الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )
الفصل الأول : (قل ) فى القرآن الكريم تعنى ( يقول الله رب العالمين )

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٣ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم  

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

 الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )

الفصل الأول : (قل ) فى القرآن الكريم تعنى ( يقول الله رب العالمين )

مقدمة

1 ـ يمكن القول بأن الخطاب القرآنى ينقسم الى نوعين ، يأتى أحدهما مسبوقا بكلمة ( قل ) ويأتى الآخر بدونها. وفيهما معا تأتى الدعوة الاصلاحية القرآنية تخاطب الناس وطوائفهم . كان ممكنا أن يكتفى رب العزة بتقرير حقائق الاسلام ودعوته الاصلاحية بدون ( قل ) ولكن إستعمال ( قل ) يؤكد أنه ليس للرسول عليه السلام أقوال سوى هذه الأقوال المأمور لأن يقولها ، والتى  لا تغطى فقط كل ما يحتاجه المؤمن فى الهداية ، ولكن أيضا يتم تكرارها مرة ومرات طبقا للمنهج القرآنى ( المثانى ) الذى يكرر الحقائق للتذكير وللتأكيد . ومع الأخذ فى الاعتبار أنه عليه السلام لم يكن بوسعه ان يتقوّل على الله، فإنه لا مجال على الاطلاق لأى قول فى الاسلام خارج القرآن الكريم ، وأن كل الأقوال التى يحتاجها المؤمن وكل الأقوال التى كان يحتاجها النبى فى حياته هى موجودة ومكررة ومؤكدة فى القرآن الكريم بكلمة ( قُل ).

2 ـ وفى هذا الباب عن المنهج القرآنى فى إستعمال كلمة ( قل ) سنتعرض فى فصول قادمة عن التكرار كوسيلة للإصلاح باستعمال ( قل ) ، ولكننا هنا نتوقفمع معنى كلمة ( قل ) فى القرآن الكريم .

أولا : ( قل ) بمعنى : ( يقول الله جل وعلا ):

1 ـ نؤكّد دائما أن للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة الى لا يمكن فهمه بدون التعرف عليها من داخل القرآن نفسه . وقلنا كثيرا فى أُسُس البحث القرآنى أنه لا بد من فهم مصطلحات القرآن من داخل القرآن وليس من قواميس اللغة العربية التى تختلف عن القرآن الكريم وأيضا تختلف فيما بينها .

2 ـ وقلنا إن للقرآن الكريم قواعده ( النحوية ) الخاصة به والتى لم يدركها كلها علماء النحو واللغة فى العصر العباسى. وقد يأتى وقت لتفصيل ذلك فى بحث مستقل. يهمنا فى هذا البحث هو ما يتصل بكلمة ( قل ) التى جعلها النحويون فعل أمر فقط . وهى ليست كذلك فى القرآن الكريم ، إذ تأتى بمعنى ( يقول ) أى يقول الله جل وعلا . إنّ المفهوم الشائع أن ( قل ) تأتى ( أمرا ) للنبى بأن يقولوا كذا ، أى تكون (قل ) منفصلة عن القول الذى يأتى بعدها . ولقد فهم القذافى هذا فأعلن ضمن شطحاته حذف كلمة ( قل ) من القرآن . الذى لم يفهمه القذافى أن كلمة ( قل ) هى أصل فى القرآن ، وأنها ليست مثل ( قل ) فى كلام البشر . لأنها ( قل ) فى كلام الرحمن الذى علّم القرآن ، وأنها تعنى :( يقول الله جل وعلا )، وفى كل الأحوال تأتى تأكيدا لحقائق قرآنية قالها الرحمن فى القرآن بدون ( قل )، ثم يأتى تأكيدها فى القرآن بكلمة (قل ) أى ( يقول الله جل وعلا) . ونعطى أمثلة توضيحية :

3 ـ مثلا : يقول جل وعلا ( وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) النحل ) .  هنا ( قال الله ) ، وهو نفس المعنى الذى جاء بعد كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)الاخلاص ). أى إن ( قال ) فى سورة النحل هى ( قل ) فى سورة الاخلاص . والمعنى الجامع بينهما ( يقول الله جل وعلا ).

4 ـ فى الأمر ( بقول ) شىء فمعنى ( قل ) هو ( يقول الله جل وعلا أن تقول كذا ) . مثلا ، هناك أوامر للنبى والمؤمنين بأن يقولوا أو أن يعلنوا إخلاص إيمانهم بالله جل وعلا وحده : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام). هنا أمر على النبى أن يمتثل له وأن يقوله خاشعا ، وهو يعى أن هذا هو ( قول الله جل وعلا له ). وعلى كل مؤمن أن يقوله فى قلبه وبلسانه فى مناجاته لربه جل وعلا وفى دعائه ، وهو يعى خاشعا أن هذا هو ( قول الرحمن له ) ، أى أن كلمة ( قل ) يعيها فى قلبه أنها أمر الاهى له ، وهو ينفّذ هذا الأمر بقول الآية كاملة بكلمة ( قل ) فيها ، وحين يقولها يدرك أنها خطاب مباشر له من رب العزة جل وعلا ، وأن هذا الخطاب المباشر حين يقرأ الآية الكريمة فى الصلاة وفى المناجاة مع الله تعالى تؤكد أنه لا واسطة بين الله جل وعلا وعباده المؤمنين ، وهذا يؤكّد معنى ( الصلاة ) أى إنها ( صلة ) متجددة بالله جل وعلا ، وتؤكّد معنى ( الذكر ) سواء كان معنى الذكر هو القرآن بما فيه من كلمة ( قل ) أو التفكّر فى آلاء الله جل وعلا . بإيجاز ، هى تعنى  : يقول لك رب العزة أن تقول ( قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ).  

5 ـ وفى الأمر بقول شىء تأتى كلمة ( قل ) وتعنى ( يقول الله جل وعلا أن تقولوا كذا ) . مثلا  : يقول جل وعلا : ( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )( الاسراء 53 ). هنا أمر من رب العزة للرسول أن يقول لعباد الرحمن أن يقولوا أحسن القول . أى أن يقول لهم قولوا التى هى أحسن . ولكنه عليه السلام لن يقول هكذا ، بل سيقرأ لهم الآية . وبها يكون المعنى إن الله جل وعلا يأمر عباده أن يقولوا التى هى أحسن . وبالتالى فمعنى ( قل ) هنا هو : ( يقول الله جل وعلا لعباده أن يقولوا التى هى أحسن )

6 ـ وفى الأمر بفعل شىء تأتى كلمة ( قل ) وتعنى أنه جل وعلا يقول لهم أن تفعلوا كذا ، يقول جل وعلا : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّإِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَو..)( 31 ) النور ) هنا أمر للرسول عليه السلام، أن يأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر والتمسّك بالعفّة . وهو فى هذا الأمر يقرأ لهم الآية ، لأن الأمر أصلا من رب العزة ، وهو جل وعلا صاحب الشرع ، ومن هنا تأتى ( طاعة الله وطاعة الرسول ) ، فالطاعة لواحد فقط ، هو الله جل وعلا فى كتابه الذى ينطق به رسوله ، أى طاعة للرسول أى الرسالة الالهية . وقد فصّلنا هذا فى كتاب ( القرآن وكفى ). وبالتالى فمعنى ( قل ) هنا هو ( يقول الله جل وعلا للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..ويقول جل وعلا للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) .

ونفس المعنى  فى كلمة ( قل ) فى قوله جل وعلا  ( قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ  ) ( ابراهيم 31 )، فالمعنى ( يقول الله جل وعلا لعباده الذين آمنوا أن يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم ..

7 ـ  من هنا نفهم قوله جل وعلا : ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) 10 الزمر ). الفهم السطحى لكلمة ( قل ) هنا يجعلنا فى مأزق . كيف سيقول النبى للناس (يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ )؟ هل هم عباد النبى أم عباد الرحمن جل وعلا ؟ .أى إن المعنى الوحيد لكلمة ( قل ) هنا هو ( يقول الله جل وعلا : يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ..)

ونفس الحال فى نفس السورة : (  قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ  ) ( الزمر53 : 59  ). هذا كله يعنى ( يقول الله جل وعلا : يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ  )

ثانيا : لماذا تأتى ( قل ) الالهية القرآنية بمعنى ( يقول الله جل وعلا ):

1 ـ الملائكة هم جنود الرحمن ، ومنهم مختصّون بأمور البشر . يأتيهم الأمر من الله جل وعلا فينفذونه ، مثل كتابة أعمال البشر وكل فرد فينا . هذا يقوم به على مستوى الفرد إثنان من الملائكة : رقيب وعتيد ، يسجلان ويكتبان ما يتلفظ به الفرد : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ). وعلى المستوى العام للبشر جميعا هناك ملائكة مُخصّصون ، إختصّهم الله جل وعلا بكتابة الأعمال : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار). ولهذا فإنّ كتابة الأعمال تأتى أحيانا منسوبة للملائكة المُخصّصين بها : ( إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس)( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف ). وتأتى حينا منسوبة لرب العزّة جل وعلا صاحب الأمر : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ (81) النساء )، هنا يقول جل وعلا (وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ )، أى يأمر بكتابة ما يقولون . وهو نفس الحال فى الشفاعة يوم القيامة ،وقد شرحنا هذا فى كتاب الشفاعة .

2 ـ وهو نفس الحال فى الوحى بالرسالات السماوية . ومنها الوحى القرآنى . يقول جل وعلا عن القرآن الكريم : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ). أى هو كلام رب العالمين ، أو ( قول رب العالمين ) أو تنزيل رب العالمين ، ونزل به الى الأرض الروح الأمين ( جبريل ) على (قلب ) أو ( نفس ) خاتم النبيين بلسان عربى مبين . هذا الروح الأمين هو جبريل عليه السلام : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) البقرة ) ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل ). وبالتالى فإنّ ( القول القرآنى ) هو ( قول الاهى ربانى ، يأتى أحيانا بكلمة (قل ) أى ( يقول الله جل وعلا ) ويأنى أحيانا بدونها للتأكيد والتكرار والتذكير .

ولأنّ هذا القول القرآنى نزل به جبريل ، فهو يأتى أيضا منسوبا لجبريل الرسول الكريم صاحب القوة عند رب العزة صاحب العرش العظيم المكين : يقول جل وعلا عن جبريل : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير) ثم يقول عن خاتم المرسلين الذى نزل على قلبه القول الالهى :( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)التكوير) . ويقول جل وعلا عن رؤية خاتم المرسلين لجبريل :( وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (23) التكوير) .

وما جاء هنا فى سورة التكوير عن جبريل والوحى القرآنى شرحته سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) النجم ) خاتم المرسلين هو المقصود بقوله جل وعلا : ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)) أى ما ضلّ صاحبكم وما غوى حين قرأ عليكم وحى القرآن ، لأنه هنا لا ينطق عن هواه وإنما بالقول الالهى الذى تعلمه من جبريل حين رأى جبريل بالأفق الأعلى ، وتم التلاقى بين مخلوق بشرى ومخلوق سماوى ، وبإلتقائهما تم تنزيل القرآن الكريم مرة واحدة فى قلب النبى عليه السلام :( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)).  

وكما جاء ( القول ) القرآنى منسوبا لجبريل الذى نزل به على خاتم المرسلين ، فهو ( اى القول القرآنى ) يأتى أيضا منسوبا للرسول الكريم محمد عليه السلام لأنه هو الذى قرأه لأول مرة بلسانه البشرى . يقول جل وعلا عن خاتم المرسلين فى الرد على إتهامات المشركين له بأنه شاعر وكاهن : ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) الحاقة ) ويقول جل وعلا عن القرآن القول الالهى أنه تنزيل من رب العالمين : ( تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) ) الحاقة ) . وأنّ محمدا لا يستطيع أن يتقول على الله جل وعلا  شيئا ، ولو فعل لأهلكه الله جل وعلا : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) الحاقة ) ثم يختم الله جل وعلا السورة بقوله جل وعلا عن القرآن الكريم وموقف المتقين والكافرين منه : ( وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) الحاقة ).

3 ـ وطالما أن القرآن قول رسول كريم ( جبريل / محمد ) وأنه تنزيل رب العالمين أو فى الأصل (قول رب العالمين ) فإن كلمة ( قل ) هى كلمة الاهية تعنى ( يقول الله جل وعلا ). وهى تكرّر وتؤكّد ما جاء فى القرآن الكريم ، لتؤكد أيضا أن كل أقوال الرسول هى فى القرآن فقط ، ويستحيل أن يتقوّل قولا من عنده أو من هواه . لذا كانت دعوة الاسلام القرآنية الاصلاحية تشمل النبى نفسه تأمره وتنهاه وتلومه وتؤنبه ، وتقول له ( قل ) و ( لا تقل كذا ) . وقام عليه السلام بتبليغ الرسالة كاملة بما فيها من تأنيب ولوم له عليه السلام . ومات عليه السلام بعد تبليغ القرآن وإكتمال الاسلام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ) ( 3 ) المائدة ).

أخيرا :

هذا هو إيماننا أهل القرآن ؛ إنه عليه السلام بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة بتبليغ القرآن بلا زيادة ولا نُقصان . أما من يكفرون بالرسول عليه السلام فيزعمون أنه ترك جزءا من الاسلام دون تبليغ ، وأسموا هذا الجزء ( السُّنّة ) ، ويزعمون أنه تركها شيئا هُلاميا ليكتبها العصر العباسى بأئمة يختلفون فيها ، وكلما جاء إمام منهم أضاف أحاديث عمّا قبله حتى أصبحت بعد قرون من موته عليه السلام حرفة لآلاف النصّابين الذين إخترعوا أحاديث بالملايين . عليهم لعنة الله أجمعين .

اجمالي القراءات 43826