هل كانت النبوة فى النساء ؟..نعم .!

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٥ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

سألنى بعضهم : (  لماذا لم تكن النبوة فى النساء ؟  ) واتهم ( الأديان السماوية ) بأنها ( ذكورية ) بدليل أن النبوة حكر فقط على الرجال .

وقلت له :

أولا : لا أوافق على تعبير ( الأديان السماوية ) . هناك دين سماوى واحد ، نزلت به كل الرسالات السماوية لتؤكد أنه ( لا اله إلا الله ). ثم هناك أديان أرضية تؤسس على أنقاض الدن الالهى لتقدس البشر والحجر وتنشىء كهنوتا ومؤسسات دينية تسترق بها البشر .

ثانيا : قولك هذا مبعثه أنك تؤمن بشخص الرسول البشرى ، ومبلغ علمك أن كل الرسل أشخاص من الذكور . وهذا خطأ . فإن النبوة والرسالات السماوية لم تكن أبدا  حكرا على الرجال فقط . ليس فى القرآن الكريم ما يشير الى ذلك ، بل نفهم من القرآن عكس ذلك .

ثالثا : لنتأمل الحقائق التالية :

1 ـ أن القرآن الكريم لم يذكر لنا كل الرسل والأنبياء . ( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) (164) ( النساء ).

2 ـ أن التركيز ليس على شخص النبى ذكرا أو أنثى ، ولكن على الرسالة نفسها ، والرسول هو الرسالة ، فليس مهما نوع الرسول البشرى ذكرا كان أو انثى ، لأن الايمان بما نزل عليه، أى بالرسالة ، وليس بشخصه .( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ( محمد ) . الايمان بمحمد يعنى تأليهه . أما الايمان بالرسالة التى نزلت على محمد فهو إيمان بكل الرسالات التى نزل القرآن يُصدّق بها . ولأن التركيز هو على الرسالة وليس شخص المُرسل أو الرسول فإن الله جل وعلا ينهى عن التفريق بين الرسل :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285):( البقرة )،وأيضا لأن الرسالات السماوية كلها تقول نفس المحتوى : ( لا اله إلا الله ) : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ( الأنبياء ) ولكن تنطق كل رسالة بلسان القوم : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) (4) ابراهيم ) . ثم كانت الرسالة الخاتمة بلسان عربى مبين مُيسّر للذكر : (  فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97  ) مريم )

3 ـ يأتى  التعبير القرآنى عن الرسول بصيغة المذكر لأن السياق القرآنى فى خطاب البشر يأتى بالمذكر ليفيد العموم من الذكر والأنثى ، وهى صيغة معتادة فى ألسنة أو لغات البشر . ومثلا فالخطاب بالذين آمنوا والذين كفروا ينطبق على الجميع بغض النظر عن الذكورة والأنوثة، ومنه قوله جل وعلا  فى فريضة الصيام  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) البقرة ) ،وفى فريضة صلاة الجمعة على الرجال والنساء يقول جل وعلا  : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) ( الجمعة ) ولنتذكر أن أوامر الرسالات السماوية بالتقوى وما يترتب عليها من خلود فى الجنة أو النار هى للجميع من ذكور وإناث .

ويأتى السياق القرآنى بالمساواة بين الذكر والأنثى فى الصفات المشتركة بينهما ، فكلمة ( زوج ) تعنى الذكر والأنثى طالما لم يأت تخصيص ، ونفهم المراد من خلال السياق : ، فهو زوج رجل فى قوله جل وعلا  : (  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا  ) المجادلة ) وكلمة ( زوج ) تعنى حواء  فى قوله جلّ وعلا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً  ) (1) النساء )وتفيد كلمة ( الوالدين ) الوالد والوالدة  بالتساوى، وتكرر قوله جل وعلا   (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) فى سور:( البقرة 83 )النساء 36 )( الأنعام 151 )( الاسراء 23 ) وكذلك : ( آباؤكم )( أولادكم ) ( ابناؤكم ) ( النساء 11 ). بل إن كلمة ذكر وانثى تأتى لتدل على العدالة فى الثواب (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )(195) آل عمران )( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) النساء )(  مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل )( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) غافر).

5 ـ ليس للذكورة أو الأنوثة إعتبار فى موضوع الرسالة . الاعتبار هو للأصلح ، والله جل وعلا هو الأعلم بالأصلح . والله جل وعلا يقول: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (124) ( الأنعام ) ، وهذا العلم الالهى بمن هو الأصلح للرسالة ليس متوقفا على الذكورة والأنوثة . بل إن القصص القرآنى يُعلى من شأن ملكة سبأ بالقدر الذى يُزرى فيه بفرعون موسى. والتفاصيل فى بحث (حق المرأة فى رئاسة الدولة الاسلامية ) .

6 ـ إن الله جل وعلا يقول (  اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) ( الحج ) فالله جل وعلا يختار الرسل من بين الملائكة ( وهم ذكر وأنثى ) ويختار رسلا من الناس ، والناس هم ذكر وانثى . وهو جل وعلا السميع البصير الذى يختار على علم . وأيضا يقول جل وعلا عن رسله (  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)( الشورى ) فالاجتباء أو الاختيار لمهمة الرسالة السماوية مرجعه الى مشيئة الرحمن جل وعلا ، أما الهداية فهى مبنية على  من يريد التوبة والإنابة ذكرا كان أم أنثى .

7 ـ ولنتذكر أن الله جلّ وعلا جعل المثل الأعلى للبشر إمرأتين ، وجعل المثل الأسوأ للبشر إمرأتين (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12)التحريم  )  ،

8 ـ ولنتذكر أنه خارج الوحى بالرسالة السماوية فقد جاء وحى للعذراء مريم عليها السلام ، ولأم موسى عليه السلام : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) القصص  ) (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه ) (وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) آل عمران )  ، ( إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) آل عمران ) .

9 ـ ولنتذكر أن كل المخلوقات الحية والجمادات ما نعرفه وما لا نعرفه هو زوجان : ذكر أو أنثى ، أو موجب أو سالب : ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس ) (وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا  )(12) الزخرف )( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات ) . والله جل وعلا  هو وحده الفرد الذى يسمو على هذه الزوجية: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) ) ، وهو جل وعلا ليس منحازا الى الذكر أو الأنثى .

أخيرا :

الأديان الأرضية ذكورية يصنعها ذكور البشر . أما دين الله جل وعلا فهو لخير الناس جميعا من ذكر وأنثى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) ( الزمر )

ودائما : صدق الله العظيم ..!

اجمالي القراءات 31540