ولعل ابرز دليل على محاولة حركة الإخوان المسلمين إحتكار الدين بإضفاءالقدسية على نفسها،
مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ 5

محمد صادق في الجمعة ٣١ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ  5

الجزء الخامس

بعد قيام ثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر، تظاهرت الحركة بتأييد الثورة فى بداية الأمر ظنا منها أنه يمكن لها أن تحتويها ةتستغلها لمآربها السلطوية، ولكنها سرعان ما أخذت فى معاداتها ومحاربتها عندما رفعت الثورة العربية فى مصر بقيادة جمال عبد الناصر شعارات القومية العربية، ومحاربة الإقطاع والإصلاح الزراعى  وإذابة الفوارق اإجتماعية بين الطبقات، حتى وصل بها الأمر إلى محاولة إغتيال جمال عبد الناصر فى عام 1954، حيث أطلق عليه أحد أعضاء حزب ما يسمى بالإخوان المسلمين النار، عندما كان الزعيم عبد الناصر يلقى خطابا فى الإسكندرية.

وإثر إنكشاف أوراقها أمام جماهير مصر العربية وزعامتها الوطنية، نقلت حركة ما يسمى بالإخوان المسلمين مركزها إلى سويسرا، حيث أخذت تتلقى العون المادى والمعنوى المباشر من المخابرات المركزية الأمريكية ومن معظم الأنظمة العربية الرجعية.

وقد تمكنت بفضل هذا العون الذى حصلت عليه من القوى الإستعمارية فى الغرب أن تعيد بناء نفسها من جديد داخل مصر بقيادة سيد قطب خلال النصف الأول من الستينات، وأعدت خطة للإستيلاء على السلطة عن طريق العنف والقوة المتمثلة فى عمليات الإغتيال وتفجير المرافق الحكومية والأماكن الشعبية المكتظة بالناس لإحداث إضطراب فى البلاد. إلا أن مخططاتها قد كشفت فى الوقت المناسب بفضل وعى أبناء الشعب العربى فى مصر وتماسكه حول قيادته الوطنية. وتبرر حركة ما يسمى بالإخوان المسلمين إستخدامها لأسلوب الإرهاب والتفجير والتدمير مستندة إلى أطروحتها وتفسيراتهاالخاطئة والمتعمدة لمبدأ الجهاد ضد المشركين والكفار، حيث تصنف هذه الحركة كل الذين يناوئونها من المسلمين والعرب منهم خاصة على أنهم كفار يجب الجهاد ضدهم.

وإذا كان مجرد التسمية " الإخوان المسلمون " يدل دلالة واضحة على منطق التمييز العنصرى القائم على أساس الإنتماء الدينى، وإذا كان الشكل التنظيمى لهذا الحزب يؤكد سعيه إلى الإستيلاء على السلطة تحت ستاردينى صرف، فإنه ما برح من ناحية أخرى وفى كل البلدان التى إنتقلت إليها عدواه، يعمل على ترسيخ مفاهيم خاطئة تشوه الدين الإسلامى ، وتقدمه للآخرين على اساس أنه دين التزمت الدينى والفوارق الإجتماعية الصارخة والإنكفاء وعدم القدرة على مسايرة ركب الحضارة الإنسانية.

كذلك يهدف هذا التنظيم إلى طمس كل المعالم الحضارية العربية ودور العرب المسلمين فى نشر الدين الإسلامى، بحجة إنصهار العرب وذوبانهم فى الشعوب والقوميات والأمم الإسلامية الأخرى، والمناداة الزائفة بالأممية الإسلامية بُغية إضعاف عوامل القومية العربية ودوره فى تماسك وتقوية وحدتهم.

أما الأخطر من ذلك كله، فهو أن حركة ما يسمى بالإخوان المسلمين تقوم بإحتكار الدين وإستغلاله، للوصول عن طريقه إلى مقاصدها الدنيوية المتمثلة فى الإستيلاء على السلطة. وهى تقوم بهذه الممارسات عبر سُبل وأساليب مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر، إضفاء القدسية على نفسها، حيث يطلق أعضاؤها على أنفسهم " جند الله " و " حزب الله " وما إلى ذلك من التسميات البعيدة عن حقيقتهم.. مدَّعين بأن الإسلام الحقيقى هو ما يطرحه الإخوان المسلمون، أما غير ذلك فكفر وجاهلية. لذلك فإنهم حاولوا إضفاء القدسية على اقوالهم وأفعالهم ونشاطاتهم السياسية فلم يتورعوا من تكفير كل من يعارض نشاطاتهم أو ينقدها.

ولعل ابرز دليل على محاولة حركة الإخوان المسلمين إحتكار الدين بإضفاءالقدسية على نفسها، هو ما أفتى به قادتها عندما قامت حكومة النقراشى فى مصر فى أواخر الأربعينات بحل حزب الإخوان المسلمين على اساس أنه يعد العُدة للإستيلاء على السلطة بالقوة والعنف. فقد أفتت قيادة الإخوان المسلمين آنذاك بأن " حل الجماعة يوازى إغلاق أبواب مساجد مصر بأجمعها وأن حكومة النقراشى وأتباعها كفرة ويجب الجهاد ضدهم.

وهكذا فإن حركة ما يسمى بالإخوان المسلمين بأسلوب تنظيمها السرى وبوسائلها الإرهابية، هى حركة سياسية دنيوية تسعى إلى السلطة تحت شعارات دينية هى فى واقع الأمر بعيدة عن مبادئ الدين الإسلامى وجوهره. فالإسلام لا يتناقض مع القومية العربية. ولا مع الوحدة العربية والإشتراكية. وفضلا عن ذلك كله لأن الإسلام لا يُقر إحتكار الدين وأسلوب العمل السرى الذى يليق بالتنظيمات الماسونية والتنظيمات السياسية الفئوية الهادفة إلى الإستيلاء على السلطة والتحكم فى الجماهير بإستخدام جميع الوسائل والأساليب. كما أن الإسلام لا يقر أسلوب الإغتيالات والتفجيرات ، فالقرءان الكريم يقول:

 " فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ " الحجر94، وهو الذى يقول "  وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " (سورة النحل 125 ، ويقول أيضا : "  وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " (سورة الشورى 38

فأين أتباع ما يسمى بحركة الإخوان المسلمين من كل التعاليم والمبادئ القرءآنية الواضحة الصريحة، واين هؤلاء من الإسلام كما أنزله الله وأمر به؟

أما حزب التحرير الإسلامى فشأنه شأن حركة الإخوان المسلمين، نشأ فى كنف الرجعية العربية ودوائر المخابرات البريطانية. فهذا الحزب المشبوه الذى تأسس فى عام 1948 على يد المدعو النبهانى ينادى بأفكار غريبة هدفها محاربة القومية العربية والوحدة العربية. ولعل أخطر ما يهدف إليه هذا الحزب هو إبطال فريضة الجهاد ضد الإستعمار والصهيونية، حيث يقول إنه بعد أن يتوحد المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها ويختاروا خليفة لهم، فإن الخليفة وحده يستطيع حينئذ إعلان الجهاد.

 ولا شك أن هذه الأفكار الغريبة المدسوسة ترمى إلى منع الأمة العربية من الكفاح ضد الذين يستهدفون إحتلال أراضيها وإستنزاف ثرواتها. فكم من الوقت ينبغى على الأمة العربية أن تنتظرحتى يتوحد المسلمون ويختاروا خليفة ويعلنوا الجهاد ضد الصهيونية لتحرير فلسطين؟

وتعتبر أفكارحزب التحرير الإسلامى هذه حول الجهاد فى الإسلام، إمتدادا للأفكار التى كان يبثها حول نفس المسألة، المذهب القضيانى الذى أُسس فى إقليم البنجاب بالهند، حيث الأغلبية المسلمة، وكان المدعو " ميروا غلام أحمد القضيانى " هو الذى قام بتأسيس هذا المذهب بتشجيع خبيث وتخطيط مدروس من الإنجليز الذين كانوا يسعون إلى تمزيق المسلمين الهنود حتى لا يقاوموا الإستعمار البريطانى.

فالجهاد فى المذهب القضيانى المذكور ليس إستخدام القوة والحرب ضد اعداء الإسلام، وإنما هو وسيلة سلمية للإقناع والتحاور بالتى هى أحسن حتى عندما يكون المستعمر يحتل الأرض ويسيطر على مقدرات البلاد السياسة والإقتصادية، وما يسمى بحزب التحريرالإسلامى. فقد حذا هذا الإتجاه فى التعامل مع الإستعمار وفى النظرة المختلفة للمسلمين الذين هم خارج هذا الحزب.

إن النتيجة التى يمكن أن يخرج بها المسلم من جملة تاريخ هذه الحركات والأحزاب الدينية المتطرفة، هى أن المذاهب الإسلامية والأحزاب التى تتستر بشعارات دينية ، هى شكل من أشكال إحتكار الدين لصالح فئة تحاول أن تُضفى على نفسها وأقوالها وأفعالها نوعا من القدسية الزائفة، زاعمة أنها الوحيدة المؤهلة للنظر فى القضايا الدينية والإفتاء والبت فيها.

وبالإضافة إلى ذلك فإن المذهبية والحزبية هى إبتعاد عن القرءان الكريم وتمسك بالقشور، فضلا عن أنها مناقضة لمبادئ الدين الإسلامى، حيث يشير القرءان إلى أن التحزب والتشيع والتمذهب هى من أعمال المشركين، وينذر المتحزبين والمتشيعين بعذاب أليم.

من هنا فإن أسلوب الحكم الوحيد الذى يقره الدين الإسلامى هو حكم الشورى، بحيث يحكم الشعب نفسه بنفسِه عن طريق التشاور والتحاور من دون تسلط أحد عليه. وغير هذا الأسلوب فى الحكم لا وجود له فى القرءان الكريم. أما المرجع الوحيد للمسلمين لمعرفة أمور دينهم فهو فى القرءان الكريم . . . ولا شئ سواه.

نكتفى بهذا القدر ونلتقى إن شاء الله تعالى مع الجزء السادس بإذن الله السميع العليم....

المراجع:

القرءان الكريم،

مذكرات الدكتور أحمد صبحى منصور،

معالم فى الطريق .. سيد قطب،

مذكرات الدعوة والداعية.. حسن البنا،

دعوتنا... حسن البنا.

اجمالي القراءات 12785