باسم يوسف والسيسي ثروة قومية

سامح عسكر في الثلاثاء ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يختلف اثنان على أن الفريق عبدالفتاح السيسي والفنان الساخر باسم يوسف هما أصحاب الجماهيرية العليا في مصر، فالأول هو ممثل صدق وكرامة المصريين، والثاني يمثل روحهم الساخرة، والمصري الصادق الغير متعصب هو الذي لا يواجه روحه مع صدقه وكرامته...كلاهما له دور في وعي وسياسة المصريين في هذا الوقت، وهذا يتطلب منهم المواجهة الصادقة مع النفس، أنه لا مكان لحظوظ أنفسهم على المصلحة العليا واتجاهات المواطنين...وفي تقديري أن الرجلين-حتى الآن-يحفظون هذا العهد ويعملون لصالح وطنهم كلُ من الزاوية التي يعمل من خلالها.

هذه المكانة لو كانت لأيِ من السياسيين لغزا الصناديق وقالت له نعم، وسيكون صدقهم ووضوحهم هو الدافع لوحدة المصريين واجتماع عناصر الشعب تحت هدف واحد أو ما نسميه بالروح القومية، ومع ذلك لا يمكن تحييد محبيهم عن المشهد الحالي، فغالباً ما تنشأ الخلافات من التعصب للأشخاص والمواقف على حساب الوسائل والأهداف، وهو ما جعل ممالك الأندلس قديماً تحترب مع أنفسها على الأشخاص، وفي أي مكان يحارب فيها الأهل أنفسهم على السلطة، ونحمد الله في مصر أن الشعب في معظمه لا يهتم بالسياسة، فطبيعته غير حزبية وغير قابلة للتحزب نظراً لما يملكه العُرف المصري من اتحاد وجداني مع دولته ومؤسساتها.

وبالتالي كان الشعب المصري بحاجة دائمة إلى زعيم قومي يمس وجدانه وصدقه وفي نفس الوقت يحُاكي روحه الساخرة كي يجتمع إليه دون تردد، فهو شعب لا يهتم للمناهج والبرامج ويجعلها دوماً في سياق عملي دون النظر إلى المضمون، وفي هذا الشأن هو شعب براجماتي صِرف إلا أن افتراقه مع البراجماتية جعله ينصر الصدق والوضوح في كل المناسبات، فعندما رفع الإخوان إليه نداء الشريعة .."بوضوح".. سار في ركابهم، وعندما لاحظ تعارض ندائهم مع الواقع انقلب عليهم، وعندما رفع الجيش إليه نداء التفويض .."بوضوح".. استجاب لدعوته وعندما رأى الشعب صدق جيشه تمسك به أكثر، فمع سقوط أول شهيد من القوات المسلحة والشرطة ..كان الشعب يربط تلقائياً بين تفويضه لجيشه وبين الواقع، وبالتالي جعل مصلحته العليا مرهونة بقوة وتماسك هذا الجيش الذي انتصر له في محنته.

إن عشق الشعب المصري للوضوح والصدق هو ما حمله على الانقلاب على الرئيس.."الغامض والكاذب"..محمد مرسي، وهو في ذلك ينتصر للمبادئ والقيم دون التعصب للأشخاص، وهذا ما يحملني على تفسير حب الشعب لباسم يوسف والفريق السيسي أنه حب قيمي أخلاقي وليس تأليهاً سياسياً أو شعبياً كما يظن البعض باختزال معيب..والدليل ماذا لو انحرف هؤلاء عن الخط القيمي ورأى الشعب ذلك هل سيظل على مواقفه؟..لدينا تجارب من الماضي تؤكد صعود وسقوط رموز شعبية بمجرد مواقف ..وشيوع انحرافهم القيمي لدى الشعب، وهو ما يجعل المسئولية أكبر على السيسي وباسم بأن يكونوا رموزاً شعبية مسئولة تقدر حجم التحديات وتعمل على التقارب والتفاهم.

مع تلك الصورة الوردية إلا أنها تختلف تماماً عند المؤيدين والمتعصبين، فبالأمس عقد الفنان باسم يوسف حلقة ساخرة بعد غياب 6 أشهر وانتقد فيها كل من على الساحة من سلطة وإخوان ومتزلفين وأصحاب منافع وإرهابيين..لكن حين تعرض للفريق السيسي لم يتعرض له سوى في زمن محدود لا يتعدى ال 10 ثوان منتقداً فيه توجهه لإنشاء أذرع إعلامية موجهة من القوات المسلحة، وفي ذلك أبدى رأيه الساخر في سياق النقد المشروع، إلا أن محبي الفريق في غالبهم لم يتقبلوا ذلك وظنوا أن باسم يسخر من الفريق السيسي وهذا غير صحيح..

مبدأياً فالفريق السيسي غير قابل للمسخرة، فالرجل صاحب شخصية عسكرية وقيادية وطنية متزنة وصادقة لأبعد الحدود، ولديه ترابط عقلي وعصبي على مستوى عال، بذلك يجعل أي محاولة للنيل منه كمن يريد السخرية من الكبراء فيضعه الناس موضع التقبيح والانحراف، هذا إذا وجد الساخر مادة تعينه على السخرية أصلاً، ولكن محبي الفريق لم يرتضوا الأسلوب وظنوا أن النقد موجه إلى الدولة والجيش بالأساس، والسبب في تقديري هو حساسية المرحلة وحرب الجيش على الإرهاب والمؤامرة الإعلامية والحرب المعنوية الموجهة ضده، لذلك فأي مواجهة الآن مع الجيش –ولو على سبيل النقد-لن تُصنف كونها رأي آخر واجب السماع ، بل ستُصنف على أنها مواجهة حربية ..تهدف لانهيار الدولة.

على الجانب الآخر فمحبي باسم يوسف- في معظمهم- صنفوا معارضيه ومهاجميه على أنهم فلول وعبدة أشخاص وما إلى ذلك، ولو فطنوا لحقيقة أنفسهم سيروا اتهاماتهم لمعارضيهم جوفاء وأنهم وقعوا في التقديس اللامبرر لباسم مثلما وقع الآخرون في التقديس اللامبرر للسيسي، فلا مشكلة إلا وللذات جزء من مسئوليتها، ينبغي على الجميع أن لا يضعوا الرجلين في المواجهة واختلاق معارك وهمية، فالنقد مباح ولا أحد فوق النقد، بل أعرب الفنان الساخر عن رأيه في الحلقة بوضوح هو أنه لن يقف مع الإخوان الذين كفروه وأحلوا دمه ويريدون انشقاق الجيش وتحويل مصر لسوريا جديدة، وهذه تكفي لأن نرفع له القبعة ولو على استحياء.

اجمالي القراءات 9402