حول قرار جعل ( الإخوان ) جماعة ارهابية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

أكتب هذا المقال يوم الأحد 29 ديسمبر 2013 ، وأنباء ( القتال ) المحتدم بين طلبة جامعة الأزهر وقوات الأمن تتصدر المواقع الإخبارية ، لتضيف دليلا أخر الى فشل السياسة المصرية فى التعامل مع الاخوان وجمعياتهم الارهابية ما ظهر منها وما بطن . هو فشل مرتبط بإصرار شديد على الاستمرار فيه لأننا منذ 1989 ومن أول مقال نشرته لنا جريدة الأخبار وما تلاه ، ونحن نؤكد على الحل الاصلاحى السلمى  سبيلا للقضاء السلمى  على خطر الاخوان وثقافتهم الارهابية . وصل صوتى فى عهد مبارك  الى  د . أسامة الباز ، الذى عبّر فى لقاء معه  عن إعجابه بما أكتب ، ومتابعته لما أنشر ، ولم يكن هناك ما يدعوه لتطوعه بهذا القول لكاتب مثلى قليل الحيلة يعانى الفقر والإضطهاد ـ سوى أنه كان يسجل موقفا يبرر به عجزه عن مد يد العون لى .  كان مبارك محتاجا للإخوان وطوائفهم ليخيف بهم الأقباط واليسار والعلمانيين فى الداخل ، والغرب فى الخارج . لذا إستمر فى نشر ثقافة الاخوان الوهابية الحنبلية السنية على انها الاسلام ، ومن أجلهم إضطهد القرآنيين لأنهم يكشفون التناقض بين ثقافة الاخوان والاسلام . ونشأ وضع غريب ، ينشأ المسلم المصرى وقد رضع ثقافة الاخوان على أنها الاسلام الحق ، يتعلمها من المسجد والاعلام والتعليم ، فإذا صار متدينا أصبح متطرفا ، فيجد أمن الدولة فى انتظاره يتولى ( تقويمه ) فيخرج إرهابيا عريقا . أى إن النظام هو الذى يُنشىء أعداءه من شبابه وشعبه ، يربيهم على ثقافة الارهاب ثم يحاربهم متهما إياهم بالارهاب .!

ثانيا :

وقلنا ولا نزال نقول : إن الطبيعة المصرية مؤسسة تاريخيا على التسامح والصبر ، وأن التطرف الحنبلى وافد وليس أصيلا فى الطبيعة المصرية ، وأنه ينتشر بين المصريين بجهد الدولة ويتغذى بفسادها. وبالتالى فإن التخلص منه لا يكون بالقوة الأمنية والعسكرية ولكن بالاصلاح الدينى والاقتصادى والسياسى والتعليمى ، المؤسس فى البداية على إصلاح دستورى وتشريعى . أما الحلّ الأمنى فهو يُعقّد المشكلة ويحولها الى أزمة مستعصية ، فالاخوان ليسوا مجرد منظمة أو جماعة ، ولكنهم ايدلوجية دينية تنسب نفسها للاسلام ، بل تحتكر الاسلام . فلا بد من مواجهتها فكريا من داخل الاسلام .  ومن الحُمق أن تقابل الأفكار والثقافة الدينية بالقوة والأمن المركزى وأمن الدولة والتعذيب ، القوة هنا تطارد خيط دخان ، وتساعد فى نشره وشدة التمسك به ، خصوصا مع إستمرار الفساد وترى الأحوال المعيشية والاحباط والغضب والشباب العاطل والناقم ..

ثالثا  :

ونعود الى الوضع المُخزى حيث يقوم طلبة الأزهر بمواجهة الأمن . وهنا تتجلّى ملامح الفشل بكل ما فيها من عار ..هذا الشباب هو ضحية . فقد تعلم تعليما فاسدا ، جعله يؤمن بأن ثقافة الاخوان السلفية الوهابية الحنبلية السنية هى وحدها الاسلام ، ودرس فى الأزهر أحاديث الضلال والتطرف والارهاب على انها ( صحيح الاسلام ) ورأى الدولة بأزهرها وإعلامها وأوقافها ودُعاتها يؤكدون تكفير أهل القرآن ودعوتهم الاسلامية الاصلاحية  . أنفقت الدولة المصرية مئات الملايين كى تنشىء من هؤلاء الطلبة مجرمين حقيقيين ، ولو إستمرت فى سياستها الأمنية فستنفق مئات الملايين فى الحاضر والمستقبل كى تقاومهم وتقضى عليهم ، ولن تقضى عليهم . هم الذين سيقضون عليها. ، إذ ستتسع المواجهة لتسقط النظام أو تدمر مصر بحرب أهلية . ففى المواجهة الأمنية لا يمكن أن تقضى الدولة على شبابها الساخط الذى يعتقد أنه على الاسلام الحق . قد تتغلب الآلة البوليسية حينا ولكن لا تلبث أن تندلع المواجهات ، وتتسع طالما لا ترى الدولة بديلا عن الحل الأمنى العسكرى ، وتتجاهل الاصلاح الحقيقى الذى يأخذ بطبعه زمنا ويحتاج صبرا ودأبا .إن الحل الأمنى له سقف أعلى لا يتعداه . وهو فاشل فى كل مستوياته ، ويزداد فشلا وتزداد تكلفته ويزداد ضحاياه عددا كلما أوغل فيه النظام ، وفى النهاية سيؤدى الى تخريب الدولة وإحترابها داخليا . وعجيب أن يستمر النظام الحاكم فى مصر فى إتّباع سياسة مبارك ، وقد رأى فشل مبارك وسقوطه . والمفترض أن يستفيد من درس مبارك لا أن يكون أضل منه سبيلا ..

رابعا :

هذا لا يعنى إغفال العامل الأمنى نهائيا ، فلا بد من إقرار الأمن ، وفرض القانون ( العادل )  فى إطار مظلة إصلاح شامل تبدأ بكسر إحتكار السلفية الوهابية الحنبلية السنية للساحة ، وهذا بإلغاء القوانين سيئة السُّمعة مثل قانون الحسبة وقانون إزدراء الدين الذى يُستخدم فى حماية الوهابية السلفية من النقد . والدولة التى تستطيع إصدار قرار متسرع مثل ( إعتبار الإخوان جماعة ارهابية ) تستطيع بدلا منه أن تُلغى بسهولة القوانين سيئة السُّمعة ، لتُفسح المجال امام كل التيارات الفكرية الدينية لتناقش ـ بكل حرية ـ  ثقافة الاخوان فى الاعلام والمساجد ، وعندها ستتزلزل عقائد الاخوان الخرافية ، ولن يصمدوا للنقاش بالحجة ، ولن يجدوا عونا من الدولة بالقبض على خصومهم ، عندها سيتركون السلاح ويضطرون للقراءة دفاعا عن دينهم ، وفى النهاية سيجدونه هباءا منثورا .. وباكمال الاصلاح سينتهى الاخوان ويعودون الى متحف التاريخ بلا نقطة دم ..

أخيرا

( جعل الاخوان جماعة ارهابية ) قرار متعجّل فى إصداره ، عشوائى فى تطبيقه، إذ يخضع تنفيذه للهوى والظروف ، فليس معروفا على وجه الدقة العدد الحقيقى لأعضاء جماعة الاخوان ، ولا خلاياهم النائمة واليقظة ، ولا يُعرف عدد أنصارهم والمتعاطفين معهم ، ومن هم المعتنقون لأفكارهم . وبالتالى فسيكون هناك ضحايا بالآلاف ، بالاضافة الى ملايين الضحايا الذين علمتهم الدولة ثقافة الارهاب ثم تطاردهم الدولة بتهمة الارهاب .!!

وكم ذا بمصر من المضحكات   ولكنه ضحك كالبكا .

اجمالي القراءات 9307