلفة.

قبل اغتيال فرج فودة بعشرة أيام وبالتحديد فى 27 مايو 1992 قال الشيخ محمد الغزالى فى ندوة بنادى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عن د.فرج فوده وعن د. فؤاد زكريا "أنهم يرددون كلام أعداء الإسلام فى الخارج .. ربنا يهديهم ... وإن ماهداهمش .. ربنا ياخدهم"، وكانت هذه ،مع بيان ندوة علماء الأزهر، بمثابة رسالة التكليف بالقتل. وقد جاء بالفعل تكليف القتل سريعا من صفوت عبد الغنى من داخل محبسه،والذى كان مسجونا بتهمة أغتيال دكتور رفعت المحجوب،ونقل محامية للقتلة التكليف وبدأ فى تنفيذه.

فى يوم الأثنين 8 يونيه 1992 تحرك المتهمان عبد الشافى رمضان واشرف السعيد بتكليف من محامى صفوت عبد الغنى واستقلا دراجة بخارية بعد أن جهز لهم الأسلحة والذخائر إرهابى آخر وهو ابو العلا عبد ربه،وفى السادسة من مساء ذلك اليوم سالت الدماء الطاهرة للشهيد فرج فودة أمام الجمعية المصرية للتنوير التى أسسها فى مصر الجديدة ، وكانت هذه بمثابة رسالة واضحة للعالم كله أنه دفع حياته ثمنا لرسالته التنويرية فى بلد يعج بالظلامية والتكفير والإرهاب. فى نفس اليوم خرج مأمون الهضيى متحدثا لإذاعة الكويت ومهللا وشامتا فى مقتله،ونشرت الجماعة الإسلامية بيانا تقر فيه بمسئوليتها عن مقتله وأنها قتلته تطبيقا لفتوى العلماء.

هرب عبد الغفار عزيز إلى الكويت بعد استشهاد فرج فودة فاستدعت المحكمة نائبه محمود المزروعى للشهادة فقال أمام المحكمة أن "فرج فودة مرتد باجماع المسلمين ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده،وهو مستوجب القتل". وتطوع محمد الغزالى من تلقاء نفسه وذهب للشهادة لكى يحاكم القتيل ويساند القتلة وقال فى شهادته " أنهم قتلوا شخصا مباح الدم ومرتد وهو مستحق القتل،وقد اسقطوا الأثم الشرعى عن كاهل الأمة،وأن تجاوزهم الوحيد هو الأفتئات على الحاكم،ولا توجد عقوبة فى الإسلام للأفتئات على الحاكم. إن بقاء المرتد فى المجتمع يكون بمثابة جرثومة تنفث سمومها بحض الناس على ترك الإسلام،فيجب على الحاكم أن يقتله،وإن لم يفعل يكون ذلك من واجب آحاد الناس". ولم يكتفى محمد الغزالى بذلك بل نشر بيانا مساندا لمحمود المزروعى وقع عليه وقتها من الشيوخ المعروفين محمد الغزالى ومحمد متولى الشعراوى ومحمد عمارة،وذلك قبل أن يهرب المزروعى هو الآخر للسعودية بعد عملية القتل بشهرين.

حكمت المحكمة باعدام المتهمين الاول والثانى والحكم بالسجن المؤبد على المتهم الثالث ابو العلا عبد ربه،وجاء محمد مرسى وافرج  عنه مع العديد من الإرهابيين والسفاحين والقتلة الذين افرج عنهم مرسى بعفو رئاسى خاص.

لم تكتفى الدولة بخطأها الجسيم بعدم حماية المرحوم فرج فودة فحسب فى وقت كان محاطا بالخطر من جميع الاتجاهات،بل أنها ظلت تحتفى بمحمد الغزالى  فى منابرها وفى عضوية مجمع البحوث الإسلامية حتى رحيله عام 1996،وكذلك منع التليفزيون الرسمى الإعلان عن فيلم الإرهابى الذى كان إعلانه يظهر الفنان محمد الدفراوى وهو يسقط صريعا  تحت رصاص الإرهاب، حيث جسد فى الفيلم دور المرحوم فرج فودة.

أما الشيخ محمد الغزالى فواصل تكفيره بعد ذلك ونشر فى عموده بصحيفة الشعب مقالا عن المفكر الإسلامى الكبير المستشار محمد سعيد العشماوى متهما اياه بأنه يدعو للشذوذ واللواط،متسائلا هل يحتاج شخص مثل هذا إلى فتوى لتكفيره؟،اى أنه كافر مستحق القتل بدون فتوى!!!

الجدير بالذكر أن الشيخ محمد الغزالى كان من الرعيل الأول لمؤسسى جماعة الاخوان المسلمين،وكان عضوا بمكتب الإرشاد فى وقت مرشدها الثانى حسن الهضيبى ثم اختلف مع الهضيبى وقتها وانضم للتنظم الخاص للجماعة وفقا لما نقله أمين المهدى عن الكاتب الإسلامى خالد محمد خالد.

مما هو جدير بالذكر أيضا أن محمد الغزالى، كما حدث مع تلميذه القرضاوى بعد ذلك، سافر لقطر لمدة خمس سنوات،ثم سافر مع تلميذه القرضاوى لتأسيس الجامعة الإسلامية بالجزائر والتدريس بها،وهو ومعه القرضاوى يعتبرا الأباء الروحيين للإرهاب فى الجزائر والذى حصد أكثر من مائتى الف نسمة فى تسعينات القرن الماضى.

ورحل الغزالى وورثه تلميذه القرضاوى فى مجمع البحوث الإسلامية وفى نشر التطرف والإرهاب، بعد أن نعاه فى احد كتبه" الشيخ محمد الغزالى كما عرفته"، وواصل القرضاوى ما بدأه استاذه وتفوق عليه فى التكفير والتخريب والتحريض بفضل الاموال الطائلة التى وفرتها له قطر ومنبر الجزيرة الذى يصل لعشرات الملايين.

إن نفس الوجوه ونفس الشبكة الجهنمية التى افتت وخططت ونفذت وباركت قتل فرج فودة،سواء كانت من شيوخ رسميين أو إسلاميين من مختلف الاطياف، هى نفسها تقريبا التى تخطط وتمول وتنفذ وتفتى حاليا بقتل جنودنا وضباطنا وابنائنا فى كل مكان فى مصر:القرضاوى خليفة الغزالى،جبهة علماء الأزهر، التنظيم الدولى للاخوان ،وجدى غنيم..............وكل من على شاكلتهم.

فهل نستفيد من دروس اغتيال فرج فودة؟ أم أن  عصب الدولة المصرية يحمل الكثير من فيروسات التطرف والتعصب والتخلف داخله ومن ثم سنستمر ندور ونلف فى تلك الحلقة الجهنمية من التطرف والعنف والإرهاب؟.

Magdi.khalil@hotmail.com

اجمالي القراءات 12536