حكايتنا مع الغرب

كمال غبريال في الخميس ٢٠ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

حكايتنا مع الغرب

 
يشيع الآن في مصر، علاوة على أغلب شعوب المنطقة العربية، حديث المؤامرة الغربية لضرب البلاد وإضعافها، ويأخذ الحديث في مصر تحديداً أكثر، بأن الغرب يسعى لتسليمها لجماعة الإخوان المسلمين، ولذلك الحديث ما يبرره، مما نراه الآن بالفعل من موقف إدارات الدول الغربية، مما يعد تحالفاً مع هذه الجماعة الأم لكل تنظيمات الإرهاب في العالم. وإذا كان هذا بالفعل ما يريده لنا الغرب الآن،ـ فإن استرجاعنا لحقائق تاريخ المنطقة منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، لابد وأن يغير من نظرتنا إلى حقيقة موقف الغرب منا بصورة عامة، كما قد يقربنا أكثر من فهم وتفهم طبيعة العلاقات، المفترض أن تكون بيننا وبين الغرب في المستقبل.
أرادت الولايات المتحدة انتشال الشرق الأوسط من تخلفه، عن طريق "حلف بغداد" في الخمسينات، كما حدث وفعل "مشروع مارشال" و"حلف الناتو" في أوروبا، بعد دمار الحرب العالمية الثانية. وليكون أيضاً حائط صد ضد التمدد الشيوعي في الشرق الأوسط،. لكننا نحن وزعيم أمتنا العربية عبد الناصر، من أفشلنا هذا المشروع. ومن يومها لم تنقطع محاولات الغرب الأخذ بيد شعوب هذه المنطقة دون جدوى، وقد أمسكت بخناقها النظم الثورية، التي باعت للشعوب الشعارات الاشتراكية، وداست مقابل ذلك على رقابها، فتدهورت أحوالها الاقتصادية والاجتماعية، بالطبع بجانب الاستبداد السياسي، والحكم القمعي البوليسي. وقد تم كل هذا في ظل رفع شعارات "محاربة الاستعمار" و"الصهيونية العالمية" و"الهيمنة الأمريكية".
حتى ظهر الإرهاب المتأسلم، وشرع الغرب في محاربته بعد 11 سبتمبر 2001، فيما استمرت شعوب المنطقة في إنتاج المزيد من الإرهاب والإرهابيين. وربما كانت آخر محاولة غربية للأخذ بيد شعوبنا، هي مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي قدمته كوندليزا رايس عام 2004، والذي استقبله أشاوسنا بالنباح والشجب والتنديد، باعتباره مؤامرة صهيوأمريكية على الأمة العربية والإسلامية. ومع تعثر أو تعذر القضاء النهائي المبرم على الإرهاب في أفغانستان وباكستان، مع ما نتج عما سماه العالم "الربيع العربي"، من وضوح اختيار الشعوب لتيار التأسلم السياسي، لم يجد الغرب بداً من الانتقال من "استراتيجية محاربة الإرهاب" إلى "استراتيجية إدارة الإرهاب"، وتقضي بتسهيل تسليم دول وشعوب المنطقة، إلى ما بدا وكأنه أقل التنظيمات والأيديولوجيات التي أنتجتها هذه الشعوب خطورة، وأكثرها من وجهة النظر الغربية مرونة واستعداداً للتفاهم، وهي جماعة الإخوان المسلمين. بأن تتيح لها الفرصة لتحقيق حلم جميع الجماعات الإرهابية بخلافة إسلامية، مقابل أن تتولى "دولة الخلافة" هذه السيطرة على جماعات العنف والإرهاب. الأمر هكذا أشبه بفرض حصار على مدينة موبوءة، لتواجه المصير الذي اختارته لنفسها، أو لتنهي نفسها بنفسها، بأن يأخذ الوباء في التصاعد بداخلها إلى نهايته القصوى، ثم لا يلبث تلقائياً أن ينحسر، ليس عن المنطقة وحسب، ولكن عن العالم أجمع.
ما حدث في مصر أن هذه الخطة أكلمت بالكاد عامها الأول، لينقلب عليها الشعب المصري، في مفجأة أذهلت المصريين أنفسهم، قبل أن تذهل العالم. وأوقعت العالم الغربي في ورطة وحيرة من أمره. فهذا الانقلاب الشعبي المفاجئ على خياره، الذي بدا منذ عام أو أكثر ديموقراطياً، باكتساح الأحزاب الدينية للانتخابات التشريعية، ثم نجاح المرشح الرئاسي للإخوان المسلمين، شاب هذا الانقلاب شبهة تدخل الجيش لتخليص الشعب الثائر من يد عصابة الإخوان، وهو ما يصنف في مفاهيم العلوم السياسية بأنه انقلاب عسكري.
يلزمنا جميعاً مصريون وغربيون، بعضاً من الوقت، تتضح خلاله حقيقة ما حدث في مصر. فالوقت وتداعيات الأمور وحدها هي التي سوف تقرر، إن كان الشعب المصري بالفعل قد "طلق" جماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجيتها طلاقاً نهائياً لا رجعة فيه، وينتوي بعد ذلك على السير في طريق تأسيس دولة علمانية حديثة. أم أن غضبته على الإخوان كانت وقتية وسطحية، وأن حركة 30 يونيو- 3 يوليو لم تتعد نزع السلطة من الإخوان لتسليمها للمؤسسة العسكرية، لتعود الأمور كما كانت أيام مبارك، مجموعة تمسك بالسلطة، و"الجماعة المحظورة" ومعها "السلفيون" يتوغلون في الشارع.
    
 
Kamal Ghobrial
اجمالي القراءات 8759