وداعا دكتور سليم نجيب (13 نوفمبر 1933-5 يناير 2014)

مجدي خليل في الأربعاء ١٥ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

وداعا دكتور سليم نجيب(13 نوفمبر 1933-5 يناير 2014)

 

يعز عليى أن أنعى للشعب القبطى فى كل العالم رحيل المناضل الحقوقى الكبير الدكتور سليم نجيب الذى رحل عن عالمنا الفانى إلى السماء فى الرابعة مساء يوم 5 يناير 2014 . يعتبر الدكتور سليم هو رائد العمل القبطى الحقوقى فى المهجر والآب الروحى للحركة القبطية فى الخارج ، حيث أسس أول منظمة حقوقية،وهى الهيئة القبطية الكندية  فى 2 فبراير عام 1969،وشارك بعد ذلك مع رفيق كفاحه الدكتور شوقى كراس رحلة العمل النضالى حتى رحيل الدكتور شوقى كراس للسماء عام 2003. ساهم الدكتور سليم نجيب كذلك فى المشاركة فى تأسيس أو تشجيع معظم المنظمات الحقوقية القبطية فى المهجر. فبعد مناقشته لرسالة الدكتوراة الثانية فى العلوم السياسية عام 1992 والتى كانت عن حقوق الأقباط،أسس فى نفس العام المنظمة القبطية الفرنسية كأول منظمة حقوقية قبطية فى اوروبا كلها ، وتم اختيار الدكتور البير خزام  وقتها لرئاستها والدكتور مجدى سامى زكى نائبا للرئيس، واستمر دكتور سليم مشاركا فى تأسيس المنظمات فى أمريكا وكندا واستراليا حتى منظمة التضامن القبطى،كبرى المنظمات الحقوقية فى المهجر حاليا،إذا شارك كعضو مؤسس فيها من البداية.  بل أن فكرة منظمة التضامن القبطى نفسها خرجت من مؤتمر مونتريال الذى عقد فى 2006 برعاية الدكتور سليم نجيب، وقد كرمته المنظمة فى مؤتمرها السنوى فى الكونجرس فى عام 2012 بمنحه هو والدكتور شوقى كراس جائزة الريادة فى العمل الحقوقى القبطى فى المهجر. كما شارك فى دعم منتدى الشرق الأوسط للحريات وظل فى مجلس مستشاريه حتى رحيله. وبرحيله يكون الدكتور سليم قد أنضم لكوكبة من المناضلين الكبار من آجل الحقوق العادلة والمتساوية لكل المصريين أمثال القمص بيشوى كامل وانطون سيدهم وشوقى كراس وعدلى أبادير وغيرهم من غير المعروفين لدى العامة مثل رمسيس جبراوى،ومكين مرقص ورائف مرقص وحكيم سرجيوس ومراد سليمان وناجى خير وايهاب زكى وسمير عوض الله والقمص انطونيوس حنين وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم، فلم يذل الحرص أعناق هؤلاء الرجال،كما كتب الراحل الكبير انطون سيدهم عن أحد الوزراء الأقباط العاجزين، وأنما رفعت الشجاعة والرجولة والنضال هاماتهم إلى السماء مكللين بأكليل النصر والفخار.

ولد الراحل الكبير لأسرة قبطية صعيدية مرموقة ولها عراقتها فى العمل الوطنى، فجده مقار باشا عبد الشهيد كان عضوا فى مجلس شورى القوانين،ومن الأعضاء العاملين فى الحقل الكنسى مع بطرس باشا غالى فى القرن التاسع عشر، ووالده سامى بك نجيب المحامى والمناضل الذى اشترك فى ثورة 1919،وحارب الاستعمار البريطانى،وعمه كان نقيب المحامين بسوهاج عام 1969،واستمر الدكتور سليم على نهجهم مناضلا من آجل حقوق الإنسان من منطلق مصرى وطنى خالص.

كما أن الدكتور سليم حصل على تعليم أكاديمى راق، فبعد حصوله على ليسانس الحقوق عام 1956 من جامعة عين شمس حصل بعد ذلك على دبلوماتين فى القانون العام والخاص عامى 1958،1959، ثم درجة الدكتوراة فى القانون من جامعة ليون بفرنسا عام 1963  بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ، ثم درس الحقوق مرة أخرى بتفوق فى جامعة مونتريال بكندا، لكى يبدأ عمله المهنى الذى وصل به إلى قاض فى محكمة مونتريال الأبتدائية، ثم محامى دولى بعد المعاش. وفى عام 1992 حصل على الدكتوراة الثانية فى العلوم السياسية من جامعة آساس بفرنسا بامتياز مع مرتبة الشرف وتهنئة لجنة التحكيم والتوصية بطبع الرسالة وتبادلها مع جامعات العالم،وكانت الرسالة بعنوان" حقوق الإنسان فى مصر: حالة الأقباط"، وقد تم بالفعل طبعها بعد ذلك فى كتاب بالفرنسية عام 1996،وفى عام 2000 تم ترجمتها للعربية . وقد تشرفت بمراجعة وتقديم الكتاب العربى الذى صدر عام 2000 عن دار الخيال بالقاهرة بعنوان " الأقباط عبر التاريخ"،وبخلاف هذا الكتاب قدم الدكتور سليم ثلاثة مراجع قانونية باللغة الفرنسية.

ولعله من المفيد ونحن نحتفى بأنتقاله إلى السماء أن أنقل بعض العبارات المركزة الكاشفة من رسالته الثانية للدكتوراة:  " الأقلية القبطية الكبيرة لها جذورها العميقة الضاربة فى أعماق الأرض المصرية والتاريخ المصرى، وهى تجد من المعاناة والمصاعب فى التمسك بمسيحيتها ما تعرفه كل الأقليات. وأهل الغرب لا يدركون أن القبط، منذ الغزو العربى، قد انطووا على أنفسهم متراجعين واتخذوا موقفا محافظا كحراس لإيمان يتهدده الخطر،فمنذ الغزو العربى عرف القبط وضعهم كذميين محميين ، وتقلبت أحوالهم بتقلب فترات التاريخ المصرى وأهواء الحكام ونزعاتهم. إن أربعة عشر قرنا من الذمية قد خلقت بوضوح موقفا قبطيا يتسم بكونه حذرا مترصدا محترسا ، ولكنه أيضا فخور بإخلاصه الطويل الغيور لتقاليده. والمشكلة الدينية لم تحقق لسكان مصر الوحدة الوطنية بدرجة كافية منذ الغزو العربى فى القرن السابع.لقد مرت على القبط أربعة عشر قرنا من التقلبات والقلق،ولا يستطيع فهمهم إلا الذين اعتادوا على التضحيات وإنكار الذات. إن الأقباط كانوا دائما فى حالة تيقظ واحتراس،لأن المسكنات البسيطة لقلقهم التى كانت تتمثل فى حكم عادل يحظون به حينا،كانت دائما يشوبها الجزع من تبدل حتمى للأحوال،أنهم يحسون دائما بأنهم قد وضعوا فى مرتبة المواطنين من الدرجة الثانية،ومن هذا أصابت الروح القبطية تجربة طويلة من الكآبة والقلق والجزع الدائم يعترف بها أحيانا من يتهمهم بذلك".

لعلكم تتفقون معى أن هذه كلمات ذهبية ودقيقة فى وصف المعانأة القبطية عبر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر.

ولعله من المفيد أن نقول أن الدكتور سليم قدم فى اطروحته القيمة هذه فصلا مسهبا عن خطورة حركة الاخوان المسلمين والاصولية الإسلامية،واصفا الاخوان بأنهم أول حركة أصولية فى العصر الحديث على مستوى العالم،ونبه مبكرا فى فصل عن تغلغلهم فى الجهاز الحكومى المصرى وامتداداتهم العربية والعالمية عبر التنظيم الدولى للاخوان طبقا لإدارة عامة يمسك بزمامها المرشد العام فى القاهرة والقرضاوى فى قطر وخليفة فى عمان،وهم يديرون أمورهم مثل المافيا لدى الصقليين،هذه كلمات كتبها الدكتور سليم منذ أكثر من ربع قرن واكتشفها المصريون الآن، بل أنه وصف ايدلوجيتهم بقوله: " أنهم لم يخترعوا إسلاما جديدا ولكنهم صنعوا إسلاما سياسيا حيا فعالا فى أعقاب تلك الموجة من الإصلاح الإسلامى الدينى التى كانت غامضة ملتبسة يحفها الخجل،أما هم فنادوا بإعادة أحياء الإسلام وأقامة الخلافة  وأسلمة الحياة والمؤسسات والهياكل الدنيوية،وعند اقتراب السبعينات والثمانينات أصبحوا يولون اهتمامهم بموضوع مدمر مخرب هو العمل السياسى العنيف العاجل.إن حسن البنا كان من أشد المعجبين بهتلر وموسولينى، وكان يعتبرهما زعيمين للنهضة الحديثة ، ويذكرهما بوصفهما من النماذج المثلى التى يجدر بالمصريين الأقتداء بها".هذا ما كتبه فى رسالة دكتوراة علمية من جامعة مرموقة منذ ربع قرن،فهل احتجنا إلى كل هذا الوقت لكى نكتشف ما حذرنا منه هذا المناضل   الحقوقى الأكاديمى الشجاع.

على المستوى الإنسانى كان الدكتور سليم نجيب شخصا متواضعا مرحا مشجعا للصغار والكبار على السواء، ولكن جادا حادا ثائر فى قول الحق،وحيث أنه لم يرزق باولاد فقد أعتبرنا ابناءه وكان مشجعا وداعما ومساندا لنا حتى رحيله، وقد ضعفت ذاكرته فى شهوره الأخيرة ولكنه مع هذا كان يتذكرنى ويحثنى على مواصلة النضال، وقال كذلك لزوجته الفاضلة  ورفيقة عمره وهو فى لحظات الفراق الأخيرة : ( اوصيكى بالقضية القبطية.. لا تتخلى عن الأقباط المضطهدين.) واعترف أن الذى شجعنى ووضعنى على طريق الآلام ودرب المعانأة فى الدفاع عن حقوق الأقباط المظلومين هما الدكتور سليم نجيب والدكتور شوقى كراس، فقد الحّا عليّ  فى نهاية تسعينات القرن الماضى لتكريس حياتى لهذا العمل لبناء جيل جديد من النشطاء،وأعترف أننى دفعت ثمنا ثقيلا فى هذا الطريق . وأنا راض وشاكر لأنها إرادة الله أن اسلك هكذا.

دكتور سليم نم الآن مطمئنا مستريحا  أيها الفارس النبيل الثائر ، فقد تاجرت وربحت بوزناتك،وعلى مدى يقترب من نصف قرن  وأنت تسير فى هذا الدرب الشائك وتحملت الكثير من آجل المضطهدين ومن آجل كلمة الحق ومن آجل أمانتك وشجاعتك.

سلاما لروحك سيدى فى عالم الخلود والنياح والراحة......ستبقى ذكراك دائما فى قلوبنا وعقولنا وفى قلوب وعقول الشرفاء...سنستمر على دربك حتى نلتقى... وداعا أبانا الحبيب.


 

تعليق أحمد صبحى منصور

عرفت الدكتور  سليم نجيب ، وقابلته فى مؤتمرات فى أمريكا ، ووجدت فيه  مصريا مخلصا ، ومدافعا عن حقوق المصرين الأقباط ، وإنسانا كان على مستوى راق من الأخلاق الحميدة و الصفات النبيلة والتواضع وخفّة الظل والروح المصرية البسيطة المرحة ..

رحمه الله جل وعلا ، وألهم أهله وذويه ومُحبيه الصبر والسلوان .

وحمى مصر من خصومها فى داخلها وخارجها .

اجمالي القراءات 12152